فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما، في مرضه الذي توفي فيه

( بابُُ بَعْثِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَبَوَيْهِ، وَكَانَ تَجْهِيزه أُسَامَة يَوْم السبت قبل موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيومين، لِأَنَّهُ مَاتَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَكَانَ بَعثه إِلَى الشَّام،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: لما كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء لليلتين بَقِيَتَا من صفر بدىء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَعه فَحم وصدع، فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس عقد لأسامة لِوَاء بِيَدِهِ، ثمَّ قَالَ: أغز باسم الله، فقاتل من كفر بِاللَّه وسر إِلَى مَوضِع مقتل أَبِيك فقد وليتك على هَذَا الْجَيْش فاغز صباحاً على أهل أبنى، وَهِي أَرض لسراه نَاحيَة البلقاء، فَخرج بلوائه معقوداً فَدفعهُ إِلَى بُرَيْدَة بن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ وعسكر بالجرف فَلم يبْق أحد من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَالْأَنْصَار إلاَّ انتدب فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، مِنْهُم: أَبُو بكر وَعمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنْهُم، وَغَيرهم، فَتكلم قوم وَقَالُوا: يسْتَعْمل هَذَا الْغُلَام على الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين؟ فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَضبا شَدِيدا، فَخرج وَقد عصب على رَأسه عِصَابَة قطيفة، فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس! فَمَا مقَالَة بلغتني عَن بَعْضكُم فِي تأميري أُسَامَة؟ وَإِن طعنتم فِي تأميري أُسَامَة فقد طعنتم فِي إِمَارَة أَبِيه من قبله، وأيم الله إِن كَانَ خليقاً بالإمارة وَإِن ابْنه بعده لخليق للإمارة، ثمَّ نزل فَدخل بَيته وَذَلِكَ يَوْم السبت لعشر خلون من ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة.
قَالَ ابْن هِشَام: وَإِنَّمَا طعنوا فِي أُسَامَة لِأَنَّهُ ابْن مولى وَكَانَ صَغِير السن، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك المُنَافِقُونَ، وَلما كَانَ يَوْم الْأَحَد اشْتَدَّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَعه فَدخل أُسَامَة من مُعَسْكَره وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مغمور، فطأطأ أُسَامَة رَأسه فَقبله، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتَكَلَّم وَرجع أُسَامَة إِلَى مُعَسْكَره ثمَّ دخل يَوْم الْإِثْنَيْنِ فَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مفيقاً وَأمر أُسَامَة النَّاس بالرحيل، فَبَيْنَمَا هُوَ يُرِيد الرّكُوب إِذا رَسُول أم أَيمن قد جَاءَهُ يَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمُوت، فَأقبل أُسَامَة وَأَقْبل مَعَه عمر وَأَبُو عُبَيْدَة، فَانْتَهوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتوفي حِين زاغت الشَّمْس يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول، وَدخل الْمُسلمُونَ الَّذين عسكروا بالجرف إِلَى الْمَدِينَة، وَدخل بُرَيْدَة بن الْحصيب بلواء أُسَامَة معقوداً حَتَّى أَتَى بِهِ بابُُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فغرزه عِنْده، فَلَمَّا بُويِعَ لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ، أَمر أُسَامَة أَن يمْضِي إِلَى وَجه، وَسَار عشْرين لَيْلَة فشن عَلَيْهِم الْغَارة فَقتل من أشرف لَهُ وسبى من قدر عَلَيْهِ وَحرق مَنَازِلهمْ وحرثهم ونخلهم، وَكَانَ أُسَامَة على فرس أَبِيه سبْحَة، وَقتل قَاتل أَبِيه فِي الْغَارة ثمَّ قسم الْغَنِيمَة ثمَّ قصد الْمَدِينَة وَمَا أُصِيب من الْمُسلمين أحد، وَخرج أَبُو بكر فِي الْمُهَاجِرين وَأهل الْمَدِينَة يتلقونهم، وَكَانَ أُسَامَة دخل على فرس أَبِيه سبْحَة واللواء أَمَامه يحملهُ بُرَيْدَة بن الْحصيب، وَبلغ هِرقل وَهُوَ بحمص مَا صنع أُسَامَة فَبعث رابطة يكونُونَ بالبلقاء، فَلم يزل هُنَاكَ حَتَّى قدمت الْبعُوث إِلَى الشَّام فِي خلَافَة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا.



[ قــ :4221 ... غــ :4468 ]
- ح دَّثني أبُو عاصِمٍ الضَّحّاكُ بنُ مَخْلَدٍ عنِ الفُضَيْلِ بن سُلَيْمانَ حَدثنَا موساى بنُ عقْبَةَ عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ اسْتَعْمَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسامَةَ فَقَالُوا فِيهِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ بَلَغَنِي أنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي أُسامَةَ وإنَّهُ أحَبُّ النَّاسِ إليَّ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( اسْتعْمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أُسَامَة) ، وَقد مرت الْآن قصَّته، والفضيل مصغر فضل بالضاد الْمُعْجَمَة، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر، والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن عَمْرو بن يحيى.

قَوْله: ( فَقَالُوا فِيهِ) ، أَي: طعنوا فِي أُسَامَة.
قَوْله: ( وَإنَّهُ) ، أَي: وَإِن أُسَامَة ( أحب النَّاس إليّ) ، وَمرَاده أحب النَّاس الَّذين طعنوا فِيهِ إليّ.