فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه

( بابُُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ ورِعْلٍ وذَكْوَانَ وبِئْرِ مَعُونَةَ وحَدِيثِ عَضَلٍ والقارَة وعاصِمِ بنِ ثَابِتٍ وخُبَيْبٍ وأصْحَابِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان غَزْوَة الرجيع ... إِلَخ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلَفظ: بابُُ، والرجيع، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَهُوَ اسْم مَوضِع من بِلَاد هُذَيْل، وَكَانَت الْوَقْعَة بِالْقربِ مِنْهُ فسميت بِهِ،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: الرجيع على ثَمَانِيَة أَمْيَال من عسفان وَكَانَت فِي صفر من سنة أَربع، وَجزم ابْن التِّين بِأَن غَزْوَة الرجيع فِي آخر سنة ثَلَاث، وغزوة بِئْر مَعُونَة سنة أَربع، وغزوة بني لحيان سنة خمس.

قَوْله: ( ورعل) أَي: وغزوة رعل، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وباللام، وَهُوَ بطن من بني سليم ينسبون إِلَى رعل بن عَوْف بن مَالك بن امرىء الْقَيْس بن بهثة بن سليم.
قَوْله: ( وذكوان) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ أَيْضا بطن من بني سليم، ينسبون إِلَى ذكْوَان بن ثَعْلَبَة بن بهثة بن سليم، فنسبت الْغَزْوَة إِلَيْهَا.
قَوْله: ( وبئر مَعُونَة) بِفَتْح الْمِيم وَضم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون: وَهُوَ مَوضِع فِي بِلَاد هُذَيْل بَين مَكَّة وَعُسْفَان.
قَوْله: ( وَحَدِيث عضل والقارة) أَي: وَفِي بَيَان حَدِيثهمَا، أما عضل، فبالعين الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة المفتوحتين وَهُوَ بطن من بني الْهون بن خُزَيْمَة ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر ينتسبون إِلَى عضل بن الديش بن محلم بن غَالب بن عائذة بن يشيع بن مليح بن الْهون بن خُزَيْمَة، قَالَ الرشاطي: يُقَال لَهُم: القارة.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ: الديش هم لقارة، وَأما القارة، فبالقاف وَتَخْفِيف الرَّاء: وَهُوَ بطن من الْهون ينتسبون إِلَى الديش الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: القارة أكمة سَوْدَاء فِيهَا حِجَارَة كَأَنَّهُمْ نزلُوا عِنْدهَا فسموا بهَا.
قَوْله: ( وَعَاصِم بن ثَابت) أَي: وَحَدِيث عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح، بِالْقَافِ والحاء الْمُهْملَة الْأنْصَارِيّ، وخبيب أَي: وَحَدِيث خبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر غير مرّة.
قَوْله: وَأَصْحَابه أَي: أَصْحَاب خبيب، وهم الْعشْرَة.
وَأعلم أَن غَزْوَة الرجيع وبئر مَعُونَة شَيْء وَاحِد على سِيَاق هَذِه التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن غَزْوَة الرجيع، كَانَت سَرِيَّة عَاصِم وخبيب فِي عشرَة أنفس وَهِي مَعَ عضل، والقارة، وبئر مَعُونَة كَانَت سَرِيَّة الْقُرَّاء السّبْعين، وَهِي مَعَ رعل وذكوان، وَأعلم أَيْضا أَنه لم يَقع ذكر عضل والقارة عِنْد البُخَارِيّ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا وَقع ذَلِك عِنْد ابْن إِسْحَاق.

قَالَ ابنُ إسْحَاقَ حدَّثنا عاصِمُ بنُ عُمَرَ أنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب ( الْمَغَازِي) : حَدثنَا عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة بن النُّعْمَان الظفري الْأنْصَارِيّ الأوسي، كَانَ عَلامَة بالمغازي.
قَوْله: ( أَنَّهَا) أَي: أَن غَزْوَة الرجيع كَانَت بعد غَزْوَة أحد، فَإِنَّهُ لما استوفى قصَّة أحد ذكر يَوْم الرجيع: حَدثنِي عَاصِم ابْن عمر قَالَ: قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أحد رَهْط من عضل والقارة، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! إِن فِينَا إسلاماً فَابْعَثْ مَعنا نَفرا من أَصْحَابك يفقهوننا، فَبعث مَعَهم سِتَّة من أَصْحَابه وهم: مرْثَد بن أبي مرْثَد الغنوي حَلِيف حَمْزَة بن عبد الْمطلب، وَهُوَ أَمِير الْقَوْم، وخَالِد بن بكير اللَّيْثِيّ حَلِيف بني عدي أَخُو بني جحجبي، وثات بن أبي الْأَفْلَح، وخبيب بن عدي، وَزيد بن الدثنة، وَعبد الله بن طَارق، فَذكر الْقِصَّة.



[ قــ :3888 ... غــ :4086 ]
- حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَمْرِو ابنِ أبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّةً عَيْنَاً وأمَّرَ عَلَيْهِمْ عاصِمَ بنَ ثَابِتٍ وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا كانَ بَيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مَائَةِ رَامٍ فاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ فوَجَدُوا فِيهِ نَوَي تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ فقالُوا هاذا تَمْرُ يَثْرِبَ فتَبِعُوا آثَارَهُمْ حتَّى لَحِقُوهُمْ فلَمَّا انْتَهَى عاصِمٌ وأصْحَابَهُ لَجؤُا إِلَى فَدْفَدٍ وجاءَ القَوْمُ فأحَاطُوا بِهِمْ فَقالُوا لَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ إنْ نَزَلْتُمْ إلَيْنَا أنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلاً فَقَالَ عاصِمٌ أمَّا أنَا فَلا أنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كافِرٍ أللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَقاتَلُوهُمْ حتَّى قَتَلُوا عاصِمَاً فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بالنَّبْلِ وبَقِيَ خُبَيْبٌ وزَيْدٌ ورَجُلٌ آخَرُ فأعْطُوهُمُ العَهْدَ والمِيثَاقَ فلَمَّا أعْطَوْهُمُ العَهْدَ والمِيثَاقَ نَزَلُوا إلَيْهِمْ فلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فرَبَطُوهُمْ بِهَا فقَالَ الرُّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا هاذَا أوَّلُ الغَدْرِ فأبَى أنْ يَصْحَبَهُمْ فجَرَّرُوهُ وعالَجُوهُ علَى أنْ يَصْحَبَهُمْ فلَمْ يَفْعَلْ فقَتَلُوهُ وانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وزَيْدٍ حتَّى باعُوهُما بِمَكَّةَ فاشْتَرَى خُبَيْبَاً بَنُو الحَارِثِ بنِ عامِرِ بنِ نَوْفَلٍ وكانَ خُبَيْبٌ هُوَ قتَلَ الحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فمَكَثَ عِنْدَهُمْ أسِيرَاً حتَّى إذَا أجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتعارَ مُوساى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فأعَارَتْهُ قالَتْ فغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فدَرَجَ إلَيْهِ حتَّى أتَاهُ فوَضَعَهُ علَى فَخِذِهِ فلَمَّا رأيْتُهُ فزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذااكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ المُوساى فَقَالَ أتَخْشَيْنَ أنْ أقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لاَِفْعَلَ ذالِكَ إنْ شَاءَ الله وكانَتْ تقُولُ مَا رأيْتُ أسِيرَاً قَط خَيْرَاً مِنْ خُبَيْبٍ لَقَدْ رأيْتُهُ يأكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ وإنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ وَمَا كانَ إلاَّ رِزْقٌ رزَقَهُ الله فخَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمَ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ دَعُونِي أصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انصَرَفَ إلَيْهِمْ فَقَالَ لَوْلا أنْ تَرَوْا أنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ المَوْتِ لَزِدْتُ فَكانَ أوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ هُوَ ثُمَّ قَالَ أللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدَاً ثُمَّ قالَ:
( مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمَاً ... علَى أيِّ شِقٍّ كانَ لله مَصْرَعِي)

( وذَلِكَ فِي ذَاتِ الإلاهِ وإنْ يَشَأ ... يُبَارِكْ علَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ)

ثُمَّ قامَ إلَيْهِ عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ فقَتَلَهُ وبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى عاصِمٍ لِيُؤْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عاصِمٌ قتَلَ عَظِيمَاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْر فبَعَثَ الله علَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ علَى شَيْءٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ هَل يستأسر الرجل؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ الخ، ثمَّ أخرجه أَيْضا فِي أثْنَاء أَبْوَاب غَزْوَة بدر عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن شهَاب ... إِلَخ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم على بعض شَيْء أَيْضا.

قَوْله: ( عَن عَمْرو بن سُفْيَان) عَمْرو، بِفَتْح الْعين، هَكَذَا تقدم فِي الْجِهَاد: عَمْرو بن أبي سُفْيَان بن أسيد بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ، وَهُوَ حَلِيف لبني زهرَة، وَكَانَ من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة، وَإِبْرَاهِيم ابْن سعد يَقُول: عَن الزُّهْرِيّ عَن عمر، بِضَم الْعين، وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ البُخَارِيّ فِي ( تَارِيخه) : عَمْرو أصح.
قَوْله: ( سَرِيَّة) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بسرية، بِزِيَادَة بَاء مُوَحدَة فِي أَوله، وَقد مضى فِيمَا تقدم فِي غَزْوَة بدر: بعث عشرَة عينا أَي: يتجسسون لَهُ، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة بَعثهمْ عيُونا إِلَى مَكَّة ليأتوه بِخَبَر قُرَيْش.
قَوْله: ( وأمَّرَ) بتَشْديد الْمِيم.
قَوْله: ( عَاصِم بن ثَابت) وَفِي السّير: أَمر عَلَيْهِم مرْثَد بن أبي مرْثَد.
قَوْله: ( وَهُوَ جد عَاصِم بن عمر) وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَنه خَال عَاصِم لَا جده،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: جد عَاصِم عِنْد بَعضهم، وَأما الْأَكْثَرُونَ فَيَقُولُونَ: هُوَ خَاله لَا جده.
قَوْله: ( عسفان) بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ: وَهِي قَرْيَة على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة، وَقد مر غير مرّة.
قَوْله: ( ذكرُوا) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( بَنو لحيان) بِكَسْر اللاَّم، وَقيل بِفَتْحِهَا، ولحيان هُوَ ابْن هُذَيْل نَفسه، وهذيل هُوَ ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر، وَزعم الْهَمدَانِي النسابة أَن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلُوا فِي هُذَيْل فنسبوا إِلَيْهِم،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: إِن سَبَب خُرُوج بني لحيان عَلَيْهِم قتل سُفْيَان بن نتيج الْهُذلِيّ، وَكَانَ قتل سُفْيَان هَذَا على يَد عبد الله بن أنيس، وَذكر أَبُو دَاوُد قصَّته بِإِسْنَاد حسن.
قَوْله: ( فَاقْتَصُّوا آثَارهم) أَي: اتبعوها شَيْئا فَشَيْئًا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وَقَالَت لأخته قصيه} ( الْقَصَص: 11) أَي: اتبعي أَثَره، وَيجوز بِالسِّين.
قَوْله: ( إِلَى فدفد) ، بِفَتْح الفاءين وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى، وَهُوَ الرابية المشرفة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: إِلَى قردد، بقاف وَرَاء ودالين،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: هُوَ الْموضع الْمُرْتَفع، وَقيل: الأَرْض المستوية، وَالْأول أصح.
قَوْله: ( أللهم أخبر نبيك) ، ويروي: ( أللهم أخبر عَنَّا رَسُولك) ، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: عَن إِبْرَاهِيم بن سعد: فَاسْتَجَاب الله لعاصم، فَأخْبر رَسُوله خَبره فَأخْبر أَصْحَابه بذلك يَوْم أصيبوا.
قَوْله: ( فِي سَبْعَة) ، أَي: فِي جملَة سَبْعَة.
قَوْله: ( وَبَقِي خبيب) ، هُوَ ابْن عدي.
قَوْله: ( وَزيد) ، هُوَ ابْن الدثنة، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون.
قَوْله: ( وَرجل آخر) ، هُوَ عبد الله بن طَارق الظفري، بَين ذَلِك ابْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: فَأَما خبيب بن عدي وَزيد بن الدثنة وَعبد الله بن طَارق فاستأسروا.
قَوْله: ( فَقَالَ الرجل الثَّالِث) هُوَ عبد الله بن طَارق.
قَوْله: ( حَتَّى باعوهما) أَي: خبيباً وزيداً، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَأَما زيد فابتاعه صَفْوَان بن أُميَّة فَقتله بِأَبِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: الَّذِي تولى قَتله نسطاس مولى صَفْوَان.
قَوْله: ( فَاشْترى خبيباً بَنو الْحَارِث) ، بيّن ابْن إِسْحَاق أَن الَّذِي اشْتَرَاهُ جحير بن أبي أهاب التَّمِيمِي حَلِيف بني نَوْفَل، وَكَانَ أَخا الْحَارِث بن عَامر لأمه، وَفِي رِوَايَة بُرَيْدَة بن سُفْيَان بِأَنَّهُم اشْتَروا خبيباً بِأمة سَوْدَاء،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: باعوهما بأسيرين من هُذَيْل كَانَا بِمَكَّة، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِإِمْكَان الْجمع.
قَوْله: ( وَكَانَ خبيب هُوَ الَّذِي قتل الْحَارِث يَوْم بدر) هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فَذكر خبيب بن عدي فِيمَن شهد بَدْرًا،.

     وَقَالَ  الْحَافِظ الدمياطي، لم يذكر أحد من أهل الْمَغَازِي أَن خبيب بن عدي شهد بَدْرًا وَلَا قتل الْحَارِث بن عَامر، وَإِنَّمَا ذكرُوا أَن الَّذِي قتل الْحَارِث بن عَامر ببدر خبيب ابْن أساف، وَهُوَ غير خبيب بن عدي وَهُوَ خزرجي، وخبيب بن عدي أوسي.
قَوْله: ( من بعض بَنَات الْحَارِث) ذكر فِي ( الْأَطْرَاف) لخلف: أَن اسْمهَا زَيْنَب بنت الْحَارِث، وَهِي أُخْت عقبَة بن الْحَارِث الَّذِي قتل خبيباً، وَقيل: امْرَأَته.
قَوْله: ( وَكَانَت تَقول) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى بعض بِنَا الْحَارِث وَهُوَ زَيْنَب، كَمَا ذكرنَا،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: عَن عبد الله بن أبي نجيح، قَالَ: حدثت عَن ماوية مولاة جحير، بالراء فِي آخِره: ابْن أبي إهَاب، وَكَانَت قد أسلمت، قَالَت: حبس خبيب فِي بَيْتِي وَلَقَد أطلعت عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِن فِي يَده لقطفاً من عِنَب مثل رَأس الْحَبل يَأْكُل مِنْهُ قيل أَن كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا احْتمل أَن يكون كل من ماوية وَزَيْنَب رَأَتْ القطف فِي يَده يَأْكُلهُ وَإِن الَّتِي حبس فِي بَيتهَا ماوية، وَالَّتِي كَانَت تحرسه زَيْنَب، جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ، وَذكر ابْن بطال: أَن اسْم الْمَرْأَة جوَيْرِية، قَالَ بَعضهم: فَيحْتَمل أَن يكون لما رأى قَول ابْن إِسْحَاق، إِنَّهَا مولاة جحير بن أبي إهَاب أطلق عَلَيْهَا جوَيْرِية لكَونهَا أمته، أَو يكون وَقعت لَهُ رِوَايَة فِيهَا أَن اسْمهَا جويرة؟ قلت: الِاحْتِمَال الثَّانِي لَهُ وَجه، وَالْأول بعيد.
قَوْله: ( عَن صبي لي) ، ذكر الزبير بن بكار أَن هَذَا الصَّبِي هُوَ أَبُو حُسَيْن بن الْحَارِث بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف، وَهُوَ جد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ الْمُحدث، وَهُوَ من أَقْرَان الزُّهْرِيّ.
قَوْله: ( من قطف عِنَب) بِكَسْر الْقَاف: وَهُوَ العنقود.
قَوْله: ( لموثق) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة أَي: مُقَيّد بالحديد.
قَوْله: ( فَخَرجُوا بِهِ من الْحرم) ، قَالَ ابْن إِسْحَاق: أَخْرجُوهُ إِلَى التَّنْعِيم.
قَوْله: ( دَعونِي أُصَلِّي) بِالْيَاءِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أصلِّ، بِغَيْر يَاء.
.

     وَقَالَ  مُوسَى بن عقبَة: إِنَّه صلى رَكْعَتَيْنِ فِي مَوضِع مَسْجِد التَّنْعِيم.
قَوْله: ( أللهم إحصهم عددا) دُعَاء عَلَيْهِم بالاستئصال والهلاك بِحَيْثُ لَا يبْقى مِنْهُم أحد، وَزَاد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: ( واقتلهم بدداً) .
أَي: مُتَفَرّقين ( وَلَا تبْق مِنْهُم أحدا) ويروى أَنه لما رفع على الْخَشَبَة اسْتقْبل الدُّعَاء، فلبد رجل بِالْأَرْضِ خوفًا من دُعَائِهِ، وَأَنه لم يحل الْحول وَمِنْهُم أحد غير ذَلِك الرجل الَّذِي لبد بِالْأَرْضِ.
قَوْله: ( قتل عَظِيما من عظمائهم يَوْم بدر) ، قيل: لَعَلَّ الْعَظِيم الْمَذْكُور عقبَة بن أبي معيط، فَإِن عَاصِمًا قَتله صبرا بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أَن انصرفوا من بدر.
قَوْله: ( مثل الظلة) ، بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة وَهِي السحابة.
قَوْله: ( من الدبر) بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي: الزنابير، وَقيل: ذُكُور النَّحْل، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه.
قَوْله: ( فحمته) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْمِيم: أَي: منعته مِنْهُم فَلم يقدروا مِنْهُ على شَيْء، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: فَلم يقدروا أَن يقطعوا من لَحْمه شَيْئا، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: فَبعث الله عَلَيْهِم الدبر يطير فِي وُجُوههم ويلدغهم فحالت بَينهم وَبَين أَن يقطعوا.





[ قــ :3889 ... غــ :4087 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وسَمِعَ جابِرَاً يقُولُ الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبَاً هُوَ أبُو سِرْوَعَةَ.


سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار وَجَابِر هُوَ ابْن عبد الله، وَأَبُو سروعة، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو وَالْعين الْمُهْملَة: كنية عقبَة بن الْحَارِث.





[ قــ :3890 ... غــ :4088 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقالُ لَهُمْ القُرَّاءُ فعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ القَوْمُ وَالله مَا إيَّاكُمْ أرَدْنَا إنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلْنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَتَلُوهُمْ فدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ شَهْرَاً فِي صَلاَةِ الغَدَاةِ وذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب.
قَوْله: ( لحَاجَة) ، فسر قَتَادَة الْحَاجة فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، بقوله: عَن أنس أَن رعلاً وذكوان وَبني لحيان استمدوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على عَدو فَأَمَدَّهُمْ بسبعين من الْأَنْصَار.
قَوْله: ( يُقَال لَهُم الْقُرَّاء) وَفِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ: ( كُنَّا نسميهم الْقُرَّاء فِي زمانهم) .
قَوْله: ( حَيَّان) ، تَثْنِيَة حَيّ.
قَوْله: ( من بني سليم) ، بِضَم السِّين.
قَوْله: ( رعل) أَي: أَحدهمَا رعل وَالْآخر ذكْوَان.
قَوْله: ( وَذَلِكَ بَدْء الْقُنُوت) ، أَي: ابْتِدَاء الْقُنُوت فِي الصَّلَاة، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي الصَّلَاة.
قَوْله: ( وَمَا كُنَّا نقنت) ، أَي: قبل ذَلِك.

قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ وسألَ رَجُلٌ أنَسَاً عَنِ القُنُوتِ أبَعْدَ الرُّكُوعِ أوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ قَالَ لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ القِرَاءَةِ
عبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب الْمَذْكُور، وَقَول أنس هَذَا صَرِيح فِي أَن قِرَاءَة الْقُنُوت قبل الرُّكُوع.





[ قــ :389 ... غــ :4090 ]
- حدَّثني عَبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رِعْلاً وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لِحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى عَدُوٍّ فأمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمِ القُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كانُوا يَحْتَطِبُونَ بالنَّهَارِ ويُصَلُّونَ باللَّيْلِ حتَّى كانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قتَلُوهُمْ وغَدَرُوا بِهِمْ فبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذالِكَ فقَنَتَ شَهْرَاً يَدْعُو فِي الصُّبْحِ علَى أحْيَاءٍ مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أنَسٌ فقَرَأنَا فِيهِمْ قُرْآنَاً ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وأرْضَانَا.
.


هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ العون بالمدد، من وَجه آخر أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار عَن ابْن أبي عدي وَسَهل بن يُوسُف عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس إِلَى آخِره، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَعصيَّة، بِضَم الْغَيْن: مصغر عَصا.
قَوْله: ( وَبني لحيان) ، قيل: ذكر بني لحيان فِي هَذِه الْقِصَّة وهمٌ وَإِنَّمَا كَانَ بَنو لحيان فِي قصَّة خبيب فِي قصَّة الرجيع الَّتِي تقدّمت.
قَوْله: ( قُرْآنًا) ، أَرَادَ بِهِ تَفْسِير الْقُرْآن بِالْكتاب، وَلذَلِك قَالَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي الْآن: قُرْآنًا كتابا.
قَوْله: ( ثمَّ إِن ذَلِك رفع) ، أَرَادَ بِهِ نسخ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِلَفْظ: ( ثمَّ نسخ ذَلِك بلغُوا عَنَّا) ، إِلَى آخِره بَيَان قَوْله: ( قُرْآنًا) .

وعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ حدَّثَهُ أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَنَتَ شَهْرَاً فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو علَى أحْيَاءٍ مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لِحْيَانَ
هَذِه رِوَايَة أُخْرَى عَن قَتَادَة عَن أنس ... إِلَى آخِره.

زَادَ خَلِيفَةُ حدَّثنا ابنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ حدَّثنا أنَسٌ أنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ
هَذِه رِوَايَة أُخْرَى عَن قَتَادَة، وَالْحَاصِل أَنه روى عَن أنس ثَلَاث رِوَايَات.
الأولى: رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس.
وَالثَّانيَِة: رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس.
وَالثَّالِثَة: عَن قَتَادَة أَيْضا عَن أنس، زَاد فِيهَا خَليفَة بن خياط أحد شُيُوخ البُخَارِيّ: عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره.

قُرْآنَاً كِتَابَاً نَحْوَهُ
غَرَضه تَفْسِير الْقُرْآن بِالْكتاب كَمَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( نَحوه) ، أَي: نَحْو رِوَايَة عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد عَن يزِيد ابْن زُرَيْع ... إِلَى آخِره.





[ قــ :3893 ... غــ :4091 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ قَالَ حدَّثني أنَسٌ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ خالَهُ أخٌ لامِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ راكِبَاً وكانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاثِ خِصَالٍ فَقال يَكُونُ لَكَ أهْلُ السَّهْلِ ولِي أهْلُ المَدَر أوْ أكُونُ خَلِيفَتَكَ أوْ أغْزُوكَ بأهْلِ غَطَفَانَ بألْف وألْفٍ فَطُعِنَ عامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلانٍ فَقال غُدَّةٌ كغدةِ البَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأةٍ مِنْ آلِ فُلانٍ ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ علَى ظَهْرِ فرَسِهِ فانْطَلَقَ حَرَامٌ أخُو أُمِّ سُلَيْم وهْوَ رَجُلٌ أعْرَجٌ ورَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلانٍ قَالَ كُونَا قَرِيبَاً حتَّى آتِيَهُمْ فإنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ قرِيبَاً وَإِن قتَلُونِي أتَيْتُمْ أصْحَابَكُمْ فَقال أتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسالَةَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وأوْمَؤا إِلَى رَجُلٍ فأتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فطَعَنَهُ قَالَ هَمَّامٌ أحْسُبُهُ حتَّى أنْفَذَهُ بالرُّمْحِ قَالَ الله أكْبَرُ فُزْتُ ورَبِّ الكَعْبَةِ فلُحِقَ الرَّجُلُ فقُتِلُوا كُلُّهُمْ غيْرَ الأعْرَجِ كانَ فِي رأسِ جَبَلٍ فأنْزَلَ الله تعَالَى علَيْنَا ثُمَّ كَانِ مِنَ المَنْسُوخِ إنَا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فرَضِيَ عَنَّا وأرْضَانَا فدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ ثَلاثِينَ صَبَاحاً علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وبَنِي لَحْيَانَ وعُصَيَّةَ الَّذِينَ عصَوُوا الله ورَسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهَمَّام: بتَشْديد الْمِيم: هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ من ينكب فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن همام عَن إِسْحَاق وَفِيهِمَا من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.

قَوْله: ( بعث خَاله) أَي: خَال أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ واسْمه حرَام ضد حَلَال ابْن ملْحَان، وَاسم ملْحَان مَالك بن خَالِد بن زيد بن حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن غنم بن مَالك النجار الْأنْصَارِيّ، شهد بَدْرًا مَعَ أَخِيه سليم بن ملْحَان، وشهداً أحدا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: ( خَاله) الضَّمِير لأنس أَو للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ كَانَ خَاله إِمَّا من جِهَة الرضَاعَة وَإِمَّا من جِهَة النّسَب، وَإِن كَانَ بَعيدا.
قَوْله: ( أَخ لأم سليم) أَي: هُوَ أَخ لأم سليم فَيكون ارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، ويروى: ( أَخا لأم سليم) ، بِالنّصب على أَنه بدل من قَوْله: خَاله، الَّذِي هُوَ مفعول: بعث، وَأم سليم، بِضَم السِّين بنت ملْحَان كَانَت تَحت مَالك بن النَّضر أَبُو أنس بن مَالك فِي الْجَاهِلِيَّة، فَولدت لَهُ أنس بن مَالك، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أسلمت مَعَ قَومهَا وَعرضت الْإِسْلَام على زَوجهَا فَغَضب عَلَيْهَا وَخرج إِلَى الشَّام فَهَلَك هُنَاكَ، ثمَّ خلف عَلَيْهَا بعده أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: اخْتلف فِي إسم أم سليم: فَقيل: سهلة، وَقيل: رميلة، وَقيل: رمية، وَقيل: مليكَة، وَيُقَال: الغميصاء والرميصاء.
قَوْله: ( فِي سبعين رَاكِبًا) يتَعَلَّق بقوله: بعث.
قَوْله: ( عَامر بن الطُّفَيْل) ، بِضَم الطَّاء مصغر الطِّفْل ابْن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ ابْن أخي برَاء عَامر بن مَالك.
قَوْله: ( خير) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى عَامر وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعَالَى عَلَيْهِ السّلم وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد عَن مُوسَى بن اسماعيل شيخ البُخَارِيّ وَلَفظه وَكَانَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: أخيرك بَين ثَلَاث خِصَال، فَذكر الحَدِيث.
قَوْله: ( أهل السهل) ، أَي: الْبَوَادِي، وَأهل الْمدر أهل الْبِلَاد.
قَوْله: ( بِأَهْل غطفان) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وَالْفَاء، قَالَ الرشاطي: غطفان فِي قيس غيلَان غطفان بن سعد بن قيس، وَفِي حذام غطفان بن سعد إِبْنِ إِيَاس بن حرَام بن حذام، وَفِي جُهَيْنَة غطفان بن قيس بن جُهَيْنَة، قَالَ ابْن دُرَيْد: غطفان فعلان من الغطف وَهُوَ قلَّة هدب الْعَينَيْنِ.
قَوْله: ( بِأَلف وَألف) ، وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد بِأَلف أشقر وَألف شقراء.
قَوْله: ( فطعن عَامر) ، بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الْعين أَي: أَصَابَهُ الطَّاعُون وطلع لَهُ فِي أصل أُذُنه غُدَّة عَظِيمَة كالغدة الَّتِي تطلع على الْبكر.
قَوْله: ( غده) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال، قَالَ الْأَصْمَعِي: من أدواء الْإِبِل الغدة، يُقَال: أغد الْبَعِير فَهُوَ مغد، وناقة مغد بِغَيْر هَاء، وَيُقَال: جمل مغدود وناقة مغدودة، وكل قِطْعَة صلبة بَين القصبة والسلعة يركبهَا الشَّحْم فَهِيَ غُدَّة، تكون فِي الْعُنُق وَفِي سَائِر الْجَسَد.
قَوْله: ( الْبكر) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف: وَهُوَ الْفَتى من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْغُلَام من النَّاس، وَالْأُنْثَى بكرَة، وَقد يستعار للنَّاس.
قَوْله: ( فِي بَيت امْرَأَة من آل فلَان) ، وَقد بيّنت هِيَ فِي حَدِيث سهل بن سعد أخرجه الطَّبَرَانِيّ، فَقَالَ: امْرَأَة من آل سلول، وَفِي حَدِيث أَيْضا: وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَعَا عَلَيْهِ أَي: على عَامر، فَقَالَ: أللهم إكفني عَامِرًا، قَالَ: فجَاء إِلَى بَيت امْرَأَة من آل سلول، قلت: سلول هِيَ بنت ذهل بن شَيبَان وَزوجهَا مرّة بن صعصعة أَخُو عَامر بن صعصعة فنسب بنوه إِلَيْهَا.
قَوْله: ( فَانْطَلق حرَام) ، وَهُوَ خَال أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( وَهُوَ رجل أعرج) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال على حسب مَا وَقع هُنَا على أَن الْأَعْرَج صفة حرَام وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْأَعْرَج غَيره لِأَن حَرَامًا لم يكن أعرج، والأعرج غَيره، وَحرَام قتل والأعرج لم يقتل وَالصَّوَاب: فَانْطَلق حرَام هُوَ وَرجل أعرج، فَكَانَ الْكَاتِب قدم الْوَاو سَهوا، وَاسم الْأَعْرَج: كَعْب بن زيد من بني دِينَار بن النجار.
قَالَ الذَّهَبِيّ: بَدْرِي قتل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الخَنْدَق، وَوَقع فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد: فَانْطَلق حرَام ورجلان مَعَه: رجل أعرج وَرجل من بني فلَان، وَبَين ابْن هِشَام أَن اسْم الرجل الَّذِي من بني فلَان: الْمُنْذر بن مُحَمَّد بن عقبَة بن أحيحة ابْن الجلاح الخزرجي.
قَوْله: ( كونا) ، أَي: قَالَ حرَام للرجل الْأَعْرَج وللرجل الَّذِي من بني فلَان،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: كونُوا، بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع اثْنَان.
قَوْله: ( كُنْتُم) ، أَي: ثبتمْ، و: كَانَ، تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى خبر.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: فَإِن آمنوني كُنْتُم، وَقع هَذَا بطرِيق الِاكْتِفَاء.
قلت: إِن أَرَادَ اكْتِفَاء كَانَ عَن الْخَبَر فَلَا يجوز إلاَّ إِذا كَانَ: كَانَ، تَامَّة، وَوَقع فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد: فَإِن آمنوني كُنْتُم كَذَا، وَوَقع لأبي نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) : فَإِن آمنوني كُنْتُم قَرِيبا مني.
قلت: كَانَ، نَاقِصَة على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ على مَا لَا يخفى.
قَوْله: ( فَقَالَ: أتومنوني؟) أَي: فَقَالَ حرَام: أتعطوني الأمَان؟ والهمزة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستعلام، ويروى: أتومنونني؟ على الأَصْل.
قَوْله: ( أبلغ) بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام.
قَوْله: ( فَجعل يُحَدِّثهُمْ) أَي: جعل حرَام يحدث الْمُشْركين الَّذين أَتَى إِلَيْهِم، و: جعل من أَفعَال المقاربة وَهُوَ من الْقسم الثَّالِث مِنْهَا وَهُوَ مَا وضع لدنو الْخَبَر على وَجه الشُّرُوع فِيهِ وَالْأَخْذ فِي فعله.
قَوْله: ( وأومؤا) أَي: أشاروا.
قَوْله: ( قَالَ همام) ، هُوَ الْمَذْكُور فِي السَّنَد.
قَوْله: ( أَحْسبهُ) ، أَي: أَظن الطعْن أنفذه من جَانب إِلَى جَانب.
قَوْله: ( بِالرُّمْحِ) ، يتَعَلَّق بقوله: فطعنه، قَوْله: ( قَالَ: الله أكبر فزت وَرب الْكَعْبَة) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ حرَام، وَقد صرح بِهِ فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ على مَا يَأْتِي وَمعنى.
قَوْله: ( فزت) يَعْنِي بِالشَّهَادَةِ.
قَوْله: ( فلحق الرجل) ، فِي ضَبطه مَعَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَن يكون: لحق، على صِيغَة الْمَعْلُوم وَالرجل فَاعله، وَالْمرَاد بِهِ الرجل الَّذِي كَانَ رَفِيق حرَام، وَيكون فِيهِ حذف تَقْدِيره: فلحق الرجل بِالْمُسْلِمين.
الثَّانِي: أَن يكون: لحق، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالتَّقْدِير: لحق الرجل الَّذِي هُوَ رَفِيق حرَام، يَعْنِي: صَار ملحوقاً فَلم يقدر أَن يبلغ الْمُسلمين قبل بُلُوغ الْمُشْركين إِلَيْهِم.
الثَّالِث: أَن يكون لفظ: الرجل، بِسُكُون الْجِيم وَفتح اللاَّم وَيكون جمع: الراجل، وَيكون الْمَعْنى: فلحق الرِّجَال الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين فقاتلوهم وَقتل الْمُسلمُونَ كلهم، أَي: قتل السبعون الَّذين أرسلهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غير الْأَعْرَج، فَإِنَّهُ كَانَ فِي رَأس جبل، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن عمر عَن همام، تقدم فِي الْجِهَاد: فَقَتَلُوهُمْ إلاَّ رجلا أعرج صعد الْجَبَل، قَالَ همام: وَآخر مَعَه.
قَوْله: ( فَأنْزل الله علينا) ، الْمنزل هُوَ قَوْله: ( إِنَّا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا وأرضانا) وَقَوله: ( ثمَّ كَانَ من الْمَنْسُوخ) جملَة مُعْتَرضَة أَي: مِمَّا نسخت تِلَاوَته.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: إِمَّا أَن يكون كَانَ يُتْلَى ثمَّ نسخ رسمه، أَو كَانَ النَّاس يكثرون ذكره وَهُوَ من الْوَحْي ثمَّ تقادم حَتَّى صَار لَا يذكر إلاَّ خَبرا.
قَوْله: ( ثَلَاثِينَ صباحاً) يَعْنِي: فِي صَلَاة الْفجْر، وَفِي ( شرف الْمُصْطَفى) : لما أُصِيب أهل بِئْر مَعُونَة جَاءَت الْحمى إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إذهبي إِلَى رعل وذكوان وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله، فَاتَتْهُمْ فقتلت مِنْهُم سَبْعمِائة رجل لكل رجل من الْمُسلمين عشرَة.





[ قــ :3894 ... غــ :409 ]
- حدَّثني حِبَّانُ أخْبرَنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ حدَّثنِي ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بنُ مِلْحَانَ وكانَ خالَهُ يَوْمَ بِئْرِ معُونَةَ قَالَ بالدَّمِ هاكَذَا فنَضَحَهُ علَى وجْهِهِ ورَأسِهِ ثُمَّ قَالَ فُزْتُ ورَبِّ الكَعْبَةِ.
.


هَذَا من تَعْلِيق الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن حبَان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن معمر بن رَاشد عَن ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن عبد الله قَاضِي الْبَصْرَة، يروي عَن جده أنس بن مَالك.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن حَاتِم بن نعيم عَن حبَان بن مُوسَى بِهِ.

قَوْله: ( كَانَ خَاله) أَي: وَكَانَ حرَام بن ملْحَان خَال أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( يَوْم) ظرف لقَوْله: طعن.
قَوْله: ( قَالَ بِالدَّمِ) ، هَكَذَا هَذَا من إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل فَمَعْنَاه: أَخذ الدَّم من مَوضِع الطعْن فنضحه أَي: رشه على وَجهه وَرَأسه.





[ قــ :3895 ... غــ :4093 ]
- حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتِ اسْتَأذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبُو بَكْرٍ فِي الخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ علَيْهِ الأذَى فَقال لَهُ أقِمْ فَقالَ يَا رَسُولَ الله أتَطْمَعُ أنْ يُؤْذَنَ لَكَ فَكانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إنِّي لأرْجُو ذالِكَ قَالَتْ فانْتَظَرَهُ أبُو بَكْرٍ فأتَاهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرَا فَنَادَاهُ فَقَالَ أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقالَ أبُو بَكْرٍ إنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ فَقالَ أشَعَرْتَ أنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ فقَالَ يَا رسُولَ الله الصُّحْبَةُ فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّحْبَةُ قَالَ يَا رسُولَ الله عِنْدِي ناقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فأعْطَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحْدَاهُمَا وهْيَ الجَدْعَاءُ فرَجُ إلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ فلَمَّا خَرَجَا خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ فَقُتِلَ عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَقتل عَامر بن فهَيْرَة يَوْم بِئْر مَعُونَة) .
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير يروي عَن أَبِيه عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

قَوْله: ( فِي الْخُرُوج) يَعْنِي: فِي الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: ( الْأَذَى) يَعْنِي من كفار مَكَّة.
قَوْله: ( أتطمع؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستعلام.
قَوْله: ( أَن يُؤذن) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( ظهرا) يَعْنِي: فِي وَقت الظّهْر.
قَوْله: ( فَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أخرج) بِفَتْح الْهمزَة من الْإِخْرَاج ( وَمن عنْدك) فِي مَحل النصب على المفعولية.
قَوْله: ( إِنَّمَا هما ابنتاي) أَرَادَ بهما: أَسمَاء وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: ( أشعرت؟) مَعْنَاهُ إعلم، لِأَن الْهمزَة هُنَا خرجت عَن الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ، وَمثله قَوْله تَعَالَى: { ألم نشرح لَك صدرك} ( الشَّرْح: 1) .
أَي: شرحنا، وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ: ووضعنا.
قَوْله: ( قد أذن لي) على صِيغَة الْمَجْهُول.

قَوْله: ( الصُّحْبَة) مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي: أَتُرِيدُ الصُّحْبَة، أَي: المرافقة فِي الْهِجْرَة، وَالتَّقْدِير فِي الصُّحْبَة الثَّانِيَة؟ نعم أُرِيد الصُّحْبَة.
قَوْله: ( هِيَ الجدعاء) أَي: النَّاقة الَّتِي أَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ الَّتِي تسمى بالجدعاء، وَهِي المقطوعة الْأذن، وَمِنْه: خطب على نَاقَته الجدعاء،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: قيل: لم تكن نَاقَته مَقْطُوعَة الْأَذَان، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا اسْما لَهَا.
قَوْله: ( بثور) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِمَكَّة مُسَمّى باسم الْحَيَوَان الْمَشْهُور.
قَوْله: ( فتواريا) أَي: اختفيا فِيهِ، من التواري.
قَوْله: ( عَامر بن فهَيْرَة) ، هُوَ أَبُو عَمْرو كَانَ مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر فَأعْتقهُ، وَأسلم قبل أَن يدْخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَكَانَ مولداً من مولدِي الأزد أسود اللَّوْن، شهد بَدْرًا وأحداً.
والآن نذْكر وَفَاته.
قَوْله: ( لعبد الله بن طفيل) كَذَا وَقع هُنَا،.

     وَقَالَ  الدمياطي: صَوَابه: الطُّفَيْل بن عبد الله بن سَخْبَرَة بن جرثومة بن عائذة بن مرّة بن جشم بن الْأَوْس بن عَامر بن حَفْص بن النمر بن عُثْمَان بن نصر بن زُهَيْر ابْن أخي دهمان بن نصر بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نصر بن الأزد،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: الطُّفَيْل بن عبد الله بن سَخْبَرَة الْقرشِي، قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: لَا أَدْرِي من أَي قُرَيْش هُوَ؟ قَالَ: وَهُوَ أَخُو عَائِشَة لأمها.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: وَكَانَت أم رُومَان أم عَائِشَة تَحت عبد الله بن الْحَارِث بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ، وَكَانَ قدم بهَا مَكَّة فحالف أَبَا بكر قبل الْإِسْلَام وَتُوفِّي عَن أم رُومَان وَقد ولدت لَهُ الطُّفَيْل، ثمَّ خلف عَلَيْهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة، فهما أخوا الطُّفَيْل هَذَا لأمه.
قَوْله: ( أَخُو عَائِشَة لأمها) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أخي عَائِشَة، وَجه الأول على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ أَخُو عَائِشَة، وَوجه الثَّانِي على أَنه بدل من قَوْله: عبد الله بن الطُّفَيْل.
منحة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون؛ وَهِي نَاقَة يدر مِنْهَا اللَّبن.
قَوْله: ( يروح بهَا وَيَغْدُو) أَي: يروح عَامر بالمنحة الْمَذْكُورَة، وَيروح من الرواح وَهُوَ الذّهاب والمجيء بعد الزَّوَال، وَيَغْدُو بالغين الْمُعْجَمَة خلاف الرواح، وَقد غَدا يَغْدُو غدواً.
قَوْله: ( فيدلج) من الإدلاج من بابُُ الافتعال، أَي: يسير من آخر اللَّيْل، يُقَال: أدْلج، بِالتَّخْفِيفِ إِذا سَار من أول اللَّيْل، وادَّلج بِالتَّشْدِيدِ إِذا سَار من آخِره، وَالِاسْم مِنْهُ: دلجة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْح، وَمِنْهُم من يَجْعَل الإدلاج السّير فِي اللَّيْل كُله.
قَوْله: ( ثمَّ يسرح) أَي: ثمَّ يذهب بهَا إِلَى المرعى، يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة تسرح فَهِيَ سارحة، وسرحتها أَنا لَازِما ومتعدياً.
قَوْله: ( فَلَا يفْطن بِهِ) أَي: فَلَا يدْرِي بِهِ ( أحد من الرعاء) وَهُوَ جمع راعٍ.
قَوْله: ( فَلَمَّا خرجا) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( خرج مَعَهُمَا) أَي: خرج عَامر بن فهَيْرَة مَعَهُمَا إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: ( يعقبانه) بِضَم الْيَاء،.

     وَقَالَ  بَعضهم، يعقبانه، وَفِيه: يركبانه عقبَة، وَهُوَ أَن ينزل الرَّاكِب ويركب رَفِيقه ثمَّ ينزل الآخر ويركب الْمَاشِي.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي يردفانه بالنوبة، يَعْنِي: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يردف عَامِرًا نوبَة وَأَبُو بكر يردفه نوبَة.
قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أولى وأوجه، لِأَن الَّذِي قَالَه الْبَعْض يسْتَلْزم أَن يمشي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويركب عَامر.
وَهَذَا لَا شكّ أَن عَامِرًا كَانَ لَا يرضى بذلك وَلَا أَبُو بكر وَلَا هُوَ من الْأَدَب والمروءة، وَيُؤَيّد مَا قَالَه الْكرْمَانِي مَا قَالَه ابْن إِسْحَاق: لما ركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر أرْدف أَبُو بكر عَامِرًا مَوْلَاهُ خلقه ليخدمهما فِي الطَّرِيق.
قلت: هَذَا لَا يُنَافِي إِلَّا عِقَاب.
قَوْله: ( فَقتل عَامر بن فهَيْرَة يَوْم بِئْر مَعُونَة) وَكَانَ يَوْم بِئْر مَعُونَة فِي صفر سنة أَربع، وَقد مر بَيَانه.

وعَنْ أبِي أُسَامَةَ قَالَ قَالَ لي هِشامُ بنُ عُرْوَةَ فَأَخْبرنِي أبي قَالَ لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وأُسِرَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هاذَا فأشَارَ إلَى قَتيلٍ فَقال لَهُ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ هاذا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ فَقال لَقَدْ رأيْتُهُ بعدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّماءِ حتَّى إنِّي لأنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بيْنَهُ وبَيْنَ الأرْضِ ثُمَّ وُضِعَ فأتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرُهُمْ فنَعَاهُمْ فَقال إنَّ أصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وإنَّهُمْ قدْ سألُوا ربَّهُمْ فَقَالُوا ربَّنَا أخْبِرْ عَنَّا إخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ ورَضيتَ عَنَّا فأخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ وأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فيهِمْ عُرْوَةُ بنُ أسْمَاءَ بنِ الصَّلْتِ فسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ ومُنْذِرُ بنُ عَمْرٍ ووسُمِّيَ بِه مُنْذِراً
وَعَن أبي أُسَامَة، مَعْطُوف على قَوْله: حَدثنَا عبيد الله بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة وَإِنَّمَا فَصله ليميز الْمَوْصُول من الْمُرْسل، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قصَّة بِئْر مَعُونَة ذكر عَائِشَة، بِخِلَاف قصَّة الْهِجْرَة.
فَإِن فِيهَا ذكر عَائِشَة، كَمَا مضى الْآن قبل هَذَا.
قَوْله: ( لما قتل الَّذين ببئر مَعُونَة) ، وهم الْقُرَّاء الَّذين سبق ذكرهم.
قَوْله: ( وَأسر عَمْرو بن أُميَّة) ، بَين ذَلِك عُرْوَة فِي ( الْمَغَازِي) من رِوَايَة الْأسود عَنهُ، بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ إِلَى بِئْر مَعُونَة وَبعث مَعَه الْمطلب السّلمِيّ ليدلهم على الطَّرِيق، فَقتل الْمُنْذر ابْن عَمْرو وَأَصْحَابه إِلَّا عَمْرو بن أُميَّة، فَإِنَّهُم أسروه واستحيوه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي ( الْمَغَازِي) : أَن عَامر بن الطُّفَيْل اجتز ناصيته وَأعْتقهُ عَن رَقَبَة كَانَت على أمه، وَعند العسكري: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر بن عمروا اميرا على أَرْبَعِينَ من الْأَنْصَار لَيْسَ فيهم غَيرهم الأعمر بن أُميَّة وَذَلِكَ ان أَبَا برَاء بعث ابْن أَخِيه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عِلّة وجدهَا فَدَعَا لَهُ بالشفاء وَبَارك فِيمَا أنفذه إِلَيْهِ، فبرىء، فَبعث إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إبعث إِلَى أهل نجد من شِئْت فَإِنِّي جارٍ لَهُم، وَفِي ( الْمَغَازِي) لأبي معشر: كَانَ أَبُو برَاء كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إبعث إِلَيّ رجَالًا يعلمُونَ الْقُرْآن وهم فِي ذِمَّتِي وجواري، فَبعث إِلَيْهِ الْمُنْذر بن عَمْرو وَفِي أَرْبَعَة عشر رجلا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَلَمَّا سَارُوا إِلَيْهِم بَلغهُمْ أَن أَبَا برَاء مَاتَ، فَبعث الْمُنْذر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستمد فأمده بِأَرْبَعِينَ نَفرا أَمِيرهمْ عَمْرو بن أُميَّة،.

     وَقَالَ : إِذا اجْتمع الْقَوْم كَانَ عَلَيْهِم الْمُنْذر، فَلَمَّا وصلوا بِئْر مَعُونَة كتبُوا إِلَى ربيعَة بن أبي الْبَراء: نَحن فِي ذِمَّتك وَذمَّة أَبِيك، فنقدم عَلَيْك أم لَا؟ قَالَ: أَنْتُم فِي ذِمَّتِي فاقدموا.
وَفِي آخِره: قدم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر بِئْر مَعُونَة وَأَصْحَاب الرجيع، وَبعث مُحَمَّد بن مسلمة فِي لَيْلَة وَاحِدَة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَت سَرِيَّة الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ الْمُعْتق للْمَوْت إِلَى بشر مَعُونَة فِي صفر على رَأس سِتَّة وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، قَالُوا: قدم عَامر بن مَالك بن جَعْفَر أَبُو برَاء ملاعب الأسنة الْكلابِي على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ فَلم يقبل مِنْهُ، وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَلم يسلم وَلم يبعد،.

     وَقَالَ : لَو بعثت معي نَفرا من أَصْحَابك إِلَى قومِي لرجوت أَن يجيبوا دعوتك، فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف عَلَيْهِم أهل نجد، قَالَ: أَنا لَهُم جارٍ، فَبعث مَعَه سبعين من الْأَنْصَار شبيبة يسمون الْقُرَّاء وأمَّر عَلَيْهِم الْمُنْذر، فَلَمَّا نزلُوا بِئْر مَعُونَة قدمُوا حرَام بن ملْحَان بِكِتَاب سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَامر ابْن الطُّفَيْل فَقتل حَرَامًا واستصرخ عَلَيْهِم بَنو عَامر فَأَبَوا، وَقَالُوا: لَا تخفر أَبَا برَاء، فاستصرخ عَلَيْهِم قبائل من بني سليم: عصية ورعل وذكوان ورعب والقارة ولحيان، فنفروا مَعَه فَقتل الصَّحَابَة كلهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إلاَّ عَمْرو بن أُميَّة فَأخْبرهُ جِبْرِيل وَمِنْهَا: بخبرهم وَخبر مصاب خبيب ومرثد تِلْكَ اللَّيْلَة.
قلت: الْمُنْذر بن عَمْرو بن خُنَيْس بن حَارِثَة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثَعْلَبَة بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، وَهُوَ الْمَعْرُوف: بالمعتق للْمَوْت، شهد الْعقبَة وبدراً وأحداً وَكَانَ أحد السّبْعين الَّذين بَايعُوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة، وَأحد النُّقَبَاء الإثني عشر، وَكَانَ يكْتب فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْعَرَبِيَّةِ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَكَانَ على الميسرة يَوْم أحد، وَقتل بعد أحد بأَرْبعَة أشهر وَنَحْوهَا، وَذَلِكَ سنة أَربع فِي أَولهَا يَوْم بِئْر مَعُونَة شَهِيدا.
قَوْله: ( قَالَ لَهُ عَامر بن الطُّفَيْل) ، أَي: قَالَ لعَمْرو بن أُميَّة عَامر بن الطُّفَيْل: ( من هَذَا) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَتِيل،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عُرْوَة: إِن عَامر بن الطُّفَيْل قَالَ لعَمْرو بن أُميَّة: هَل تعرف أَصْحَابك؟ قَالَ: نعم، فَطَافَ فِي الْقَتْلَى فَجعل يسْأَله عَن أنسابهم.
قَوْله: ( فَقَالَ: لقد رَأَيْته) أَي: فَقَالَ عَامر بن الطُّفَيْل: لقد رَأَيْت عَامر بن فهَيْرَة بَعْدَمَا قتل.
إِلَى قَوْله: ( ثمَّ وضع) والفائدة من الرّفْع والوضع تَعْظِيم عَامر بن فهَيْرَة وَبَيَان قدره وتخويف الْكفَّار وترهيبهم، قَالَ أَبُو عمر: ويروى عَن عَامر بن الطُّفَيْل أَنه قَالَ: رَأَيْت أول طعنة طعنت عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا، وَذكر ابْن إِسْحَاق عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ: لما قدم عَامر بن الطُّفَيْل على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: من الرجل الَّذِي لما قتل رَأَيْته رفع بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى رَأَيْت السَّمَاء دونه ثمَّ وضع؟ فَقَالَ لَهُ: عَامر بن فهَيْرَة، وَذكر ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق جَمِيعًا عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة، قَالَ: طلب عَامر بن فهَيْرَة يومئذٍ فِي الْقَتْلَى فَلم يُوجد، قَالَ عُرْوَة: فيرون أَن الْمَلَائِكَة دَفَنته أَو رفعته.
قَوْله: ( فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرُهم) وَبَين فِي حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن الله أخبرهُ بذلك على لِسَان جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: ( فنعاهم) من نعى الْمَيِّت ينعاه نعياً ونعياً إِذا أذاع مَوته وَأخْبر بِهِ، وَإِذا أندبه.
قَوْله: ( وَأُصِيب يَوْمئِذٍ فيهم عُرْوَة بن أَسمَاء) ، على وزن حَمْرَاء ابْن الصَّلْت بن حبيب بن حَارِثَة السّلمِيّ حَلِيف بني عَمْرو بن عَوْف، وَذكره الْوَاقِدِيّ فِي أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة،.

     وَقَالَ : حَدثنِي مُصعب بن ثَابت عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة قَالَ: حرص الْمُشْركُونَ يَوْم بِئْر مَعُونَة لعروة بن الصَّلْت أَن يؤمنوه فَأبى، وَكَانَ دَاخِلَة لعامر بن الطُّفَيْل مَعَ أَن قومه بني سليم حرصوا على ذَلِك فَأبى،.

     وَقَالَ : لَا أقبل لَهُم أَمَانًا وَلَا أَرغب بنفسي عَن مصرعهم، ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل شَهِيدا.
قَوْله: ( فَسُمي عُرْوَة بِهِ) ، أَي: فَسمى عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام باسم عُرْوَة بن أَسمَاء الْمَذْكُور، يَعْنِي: أَن الزبير بن الْعَوام لما ولد لَهُ عُرْوَة سَمَّاهُ باسم عُرْوَة بن أَسمَاء، وَكَانَ بَين قتل عُرْوَة بن أَسمَاء ومولد عُرْوَة ابْن الزبير بضع عشرَة سنة.
قَوْله: ( وَمُنْذِر بن عَمْرو) أَي: وَأُصِيب أَيْضا فيهم مُنْذر بن عَمْرو بن خُنَيْس الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: ( سمي بِهِ) أَي: الْمُنْذر بن عَمْرو الْمَذْكُور مُنْذر بن الزبير بن الْعَوام أَخُو عُرْوَة.
قَوْله: ( منذراً) كَذَا هُوَ بِالنّصب فِي النّسخ، وَالصَّوَاب: مُنْذر، بِالرَّفْع على مَا لَا يخفى،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون الرِّوَايَة بِفَتْح السِّين على الْبناء للْفَاعِل وَالْفَاعِل مَحْذُوف، وَالْمرَاد بِهِ الزبير.
قلت: لَا يعْمل بِهَذَا الِاحْتِمَال فِي إِثْبَات الرِّوَايَة، وَفِيه أَيْضا إِضْمَار قبل الذّكر فَافْهَم، وَحَاصِله: أَن الزبير سمى ابْنه هَذَا منذراً باسم الْمُنْذر بن عَمْرو هَذَا، وَوجه التَّسْمِيَة فيهمَا بِعُرْوَة وَمُنْذِر للتفاءل باسم من رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ، وَأعلم أَن أَسمَاء من الْأَعْلَام الْمُشْتَركَة فَهِيَ اسْم أم عُرْوَة بن الزبير، وَاسم أبي عُرْوَة السّلمِيّ الْمَذْكُور.





[ قــ :3896 ... غــ :4094 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخْبَرَنَا عَبْدُ الله أخبرنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عنْ أبِي مِجْلَز عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَنَتَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً يَدْعُو علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ ويَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتِ الله ورَسُولَهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَسليمَان هُوَ ابْن طرخان التَّيْمِيّ، وَأَبُو مجلز، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح الَّلام وَفِي آخِره زَاي: واسْمه لَاحق بن حميد، وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، والْحَدِيث قد مر فِي الْوتر عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زَائِدَة.



[ قــ :3897 ... غــ :4095 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنَا مالِك عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ دعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الَّذِينَ قتَلُوا يَعْنِي أصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاثِينَ صَبَاحاً حِينَ يَدْعُو علَى رِعْلٍ ولِحْيَانَ وعُصَيَّةَ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنَسٌ فأنْزَلَ الله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآناً قَرَأنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا ورَضِينَا عَنْهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ فضل قَول الله تَعَالَى: { وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} ( آل عمرَان: 169) .
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن مَالك إِلَى آخِره نَحوه وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ حِين يَدْعُو يرْوى حَتَّى يَدْعُو.





[ قــ :3898 ... غــ :4096 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا عبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا عاصِمٌ الأحْوَلُ قَالَ سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ القُنُوتِ فِي الصَّلاةِ فَقَالَ نعَمْ فقُلْتُ كانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ.

قُلْتُ فإنَّ فُلاَنَاً أخبرَنِي عَنْكَ أنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ قَالَ كذَبَ إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً أنَّهُ بَعَثَ نَاسا يُقالُ لَهُمُ القُرَّاءُ وهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً إلَى نَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ وبَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَهْدٌ قِبَلَهُمْ فظَهَرَ هَؤلاَءِ الَّذِينَ كانَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَهْدٌ فقَنَتَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً يَدْعُو علَيْهِمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، والْحَدِيث مضى فِي الْوتر فِي: بابُُ الْقُنُوت قبل الرُّكُوع وَبعده، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( كذب) أَي: أَخطَأ.
قَوْله: ( عهد) عهد وميثاق، والعهد يَجِيء لمعان كَثِيرَة بِمَعْنى: الْيَمين والأمان والذمة وَالْحِفْظ ورعاية الْحُرْمَة وَالْوَصِيَّة، وَيسْتَعْمل كل معنى فِي مَحل يَقْتَضِي ذَلِك الْمَعْنى، قيل: كَيفَ جَازَ بعث الْجَيْش إِلَى المعاهدين؟ وَأجِيب: بِأَن قَوْله: ( بَينهم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد) جملَة ظرفية حَالية، وَتَقْدِير الْكَلَام: بعث إِلَى نَاس من الْمُشْركين غير المعاهدين، وَالْحَال أَن بَين نَاس مِنْهُم هم مُقَابل الْمَبْعُوث عَلَيْهِم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد، فغلب المعاهدون وغدروا فَقتلُوا الْقُرَّاء المبعوثين لإمدادهم على عدوهم، وَذكر مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب أَسمَاء الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَن أَصْحَاب الْعَهْد هم بَنو عَامر ورأسهم أَبُو برَاء عَامر بن مَالك بن جَعْفَر، وَقد مر ذكره عَن قريب، وَأَن الطَّائِفَة الْأُخْرَى من بني سليم وهم رعل وذكوان وَعصيَّة.
قَوْله: ( قبلهم) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: قبل الْمَبْعُوث عَلَيْهِم كَمَا ذكرنَا أَي: من جهتهم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: قبلهم ضد بعدهمْ، وَلم يذكر غَيره هَذَا إلاَّ ابْن التِّين.
قَوْله: ( فَظهر) ، أَي: غلب.