فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة

( بابُُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابِهِ إلَى المَدِينَةِ) أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهجرة أَصْحَابه إِلَى الْمَدِينَة، أما هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَت أول يَوْم من ربيع الأول بعد بيعَة الْعقبَة بشهرين وَبضْعَة عشرَة أَيَّام، وَجزم بِهِ الأموري فِي الْمَغَازِي عَن إِبْنِ إِسْحَاق وَقدم الْمَدِينَة لِاثْنَتَيْ عشرَة خلت من ربيع الأول.
وَأما هِجْرَة أَصْحَابه فَكَانَ أَبُو بكر قد توجه مَعَه وعامر بن فهَيْرَة، وَتوجه قبل ذَلِك بَين العقبتين جمَاعَة مِنْهُم، ابْن أم مَكْتُوم، وَيُقَال: إِن أول من هَاجر إِلَى الْمَدِينَة أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد المَخْزُومِي زوج أم سَلمَة، وَقدم بعده عَامر بن ربيعَة حَلِيف بني عدي، ثمَّ توجه مُصعب بن عُمَيْر، ثمَّ كَانَ أول من هَاجر بعد بيعَة الْعقبَة عَامر بن ربيعَة، على مَا ذكره ابْن إِسْحَاق، ثمَّ توجه بَاقِي الصَّحَابَة شَيْئا فَشَيْئًا.
وَعَن شُعْبَة عَن إِسْحَاق: سَمِعت الْبَراء بن عَازِب قَالَ: أول مَا قدم مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم فَكَانَا يقرئان النَّاس، وَقدم بِلَال وَسعد وعمار بن يَاسر، ثمَّ قدم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي عشْرين من أَصْحَابه، ثمَّ قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا يَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِي مُسلم التَّصْرِيح بِأَن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَاجر قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة.

وقالَ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ وأبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الأنْصَارِ
تَعْلِيق عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَازِني أخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا مطولا فِي الْمَغَازِي فِي: بابُُ غَزْوَة الطَّائِف، وَذكره أَيْضا مُعَلّقا فِي: بابُُ مَنَاقِب الْأَنْصَار، وَكَذَلِكَ أخرج تَعْلِيق أبي هُرَيْرَة فِيهِ فِي: بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار) .

وقالَ أبُو مُوسَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وهَلِي إِلَى أنَّهَا اليَمَامَةُ أوْ هَجَرُ فإذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ
أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس.
وَمضى تَعْلِيقه فِي: بابُُ عَلَامَات النُّبُوَّة مطولا.
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( وهلي) ، بِفَتْح الْوَاو وَالْهَاء وسكونها أَي: وهمي، ( واليمامة) مَدِينَة بِالْيمن على مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف ( وهجر) بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم، ويروى: والهجر، بِالْألف وَاللَّام.
قَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ قَرْيَة قريبَة من الْمَدِينَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَزعم بعض الشُّرَّاح أَن المُرَاد: بهجر، هُنَا قَرْيَة قريبَة من الْمَدِينَة وَهُوَ خطأ، فَإِن الَّذِي يُنَاسب أَن يُهَاجر إِلَيْهِ لَا بُد وَأَن يكون بَلَدا كثير الْأَهْل، وَهَذِه الْقرْيَة الَّتِي ذكرهَا لَا يعرفهَا أحد.
قلت: أَرَادَ بِهِ الْحَط على الْكرْمَانِي حَيْثُ نسبه إِلَى الْخَطَأ.
وَالَّذِي قَالَه غير خطأ، فَهَذَا ياقوت ذكره فِي: ( الْمُشْتَرك) : وَكَيف يَقُول: لَا يعرفهَا أحد؟ وَقَوله: لَا بُد ... إِلَى آخِره غير مُسلم، فَمن هُوَ الَّذِي شَرط هَذَا من الْعلمَاء؟ وَلَا ينزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَوضِع إلاَّ وَيكثر أَهله ويعظم شَأْنه، ( ويثرب) اسْم مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ غير منصرف.



[ قــ :3718 ... غــ :3897 ]
- حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وائِلٍ يَقُولُ عُدْنَا خبَّاباً فَقَالَ هاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نُرِيدُ وجْهَ الله فوَقَعَ أجْرُنَا علَى الله فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يأخُذْ مِنْ أجْرِهِ شَيْئاً مِنْهُمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وتَرَكَ نَمِرَةً فَكُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأسَهُ بدَتْ رِجُلاَهُ وإذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بدَا رأسُهُ فأمرَنَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ نُغَطِّي رأسَهُ ونَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ إذْخِرٍ ومِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( هاجرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) والْحميدِي عبد الله بن الزبير، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق، وَالْكل قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ إِذا لم يجد كفناً إلاَّ مَا يواري رَأسه.

قَوْله: ( هاجرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مَعْنَاهُ: هاجرنا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لم يُهَاجر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ أَبُو بكر وعامر بن فهَيْرَة.
قَوْله: ( نمرة) بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم: وَهِي كسَاء ملون مخطط، أَو بردة تلبسها الْإِمَاء وَتجمع على نمرات ونمور.
قَوْله: ( أينعت) أَي: أدْركْت ونضجت، يُقَال: ينع الثَّمر وأينع يينع ويونع فَهُوَ يَانِع ومونع.
قَوْله: ( يهدبها) ، بِكَسْر الدَّال وَضمّهَا، أَي: يقطعهَا ويجتنيها من هدب الثَّمَرَة إِذا اجتناها.





[ قــ :3719 ... غــ :3898 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ يَحْيَى عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ علْقَمَةَ بنِ وقاصٍ قَالَ سَمِعتُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرَاهُ يَقُولُ الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهِا أوِ امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ ومَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم ابْن الْحَارِث التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي، والْحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مطولا.





[ قــ :371 ... غــ :3900 ]
- قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ وحدَّثني الأوْزَاعِيُّ عنْ عَطَاءِ بنِ أبِي رَبَاحٍ قَالَ زُرْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا مَعَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ فَسَألْنَاهَا عنِ الْهِجْرَةِ فقَالَتْ لاَ هِجْرَةَ اليَوْمَ كانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى الله تَعَالَى وإلَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخافَةَ أنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فأمَّا اليَوْمَ فَقَدْ أظْهَرَ الله الإسْلاَمَ واليَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شاءَ ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ.
( انْظُر الحَدِيث 3080 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
قَوْله: ( قَالَ يحيى بن حَمْزَة) ، هُوَ: يحيى بن حَمْزَة الْمَذْكُور فِيمَا قبله، وَهُوَ مُتَّصِل بِمَا قبله.
قَوْله: ( زرت عَائِشَة) ، وَقد مضى فِي أَبْوَاب الطّواف من الْحَج أَنَّهَا كَانَت حِينَئِذٍ مجاورة فِي جبل ثبير.
قَوْله: ( فسألناها عَن الْهِجْرَة) ، أَي: الَّتِي كَانَت قبل الْفَتْح وَاجِبَة إِلَى الْمَدِينَة، ثمَّ نسخت بقوله: لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح، وَوَقع عِنْد الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي من وَجه آخر: عَن عَطاء، فَقَالَت: إِنَّمَا كَانَت الْهِجْرَة قبل فتح مَكَّة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ.
قَوْله: ( لَا هِجْرَة الْيَوْم) ، أَي: بعد الْفَتْح.
قَوْله: ( وَأما الْيَوْم فقد أظهر الله الْإِسْلَام) ، لِأَن مَكَّة صَارَت بعد الْفَتْح دَار إِيمَان وَدخل النَّاس فِي الْإِسْلَام فِي جَمِيع الْقَبَائِل، فارتفعت الْهِجْرَة الْوَاجِبَة وَبَقِي الِاسْتِحْبابُُ.
قَوْله: ( وَلَكِن جِهَاد) أَي: وَلَكِن جِهَاد هُوَ هِجْرَة يَعْنِي: لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار، أَي: مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا دَار كفر فالهجرة وَاجِبَة مِنْهَا على من أسلم، وخشي أَن يفتن عَن دينه.
قَوْله: ( وَنِيَّة) أَي: ثَوَاب النِّيَّة فِي الْهِجْرَة، أَو فِي الْجِهَاد.
وَتقدم الْكَلَام فِيهِ فِي أول كتاب الْجِهَاد.





[ قــ :37 ... غــ :3901 ]
- حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ قَالَ هِشامٌ فأخْبرَنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ سَعْدَاً قَالَ أللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ أنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ منْ قَوْمٍ كذَبُوا رَسُولَكَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وبَيْنَهُمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وأخرجوه) أَي: كَانُوا سَببا لِخُرُوجِهِ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَخُرُوجه هَذَا هُوَ الْهِجْرَة.
وزكرياء بن يحيى بن صَالح بن سُلَيْمَان بن مطر أَبُو يحيى الْبَلْخِي الْحَافِظ الْفَقِيه، وَهُوَ من أَفْرَاده وَابْن نمير هُوَ عبد الله بن نمير أَبُو هِشَام الخارقي الْهَمدَانِي، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير يروي عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.

قَوْله: ( أَن سَعْدا) هُوَ ابْن معَاذ الْأنْصَارِيّ الأوسي، مَاتَ بعد حكمه فِي بني قُرَيْظَة سنة خمس.
قَوْله: ( من قوم) ، يَعْنِي: بني قريضة وَكَانُوا يهوداً أَشد النَّاس عَدَاوَة للْمُؤْمِنين، كَمَا وَصفهم الله تَعَالَى، ودعا سعد أَن لَا يميته الله حَتَّى تقر عينه بهلاكهم فاستجيب لَهُ، وَكَانَ جرح فِي أكحله ينبل فنزلوا على حكمه، فَحكم بقتل الْمُقَاتلَة وَسبي الذُّرِّيَّة ثمَّ انفجر أكحله فَمَاتَ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام فِي غَزْوَة بني قُرَيْظَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَقَالَ أبانُ بنُ يَزِيدَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ أَبِيه أخْبَرَتْنِي عائِشَةُ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ وأخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أبان بن يزِيد الْعَطَّار وَافق ابْن نمير فِي رِوَايَته عَن هِشَام لهَذَا الحَدِيث، وَبَين الْقَوْم الَّذين أبهموا بِأَنَّهُم قُرَيْش، وَزعم الدَّاودِيّ أَن المُرَاد بالقوم بَنو قُرَيْظَة.
وَقَوله: ( من قُرَيْش) لَيْسَ بِمَحْفُوظ، ورد عَلَيْهِ بِأَن الرِّوَايَة الثَّابِتَة لَا ترد بِالظَّنِّ والزعم، وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد قُرَيْش مَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي فِي بَقِيَّة الحَدِيث من كَلَام سعد، قَالَ: أللهم فَإِن كَانَ بَقِي من حَرْب قُرَيْش شَيْء فأبقني لَهُ ... الحَدِيث.
وَأَيْضًا قَوْله: فِي الحَدِيث: وأخرجوه، هم قُرَيْش لأَنهم الَّذين أَخْرجُوهُ، وَأما بَنو قُرَيْظَة فَلَا.





[ قــ :373 ... غــ :390 ]
- حدَّثنا مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثنا هِشَامٌ حدَّثنا عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ بُعِثَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِرْبَعِينِ سَنَةً فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشَرَةَ سَنَةً يُوحَى إلَيْهِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنينَ وماتَ وهْوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: ( ثمَّ أَمر بِالْهِجْرَةِ) قَوْله: ( ثَلَاث عشرَة سنة يوحَى إِلَيْهِ) وَهَذَا أصح مِمَّا رَوَاهُ أَحْمد عَن يحيى بن سعيد عَن هِشَام بن حسان بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ: أنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين، فَمَكثَ بِمَكَّة عشرا.
قلت: ثَلَاث سِنِين بعد الْأَرْبَعين الَّتِي قبض فِيهَا إسْرَافيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي كتاب المبعث.





[ قــ :374 ... غــ :3903 ]
- حدَّثني مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ حدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثنَا عَمْرُو بنُ دِينَارٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ مَكُثَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَة وتُوُفِّيَ وهْوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَونه بِمَكَّة بعد مبعثه ثَلَاث عشرَة سنة يدل على أَن بَقِيَّة عمره كَانَت فِي الْمَدِينَة، وَهُوَ بِالضَّرُورَةِ يدل على الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَهَذَا طَرِيق آخر أَيْضا عَن مطر بن الْفضل، بِالْمُعْجَمَةِ الساكنة: الْمروزِي، مَاتَ بفربر، بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا وَفتح الرَّاء الأولى وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وروح، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة، وَهِشَام هُوَ ابْن حسان القهدوسي، بِضَم الْقَاف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب المبعث.



[ قــ :375 ... غــ :3904 ]
- ( حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله قَالَ حَدثنِي مَالك عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله عَن عبيد يَعْنِي ابْن حنين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جلس على الْمِنْبَر فَقَالَ إِن عبدا خَيره الله بَين أَن يؤتيه من زهرَة الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْده فَبكى أَبُو بكر.

     وَقَالَ  فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا فعجبنا لَهُ.
.

     وَقَالَ  النَّاس انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ يخبر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن عبد خَيره الله بَين أَن يؤتيه من زهرَة الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده وَهُوَ يَقُول فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الْمُخَير وَكَانَ أَبُو بكر هُوَ أعلمنَا بِهِ.
.

     وَقَالَ  رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن من أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَمَاله أَبَا بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا من أمتِي لاتخذت أَبَا بكر إِلَّا خلة الْإِسْلَام لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد خوخة إِلَّا خوخة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله أَن من أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَلم يصاحب مَعَه فِي الْهِجْرَة إِلَّا أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهَذَا بطرِيق الِاسْتِئْنَاس وَإِن كَانَ فِيهِ بعض بعد وَهَذَا الْقدر كَاف فِي الْمُطَابقَة وَأَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة واسْمه سَالم وَعبيد بِضَم الْعين ابْن حنين بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون الأولى مولى زيد بن الْخطاب الْقرشِي والْحَدِيث مر فِي بابُُ قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سدوا الْأَبْوَاب إِلَّا بابُُ أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن أبي عَامر عَن فليح عَن سَالم عَن أبي النَّضر عَن بشر بن سعيد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ والراوي هُنَا عَن أبي سعيد هُوَ عبيد بن حنين وَكَذَلِكَ مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي بابُُ الخوخة والممر فِي الْمَسْجِد فَإِن الرَّاوِي هُنَاكَ أَيْضا عَن أبي سعيد هُوَ بشر بن سعيد وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله.

     وَقَالَ  النَّاس انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ وَفِي الحَدِيث الَّذِي فِي كتاب الصَّلَاة فَقلت فِي نَفسِي مَا يبكي هَذَا الشَّيْخ الْقَائِل هُوَ أَبُو سعيد وَجَاء فى حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد البلادري فَقَالَ لَهُ أَبُو سعيد مَا يبكيك يَا أَبَا بكر فَذكر الحَدِيث قَوْله " انْظُرُوا " يَعْنِي كَانُوا يتعجبون من تفديته إِذْ لم يفهموا الْمُنَاسبَة بَين الْكَلَامَيْنِ قَوْله هُوَ الْمُخَير بِفَتْح الْيَاء أَي خير الله رَسُوله بَين بَقَائِهِ فِي الدُّنْيَا ورحلته إِلَى الْآخِرَة وَفِي إِعْرَاب لفظ الْمُخَير وَجْهَان النصب على أَنه خبر كَانَ وَلَفظه هُوَ ضمير فصل وَفِيه خلاف هَل هُوَ اسْم أَو حرف وَالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ وَهُوَ قَوْله هُوَ وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر كَانَ قَوْله يخبر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل وفاعل قَوْله إِلَّا خلة الْإِسْلَام الِاسْتِثْنَاء فِيهِ مُنْقَطع أَي لَكِن خلة الْإِسْلَام أفضل وَفِيمَا تقدم إِلَّا أخوة الْإِسْلَام قَوْله خوخة بِفَتْح المعجمتين بَينهمَا وَاو سَاكِنة هُوَ الْبابُُ الصَّغِير وَكَانَ بعض الصَّحَابَة فتحُوا أبوابا فِي دِيَارهمْ إِلَى الْمَسْجِد فَأمر الشَّاعِر بسدها كلهَا إِلَّا خوخة أبي بكر ليتميز بذلك فَضله وَفِيه إِيمَاء إِلَى الْخلَافَة -



[ قــ :376 ... غــ :3905 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثَنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابنُ شِهَابٍ فأخْبرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ قَط إلاَّ وهُمَا يَدِينانِ الدِّينَ ولَمْ يَمُرَّ علَيْنَا يَوْمٌ إلاَّ يأتِينَا فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وعَشِيَّةً فلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خرَجَ أبُو بَكْرٍ مُهَاجِراً نَحْوَ أرْضِ الحَبَشَةِ حتَّى بَلَغَ برْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ القارَةِ فَقَالَ أيْنَ تُرِيدُ يَا أبَا بَكْرٍ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أخْرَجَنِي قَوْمِي فأرِيدُ أنْ أسِيحَ فِي الأرْضِ وأعْبُدَ رَبِّي فَقَالَ ابنُ الدَّغِنَةِ فإنَّ مِثْلَكَ يَا أبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ ولاَ يُخْرَجُ إنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ وتَصِلُ الرَّحِمَ وتَحْمِلُ الكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ فَأَنا لَكَ جارٌ ارْجَعْ واعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ فرَجَعَ وارْتَحَلَ مَعَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ فَطافَ ابنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إنَّ أبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ويَصِلُ الرَّحِمَ ويَحْمِلُ الكَلَّ ويَقْرِي الضَّيْفَ ويُعينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ فلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابنِ الدَّغِنَةِ وَقَالُوا لابنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيها ولْيَقْرَأ مَا شاءَ ولاَ يُؤْذِينا بِذالِكَ ولاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ فإنَّا نَخْشَى أنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وأبْناءَنَا فَقالَ ذلِكَ ابنُ الدَّغِنَةِ لأبِي بَكْرٍ فلَبِثَ أبُو بَكْرٍ بذالِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ولاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاتِهِ ولاَ يَقْرَأ فِي غيْرِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لأبِي بَكْرٍ فابْتَنَى مَسْجِدَاً بِفِناءِ دارِهِ وكانَ يُصَلِّي فِيهِ ويَقْرأ القُرْآنَ فيَتَقَذَّفُ علَيْهِ نِساءُ الْمُشْرِكِينَ وأبْنَاءَهُمْ وهُمْ يَعْجَبُونِ مِنْهُ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ وكانَ أبُو بَكْرٍ رَجُلاً بكَّاءٍ لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إذَا قرَأ القُرْآنَ فأفْزَعَ ذالِكَ أشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فأرْسَلُوا إلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فقَدِمَ علَيْهِمْ فقَالُوا إنَّا كُنَّا أجَرْنَا أبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ علَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فقَدْ جاوَزَ ذالِكَ فابْتَنَى مَسْجِدَاً بِفِناءِ دَارِهِ فأعْلَنَ بالصَّلاَةِ والقِرَاءَةِ فِيهِ وإنَّا قَدْ خَشِينَا أنْ يَفْتِنَ نِساءَنَا وأبْنَاءَنَا فانْهَهُ فإنْ أحَبَّ أنْ يَقْتَصِرَ علَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فعَلَ وإنْ أبَى إلاَّ أنْ يُعْلِنَ بذالِكَ فسَلْهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْكَ ذِمَّتَكَ فإنَّا قَدْ كَرِهْنَا أنْ نُخْفِرَكَ ولَسْنَا مُقرِّينَ لأِبِي بَكْرٍ الإسْتِعْلاَنَ.
قالَتْ عائِشَةُ فَأتى ابنُ الدَّغِنَةِ إلَى أبِي بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عاقَدْتُ لَكَ علَيْهِ فإمَّا أنْ تَقْتَصِرَ علَى ذَلِكَ وإمَّا أنْ تَرْجِعَ إلَيَّ ذِمَّتِي فإنِّي لَا أُحِبُّ أنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ فقالَ أبُو بَكْرٍ فإنِّي أرُدُّ إلَيْكَ جِوَارَكَ وأرْضَى بِجِوَارِ الله عزِّ وجَلَّ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْمُسْلِمِينَ إنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ وهُمَا الحَرَّتَانِ فَهاجَرَ مَنْ هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ ورَجَعَ عامَّةُ مَنْ كانَ هاجَرَ بأرْضِ الحبَشَةِ إلاى المَدِينَةِ وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ فَقال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى رِسْلِكَ فإنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لِي فَقالَ أبُو بَكْرٍ وهَلْ تَرْجُو ذالِكَ بأبِي أنْتَ قَالَ نَعَمْ فحَبَسَ أبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ علَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَصْحَبَهُ وعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كانَتَا عِنْدَهُ ورَقَ السَّمُرِ وهْوَ الخَبَطُ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ: قَالَ ابنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قالَتْ عائِشَةُ فبَيْنَما نحْنُ يَوْمَاً جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قائلٌ لأِبِي بَكْرٍ هاذَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَقَنِّعَاً فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يأتِينَا فِيها فَقالَ أبُو بَكْرٍ فِدَاءٌ لَهُ أبي وأُمِّي وَالله مَا جاءَ بِهِ فِي هاذِهِ السَّاعَةِ إلاَّ أمْرٌ قالَتْ فَجاءَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَأذَنَ فأُذِنَ لَهُ فدَخَلَ فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبِي بَكْرٍ أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقالَ أبُو بَكْرٍ إنَّمَا هُمْ أهْلُكَ بأبِي أنْتَ يَا رسُولَ الله قالَ فإنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ بِأبِي أنْتَ يَا رسُولَ الله قالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَمْ قَالَ أبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأبِي أنْتَ يَا رسُولَ الله إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هاتَيْنِ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالثَّمَنِ قالتْ عائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أحَثَّ الجِهَازِ وصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فقَطَعَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ فبِذالِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قالَتْ ثُمَّ لَحِقَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ بغارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمِنَا فِيهِ ثلاَثَ لَيالٍ يَبِيتُ عنْدَهُمَا عبْدُ الله بنُ أبِي بَكْرٍ وهْوَ غُلامٌ شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فيُصْبحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبائِتٍ فَلاَ يَسْمَعُ أمْرَاً يُكْتَادَانَ بِهِ إلاَّ وَعاهُ حتَّى يأتِيَهِمَا بِخَبَرِ ذالِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ ويَرْعاى علَيْهِمَا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فيُرِيحُها علَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ ساعَةٌ مِنَ العِشاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْل وهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا ورَضِيفِهِما حتَّى يَنْعِقَ بِها عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذالِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ وأسْتأجَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ وهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بنِ عَدِيٍّ هَادِيَاً خِرِّيتاً والْخِرِّيتُ الماهِرُ بالهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفَاً فِي آلِ العاصِ بنِ وَائلٍ السَّهْمِيِّ وهْوَ علَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فأمِناهُ فَدَفَعا إلَيْهِ راحِلَتَيْهِمَا ووَاعَدَاهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ وانْطَلَقَ معَهُمَا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ والدَّلِيلُ فأخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.
.





[ قــ :376 ... غــ :3906 ]
- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وأخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ مَالِكٍ المُدْلِجِيُّ وهْوَ ابنُ أخِي سُرَاقَةَ بنِ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ أنَّ أبَاهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بنَ جُعْشَمٍ يَقُولُ جاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يجْعَلُونَ فِي رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبِي بَكْرٍ دِيَةٍ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلهُ أوْ أسَرَهُ فبَيْنَمَا أنَا جالِسٌ فِي مَجْلِس من مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حتَّى قامَ علَيْنَا ونَحْنُ جُلُوسٌ فقالَ يَا سُرَاقَةَ إنِّي قَدْ رأيْتُ آنِفَاً أسْوِدَةً بالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدَاً وأصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ فعَرَفْتُ أنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ إنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ ولَكِنَّكَ رأيْتَ فُلاَنَاً وفُلاناً انْطَلَقُوا بأعْيُنِنَا يَبْتَغُونَ ضَالَّة لَهُمْ ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ ساعَةً ثُمَّ قُمْتُ فدَخَلْتُ فأمَرْتُ جارِيَتِي أنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وهْيَ مِنْ ورَاءِ أكَمَةٍ فتَحْبِسَها علَيَّ وأخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأرْضَ وخفَضْتُ عالِيَهُ حَتَّى أتَيْتُ فرَسِي فرَكِبْتُهَا فرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فعَثَرَتْ بِي فرَسِي فخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فأهْوَيْتُ بِيَدِي إلَى كِنَانَتِي فاسْتَخْرَجْتُ مِنْها الأزْلاَمَ فاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أضُرُّهُمْ أمْ لاَ فخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ فرَكِبْتُ فرَسِي وعصَيْتُ الأزْلامَ تُقَرِّبُ بِي حتَّى إذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ لاَ يَلْتَفِتُ وأبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الإلْتِفَاتَ ساخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حتَّى بَلَغَتا الرُّكْبَتَيْنِ فخَرَرْتُ عنْها ثُمَّ زَجَرْتُها فنَهَضَتْ فلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قائِمَةً إذَا لأِثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ ساطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فاسْتَقْسَمْتُ بالأزْلاَمِ فَخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ فَنادَيْتُهُمْ بالأمَانِ فوَقَفُوا فرَكِبْتُ فَرَسِي حتَّى جئْتَهُمْ ووقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ أنْ سَيَظْهَرُ أمْرُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ لَهُ أنَّ قَوْمَكَ قدْ جعَلُوا فِيكَ الدِّيَّةَ وأخْبَرْتُهُمْ أخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ والْمَتاعَ فلَمْ يَرْزآنِي ولَمْ يَسْألاَنِي إلاَّ أنْ قالَ أخْفِ عَنَّا فَسألْتُهُ أنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أمْنٍ فأمَرَ عامِرَ بن فُهَيْرَةَ فكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أدِيمٍ ثُمَّ مَضَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ ابنُ شِهابٍ فأخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزبَيْرِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كانُوا تجارَاً قافِلِينَ مِنَ الشَّأمِ فكَسَا الزُّبَيْرُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وسَمِعَ المُسْلِمُونَ بالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَكَّةَ فكانُوا يغْدُونَ كلَّ غَداةٍ إلَى الحَرَّةِ فيَنْتَظِرُونَهُ حتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فانْقَلَبُوا يَوْمَاً بَعْدَ مَا أطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فلَمَّا أووْا إِلَى بيُوتِهِمْ أوْفى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ علَى أُطمٍ مِن آطامِهِمْ لأمْرٍ يَنْظُرُ إلَيْهِ فبَصُرَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أنْ قالَ بأعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ العَرَبِ هذَا جدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثارَ المُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ فتَلَقَّوْا رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِظَهْرِ الحَرَّةِ فعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ حتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ وذَلِكَ يَوْمَ الإثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الأوَّلِ فقامَ أبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وجَلَسَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صامِتَاً فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَيِّي أبَا بَكْرٍ حَتَّى أصَابَتْ الشَّمْسُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ علَيْهِ بِرِدَائِهِ فعَرَفَ النَّاسُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ ذَلِكَ فلَبِثَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْف بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ علَى التَّقْوَى وصَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسارَ يَمْشِي معَهُ النَّاسُ حَتَّى برَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمَدِينَةِ وهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وكانَ مِرْبَدَاً لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وسَهْلٍ غُلامَيْنَ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أسْعَدَ بنِ زُرَارَةَ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ هاذَا إنْ شَاءَ الله المنْزِلُ ثُمَّ دَعا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغُلامَيْنِ فَساوَمَهُمَا بالمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدَاً فَقالاَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله فأبَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حتَّى ابْتاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بَناهُ مَسْجِدَاً وطَفِقَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبَنِ فِي بُنْيَانِهِ ويَقُولُ وهْوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
( هاذَا الحِمالُ لَا حِمالَ خَيْبَرْهاذَا أبَرَّأ ربَّنا وأطْهَرْ)

ويَقُولُ:
( أللَّهُمَّ إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخِرَهْفارْحَمْ الأنْصَارَ والمهاجِرَهْ)

فتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمينَ لَمْ يَسُمَّ لِي قَالَ ابنُ شِهابٍ ولَمْ يَبْلُغْنا فِي الأحَادِيثِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمَثَّلِ بِبَيْتِ شِعْرٍ تامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة أظهر مَا يكون.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم الْعين، وَمضى جُزْء من أول هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ الْمَسْجِد يكون فِي الطَّرِيق أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَكَذَلِكَ أخرجه فِي كتاب الْإِجَازَة فِي: بابُُ اسْتِئْجَار الْمُشْركين عِنْد الضَّرُورَة، عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة، من قَوْله: واستأجر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر رجلا من بني الديل، إِلَى قَوْله: وَهُوَ على طَرِيق السَّاحِل، وَكَذَلِكَ أخرجه فِي الْكفَالَة بِإِسْنَاد هَذَا الْبابُُ من قَوْله: إِن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَت: لم أعقِل أَبَوي قطّ إلاَّ وهما يدينان إِلَى قَوْله: ورق السمر أَرْبَعَة أشهر، وَكَذَلِكَ أخرجه فِي الْأَدَب فِي: بابُُ هَل يزور صَاحبه كل يَوْم أَو بكرَة وَعَشِيَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام إِلَى آخِره، من قَوْله: قَالَت: لم أَعقل أَبَوي ... إِلَى قَوْله: قد أذن لي بِالْخرُوجِ، وَحَاصِل الْكَلَام أَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث فِي هَذِه الْمَوَاضِع مقطعَة مختصرة، وَلم يُخرجهُ مطولا إِلَّا هُنَا فَافْهَم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَبَوي) ، وهما أَبُو بكر الصّديق وَأم رُومَان، وَلَفظ: أَبَوي، تَثْنِيَة مُضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم مَنْصُوبَة على المفعولية.
قَوْله: ( الدّين) ، أَي: دين الْإِسْلَام،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَهُوَ مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِالدّينِ، وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا بِهِ على التَّجَوُّز.
قلت: إِذا قُلْنَا: معنى يدينان يطيعان من الدّين بِمَعْنى الطَّاعَة.
لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير ناصب، لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ إلاَّ وهما يطيعان الدّين.
أَي: الْإِسْلَام، وكل من يُطِيع الْإِسْلَام فَهُوَ مُسلم.
وَقَوله: على تجوز، فِيهِ نظر لَا يخفى.
قَوْله: ( فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ) أَي: بأذى الْكفَّار من قُرَيْش وَغَيرهم.
قَوْله: ( مُهَاجرا) ، حَال من أبي بكر.
قَوْله: ( نَحْو أَرض الْحَبَشَة) ، يَعْنِي: ليلحق من سبقه إِلَيْهَا من الْمُسلمين.
قَوْله: ( برك الغماد) ، البرك، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَحكى كسرهَا وَسُكُون الرَّاء وبالكاف،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: البرك مثل القرد مَوضِع بِنَاحِيَة الْيمن، والغماد، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالدال الْمُهْملَة: وَهُوَ مَوضِع على خمس لَيَال من مَكَّة إِلَى جِهَة الْيمن مِمَّا يَلِي سَاحل الْبَحْر،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس بِضَم الْغَيْن، وَفِي ( التَّوْضِيح) : برك الغماد مَوضِع فِي أقاصي هجر.
قَوْله: ( إِبْنِ الدغنة) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون عِنْد أهل اللُّغَة، وَعند الْمُحدثين بِفَتْح الدَّال وَكسر الْغَيْن وَفتح النُّون الْخَفِيفَة،.

     وَقَالَ  الجياني: روينَاهُ بهما وَهُوَ اسْم أمه، وَقيل: أم أَبِيه، وَقيل: دايته، وَمعنى الدغنة: المسترخية، وَأَصلهَا الغمامة الْكَثِيرَة الْمَطَر.
وَعَن الْوَاقِدِيّ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ: أَن اسْمه الْحَارِث بن زيد، وَحكى السُّهيْلي أَن اسْمه مَالك،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ ابْن إِسْحَاق: اسْمه ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوَقع فِي شرح الْكرْمَانِي أَن ابْن إِسْحَاق سَمَّاهُ ربيعَة بن رفيع، وَهُوَ وهم من الْكرْمَانِي، فَإِن ربيعَة الْمَذْكُور آخر يُقَال لَهُ ابْن الدغنة لكنه سلمي، وَالْمَذْكُور هُنَا من القارة.
قلت: لَا ينْسب الْكرْمَانِي إِلَى الْوَهم لِأَنَّهُ نقل عَن ابْن إِسْحَاق أَنه قَالَ: ابْن الدغنة اسْمه ربيعَة بن رفيع، وَلم يذكر أَنه سلمي أَو من القارة، فالوهم من غَيره، وَأما السّلمِيّ فَذكره أَبُو عمر،.

     وَقَالَ : ربيعَة ابْن رفيع أهبان بن ثَعْلَبَة السّلمِيّ، كَانَ يُقَال لَهُ ابْن الدغنة، وَهِي أمه.
فَغلبَتْ على اسْمه، شهد حنيناً ثمَّ قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بني تَمِيم وَهُوَ الَّذِي قتل دُرَيْد بن الصمَّة يَوْم حنين، وَآخر يُقَال لَهُ: ابْن دغنة، يُسمى حَابِس وَذكره أَبُو عمر وَذكره الذَّهَبِيّ عَنهُ،.

     وَقَالَ  حَابِس بن دغنة الْكَلْبِيّ لَهُ فِي أَعْلَام النُّبُوَّة وَله صُحْبَة ورؤية.
قَوْله: ( وَهُوَ سيد القارة) ، بِالْقَافِ وَتَخْفِيف الرَّاء وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة من بني الْهون، بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف: ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر كَانُوا حلفاء بني زهرَة من قُرَيْش.
قَوْله: ( أخرجني قومِي) ، لم يخرجوه حَقِيقَة وَلَكنهُمْ تسببوا فِي خُرُوجه.
قَوْله: ( أَن أسيح) بِالسِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ من السياحة يُقَال ساح فِي الأَرْض يسيح سياحة إِذا ذهب فِيهَا وَأَصله من السيح وَهُوَ المَاء الْجَارِي المنبسط على الأَرْض وَمَعْنَاهُ هَهُنَا إِرَادَة مُفَارقَة الْأَمْصَار وسكنى البراري، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو بكر: إِن أسيح، وَلم يذكر جِهَة مقْصده مَعَ أَنه قصد التَّوَجُّه إِلَى أَرض الْحَبَشَة، لِأَن ابْن الدغنة كَانَ كَافِرًا.
قَوْله: ( لَا تَخرج وَلَا تُخرج) ، الأول: بِفَتْح التَّاء من الْخُرُوج، وَالثَّانِي: بضَمهَا على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِخْرَاج.
قَوْله: ( الْمَعْدُوم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: المعدم، وَمعنى: ( تكسب الْمَعْدُوم) تعطيه المَال وتملكه إِيَّاه، يُقَال: كسبت للرجل مَالا وأكسبته،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وأفصح اللغتين حذف الْألف، وَمنع الْقَزاز إِثْبَاتهَا وجوزها ابْن الْأَعرَابِي.
قَوْله: ( وَتحمل الْكل) ، بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام: وَهُوَ مَا يثقل حمله من الْقيام بالعيال وَنَحْوه مِمَّا لَا يقوم بِأَمْر نَفسه.
قَوْله: ( على نَوَائِب الْحق) ، جمع نائبة وَمَعْنَاهُ: تعين بِمَا تقدر عَلَيْهِ من أَصَابَته نَوَائِب، أَي: مَا ينزل بِهِ من الْمُهِمَّات والحوادث.
قَوْله: ( فَأَنا لَك جَار) أَي: مجير أمنع من يُؤْذِيك، وَالْجَار النَّاصِر الحامي الْمَانِع المدافع.
قَوْله: ( ارْجع) أَمر لأبي بكر، أَي: ارْجع إِلَى بلدك ووطنك.
قَوْله: ( فَرجع) أَي: أَبُو بكر.
قَوْله: ( وارتحل مَعَه) أَي: مَعَ أبي بكر ابْن الدغنة، وَقد تقدم فِي الْكفَالَة: ارتحل ابْن الدغنة فَرجع مَعَ أبي بكر.
قَوْله: ( لَا يَخرج) ، بِفَتْح الْيَاء من الْخُرُوج ( وَلَا يخرج) بِضَم الْيَاء.
قَوْله: ( أتخرجون؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الأنكار ( ورجلاً) مَنْصُوب بِهِ.
قَوْله: ( فَلم تكذب) ، من التَّكْذِيب و: قُرَيْش، فَاعله أَرَادَ أَن أحدا مِنْهُم لم يرد قَوْله فِي أَمَان أبي بكر وَلم يمْنَع أحد جواره وكل من كذب بِشَيْء فقد رده، فَأطلق التَّكْذِيب وَأَرَادَ لَازمه، وَتقدم فِي الْكفَالَة بِلَفْظ: فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن الدغنة، قَوْله: ( فليعبد ربه) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: مُرْ أبَا بَكر لَا يتَعَرَّض إِلَى شَيْء وليقعد فِي حَاله فليعبد ربه.
قَوْله: ( وَلَا يؤذينا بذلك) أَي: بِمَا يصدر مِنْهُ من صلَاته وقراءته.
قَوْله: ( وَلَا يستعلن بِهِ) أَي: بِمَا يَفْعَله من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة.
قَوْله: ( فَلبث أَبُو بكر) أَي: مكث على مَا شرطُوا عَلَيْهِ وَلم يبين فِيهِ مُدَّة الْمكْث.
قَوْله: ( ثمَّ بدا لأبي بكر) ، أَي: ثمَّ ظهر لَهُ رَأْي غير الرَّأْي الأول.
قَوْله: ( بِفنَاء دَاره) ، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف النُّون وبالمد: وَهِي سَعَة أَمَام الْبَيْت، وَقيل: مَا امْتَدَّ من جَوَانِب الْبَيْت.
قَوْله: ( فيتقذف عَلَيْهِ) أَي: على أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ويتقذف على وزن يتفعل بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْقَاف والذال الْمُعْجَمَة الثَّقِيلَة: من الْقَذْف أَي: يتدافعون فيقذف بَعضهم بَعْضًا فيتساقطون عَلَيْهِ، ويروى: فيتقصف، بالصَّاد الْمُهْملَة أَي: يزدحمون عَلَيْهِ حَتَّى يسْقط بَعضهم على بعض وينكسر،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَأما يتقذف فَلَا وَجه لَهُ هَهُنَا إلاَّ أَن يَجْعَل من الْقَذْف، وَفَسرهُ بِمَا ذَكرْنَاهُ الْآن وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بنُون وقاف مَفْتُوحَة وصاد مُهْملَة مَكْسُورَة أَي: يسْقط.
قَوْله: ( بكاء) على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ صِيغَة الْمُبَالغَة أَي: كثير الْبكاء.
قَوْله: ( لَا يملك عَيْنَيْهِ) ، أَي: لَا يُطيق إمساكهما من الْبكاء من رقة قلبه.
قَوْله: ( إِذا) ، ظرفية وَالْعَامِل فِيهِ ( لَا يملك) وَيجوز أَن يكون شَرْطِيَّة وَالْجَزَاء مُقَدّر تَقْدِيره: إِذا قَرَأَ الْقُرْآن لَا يملك عَيْنَيْهِ، وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: ( وأفزع ذَلِك) أَي: أَخَاف مَا فعله أَبُو بكر من صلَاته وقراءته وتعبده لله، فَقَوله: ذَلِك، فَاعل أفزع.
وَقَوله: ( الْمُشْركين) بِالنّصب مَفْعُوله، يَعْنِي: خَافُوا من ذَلِك على النِّسَاء وَالصبيان أَن يميلوا إِلَى دين الْإِسْلَام.
قَوْله: ( فَقدم عَلَيْهِم) أَي: على أَشْرَاف قُرَيْش من الْمُشْركين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقدم عَلَيْهِ.
أَي: على أبي بكر.
قَوْله: ( أجرنا) بقصر الْهمزَة وبالجيم وَالرَّاء فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بالزاي، أَي: أبحنا لَهُ.
قَوْله: ( بجوارك) أَي: بِسَبَب جوارك أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( أَن تفتن) بِصِيغَة الْمَجْهُول.
وَقَوله: ( نساؤنا) مَرْفُوع ( وأبناؤنا) عطف عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أَن يفتن، على صِيغَة الْمَعْلُوم وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى أبي بكر، و: نِسَاءَنَا بِالنّصب مَفْعُوله، وَأَبْنَاءَنَا عطف عَلَيْهِ.
قَوْله: ( فانهَهُ) أَي: فانهَ أَبَا بكر، وَهُوَ أَمر لِابْنِ الدغنة.
قَوْله: ( وَإِن أبَى) أَي: امْتنع ( إلاَّ أَن يعلن) بِضَم الْيَاء من الإعلان ( بذلك) أَي: بِمَا ذكر من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة.
قَوْله: ( فسله) أَصله: فَاسْأَلْهُ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني من: سَالَ، وَلما نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى السِّين وحذفت للتَّخْفِيف اسْتغنى عَن همزَة الْوَصْل فحذفت فَصَارَ: سَله.
قَوْله: ( ذِمَّتك) أَي: أمانك وعهدك.
قَوْله: ( أَن نُخفرك) بِضَم النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء، من الإخفار.
يُقَال: خفرت الرجل إِذا أجرته وحفظته، وأخفرته إِذا نقضت عَهده.
قَوْله: ( ولسنا مقرين) ويروى: بمقرين، أَي: لَا نسكت عَلَيْهِ الْإِنْكَار للمعنى الَّذِي ذَكرُوهُ من الخشية على نِسَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ أَن يدخلُوا فِي دينه.
قَوْله: ( الَّذِي عاقدت) بِضَم التَّاء الَّتِي للمتكلم.
قَوْله: ( على ذَلِك) أَي: على الَّذِي عاقدت عَلَيْهِ.
قَوْله: ( أَنِّي أُخفرت) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله: ( وأرضى بجوار الله) أَي: بأمانه وحمايته.
قَوْله: ( وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( أريت) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( بَين لابتين وهما: الحرتان) وَهِي تَثْنِيَة حرَّة، وَهَذَا اللَّفْظ مدرج فِي الْخَبَر من تَفْسِير الزُّهْرِيّ، واللابتان تَثْنِيَة لابة بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الْحرَّة، وَهِي شبه الْجَبَل من حِجَارَة سود يُرِيد الْمَدِينَة وَهِي بَين الحرتين.
قَوْله: ( قبل الْمَدِينَة) بِكَسْر الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة المخففة.
قَوْله: ( وَرجع عَامَّة من كَانَ هَاجر بِأَرْض الْحَبَشَة) أَي: رَجَعَ مُعظم الَّذين هَاجرُوا إِلَى الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة لما سمعُوا استيطان الْمُسلمين الْمَدِينَة، وَلم يرجع جَمِيعهم لِأَن جعفراً وَمن كَانَ مَعَه تخلفوا فِي الْحَبَشَة.
قَوْله: ( وتجهز أَبُو بكر قبل الْمَدِينَة) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَتهَا، وَتقدم فِي الْكفَالَة، وَخرج أَبُو بكر مُهَاجرا، هُوَ نصب على الْحَال الْمقدرَة.
أَي: مُقَدرا الْهِجْرَة، وَفِي رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عِنْد ابْن حبَان: اسْتَأْذن أَبُو بكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْخُرُوج من مَكَّة، ويروى: تجهز أَبُو بكر إِلَى الْمَدِينَة أَي إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: ( على رسلك) بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة أَي: على مهلك أَي: وهينتك أَي: لَا تستعجل، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: فَقَالَ اصبر.
قَوْله: ( أَن يُؤذن) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( بِأبي أَنْت) لفظ: أَنْت، مُبْتَدأ و: بِأبي خَبره أَي: أَنْت مفدى بِأبي قيل: يحْتَمل أَن يكون: أَنْت، فَاعل ترجو.
وَقَوله: بِأبي قسم.
وَقَوله ذَلِك إِشَارَة إِلَى الْإِذْن الَّذِي يدل عَلَيْهِ أَن يُؤذن.
قَوْله: ( فحبس أَبُو بكر نَفسه) أَي: منعهَا من الْهِجْرَة، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: فانتظره أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: لأَجله، وَكلمَة: على، تَأتي للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} ( الْبَقَرَة: 185) قَوْله ( ليصحبه) أَي لَا يصحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْهِجْرَة قَوْله ( وعلف) أَي أَبُو بكر قَوْله.
تَثْنِيَة رَاحِلَة وَهِي من الْإِبِل الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال، وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة، وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وَتَمام الْخلق وَحسن المنظر، فَإِذا كَانَت فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت.
قَوْله: ( السمر) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم الْمِيم: وَهُوَ شجر الطلح، وَقيل: شجر أم غيلَان، وَقيل: كل مَا لَهُ ظلّ ثقيل.
قَوْله: ( وَهُوَ الْخبط) أَي: ورق السمر هُوَ الْخبط، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الْوَرق الْمَضْرُوب بالعصا السَّاقِط من الشّجر.
وَقَوله: وَهُوَ الْخبط، مدرج أَيْضا من تَفْسِير الزُّهْرِيّ.

قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) إِلَى آخِره مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الرَّاوِي: قَالَ عُرْوَة ابْن الزبير: قَالَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَوْله: ( فَبَيْنَمَا) ، قد مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.
قَوْله: ( جُلُوس) أَي: جالسون.
قَوْله: ( فِي نحر الظهيرة) أَي: فِي أول وَقت الْحَرَارَة وَهِي المهاجرة، وَيُقَال: أول الزَّوَال وَهُوَ أَشد مَا يكون من حر النَّهَار، وَالْغَالِب فِي أَيَّام الْحر القيلولة فِيهَا.
قَوْله: ( متقنعاً) أَي: مغطياً رَأسه، وانتصابه على الْحَال كَمَا فِي قَوْلك: هَذَا زيد قَائِما، أَي: أُشير إِلَيْهِ وَهُوَ الْعَامِل فِيهِ، وَمن لَهُ يَد فِي الْعَرَبيَّة لَا يخفى عَلَيْهِ هَذَا وَأَمْثَاله.
قَوْله: ( فدَاء لَهُ) ، بِكَسْر الْفَاء وبالمد فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْقصرِ، وانتصاب: فدَاء، على تَقْدِير أَن يكون لَهُ أبي وَأمي فدَاء، وَيجوز الرّفْع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله: أبي وَأمي فدَاء لَهُ أَي: للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِن قلت: على هَذَا أَيْن الْمُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر؟ قلت: الْفِدَاء يَشْمَل الْوَاحِد فَمَا فَوْقه.
قَوْله: ( إلاَّ أَمر) ، أَي: أَمر قد حدث، وَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة، وَلَفظه: فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله! مَا جَاءَ بك إلاَّ أَمر حدث.
قَوْله: ( فَأذن) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( أخرج مَن عنْدك) ، بِفَتْح الْهمزَة من الْإِخْرَاج، وَمن عنْدك.
مَفْعُوله.
قَوْله: ( إِنَّمَا هم أهلك) أَشَارَ بِهِ إِلَى عَائِشَة وَأَسْمَاء، كَمَا فسره مُوسَى بن عقبَة فَفِي رِوَايَته، قَالَ: أخرج مَن عنْدك، قَالَ: لَا عين عَلَيْك إِنَّمَا هما ابنتاي.
قَوْله: ( فَإِنِّي) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَإِنَّهُ.
قَوْله: ( قد أذن لي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( الصَّحَابَة) ، بِالنّصب أَي: أُرِيد الصَّحَابَة يَا رَسُول الله يَعْنِي المصاحبة.
قَوْله: ( نعم.
قَالَ)
، يَعْنِي: نعم الصُّحْبَة الَّتِي تطلبها.
قَوْله: ( بِالثّمن) ، أَي: لَا آخذ إلاَّ بِالثّمن، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: لَا أركب بَعِيرًا لَيْسَ هُوَ لي، قَالَ: فَهُوَ لَك، قَالَ: لَا وَلَكِن بِالثّمن الَّذِي ابتعته بِهِ، قَالَ: أَخَذته بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: هُوَ لَك، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء، قَالَ: بِثمنِهَا يَا أَبَا بكر، قَالَ: بِثمنِهَا إِن شِئْت، وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَن الثّمن ثَمَانمِائَة وَأَن الرَّاحِلَة الَّتِي أَخذهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من أبي بكر هِيَ الْقَصْوَاء، وَأَنَّهَا كَانَت من نعم بني قُشَيْر، وَأَنَّهَا عاشت بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَلِيلا وَمَاتَتْ فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت مُرْسلَة ترعى بِالبَقِيعِ، وَذكر ابْن إِسْحَاق أَنَّهَا الجذعاء وَكَانَت من إبل بني الْحَرِيش، وَكَذَا فِي رِوَايَة أخرجهَا ابْن حبَان: أَنَّهَا الجدعاء.
قَوْله: ( فجهزنا هما) أَي: النَّبِي وَأَبا بكر.
قَوْله: ( أحث الجهاز) لفظ: أحث، بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة أفعل التَّفْضِيل من: الْحَث وَهُوَ الْإِسْرَاع، والحثيث على وزن فعيل: المسرع الْحَرِيص، وأحث أفعل مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أحب، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْأول أصح، و: الجهاز، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا: مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السّفر وَنَحْوه.
قَوْله: ( ووضعنا لَهما) أَي: للنَّبِي وَأبي بكر، ويروى: وصنعنا، من صنع، والسفرة الزَّاد هُنَا لِأَن أصل السفرة فِي اللُّغَة الزَّاد الَّذِي يصنع للْمُسَافِر ثمَّ اسْتعْمل فِي وعَاء الزَّاد، وَمثله المزادة للْمَاء، وَكَذَلِكَ الراوية.
وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَنه كَانَ فِي السفرة شَاة مطبوخة.
قَوْله: ( فِي جراب) بِكَسْر الْجِيم، وَرُبمَا فتحت.
قَوْله: ( من نطاقها) بِكَسْر النُّون وَهُوَ إِزَار فِيهِ تكة تلبسه النِّسَاء، والمنطق: كل شَيْء شددت بِهِ وسطك، قَالَه ابْن فَارس، قَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ المئزر،.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: النطاق هُوَ الْمنطق وَهُوَ أَن تَأْخُذ الْمَرْأَة ثوبا فتلبسه ثمَّ تشد إزَارهَا وَسطهَا بِحَبل ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل.
قَوْله: ( ذَات النطاقين) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني: وَفِي رِوَايَة غَيره: ذَات النطاق، بِالْإِفْرَادِ.
.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: سميت بِذَات النطاقين لِأَنَّهَا كَانَت تجْعَل نطاقاً على نطاق، وَقيل: كَانَ لَهَا نطاقان تلبس أَحدهمَا وَتحمل فِي الآخر الزَّاد لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ فِي الْغَار، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد: شدت نطاقها فأوكت بِقِطْعَة مِنْهُ الجراب، وشدت فَم الْقرْبَة بِالْبَاقِي، فسميت ذَات النطاقين.
قَوْله: ( ثَوْر) بالثاء الْمُثَلَّثَة على لفظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَذكر الْوَاقِدِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، أَنَّهُمَا خرجا من خوخة فِي ظهر بَيت أبي بكر.
.

     وَقَالَ  الْحَاكِم: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار على أَن خُرُوجه كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ، ودخوله الْمَدِينَة كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ، إلاَّ أَن مُحَمَّد بن مُوسَى الْخَوَارِزْمِيّ قَالَ: إِنَّه خرج من مَكَّة يَوْم الْخَمِيس.
قلت: الَّذِي يفهم من كَلَام ابْن إِسْحَاق كَانَ خُرُوجه بِاللَّيْلِ، وَذَلِكَ أَن أَعْيَان قُرَيْش لما اجْتَمعُوا فِيمَا يَفْعَلُونَ فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ كل وَاحِد بِرَأْي، فَمَا أصغوا إِلَيْهِ فآخر الْأَمر أَشَارَ أَبُو جهل بقتْله، فَأتى جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا تبت هَذِه اللَّيْلَة على فراشك الَّذِي كنت تبيت عَلَيْهِ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَت عتمة اللَّيْل اجْتَمعُوا على بابُُه يَرْصُدُونَهُ حَتَّى ينَام فيثبون عَلَيْهِ، فَلَمَّا رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكانهم قَالَ لعَلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نم على فِرَاشِي، فَأخذ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفْنَة من تُرَاب فِي يَده، فَجعل يَنْثُرهُ على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو هَذِه الْآيَات: { يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} إِلَى قَوْله: { فهم لَا يبصرون} ( يس: 1 9) .
وَلم يبْق مِنْهُم أحد إلاَّ وَقد وضع على رَأسه تُرَاب ثمَّ انْصَرف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( عِنْدهمَا) أَي: عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عبد الله بن أبي بكر، قيل: فِي نُسْخَة عبد الرَّحْمَن: وَهُوَ وهم.
قَوْله:، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْقَاف وَيجوز إسكانها وَفتحهَا وَفِي آخِره فَاء: وَهُوَ الحاذق الفطن تَقول: ثقفت الشَّيْء إِذا أَقمت عوجه.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الثقافة حسن التلقي للأدب، يُقَال: غُلَام ثقف،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس، وَيُقَال: رجل ثقف، قَوْله: ( لقن) ، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف وبالنون: وَهُوَ السَّرِيع الْفَهم، وَيُقَال: اللقن الْحسن التلقي لما يسمعهُ ويعلمه.
قَوْله: ( فيدلج) بتَشْديد الدَّال وبالجيم: أَي: يخرج بِالسحرِ منصرفاً إِلَى مَكَّة، يُقَال: أدْلج إِذا سَار فِي أول اللَّيْل، وَقيل: فِي كُله، وأدلج، بتَشْديد الدَّال إِذا سَار فِي آخِره.
قَوْله: ( يكتادان بِهِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( يكادان) ، بِغَيْر تَاء مثناة من فَوق وَهُوَ من قَوْلهم: كدت الرجل إِذا طلبت لَهُ الغوائل ومكرت بِهِ.
قَوْله: ( إلاَّ وعَاء) أَي: حفظه.
قَوْله: ( عَامر بن فهَيْرَة) ، بِضَم الْفَاء وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبالراء مولى أبي بكر الصّديق، كَانَ مولداً من مولدِي الأزد، أسود اللَّوْن مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة، فَأسلم وَهُوَ مَمْلُوك فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر وَأعْتقهُ، وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَكَانَ يرْعَى الْغنم فِي ثَوْر وَيروح بهَا على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر فِي الْغَار، وَشهد بَدْرًا وأحداً ثمَّ قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة، قَتله عَامر بن الطُّفَيْل، ويروى عَنهُ أَنه قَالَ: رَأَيْت أول طعنة طعنتها عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وروى ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: زعم عُرْوَة بن الزبير أَن عَامر بن فهَيْرَة قتل يَوْمئِذٍ فَلم يُوجد جسده، يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة دَفَنته، وَكَانَت بِئْر مَعُونَة سنة أَربع من الْهِجْرَة.
قَوْله: ( منحة) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، وَهِي فِي الأَصْل الشَّاة الَّتِي يَجْعَل الرجل لَبنهَا لغيره ثمَّ يَقع على كل شَاة،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس المنحة والمنيحة منحة اللَّبن، والمنحة النَّاقة أَو الشَّاة يُعْطي لَبنهَا، ثمَّ جعلت كل عَطِيَّة منحة، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب: أَن الْغنم كَانَت لأبي بكر فَكَانَ يروح عَلَيْهِمَا الْغنم كل لَيْلَة فيحلبان ثمَّ يسرح بكرَة فَيُصْبِح فِي رعيان النَّاس فَلَا يفْطن لَهُ.
قَوْله: ( فِي رسل) ، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: وَهُوَ اللَّبن الطري.
قَوْله: ( ورضيفهما) الرضيف بِفَتْح الرَّاء وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة على وزن رغيف، وَهُوَ اللَّبن الَّذِي جعل فِيهِ الرضفة وَهِي الْحِجَارَة المحماة لتزول وخامته وَثقله، وَقيل: الرضيف النَّاقة المحلوبة.
فَإِن قلت: كَيفَ إعرابه؟ قلت: إِن جعلته عطفا على لبن منحتهما يكون مَرْفُوعا، وَإِن جعلته عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهِ فِيهِ يكون مجروراً فَافْهَم.
وَفِي ( التَّوْضِيح) ويروى: وصريفها، والصريف اللَّبن سَاعَة يحلب،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي: بابُُ الصَّاد الْمُهْملَة، وَفِي حَدِيث الْغَار ويبيتان فِي رسلها وصريفها، الصريف اللَّبن سَاعَة يصرف عَن الضَّرع.
قَوْله: ( حَتَّى ينعق بهما) كلمة: حَتَّى، للغاية و: ينعق، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة أَي: يَصِيح بغنمه، والنعق صَوت الرَّاعِي وَالضَّمِير فِي: بهما، يرجع إِلَى لفظ المنحة، و: لفظ الْغنم وَهَذَا هُوَ رِوَايَة أبي ذَر: أَعنِي بهما التَّثْنِيَة، وَفِي رِوَايَة غَيره: بهَا، بِالْإِفْرَادِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: المنحة أَو بالغنم.
قَوْله: ( عَامر) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل ينعق.
قَوْله: ( بِغَلَس) أَي: فِي غلس وَهُوَ ظلام آخر اللَّيْل قَوْله: ( من بني الديل) ، بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف.
وَقيل بِضَم أَوله وبالهمزة الْمَكْسُورَة فِي ثَانِيه.
قَوْله: ( وَهُوَ) أَي: الرجل الَّذِي استأجراه من بني عبد بن عدي بن الديل بن عبد منَاف بن كنَانَة، وَيُقَال: من بني عدي بن عَمْرو بن خُزَاعَة،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: اسْمه عبد الله بن أرقد.
وَفِي رِوَايَة الْأمَوِي عَن ابْن إِسْحَاق: أريقد بِالتَّصْغِيرِ وَعند ابْن سعد: عبد الله ابْن أريقط، بِالطَّاءِ مَوضِع الدَّال بِالتَّصْغِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين عَن مَالك: إسمه رقيط، وَكَانَ كَافِرًا.
قَوْله: ( هادياً) ، نصب لِأَنَّهُ صفة رجلا يَعْنِي: يهديهما إِلَى الطَّرِيق.
قَوْله: ( خريتاً) ، صفة بعد صفة، وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق والخريت الماهر بالهداية، أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الخريت وَهَذَا مدرج فِي الْخَبَر من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَعَن الْخطابِيّ: الخريت مَأْخُوذ من خرت الإبرة كَأَنَّهُ يَهْتَدِي لمثل خرتها من الطَّرِيق، وخرت الإبرة بِالضَّمِّ: ثقبها، وَحكى عَن الْكسَائي: خرتنا الأَرْض إِذا عرفناها وَلم تخف علينا طرقها.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الخريت الماهر الَّذِي يَهْتَدِي لأخرات الْمَفَازَة وَهِي طرقها الْخفية.
قَوْله: ( قد غمس حلفا فِي آل الْعَاصِ بن الوائل) هَذِه الْجُمْلَة وَقعت حَالا من قَوْله: رجلا.
وَالْأَصْل فِي الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة إِذا وَقعت حَالا أَن يكون فِيهَا كلمة: قد، إِمَّا ظَاهِرَة وَإِمَّا مقدرَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { أوجاؤكم حصرت صُدُورهمْ} ( النِّسَاء: 90) .
أَي: قد حصرت.
قَوْله: غمس حلفا، أَي: أَخذ بِنَصِيب من حلفهم وعقدهم يَأْمَن بِهِ، كَانَت عَادَتهم أَن يحضروا فِي جَفْنَة طيبا أَو دَمًا أَو رَمَادا فَيدْخلُونَ فِيهِ أَيْديهم عِنْد التَّحَالُف ليتم عقدهم عَلَيْهِ باشتراكهم فِي شَيْء وَاحِد، وَالْحلف بِفَتْح الْحَاء وَكسر اللَّام، مصدر حَلَفت وَقد تسكن اللَّام وَيُرَاد بِهِ الْعَهْد بَين الْقَوْم.
قَوْله: ( فأمناه) بقصر الْهمزَة وَكسر الْمِيم أَي: ائتمناه، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا} ( الْبَقَرَة: 83) .
وأمنته على كَذَا وائتمنته بِمَعْنى.
قَوْله: ( فَأخذ بهم طَرِيق السواحل) وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة: فَأجَاز بهما أَسْفَل مَكَّة ثمَّ مضى هما حَتَّى جَاءَ بهما السَّاحِل أَسْفَل من عسفان، ثمَّ أجَاز بهما حَتَّى عَارض الطَّرِيق.

قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مَوْصُول بِإِسْنَاد حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور، وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث.
قَوْله: ( عبد الرَّحْمَن بن مَالك بن جعْشم) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة، وَحكى فتح الْجِيم أَيْضا: المدلجي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم: من بني مُدْلِج بن مرّة بن عبد منَاف بن كنَانَة، وَمَالك وَالِد عبد الرَّحْمَن، هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِأَخِيهِ سراقَة وَلَا لِابْنِهِ عبد الرَّحْمَن فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: ( وَهُوَ ابْن أخي سراقَة بن جعْشم) أَي: عبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن أخي سراقَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: سراقَة بن مَالك بن جعْشم، وَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: سراقَة بن جعْشم، ويروى: سراقَة بن مَالك بن جعْشم وَالْأول هُوَ الْمُوَافق لكَونه ابْن أَخِيه، لَكِن الْمَشْهُور هُوَ الثَّانِي كَمَا فِي كتاب ( الِاسْتِيعَاب) قلت: يَعْنِي ذكر أَبُو عمر فِي كتاب ( الِاسْتِيعَاب) : سراقَة بن مَالك بن جعْشم بن مَالك ... إِلَى آخِره.
وَذكر أَنه يعد فِي أهل الْمَدِينَة، وَيُقَال: إِنَّه سكن مَكَّة، وكنية سراقَة أَبُو سُفْيَان، وَكَانَ ينزل قديدا وعاشا إِلَى خلَافَة عُثْمَان.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ سراقَة بن مَالك بن جعْشم الْكِنَانِي المدلجي أَبُو سُفْيَان أسلم بعد الطَّائِف، وَيُقَال: وَحَيْثُ جَاءَ فِي الرِّوَايَات: سراقَة بن جعْشم، يكون نسبته إِلَى جده.
قَوْله: ( دِيَة فِي كل وَاحِد) أَي: مائَة من الْإِبِل، وَصرح بذلك مُوسَى بن عقبَة وَصَالح ابْن كيسَان فِي روايتهما عَن الزُّهْرِيّ.
قَوْله: ( ودية) مَنْصُوب بقوله: ( يجْعَلُونَ) ويروى: دِيَة كل وَاحِد، بِإِضَافَة دِيَة إِلَى كل، قَوْله: ( من قَتله) ويروى: لمن قَتله، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَلِكَ فِي: ( أَو أسره) .
قَوْله: ( فَبَيْنَمَا أَنا جَالس) ، قَول سراقَة.
قَوْله: ( أقبل) جَوَاب: بَيْنَمَا، ويروى: إِذْ أقبل.
قَوْله: ( وَنحن جُلُوس) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَالْجُلُوس جمع جَالس.
قَوْله: ( فَقَالَ: يَا سراقَة) الْقَائِل هُوَ الرجل الَّذِي هُوَ من بني مُدْلِج.
قَوْله: ( رَأَيْت أنفًا) أَي: فِي هَذِه السَّاعَة.
قَوْله: ( أَسْوِدَة) أَي: أشخاصاً.
قَوْله: ( فَعرفت أَنهم هم) أَي: عرفت أَن الأسودة هم مُحَمَّد وَأَصْحَابه.
قَوْله: ( فَقلت لَهُ) الْقَائِل سراقَة لذَلِك الرجل ( إِنَّهُم) أَي: إِن الأسودة ( لَيْسُوا بهم) أَي: بِمُحَمد وَأَصْحَابه، ثمَّ استدرك بقوله: ( وَلَكِنَّك رَأَيْت فلَانا وَفُلَانًا انْطَلقُوا بأعيننا) ، أَي: فِي نَظرنَا مُعَاينَة ( يتبعُون ضَالَّة لَهُم) .
قَوْله: ( ثمَّ قُمْت) كَلَام سراقَة.
وَكَذَلِكَ قَوْله: ( فَدخلت، وَأمرت جاريتي) إِلَى قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) .
قَوْله: ( أكمة) وَهِي الرابية المرتفعة عَن الأَرْض.
قَوْله: ( فخططت) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي بِالْمُهْمَلَةِ، أَي: أمكنت أَسْفَله.
قَوْله: ( بزجه) بِضَم الزاء وَتَشْديد الْجِيم: وَهُوَ الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فخططت بِهِ.
قَوْله: ( وخفضت عاليه) أَي: عالي الرمْح لِئَلَّا يظْهر بريقه لمن بَعُد مِنْهُ لِأَنَّهُ كره أَن يتبعهُ أحد فيشركه فِي الْجعَالَة، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث الْحسن عَن سراقَة: وَجعلت أجر الرمْح مَخَافَة أَن يشركني أهل المَاء فِيهَا.
قَوْله: ( فرفعتها) بالراء، أَي: أسرعت بهَا السّير.
قَالَ ابْن الْأَثِير: أَي: كلفتها الْمَرْفُوع من السّير وَهُوَ فَوق الْمَوْضُوع وَدون الْعَدو، يُقَال: أرفع دابتك، أَي: أسْرع بهَا، ويروى: دفعتها بِالدَّال، يُقَال: دفع نَاقَته إِذا حملهَا على السّير.
قَوْله: ( تقرب بِي) من التَّقْرِيب وَهُوَ السّير دون الْعَدو وَفَوق الْعَادة.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: هُوَ أَن ترفع الْفرس يَديهَا مَعًا وتضعهما مَعًا.
قَوْله: ( فَخَرَرْت عَنْهَا) أَي: عَن دَابَّتي، من الخرور بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ السُّقُوط.
قَوْله: ( فَأَهْوَيْت يَدي) أَي: بسطتها إِلَيْهَا للأخذ.
والكنانة الخريطة المستطيلة من جولد تجْعَل فِيهَا السِّهَام وَهِي الجعبة.
قَوْله: ( الأزلام) وَهِي: القداح وَهُوَ السِّهَام الَّتِي لَا ريش لَهَا وَلَا نصل، وَكَانَ لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة هَذِه الأزلام مَكْتُوبًا عَلَيْهَا: ( لَا) ( وَنعم) ، فَإِذا اتّفق لَهُم أَمر من غير قصد كَانُوا يخرجونها، فَإِن خرج مَا عَلَيْهِ: ( نعم) ، مضى على عزمه، وَإِن خرج ( لَا) انْصَرف عَنهُ.
قَوْله: ( فاستقسمت بهَا) من الاستقسام وَهُوَ طلب معرفَة النَّفْع والضر بالأزلام، أَي: التفاؤل بهَا.
قَوْله: ( فَخرج الَّذِي أكره) أَي: الَّذِي لَا يضرهم، وَصرح بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ ومُوسَى وَابْن إِسْحَاق، زَاد: أَو كنت أَرْجُو أَن أرده وَأخذ الْمِائَة النَّاقة.
قَوْله: ( وعصيت الأزلام) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، أَرَادَ أَنه مَا الْتفت إِلَى الَّذِي خرج مَا يكرههُ.
قَوْله: ( تقرب بِي) يَعْنِي: فرسه، وَمضى معنى التَّقْرِيب آنِفا.
قَوْله: ( وَهُوَ لَا يلْتَفت) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَالْحَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يلْتَفت، وَأَبُو بكر يكثر الِالْتِفَات.
قَوْله: ( ساخت يدا فرسي) أَرَادَ أَنه حِين سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ساخت يدا فرسه، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: غاصت.
وَفِي حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر: فَوَقَعت لمنخريها.
قَوْله: ( حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار، فارتطمت بِهِ فرسه إِلَى بَطنهَا.
قَوْله: ( فحررت عَنْهَا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، أَي: سَقَطت.
قَوْله: ( ثمَّ زجرتها) أَي: حثثتها وحملتها على الْقيام ( فَنَهَضت) أَي: أسرعت للْقِيَام، وَلم تكد: من أَفعَال المقاربة أَي: لم تقرب من إِخْرَاج يَديهَا.
قَوْله: ( فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة) أَي: بعد تحمل شدَّة فِي الْقيام، وَفِي رِوَايَة أنس، ثمَّ قَامَت تحمحم، الحمحمة بالحائين المهمتين: صَوت الْفرس وصهيله.
قَوْله: ( إِذا) ، كلمة مفاجأة وَهِي جَوَاب: لما، قَوْله: ( لأثر يَديهَا) اللَّتَيْنِ غاصتا فِي الأَرْض.
قَوْله: ( عثان) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَبعد الْألف نون: وَهُوَ الدُّخان من غير نَار، و: عثان مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله: ( لأثر يَديهَا) مقدما.
قَوْله: ( سَاطِع) أَي: منتشر مُرْتَفع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: غُبَار، بغين مُعْجمَة مَضْمُومَة وباء مُوَحدَة، وبراء.
قَالَ الْكرْمَانِي: هَذِه هِيَ الْأَصَح، وَقيل: الأولى هِيَ الْأَشْهر، وَفِي رِوَايَة مُوسَى ابْن عقبَة والإسماعيلي: واتبعها دُخان مثل الْغُبَار، وَفِيه: فَعلمت أَنه منع مني.
قَوْله: ( فناديتهم بالأمان) ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فناديت الْقَوْم: أَنا سراقَة بن مَالك بن جعْشم، أنظروني أكلمكم، فوَاللَّه لَا آتيكم وَلَا يأتيكم مني شَيْء تكرهونه.
قَوْله: ( وَأَخْبَرتهمْ أَخْبَار مَا يُرِيد النَّاس بهم) أَي: من الْحِرْص على الظفر بهم وبذل المَال لمن يحصلهم لَهُم.
قَوْله: ( فَلم يرزآني) برَاء ثمَّ زَاي أَي: لم يأخذا مني شَيْئا وَلم ينقصا من مَالِي، يُقَال: رزأته، أرزؤه، وَأَصله النَّقْص ويرزآني تَثْنِيَة يرزأ، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر، وَكَذَلِكَ فِي: ( وَلم يسألاني) قَوْله: ( إِلَّا أَن قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر، ويروى: إلاَّ أَن قَالَا بالتثنية يَعْنِي: كِلَاهُمَا قَالَا ( إخف عَنَّا) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: أَمر من الْإخْفَاء.
قَوْله: ( فَسَأَلته) أَي: قَالَ سراقَة: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( أَن يكْتب لي كتاب أَمن) بِسُكُون الْمِيم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: كتاب موادعة، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: كتابا يكون آيَة بيني وَبَيْنك.
قَوْله: ( فَأمر) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَامر بن فهَيْرَة.
قَوْله: ( فَكتب لي فِي رقْعَة من أَدَم) وَهُوَ بِفتْحَتَيْنِ اسْم لجمع: أَدِيم، وَهُوَ الْجلد المدبوغ، ويروى: من أَدِيم، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَكتب لي كتابا فِي عظم أَو رقْعَة أَو خرقَة، ثمَّ أَلْقَاهُ إِلَيّ فَأَخَذته فَجَعَلته فِي كِنَانَتِي ثمَّ رجعت.

قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مُتَّصِل إِلَى ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا، قَوْله: ( فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَهَذَا مُرْسل وَصله الْحَاكِم من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَة أَنه سمع الزبير ... الحَدِيث.
قَوْله: ( لَقِي الزبير) أَي: ابْن الْعَوام،.

     وَقَالَ  مُوسَى ابْن عقبَة: يُقَال: لما دنا، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ طَلْحَة قدم من الشَّام، فَخرج عَامِدًا إِلَى مَكَّة إِمَّا متلقياً وَإِمَّا مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ ثِيَاب أهداها لأبي بكر من ثِيَاب الشَّام، فَلَمَّا لقِيه أعطَاهُ فَلبس مِنْهَا هُوَ وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الدمياطي: لم يذكر الزبير بن بكار الزبير بن الْعَوام وَلَا أهل السّير، وَإِنَّمَا هُوَ طَلْحَة بن عبيد الله.
.

     وَقَالَ  ابْن سعد: لما ارتحل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْحجاز فِي هجرته إِلَى الْمَدِينَة لقِيه طَلْحَة بن عبيد الله من الْغَد جائياً من الشَّام، فكسا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبا بكر من ثِيَاب الشَّام، وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن من بِالْمَدِينَةِ من الْمُسلمين قد استبطأوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتعجل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد رجح الدمياطي الَّذِي فِي ( السّير) على الَّذِي فِي ( الصَّحِيح) وَالْأولَى أَن يجمع بَينهمَا بِأَن يكون كل من طَلْحَة وَالزُّبَيْر أهْدى لَهما من الثِّيَاب.
قَوْله: ( فِي ركب) ، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْكَاف: جمع رَاكب، كتجر جمع تَاجر.
قَوْله: ( قافلين) ، نصب على الْحَال، أَي: رَاجِعين.
قَوْله: ( مخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
ويروى: بمخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مصدر ميمي بِمَعْنى الْخُرُوج.
قَوْله: ( يَغْدُونَ) بِسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَي: يخرجُون غدْوَة.
قَوْله: ( أَو فِي رجل) ، أَي: اطلع إِلَى مَكَان عَال فَأَشْرَف مِنْهُ.
قَوْله: ( على أَطَم) ، بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْحصن، وَيُقَال: بِنَاء من حجر كالقصر.
قَوْله: ( مبيضين) ، نصب على الْحَال أَي: عَلَيْهِم الثِّيَاب الْبيض الَّتِي كساهم إِيَّاهَا الزبير أَو طَلْحَة أَو كِلَاهُمَا،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: مستعجلين، وَحكى عَن ابْن فَارس، يُقَال: بائض أَي مستعجل.
قَوْله: ( يَزُول بهم السراب) ، أَي: يَزُول السراب عَن النّظر بِسَبَب عروضهم لَهُ، وَقيل: مَعْنَاهُ ظَهرت حركتهم فِيهِ للعين، والسراب بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة هُوَ الَّذِي يرى فِي شدَّة الْحر كَالْمَاءِ، فَإِذا جِئْته لم تلق شَيْئا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { يحسبه الظمآن مَاء} ( النُّور: 39) .
الْآيَة.
قَوْله: ( يَا معشر الْعَرَب) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عُوَيْمِر: يَا بني قيلة، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي: الْجدّة الْكُبْرَى من الْأَنْصَار وَالِدَة الْأَوْس والخزرج، وَهِي: قيلة بنت كَاهِل بن عدي.
قَوْله: ( هَذَا جدكم) ، بِفَتْح الْجِيم أَي: حظكم وَصَاحب دولتكم الَّذِي تتوقعونه، وَفِي رِوَايَة معمر: ( هَذَا صَاحبكُم) .
قَوْله: ( بِظهْر الْحرَّة) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا الْحِجَارَة السود، وَقد مرت غير مرّة.
قَوْله: ( فِي بني عَمْرو بن عَوْف) ، أَي: ابْن مَالك بن أَوْس بن حَارِثَة، ومنازلهم بقباء وَهِي على فَرسَخ من الْمَسْجِد النَّبَوِيّ بِالْمَدِينَةِ.
قَوْله: ( وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول) ، وَلم يبين أَي يَوْم الْإِثْنَيْنِ من الشَّهْر، وَفِيه اخْتِلَاف كثير.
فَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب: قدمهَا لهِلَال ربيع الأول، أَي: أول يَوْم مِنْهُ، وَعَن إِبْنِ إِسْحَاق: قدمهَا لليلتين خلتا من ربيع الأول، وَنَحْوه عِنْد أبي معشر، لَكِن قَالَ: لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ.
وَفِي ( شرف الْمُصْطَفى) من طَرِيق أبي بكر بن حزم: قدم لثلاث عشرَة من ربيع الأول، وَفِيه من حَدِيث عمر: ثمَّ نزل على بني عَمْرو بن عَوْف يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين بَقِيَتَا من ربيع الأول، وَعند الزبير فِي خبر الْمَدِينَة عَن ابْن شهَاب: فِي نصف ربيع الأول، وَيُمكن الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات بِالْحملِ على الِاخْتِلَاف فِي مُدَّة إِقَامَته بقباء، فَعَن أنس: أَنه أَقَامَ بقباء أَربع عشرَة لَيْلَة، وَعَن الْكَلْبِيّ أَربع لَيَال فَقَط، وَعَن مُوسَى بن عقبَة: ثَلَاث لَيَال، وَحكى عَن الزبير بن بكار إثنين وَعشْرين يَوْمًا، وعَلى اعْتِدَاد يَوْم الدُّخُول وَالْخُرُوج وَعدم اعتدادهما، فَافْهَم.
قَوْله: ( فَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس) أَي: يتلقاهم.
قَوْله: ( فَطَفِقَ) أَي: جعل من جَاءَ من الْأَنْصَار يحيى أَبَا بكر، أَي: يسلم عَلَيْهِ قَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك بِأبي بكر لِكَثْرَة تردده إِلَيْهِم فِي التِّجَارَة إِلَى الشَّام، فَكَانُوا يعرفونه، وَأما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يأتها بعد أَن كبر.
قَوْله: ( فَنزل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بني عَمْرو بن عَوْف) قيل: نزل على كُلْثُوم بِهِ الْهدم، وَقيل: سعيد بن حثْمَة، وَلَا خلاف أَنه نزل فِي الْمَدِينَة على أبي أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( وَأسسَ الْمَسْجِد) ، أَي: مَسْجِد قبَاء.
قَوْله: ( الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى) هَذَا صَرِيح فِي أَنه مَسْجده، وَقد اخْتلف فِي ذَلِك فِي زَمَانه، فَقيل: إِنَّه مَسْجده، وَقيل: إِنَّه مَسْجِد قبَاء، وَالْأول أثبت.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: إِنَّه لَيْسَ باخْتلَاف، وَكِلَاهُمَا أسس على التَّقْوَى.
قَوْله: ( وَكَانَ مربداً) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يجفف فِيهِ التَّمْر.
قَوْله: ( لسهيل وَسَهل) ابْني رَافع بن عَمْرو بن عَائِذ بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار، وَسُهيْل شهد بَدْرًا دون أَخِيه سهل.
قَوْله: ( فِي حجر أسعد بن زُرَارَة) بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ من حجر الثَّوْب، وَهُوَ طرفه الْمُقدم لِأَن الْإِنْسَان يُربي وَلَده فِي حجره وَالْوَلِيّ الْقَائِم بأَمْره كَذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْحجر، بِالْفَتْح وَالْكَسْر: الثَّوْب والحصن، والمصدر بِالْفَتْح لَا غير، وأسعد بن زُرَارَة بِالْألف فِي أَوله، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده: سعد بن زُرَارَة، بِدُونِ الْألف، وَالْأول هُوَ الْأَوْجه، وَكَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام من الْأَنْصَار، وَوَقع فِي ( مُرْسل ابْن سِيرِين) عِنْد أبي عبيد فِي الْغَرِيب: أَنَّهُمَا كَانَا فِي حجر معَاذ بن عفراء، وَحكى الزبير أَنَّهُمَا كَانَا فِي حجر أبي أَيُّوب، وَالْأول أثبت.
قَوْله: ( حَتَّى ابتاعه مِنْهُمَا) ، أَي: حَتَّى اشْتَرَاهُ من سُهَيْل وَسَهل، وَعَن الْوَاقِدِيّ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر أَبَا بكر أَن يعطيهما ثمنه، وَقيل: أعطاهما عشرَة دَنَانِير، وَعَن الزبير: أَن أَبَا أَيُّوب أرضاهما عَن ثمنه.
فَإِن قلت: قد تقدم فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد من حَدِيث أنس: أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: يَا بني النجار ثامنوني بحائطكم؟ قَالُوا: لَا وَالله لَا نطلب ثمنه إلاَّ إِلَى الله؟ قلت: يجمع بَينهمَا بِأَنَّهُم لما قَالُوا: لَا نطلب ثمنه إلاَّ إِلَى الله، سَأَلَ عَمَّن يخْتَص بِملكه مِنْهُم، فعينوا لَهُ الغلامين فابتاعه مِنْهُمَا، وَيحْتَمل أَن يكون الَّذين قَالُوا: لَا نطلب ثمنه إلاَّ إِلَى الله، تحملوا عَنهُ الغلامين بِالثّمن.
قَوْله: ( فَطَفِقَ) ، أَي: جعل ( ينْقل اللَّبن) ، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الطوب النيء الَّذِي لم يحرق.
قَوْله: ( هَذَا الْحمال) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم أَي: هَذَا مَحْمُول من اللَّبن ( أبر عِنْد الله) أَي: أبقى ذخْرا وَأكْثر ثَوابًا وأدوم مَنْفَعَة وَأَشد طَهَارَة ( من حمال خَيْبَر) أَي: الَّتِي تحمل مِنْهَا من التَّمْر وَالزَّبِيب وَنَحْو ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: هَذَا الْجمال، بِفَتْح الْجِيم.
قَوْله: ( رَبنَا) منادًى مُضَاف، أَي: يَا رَبنَا.
قَوْله: ( فتمثل بِشعر رجل من الْمُسلمين) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الشّعْر الْمَذْكُور، وَأَن يُرَاد شعر آخر،.

     وَقَالَ  بَعضهم الأول هُوَ الْمُعْتَمد قلت: لم يبين وَجهه، والاعتماد لَا يكون إلاَّ بالعماد.

قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) أَي: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث.
قَوْله: ( غير هَذَا الْبَيْت) ويروى: غير هَذِه الأبيات، زَاد ابْن عَائِذ فِي آخِره: الَّتِي كَانَ يرتجز بِهن وَهُوَ ينْقل اللَّبن لبنيان الْمَسْجِد.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: أنكر على الزُّهْرِيّ هَذَا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه رجز وَلَيْسَ بِشعر.
وَالثَّانِي: أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا هَل كَانَ ينشد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شعرًا أم لَا؟ وعَلى الْجَوَاز: هَل كَانَ ينشد بَيْتا وَاحِدًا وَيزِيد؟ وَأجِيب: عَن الأول: أَن الْجُمْهُور على أَن الرجز من أَقسَام الشّعْر إِذا كَانَ مَوْزُونا، وَعَن الثَّانِي: أَن الْمُمْتَنع على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنشاؤه لَا إنشاده، وَالله أعلم.





[ قــ :377 ... غــ :3907 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ حدَّثنَا هِشَامٌ عنْ أبِيهِ وفَاطِمَةَ عنْ أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ حِينَ أرَادَا المَدِينَةَ فقُلْتُ لأبي مَا أجِدُ شَيْئَاً أرْبِطُهُ إلاَّ نِطَاقِي قَالَ فشُقِّيهِ ففَعَلْتُ فسُمِّيتُ ذاتَ النِّطَاقَيْنِ.
( انْظُر الحَدِيث 979 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق بِالْهِجْرَةِ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه وَعَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير وَهِي زَوْجَة هِشَام الْمَذْكُور، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر جدة فَاطِمَة الْمَذْكُورَة.
والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ حمل الزَّاد فِي الْغَزْو، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة ... إِلَى آخِره بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( أربطه) ويروى: أربطها، فالتذكير إِمَّا بِاعْتِبَار الطّرف أَو على تَقْدِير حذف الْمُضَاف أَي: رَأس السفرة، وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الَّذِي أَمر بشق نطاقها لتربط بهَا السفرة هُوَ أَبوهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.