فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى}

( { سُورَةُ النِّساء} )

أَي: هَذَا تَفْسِير سُورَة النِّسَاء، قَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: نزلت سُورَة النِّسَاء بِالْمَدِينَةِ وَكَذَا روى ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،.

     وَقَالَ  ابْن النَّقِيب: جُمْهُور الْعلمَاء على أَنَّهَا مَدَنِيَّة وفيهَا آيَة وَاحِدَة نزلت بِمَكَّة عَام الْفَتْح فِي عُثْمَان بن أبي طَلْحَة وَهِي: { إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} ( النِّسَاء: 58) وَعدد حروفها سِتَّة عشر ألف حرف وَثَلَاثُونَ حرفا، وَثَلَاث آلَاف وَسَبْعمائة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَمِائَة وست وَسَبْعُونَ آيَة.

{ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
الْبَسْمَلَة لم تثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ يَسْتَنْكِفُ يَسْتَكْبِرُ
لم يَقع هَذَا إلاَّ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمن يستنكف عَن عِبَادَته} ( النِّسَاء: 172) وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن يستنكف عَن عِبَادَته} قَالَ: يستكبر.
فَإِن قلت: مَا وَجه ذَلِك وَقد عطف يستكبر على يستنكف فِي الْآيَة حَيْثُ قَالَ: { وَمن يستنكف عَن عِبَادَته ويستكبر} والمعطوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ؟ قلت: يجوز أَن يكون عطفا تفسيريا.
وَقد تعجب بَعضهم من صُدُور هَذَا عَن ابْن عَبَّاس بطرِيق الاستبعاد.
ثمَّ قَالَ: وَيُمكن أَن يحمل على التوكيد.
قلت: الصَّوَاب مَا قلته، وَمثل هَذَا لَا يُسمى توكيدا يفهمهُ من لَهُ إِلْمَام بِالْعَرَبِيَّةِ.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: يَعْنِي يستنكف يأنف،.

     وَقَالَ  الزّجاج: هُوَ استنكاف من النكف، وَهُوَ الأنفة.

قِواما قوامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قِرَاءَة ابْن عمر فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما} حَيْثُ قَرَأَ: قواما ثمَّ فسره بقوله: قوامكم معايشكم، يَعْنِي الْقيام مَعًا يُقيم بِهِ النَّاس مَعَايشهمْ، وَكَذَلِكَ القوام، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.

لَهُنَّ سَبِيلاً يَعْنِي الرَّجْمَ لِلثَّيِّب وَالجَلْدَ لِلْبكْرِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَإِن شهدُوا فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفيهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} ( النِّسَاء: 15) كَانَ الحكم فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام أَن الْمَرْأَة إِذا زنت فَثَبت زنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ العادلة حبست فِي بَيت فَلَا تمكن من الْخُرُوج إِلَى أَن تَمُوت.
وَقَوله: { أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} نسخ ذَلِك، وَاسْتقر الْأَمر على الرَّجْم للثيب وَالْجَلد للبكر، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت سُورَة النِّسَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حبس بعد سُورَة النِّسَاء.
قَوْله: { لَهُنَّ سَبِيلا} يَعْنِي: ( الرَّجْم للثيب وَالْجَلد بالبكر) لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي.
وَفسّر قَوْله: { لَهُنَّ سَبِيلا} بقوله: ( يَعْنِي الرَّجْم للثيب وَالْجَلد للبكر) يَعْنِي: أَن المُرَاد بقوله سَبِيلا هُوَ الرَّجْم وَالْجَلد وَهُوَ قد نسخ الْحَبْس إِلَى الْمَوْت، وروى مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت.
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خُذُوا عني قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم.

وَقَالَ غَيْرُهُ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع يَعْنِي اثْنَتَيْنِ وَثَلاثا وَأرْبَعا وَلا تُجَاوِزُ العَرَبُ رُباعَ.

أَي: قَالَ: غير ابْن عَبَّاس، وَوَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَالصَّوَاب وُقُوعه لِأَن على رِوَايَة أبي ذَر يُوهم أَن قَوْله: مثنى إِلَى آخِره روى عَن ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ لم يرو عَن ابْن عَبَّاس، وَإِنَّمَا هُوَ قَول أبي عُبَيْدَة وَتَفْسِيره قَوْله: يَعْنِي اثْنَتَيْنِ يرجع إِلَى قَوْله: مثنى، وَقَوله: وَثَلَاثًا يرجع إِلَى قَوْله: وَثَلَاث، وَقَوله: وأربعا، يرجع إِلَى قَوْله: ورباعا، وَلَيْسَ الْمَعْنى على مَا ذكره، بل مَعْنَاهُ المكرر نَحْو اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَالظَّاهِر أَنه تَركه اعْتِمَادًا على الشُّهْرَة أَو عِنْده لَيْسَ بِمَعْنى التّكْرَار، وَلَيْسَ فِيهَا الِانْصِرَاف للعدل وَالْوَصْف.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ لما فِيهَا من العدلين عدلها عَن صيغتها، وعدلها عَن تكررها.
قَوْله: وَلَا تجَاوز الْعَرَب رباع إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا اخْتِيَاره، وَفِيه خلاف لِأَنَّهُ ابْن الْحَاجِب هَل يُقَال: خماس ومخمس إِلَى عشار ومعشر، قَالَ فِيهِ خلاف وَالأَصَح أَنه لم يثبت، وَذكر الطَّبَرِيّ أَن الْعشْرَة يُقَال فِيهَا إعشار، وَلم يسمع فِي غير بَيت للكميت، وَهُوَ قَوْله.

( فَلم يستر بثوبك حَتَّى رميت.
فَوق الرِّجَال خِصَالًا عشارا)
.

يُرِيد عشرا، وَذكر النُّحَاة أَن خلفا الْأَحْمَر أنْشد أبياتا غَرِيبَة فِيهَا من خماس إِلَى عشار.


(بابٌُ: { إنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} (النِّسَاء: 3)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: { وَإِن خِفْتُمْ} الْآيَة.
وَلم تثبت هَذِه التَّرْجَمَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر قَوْله: (إِن خِفْتُمْ) أَي: فزعتم وفرقتم، وَهُوَ ضد الْأَمْن، ثمَّ قد يكون الْمخوف مِنْهُ مَعْلُوم الْوُقُوع وَقد يكون مظنونا فَلذَلِك اخْتلف الْعلمَاء فِي تَفْسِير هَذَا الْخَوْف، هَل هُوَ بِمَعْنى الْعلم أَو بِمَعْنى الظَّن؟ قَوْله: (أَن لَا تقسطوا) أَي: أَن لَا تعدلوا.
يُقَال: قسط إِذا جَار، وأقسط إِذا عدل، وَقيل: الْهمزَة فِيهِ للسلب، أَي: أَزَال الْقسْط، وَرجحه ابْن التِّين لقَوْله تَعَالَى: { ذَلِكُم أقسط عِنْد الله} (الْبَقَرَة: 282) لِأَن أفعل فِي أبنية الْمُبَالغَة لَا يكون فِي الْمَشْهُور إلاَّ من الثلاثي، وَقيل: قسط من الأضداد، وَحَاصِل معنى الْآيَة، إِذا كَانَت تَحت حجر أحدكُم يتيمة وَخَافَ أَن لَا يُعْطِيهَا مهر مثلهَا فليعدل إِلَى مَا سواهَا من النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ كثير، وَلم يضيق الله عَلَيْهِ.



[ قــ :432 ... غــ :4573 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسى أخبرنَا هِشَامٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنها أنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَة فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُها عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ { وَإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} أحْسبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ العَذْقِ وَفِي مَالِهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، يروي عَن عبد الْملك عبد الْعَزِيز بن جريج عَن هِشَام بن عُرْوَة، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن عَائِشَة الصديقية.

وَمن لطائف هَذَا الْإِسْنَاد أَن ابْن جريج وَقع بَين هشامين.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (أَن رجلا كَانَت لَهُ يتيمة) أَي: كَانَت عِنْده، وَاللَّام تَأتي بِمَعْنى عِنْد.
كَقَوْلِهِم: كتبته لخمس خلون ثمَّ إِن رِوَايَة هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة هُنَا توهم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي شخص معِين، وَالْمَعْرُوف عَن هِشَام الرِّوَايَة من غير تعْيين كَمَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق حجاج عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي هِشَام عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: (وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى) نزلت فِي الرجل يكون عِنْده الْيَتِيمَة.
وَهِي ذَات مَال، فَلَعَلَّهُ ينْكِحهَا على مَالهَا وَهُوَ لَا يُعجبهُ شَيْء من أمورها ثمَّ يضْربهَا ويسيء صحبتهَا، فوعظ فِي ذَلِك وروى الطَّبَرِيّ من حَدِيث عِكْرِمَة، كَانَ الرجل من قُرَيْش تكون عِنْده النسْوَة وَيكون عِنْده الْأَيْتَام، فَيذْهب مَاله فيميل على مَال الْأَيْتَام.
فَنزلت: { وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا الْيَتَامَى} وروى من حَدِيث ابْن عَبَّاس.
قَالَ: كَانَ الرجل يتَزَوَّج بِمَال الْيَتِيم مَا شَاءَ فَنهى الله عز وَجل عَن ذَلِك.
وَعَن سعيد بن جُبَير.
قَالَ: كَانَ النَّاس على جاهليتهم إلاَّ أَن يؤمروا بِشَيْء وينهوا عَنهُ.
قَالَ: فَذكرُوا الْيَتَامَى فَنزلت هَذِه الْآيَة.
قَالَ: فَكَمَا خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِك خَافُوا أَن لَا تقسطوا فِي النِّسَاء.
قَوْله: (عذق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره قَاف وَهِي النَّخْلَة، وبكسر الْعين الكباسة، والقنو وَهُوَ من النّخل كالعنقود من الْعِنَب.
قَوْله: (وَكَانَ يمْسِكهَا عَلَيْهِ) أَي: وَكَانَ الرجل يمسك تِلْكَ الْيَتِيمَة عَلَيْهِ أَي: على العذق، أَي: لأَجله وَكلمَة على، تَأتي للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله: (ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ) أَي: لأجل هدايته إيَّاكُمْ.
قَوْله: (احسبه.
قَالَ) أَي: قَالَ هِشَام، قَالَ بَعضهم: هُوَ شكّ من هِشَام بن يُوسُف.
قلت: يحْتَمل أَن يكون الشَّك من هِشَام بن عُرْوَة.
أَي: أَظن عُرْوَة أَنه قَالَ قَوْله: (كَانَت شريكته) أَي: كَانَت تِلْكَ الْيَتِيمَة شريكة الرجل.





[ قــ :430 ... غــ :4573 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسى أخبرنَا هِشَامٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنها أنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَة فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُها عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ { وَإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} أحْسبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ العَذْقِ وَفِي مَالِهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، يروي عَن عبد الْملك عبد الْعَزِيز بن جريج عَن هِشَام بن عُرْوَة، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن عَائِشَة الصديقية.

وَمن لطائف هَذَا الْإِسْنَاد أَن ابْن جريج وَقع بَين هشامين.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( أَن رجلا كَانَت لَهُ يتيمة) أَي: كَانَت عِنْده، وَاللَّام تَأتي بِمَعْنى عِنْد.
كَقَوْلِهِم: كتبته لخمس خلون ثمَّ إِن رِوَايَة هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة هُنَا توهم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي شخص معِين، وَالْمَعْرُوف عَن هِشَام الرِّوَايَة من غير تعْيين كَمَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق حجاج عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي هِشَام عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: ( وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى) نزلت فِي الرجل يكون عِنْده الْيَتِيمَة.
وَهِي ذَات مَال، فَلَعَلَّهُ ينْكِحهَا على مَالهَا وَهُوَ لَا يُعجبهُ شَيْء من أمورها ثمَّ يضْربهَا ويسيء صحبتهَا، فوعظ فِي ذَلِك وروى الطَّبَرِيّ من حَدِيث عِكْرِمَة، كَانَ الرجل من قُرَيْش تكون عِنْده النسْوَة وَيكون عِنْده الْأَيْتَام، فَيذْهب مَاله فيميل على مَال الْأَيْتَام.
فَنزلت: { وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا الْيَتَامَى} وروى من حَدِيث ابْن عَبَّاس.
قَالَ: كَانَ الرجل يتَزَوَّج بِمَال الْيَتِيم مَا شَاءَ فَنهى الله عز وَجل عَن ذَلِك.
وَعَن سعيد بن جُبَير.
قَالَ: كَانَ النَّاس على جاهليتهم إلاَّ أَن يؤمروا بِشَيْء وينهوا عَنهُ.
قَالَ: فَذكرُوا الْيَتَامَى فَنزلت هَذِه الْآيَة.
قَالَ: فَكَمَا خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِك خَافُوا أَن لَا تقسطوا فِي النِّسَاء.
قَوْله: ( عذق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره قَاف وَهِي النَّخْلَة، وبكسر الْعين الكباسة، والقنو وَهُوَ من النّخل كالعنقود من الْعِنَب.
قَوْله: ( وَكَانَ يمْسِكهَا عَلَيْهِ) أَي: وَكَانَ الرجل يمسك تِلْكَ الْيَتِيمَة عَلَيْهِ أَي: على العذق، أَي: لأَجله وَكلمَة على، تَأتي للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله: ( ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ) أَي: لأجل هدايته إيَّاكُمْ.
قَوْله: ( احسبه.
قَالَ)
أَي: قَالَ هِشَام، قَالَ بَعضهم: هُوَ شكّ من هِشَام بن يُوسُف.
قلت: يحْتَمل أَن يكون الشَّك من هِشَام بن عُرْوَة.
أَي: أَظن عُرْوَة أَنه قَالَ قَوْله: ( كَانَت شريكته) أَي: كَانَت تِلْكَ الْيَتِيمَة شريكة الرجل.





[ قــ :431 ... غــ :4574 ]
- ح دَّثنا عَبْدُ العَزِيزُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صَالح بن كَيْسَانَ عَن ابنِ شهابٍ قَالَ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى { وَإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامى} ( النِّسَاء: 3) فَقَالَتْ يَا ابنَ أخْتِي هَذِهِ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حجْرِ وَلِيَّها تُشْرِكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُها وَجَمَالُها فَيُزِيدِ وَلِيُّها أنْ يَتَزَوَّجَها بِغَيْرِ أنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقَها فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا عنْ أنْ يَنْكِحُوهُنَّ إلاَّ أنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أعْلَى سُنتِهنَّ فِي الصِّداقِ فَأُمِرُوا أنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّساءِ سِواهُنَّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَإنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ هاذِهِ الآيَةَ فَأُنْزِلَ الله: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} قَالَتْ عَائِشَةُ وَقَوْلُ الله تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى { وَترْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغْبَةُ أحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ المَالِ وَالجَمَالِ قَالَتْ فَنُهُوا أنْ يَنْكِحُوا عَمَّنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إلاَّ بِالقِسْطِ مِنْ أجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذا كُنَّ قَلِيلاتِ المالِ وَالجَمَالِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى أَبُو الْقَاسِم الأويسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الشّركَة فِي: بابُُ شركَة الْيَتِيم وَأهل الْمِيرَاث فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور.
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( تكون فِي حجر وَليهَا) ، أَي: الَّذِي يَلِي مَالهَا.
قَوْله: ( بِغَيْر أَن يقسط) ، أَي: بِغَيْر أَن يجْبر عَلَيْهَا فِي صَدَاقهَا.
وَقد مر أَن معنى: أقسط أعدل، وقسط جَار.
قَوْله: ( فيعطيها) بِالنّصب لِأَنَّهُ عطف على قَوْله: ( أَن يقسط) قَوْله: ( مثل مَا يُعْطِيهَا غَيره) أَي: مِمَّن يرغب فِي نِكَاحهَا سواهُ.
قَوْله: ( مثل مَا يُعْطِيهَا غَيره) أَي: مِمَّن يرغب فِي نِكَاحهَا سواهُ.
قَوْله: ( عَن ذَلِك) أَي: عَن ترك الإقساط.
قَوْله: ( ويبلغوا لَهُنَّ) ويروى: ( ويبلغوا بِهن) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
قَوْله: ( أَعلَى سنتهن) أَي: أَعلَى طريقتهن فِي الصَدَاق وعادتهن فِي ذَلِك.
قَوْله: ( مَا طَابَ لَهُم) أَي: مَا حل لكم.
من قبيل قَوْله تَعَالَى: { انفقوا من طَيّبَات مَا كسبتم} ( الْبَقَرَة: 67) وَقيل: طَابَ بِمَعْنى الْمحبَّة والاشتهاء أَي: مَا كُنْتُم تحبون وتشتهون، وَكلمَة مَا فِي الأَصْل لما لَا يعقل، وَقد يُطلق على من يعقل كَمَا فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة.
قَوْله: ( سواهن) أَي: سوى الْيَتَامَى من النِّسَاء.
قَوْله: ( قَالَ عُرْوَة.
قَالَت عَائِشَة)
، هَذَا مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَترك حرف الْعَطف فِيهِ قَوْله: ( بعد هَذِه الْآيَة) أَي: بعد نزُول هَذِه الْآيَة بِهَذِهِ الْقِصَّة، وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْآيَة قَوْله تَعَالَى: { وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا} فَأنْزل الله تَعَالَى { ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب فِي يتامى النِّسَاء} الْآيَة.
قَالَت عَائِشَة: وَالَّتِي ذكر الله أَنه يُتْلَى عَلَيْهِم فِي الْكتاب الْآيَة الأولى الَّتِي هِيَ: { وَأَن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا} الْآيَة.
قَوْله: ( وَقَول الله تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى: وترغبون) .
هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان الْمَذْكُورَة فِي آيَة أُخْرَى، وَهُوَ خطأ.
لِأَن قَوْله تَعَالَى: { وترغبون أَن تنكحوهن} الْآيَة فِي نفس الْآيَة الَّتِي هِيَ: { ويستفتونك فِي النِّسَاء} .
قَوْله: ( رَغْبَة أحدكُم عَن يتيمته) أَي: كرغبة أحدكُم، وَمعنى الرَّغْبَة هُنَا عدم الْإِرَادَة لِأَن لفظ رغب يسْتَعْمل بصلتين يُقَال: رغب عَنهُ إِذا لم يُرِدْهُ وَرغب فِيهِ إِذا أَرَادَهُ.
قَوْله: ( حِين تكون) أَي: الْيَتِيمَة قَليلَة المَال وَحَاصِل الْمَعْنى أَن الْيَتِيمَة اذا كَانَت فقيرة وذميمة يعرضون عَن نِكَاحهَا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فنهوا أَي: نهوا عَن نِكَاح المرغوب فِيهَا لمالها وجمالها لأجل زهدهم فِيهَا إِذا كَانَت قَليلَة المَال وَالْجمال فَيَنْبَغِي أَن يكون نِكَاح الغنية الجميلة وَنِكَاح الفقيرة الذميمة، على السوَاء فِي الْعدْل، وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة تكون عِنْده الْيَتِيمَة فيلقي عَلَيْهَا ثَوْبه فَإِذا فعل ذَلِك لم يقدر أحد أَن يَتَزَوَّجهَا أبدا فَإِن كَانَت جميلَة وهواها تزَوجهَا وَأكل مَالهَا، وَإِن كَانَت ذميمة منعهَا الرِّجَال حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت ورثهَا فَحرم الله ذَلِك وَنهى عَنهُ.
وَفِي الحَدِيث اعْتِبَار مهر الْمثل فِي المحجورات وَأَن غَيْرهنَّ يجوز نِكَاحهَا بِدُونِ ذَلِك.
وَفِيه أَن للْوَلِيّ أَن يتَزَوَّج من هِيَ تَحت حجره.
لَكِن يكون الْعَاقِد غَيره، وَفِيه خلاف مَذْكُور فِي الْفُرُوع: وَفِيه جَوَاز تَزْوِيج الْيَتَامَى قبل الْبلُوغ، لِأَن بعد الْبلُوغ لَا يتم على الْحَقِيقَة.