فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون، والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا)

( بابُُ قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} ( النِّسَاء: 33) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى هَكَذَا فِي رِوَايَة غير أبي ذَر وَفِي رِوَايَة أبي ذَر سَاق إِلَى قَوْله: ( شَهِيدا) بعد قَوْله: ( وَالْأَقْرَبُونَ) الْآيَة.
{ وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم أَن الله كَانَ على كل شَيْء شَهِيدا} قَوْله: { وَلكُل جعلنَا موَالِي} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَي: وَلكُل شَيْء مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ من المَال جعلنَا موَالِي وراثا يلونه ويحرزونه أَو لكل قوم جعلناهم موَالِي نصيب.
وَفِي ( تَفْسِير ابْن كثير) قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو صَالح وَقَتَادَة وَزيد بن أسلم وَالسُّديّ وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَغَيرهم فِي قَوْله: { وَلكُل جعلنَا موَالِي} أَي: وَرَثَة.
وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس: أَي عصبَة،.

     وَقَالَ  ابْن جرير: وَمعنى قَوْله: { مِمَّا ترك الْولدَان وَالْأَقْرَبُونَ} مَا تَركه وَالِديهِ وأقربيه من الْمِيرَاث.
قَوْله: ( وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم) ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا مُبْتَدأ ضمن معنى الشَّرْط فَوَقع خَبره مَعَ الْفَاء، وَهُوَ معنى قَوْله: { فآتوهم نصِيبهم} وَذكر وُجُوهًا أخر فَمن أَرَادَ أَن يقف عَلَيْهَا فَليرْجع إِلَى تَفْسِيره،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: أَي وَالَّذين تحالفتم بالأيمان الْمُؤَكّدَة أَنْتُم وهم فآتوهم نصِيبهم من الْمِيرَاث كَمَا وعدتموهم فِي الْأَيْمَان الْمُغَلَّظَة إِن الله كَانَ شَاهدا بَيْنكُم فِي تِلْكَ العهود والمعاقدات، وَقد كَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام ثمَّ نسخ بعد ذَلِك، وَأمرُوا أَن يؤتوا لمن عاقدوا وَلَا ينشئوا بعد نزُول هَذِه الْآيَة معاقدة.

مَوَالِيَ أوْلِيَاءَ وَرَثَةَ
فسر لفظ موَالِي: فِي الْآيَة الَّتِي ترْجم بهَا بقوله: أَوْلِيَاء وَرَثَة وَقد تقدم عَن ابْن عَبَّاس أَنه فسره موَالِي بالورثة.

وَقَالَ مَعْمَرٌ أوْلِيَاءَ مَوَالِي أوْلِيَاءَ وَرَثَةَ
لَيْسَ هَذَا بموجود فِي بعض النّسخ.
قَالَ الْكرْمَانِي: معمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد الصَّنْعَانِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَكنت أَظن أَنه معمر بن رَاشد إِلَى أَن رَأَيْت الْكَلَام الْمَذْكُور فِي ( الْمجَاز) لأبي عُبَيْدَة أَن اسْمه معمر بن الْمثنى وَلم أره عَن معمر بن رَاشد.
( فَمَاتَ) عبد الرَّزَّاق أَيْضا يرْوى هَذَا عَن معمر بن رَاشد، وَلَا يلْزم من ذكر أبي عُبَيْدَة هَذَا فِي ( الْمجَاز) أَي يكون الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي هواياه، وَلَا يمْتَنع أَن يكون هَذَا مرويا عَن معمر بن جَمِيعًا.
ثوله: ( أَوْلِيَاء موَالِي) بِالْإِضَافَة نَحْو شجر الْأَرَاك، وَالْإِضَافَة فِيهِ للْبَيَان، وَكَذَلِكَ أَوْلِيَاء وَرَثَة، وَحَاصِل الْكَلَام أَن أَوْلِيَاء الْمَيِّت الَّذين يلون مِيرَاثه ويجوزونه على نَوْعَيْنِ: ولي بالموالاة وَعقد الْوَلَاء وهم الَّذين عاقدت أَيْمَانكُم، وَولى بِالْإِرْثِ أَي الْقَرَابَة وهم الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ.

{ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أيْمانُكُمْ} هُوَ مَوْلَى اليَمِينِ وَهُوَ الحَلِيفُ
فسر لفظ { وَالَّذين عاقدت} الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة الْمَذْكُور فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة بقوله: هُوَ مولى الْيَمين العاقدة بَين اثْنَيْنِ فَصَاعِدا والأيمان جمع يَمِين، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْكفَالَة.

( وَالمَوْلَى أيْضا ابنُ العَمِّ وَالمَوْلَى المُنْعِمْ المُعْتِقْ وَالمَوْلَى المُعَتَقُ وَالمَوْلَى المَلِيكُ وَالمَوْلَى مَوْلًى فِي الدِّينِ) .

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لفظ الْمولى يَأْتِي لمعانٍ كَثِيرَة وَذكر مِنْهَا خَمْسَة معَان الأول: يُقَال لِابْنِ الْعم مولى، قَالَ الشَّاعِر:
مهلا بني عمنَا مهلا موالينا
الثَّانِي: الْمُنعم.
أَي: الَّذِي ينعم على عَبده بِالْعِتْقِ وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ الْمولى الْأَعْلَى.
الثَّالِث: الْمولى الْمُعْتق، بِفَتْح التَّاء، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ الْمولى الْأَسْفَل.
الرَّابِع: يُقَال للمليك الْمولى لِأَنَّهُ يَلِي أُمُور النَّاس.
الْخَامِس: الْمولى مولى فِي الدّين، وَمِمَّا لم يذكرهُ النَّاصِر والمحب وَالتَّابِع وَالْجَار والحليف والعقيد والصهر والمنعم عَلَيْهِ وَالْوَلِيّ والموازي،.

     وَقَالَ  الزّجاج: كل من يليك أَو والاك فَهُوَ مولى.



[ قــ :4327 ... غــ :4580 ]
- ح دَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّد حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ إدْرِيسَ عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ عنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تعَالى عَنْهُمَا وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِي قَالَ وَرَثَةَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أيْمَانُكُمْ كَانَ المهاجِرُون لَمَا قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ المُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحْمِهِ للأخُوَّةِ الَّتِي آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُم فَلَمَا نَزَلَتْ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ نُسِخَتْ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أيْمَانُكُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ المِيرَاثُ وَيُوصِي لهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث بِعَيْنِه سندا ومتنا مضى فِي الْكَلِمَة فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة.
إِدْرِيس هُوَ ابْن يزِيد الأودي، وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث.

قَوْله: ( فَلَمَّا نزلت { وَلكُل جعلنَا موَالِي} نسخت) ، هَكَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة أَن نَاسخ مِيرَاث الحليف هَذِه الْآيَة، وَفِي رِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النّسخ بقوله تَعَالَى: { وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} وَبِه قَالَ الْحسن وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْمسيب: كَانَ الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذَلِك.
فسخ قَوْله: { والرفادة} بِكَسْر الرَّاء بالإعانة والإعطاء.
قَوْله: ( ويوصي لَهُ) ، أَي: للحليف لِأَنَّهُ مِيرَاثه لما نسخ جَازَت الْوَصِيَّة.

سَمِعَ أبُو أُسَامَةَ إدْرِيسَ وَسَمِعَ إدْرِيسُ طَلْحَةَ
لم يَقع هَذَا إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن كل وَاحِد من أبي أُسَامَة وَإِدْرِيس قد صرح بِالتَّحْدِيثِ فأسامة من إِدْرِيس، وَإِدْرِيس من طَلْحَة بن مصرف، وَصرح بذلك الْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) فِي الحَدِيث ثمَّ قَالَ: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ.