فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] "

(بابُُ: {وَإذْ قَالَ إبْراهِيمُ رَبِّ أرَنِي كَيْفَ تُحْيي المَوْتَى} (الْبَقَرَة: 260)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قَالَ إِبْرَاهِيم} ، أَي: أذكر يَا مُحَمَّد حِين قَالَ إِبْرَاهِيم: (رب) يَعْنِي: يَا رب (أَرِنِي) يَعْنِي: أبصرني، أَرَادَ بِهَذَا السُّؤَال أَن يضم علم الضَّرُورِيّ إِلَى علم الاستدلالي لِأَن تظاهر الْأَدِلَّة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة وَالْيَقِين، وَلِأَنَّهُ لما قَالَ لنمرود: {رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت} (الْبَقَرَة: 258) أحب أَن يترقى من علم الْيَقِين إِلَى عين الْيَقِين.
وَأَن يرى ذَلِك مُشَاهدَة.
فَقَالَ: (رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى) .

فِصِرْهُنَّ قَطِّعْهُنَّ
هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده.
وَأَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {فَخذ أَرْبَعَة من الطير فصرهن} وَفَسرهُ بقوله: (قطعهن) قَالَه ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو مَالك وَأَبُو الْأسود الدؤَلِي ووهب بن مُنَبّه وَالْحسن وَالسُّديّ.
.

     وَقَالَ  الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: فصرهن إِلَيْك أوثقهن.
فَلَمَّا أوثقهن ذبحهن، وَقيل: مَعْنَاهُ أملهن واضممهن إِلَيْك، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس فصرهن إِلَيْك، بِضَم الصَّاد وَكسرهَا وَتَشْديد الرَّاء من صره يصره إِذا جمعه، وَعنهُ: فصرهن من التصرية، وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة من صاره يصوره صورا، أَو صاره يصيره صيرا بِمَعْنى: أماله.



[ قــ :4286 ... غــ :4537 ]
- ح دَّثنا أحْمَدُ بنُ صَالِحٍ حدَّثنا ابنُ وَهَب أخبرَنِي يُونُسُ عَن ابنِ شِهاب عنْ أبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَكِّ مِنْ إبْرَاهِيم إذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأحمد بن صَالح أَبُو جَعْفَر الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ يروي عَن يُونُس ابْن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسَعِيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بابُُ قَوْله عز وَجل: {ونبئهم عَن ضيف إِبْرَاهِيم} (الْحجر: 51) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور هُنَا عَن أَحْمد بن صَالح إِلَى آخِره.
وَفِي آخِره: وَيرْحَم الله عز وَجل لوطا إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي هُنَا: كَيفَ جَازَ الشَّك على إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام؟ فَأجَاب بِأَن مَعْنَاهُ: لَا شكّ عندنَا فبالطريق الأولى أَن لَا يكون الشَّك عِنْده، أَو كَانَ الشَّك فِي كَيْفيَّة الْإِحْيَاء لَا فِي نفس الْإِحْيَاء انْتهى.
قلت: التَّحْقِيق هُنَا أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شهد لَهُ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا مدحه لِأَن مَعْنَاهُ.
نَحن أَحَق بِالشَّكِّ مِنْهُ.
وَالْحَال أَنا مَا شككنا فَكيف يشك هُوَ؟ وَإِنَّمَا شكّ فِي أَنه هَل يجِيبه إِلَى سُؤَاله أم لَا؟ وَبِهَذَا يُمكن أَن يُجَاب عَمَّا سَأَلَهُ الْكرْمَانِي، لم كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق وَهُوَ أفضل؟ بل هُوَ أَحَق بِعَدَمِ الشَّك؟ وَجَوَابه: أَنه قَالَ ذَلِك: تواضعا وهضما لنَفسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن نَظِير.