فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} [الحجر: 18]

( سورَةُ الحِجْرِ)

أَي: هَذَا فِي بَيَان تَفْسِير بعض سُورَة الْحجر، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: هِيَ مَكِّيَّة بِإِجْمَاع الْمُفَسّرين، وَيرد عَلَيْهِ بقول الْكَلْبِيّ: أَن فِيهَا آيَة مَدَنِيَّة،.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد يُوسُف وَقبل الْأَنْعَام.
وَهِي أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَسِتُّونَ حرفا، وسِتمِائَة وَأَرْبع وَخَمْسُونَ كلمة، وتسع وَتسْعُونَ آيَة.

{ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، وَله عَن غَيره بِدُونِ لفظ: تَفْسِير.

{ وَقَالَ مُجاهِدٌ: صِرَاطٌ عَليَّ مُسْتَقِيمٌ الحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى الله وعَلَيْهِ طَرِيقُهُ}
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { قَالَ هَذَا صِرَاط على مُسْتَقِيم} ( الْحجر: 14) مَعْنَاهُ: الْحق يرجع إِلَى الله وَعَلِيهِ طَرِيقه لَا يعرج على شَيْء، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن حجاج بن حَمْزَة عَن شَبابَُة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَعَن الْأَخْفَش: مَعْنَاهُ على الدّلَالَة على صِرَاط مُسْتَقِيم، وَعَن الْكسَائي: هَذَا على الْوَعيد والتهديد، كَقَوْلِك للرجل تخاصمه وتهدده: طريقك عَليّ.

وإنّهُما: لَبِإِمامٍ مُبِينٍ: الإِمامُ كلُّ مَا ائْتَمَمْتَ واهْتَدَيْتَ بِهِ: إِلَى الطّرِيقِ
أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فانتقمنا مِنْهُم وإنهما لَبِإِمام مُبين} ( الْحجر: 97) سقط هَذَا وَالَّذِي قبله لأبي ذَر إلاَّ عَن الْمُسْتَمْلِي.
قَوْله: ( وإنهما) يَعْنِي: مَدِينَة قوم لوط عَلَيْهِ السَّلَام، ومدينة أَصْحَاب الأيكة ( لبإمام مُبين) يَعْنِي: بطرِيق وَاضح مستبين، وسمى الطَّرِيق إِمَامًا لِأَنَّهُ يؤتم بِهِ.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ لَعَمْرُكَ لَعَيْشُكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} ( الْحجر: 27) وَفسّر: لعمرك، بقوله: لعيشك، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي ( تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ) : لعمرك يَا مُحَمَّد، يَعْنِي: حياتك ( أَنهم) أَي: إِن قوم لوط عَلَيْهِ السَّلَام، ( لفي سكرتهم) أَي: ضلالتهم وحيرتهم ( يعمهون) أَي: يَتَرَدَّدُونَ، وَعَن مُجَاهِد وَعَن قَتَادَة: يَلْعَبُونَ.

قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أنْكَرَهُمْ لُوطٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا جَاءَ آل لوط المُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُم قوم منكرون} ( الْحجر: 16 26) لم يثبت هَذَا وَلَا الَّذِي قبله فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَالْمرَاد بِالْمُرْسَلين الْمَلَائِكَة الَّذين جاؤوا أَولا إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، وبشروه بِغُلَام يرزقه الله إِيَّاه على كبره، وَلما سَأَلَهُمْ إِبْرَاهِيم بقوله: { فَمَا خطبكم أَيهَا المُرْسَلُونَ.
قَالُوا إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم مجرمين}
( الْحجر: 75 85) أَرَادوا بهم قوم لوط، ثمَّ لما جاؤوا لوطاً أنكرهم فَقَالَ: { إِنَّكُم قوم منكرون} ( الْحجر: 26) يَعْنِي: لَا أعرفكُم، وَهُوَ معنى قَوْله: أنكرهم لوط، يَعْنِي: مَا عرفهم، وقصته مَشْهُورَة.

وَقَالَ غَيْرُهُ كِتابٌ مَعْلُومٌ أجَلٌ
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير، قَوْله تَعَالَى: { وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إلاَّ وَلها كتاب مَعْلُوم} ( الْحجر: 4) أَي: أجل، وَفِي التَّفْسِير: أجل موقت قد كتبناه لَهُم لَا نعذبهم وَلَا نهلكم حَتَّى يبلغوه، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر كَمَا ذكره البُخَارِيّ.

لوْ مَا تأتِينا هَلاَّ تَأْتِينَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { لَو مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كنت من الصَّادِقين} ( الْحجر: 7) وَفسّر قَوْله: ( لَو مَا تَأْتِينَا) بقوله: ( هلا تَأْتِينَا) وَالْحَاصِل: أَن لَو، هُنَا للتحضيض، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: لَو ركبت مَعَ ماو لَا، لمعنيين: معنى امْتنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره، وَمعنى التحضيض، وَأما هَل فَلم تركب إلاَّ مَعَ، لَا، وَحدهَا للتحضيض، وَالْمعْنَى: هلا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ يشْهدُونَ بصدقك ويعضدونك على إنذارك.

شِيَعٌ أمَمٌ وللأوْلياءِ أيْضاً شِيَعٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { وَلَقَد أرسلنَا من قبلك فِي شيع الْأَوَّلين} ( الْحجر: 01) وَفسّر قَوْله: شيع، بقوله: أُمَم،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة فِي شيع الْأَوَّلين أَي فِي أُمَم الْأَوَّلين.
وَاحِدهَا شيعَة.
.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: فِيهِ إِضْمَار تَقْدِيره: وَلَقَد أرسلنَا من قبلك رسلًا فِي شيع الْأَوَّلين،.

     وَقَالَ  الْحسن: فرق الْأَوَّلين، والشيعة الْفرْقَة والطائفة من النَّاس.
قَوْله: ( وللأولياء أَيْضا شيع) أَي: لَهُم شيع.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: وَيُقَال ولأولياء الرجل أَيْضا: شيعَة.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ يُهْرَعُونَ مُسْرِعِينَ
هَذَا لَيْسَ من هَذِه السُّورَة، وَإِنَّمَا هُوَ من سُورَة هود، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ وَمن قبل كَانُوا يعْملُونَ السَّيِّئَات} ( هود: 87) .
وَفسّر ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى: { يهرعون} بقوله: مُسْرِعين، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: { وجاءه قومه} أَي: جَاءَ لوطاً قومه، وَقد ذكرنَا قصَّته فِي ( تاريخنا الْكَبِير) .
لِلْمُتَوَسِّمِينَ لِلنَّاظِرِينَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} ( الْحجر: 57) وَفسّر المتوسمين بقوله: ( للناظرين) ، وَيُقَال: للمتفرسين المتأملين،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: حَقِيقَة المتوسمين النظار المتثبتون فِي نظرهم حَتَّى يعرفوا حَقِيقَة سمة الشَّيْء،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: مَعْنَاهُ للمعتبرين،.

     وَقَالَ  مقَاتل: للمتفكرين.

سُكِّرَتْ غُشِّيَتْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِنَّمَا سكرت أبصارنا بل نَحن قوم مسحورون} ( الْحجر: 51) وَفسّر: ( سكرت) ، بقوله: ( غشيت) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة،.

     وَقَالَ  أَبُو عَمْرو: وَهُوَ مَأْخُوذ من السكر فِي الشَّرَاب، وَعَن ابْن عَبَّاس: سكرت أخذت، وَعَن الْحسن: سكرت، وَعَن الْكَلْبِيّ: أغشيت وأغميت، وَقيل: حبست ومنعت من النّظر.

بُرُوجاً مَنازِلَ لِلشَّمْسِ والقَمَرِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَقَد جعلنَا فِي السَّمَاء بروجاً وزيناها للناظرين} ( الْحجر: 61) وَفسّر: بروجاً بقوله: ( منَازِل للشمس وَالْقَمَر) ،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: بروجاً أَي: قصوراً ومنازل وَهِي كواكب تنزلها الشَّمْس وَالْقَمَر وزحل وَالْمُشْتَرِي والمريخ وَعُطَارِد والزهرة وَالْكَوَاكِب السيارة وأسماؤها: الْحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وَالْمِيزَان وَالْعَقْرَب والقوس والجدي والدلو والحوت،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: أَرَادَ بالبروج النُّجُوم.

لَوَاقِحَ مَلاقِحَ مُلْقِحَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح فأنزلنا من السَّمَاء مَاء} ( الْحجر: 22) وَفسّر اللواقح بقوله: ( ملاقح) ثمَّ أَشَارَ بِأَنَّهُ جمع: ملقحة، وَتَفْسِير اللواقح بالملاقح نَادِر، وَإِنَّمَا يُقَال: ريَاح لَوَاقِح، وَلَا يُقَال: ملاقح، قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهُوَ من النَّوَادِر، وَيُقَال: ألقح الْفَحْل النَّاقة وألقح الرّيح السَّحَاب،.

     وَقَالَ  ابْن مَسْعُود: فِي هَذِه الْآيَة يُرْسل الله تَعَالَى الرّيح فَتحمل المَاء فتمر بالسحاب فتدر كَمَا تدر الملقحة ثمَّ تمطر،.

     وَقَالَ  الْفراء: أَرَادَ بقوله: لَوَاقِح ذَات لقح، كَقَوْل الْعَرَب: رجلٌ لابنٌ ورامخٌ وتامرٌ.

حَمأٍ جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ وهْوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ والمَسْنُونُ المَصْبُوبُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} ( الْحجر: 33) وَذكر أَن: حمأ، جمع حمأ ثمَّ فَسرهَا بالطين الْمُتَغَيّر، وَفسّر الْمسنون بقوله: المصبوب، وَهَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْمسنون التُّرَاب المبتل المنتن وَأَصله من قَول الْعَرَب: سننت الْحجر على الْحجر إِذا صللته بِهِ، وَمَا يخرج من بَين الحجرين، يُقَال لَهُ: السنين والسنانة، وَمِنْه: المسن.
قَوْله: { من صلصال} وَهُوَ الطين الْيَابِس إِذا نقرته سَمِعت لَهُ صلصلة أَي: صَوتا من يبسه قبل أَن تمسه النَّار، فَإِذا مسته النَّار فَهُوَ: فخار، وَعَن مُجَاهِد: هُوَ الطين المنتن، وَاخْتَارَهُ الْكسَائي من: صل اللَّحْم وأصلّ: إِذا أنتن.

تَوْجَلْ تَخَفْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قَالُوا لَا توجل إِنَّا نبشرك بِغُلَام عليم} ( الْحجر: 35) وَفسّر: توجل، بقوله: ( تخف) وَأَصله لَا توجل، وَتَفْسِيره: لَا تخف، واشتقاقه من الوجل وَهُوَ الْخَوْف.
قَوْله: ( قَالُوا) أَي: قَالَت الْمَلَائِكَة لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام { لَا توجل} .
إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك حِين دخلُوا على إِبْرَاهِيم، قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: { إِنَّا مِنْكُم وجلون} أَي: خائفون، ثمَّ يشروه بِغُلَام أَتَاهُ إِيَّاه على كبره وَكبر امْرَأَته وَأَرَادَ بالغلام إِسْحَاق.
قَوْله: ( عليم) ، أَي: عليم بِالدّينِ، وَقيل: بالحكمة، وَهَذَا الَّذِي ذكره البُخَارِيّ لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.

{ دابِرَ آخِرَ}

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وقضينا إِلَيْهِ ذَلِك الْأَمْرَانِ دابر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع مصبحين} ( الْحجر: 66) وَفسّر: دابر، بقوله: ( آخر) ، وَهَذَا أَيْضا لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.
قَوْله: ( وقضينا إِلَيْهِ) أَي: أَوْحَينَا إِلَى لوط عَلَيْهِ السَّلَام، ( بِأَن دابر هَؤُلَاءِ) ، أَي: قومه مَقْطُوع أَي: مستأصل.
قَوْله: ( مصبحين) أَي: حَال كَونهم فِي الصُّبْح.

الصَّيْحَةُ الهَلَكةُ أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَأَخَذتهم الصَّيْحَة مشرقين} ( الْحجر: 37) وَفسّر الصَّيْحَة بالهلكة، وَهَكَذَا فَسرهَا أَبُو عُبَيْدَة.
قَوْله: ( مشرقين) أَي: حِين أشرقت الشَّمْس عَلَيْهِم وهم قوم لوط عَلَيْهِ السَّلَام.


(بابٌُ: { إلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ} (الْحجر: 81)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { إلاَّ من اسْترق السّمع} وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ: بابُُ، وأوله: { وحفظنا من كل شَيْطَان رجيم إلاَّ من اسْترق السّمع} الْآيَة.
قَوْله: (وحفظناها) أَي: السَّمَاء بِالشُّهُبِ { من كل شَيْطَان رجيم} أَي: مرجوم مبعد.
قَوْله: { إِلَّا من اسْترق السّمع} اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، أَي: لَكِن من اسْترق السّمع، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّهُم كَانُوا لَا يحجبون عَن السَّمَوَات، فَلَمَّا ولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، منعُوا من ثَلَاث سموات، فَلَمَّا ولد نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، منعُوا من السَّمَوَات أجمع فَمَا مِنْهُم من أحد يُرِيد استراق السّمع إلاَّ رمى (بشهاب مُبين) ، أَي: بِنَار بَين، والشهاب فِي اللُّغَة: النَّار الساطعة.



[ قــ :4445 ... غــ :471 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْروٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ يَبْلُغُ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قَضَي الله الأمْرَ فِي السَّماءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بأجْنِحَتِها خُضْعاناً لِقَوْلِهِ كالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوانٍ قالَ عَلِيٌّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ صَفَوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذالِكَ فإِذَا فُزِّعَ عنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذَا قَالَ رَبُّكُمْ قالُوا لِلَّذِي قَالَ الحَقَّ وهْوَ العَلِيُّ الكبِيرُ فيَسْمَعُها مُسْتَرِقو السَّمْع ومُسْترِقو السَّمْعِ هاكَذَا واحِدٌ فَوْقَ آخَرَ وَوَصَفَ سُفْيانُ بِيَدِهِ وفَرَّجَ بَيْنَ أصابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى نَصَبَها بَعْضَها فَوْقَ بَعْضٍ فرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ المُسْتَمعَ قبْلَ أنْ يَرْمِيَ بِها إِلَى صاحبِهِ فَيُحْرِقُهُ ورُبَّما لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الذِي هُوَ أسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوها إِلَى الأرْضِ ورُبَّما قَالَ سُفْيانُ حَتَّى تَنْتَهي إِلَى الأرْض فتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ فيَكْذِبُ مَعَها مائَةَ كَذْبَةٍ فيَصْدُقُ فيَقُولونَ ألمْ يُخْبِرْنا يَوْمَ كَذَا وكَذَا يَكُونُ كَذَا وكَذَا فَوَجَدْناهُ حقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتي سُمِعَتْ مِنَ السَّماءِ.

(مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعِكْرِمَة هُوَ مولى ابْن عَبَّاس.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن الْحميدِي فِي التَّفْسِير وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُرُوف عَن أَحْمد بن عَبدة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التَّفْسِير عَن يَعْقُوب بن حميد بن كاسب،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ عَليّ بن حَرْب عَن سُفْيَان فَوَقفهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن إِسْحَاق بن عبد الْوَاحِد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: هَذَا غلط فِي ذكره ابْن عَبَّاس بِأَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن سُفْيَان، فَقَالُوا: عَن عِكْرِمَة حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة.

قَوْله: (يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَلم يقل صَرِيحًا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاحْتِمَال الْوَاسِطَة أَو شَيْء من كَيْفيَّة الْبَلَاغ.
قَوْله: (إِذا قضى الله) ، أَي: إِذا حكم الله عز وَجل، بِأَمْر من الْأُمُور وَالْقَضَاء فصل الْأَمر سَوَاء كَانَ بقول أَو فعل، وَهَذَا بِمَعْنى التَّقْدِير، وَيَجِيء بِمَعْنى الْخلق كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: لما قضى الله، أَي: لما خلقه.
قَوْله: (ضربت الْمَلَائِكَة) أَي: مَلَائِكَة السَّمَاء بأجنحتها.
قَوْله: (خضعانا) ، بِضَم الْخَاء مصدر من خضع نَحْو غفر غفراناً، وَيُقَال: خضع يخضع خضوعاً وخضعاناً وَهُوَ الانقياد وَالطَّاعَة، ويروى بِكَسْر الْخَاء كالوحدان، وَيجوز أَن يكون جمع خاضع،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي خاضعين،.

     وَقَالَ  شيخ شَيخنَا الطَّيِّبِيّ، إِذا كَانَ خضعاناً جمعا كَانَ حَالا، وَإِذا كَانَ مصدرا يجوز أَن يكون مَفْعُولا مُطلقًا لما فِي ضرب الأجنحة من معنى الخضوع أَو مَفْعُولا لَهُ، وَذَلِكَ لِأَن الطَّائِر إِذْ استشعر خوفًا أرْخى جناحيه مرتعداً.
قَوْله: (لقَوْله) ، أَي: لقَوْل الله، عز وَجل.
قَوْله: (كالسلسلة على الصفوان) ، تَشْبِيه القَوْل المسموع بالسلسلة على الصفوان كَمَا شبه فِي بَدْء الْوَحْي بقوله: كصلصلة الجرس، وَهُوَ صَوت الْملك بِالْوَحْي، والصفوان: الْحجر الأملس،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الصلصلة صَوت الْحَدِيد إِذا تحرّك وتداخل وَكَأن الرِّوَايَة وَقعت لَهُ هُنَا بالصَّاد، أَو أَرَادَ أَن التَّشْبِيه فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنى وَاحِد.
قَوْله: (قَالَ عَليّ) هُوَ: عَليّ بن عبد الله شَيْخه.
قَوْله: (وَقَالَ غَيره) ، أَي: غير سُفْيَان الرَّاوِي الْمَذْكُور (ينفذهم ذَلِك) وَهَذِه اللَّفْظَة هِيَ زِيَادَة غير سُفْيَان أَي: ينفذ الله إِلَى الْمَلَائِكَة ذَلِك القَوْل، وَرُوِيَ: ينفذ ذَلِك، أَي: ينفذ الله ذَلِك الْأَمر، والصفوان تِلْكَ السلسلة أَي: صَوتهَا، وَفِي تَفْسِير ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَفعه: إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَوَات صلصلة أَي: كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أَنه من أَمر السَّاعَة، وَقَرَأَ: { حَتَّى إِذا فزع} (سبإ: 32) الْآيَة.
وأصل الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد.
قَوْله: (فَإِذا فزع) أَي: فَإِذا أزيل الْخَوْف عَن قُلُوبهم، وَزَوَال الْفَزع هُنَا بعد سماعهم القَوْل كالفصم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سَماع الْوَحْي.
قَوْله: (مَاذَا قَالَ ربكُم) أَي: قَالَت الْمَلَائِكَة: أَي شَيْء قَالَ ربكُم؟ قَوْله: (قَالُوا) ، الْقَائِلُونَ هم المجيبون وهم الْمَلَائِكَة المقربون كجبريل وَمِيكَائِيل وَغَيرهمَا، على مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود، قَالَ: إِذا تكلم الله عز وَجل بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَاء صلصلة كجر السلسلة على الصفوان، فيصعقون فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِذا جَاءَ جِبْرِيل فزع عَن قُلُوبهم فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل! مَاذَا قَالَ ربكُم؟ فَيَقُول: الْحق، فَيَقُولُونَ: الْحق الْحق.
قَوْله: (الَّذِي قَالَ) ، أَي: الَّذِي قَالُوا: الْحق لأجل مَا قَالَ الله عز وَجل وَالْمعْنَى أَنهم عبروا عَن قَول الله وَمَا قَضَاهُ وَقدره بِلَفْظ الْحق.
قَوْله: (الْحق) ، مَنْصُوب على أَنه صفة مصدر مَحْذُوف تَقْدِيره: قَالَ الله القَوْل الْحق، وَيحْتَمل الرّفْع على تَقْدِير: قَالَ المجيبون: قَوْله الْحق، هَكَذَا قدر الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة سبأ فِي قَوْله تَعَالَى: { مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا الْحق} (سبإ: 32) بِالرَّفْع، وَالْقَوْل يجوز أَن يُرَاد بِهِ كلمة: كن، وَإِن يُرَاد بِالْحَقِّ مَا يُقَابل الْبَاطِل، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ القَوْل المسطور فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فَالْحق بِمَعْنى الثَّابِت فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَوْله: (فيسمعها) أَي: يسمع تِلْكَ الْكَلِمَة وَهِي القَوْل الَّذِي قَالَ الله عز وَجل، (ومسترقو السّمع) فَاعله وَأَصله: مسترقون للسمع، فَلَمَّا أضيف حذفت النُّون، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (فيسمعها مسترق السّمع) ، بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: (ومسترقو السّمع) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: هَكَذَا، ثمَّ فسره بقوله: هَكَذَا وَاحِد فَوق آخر، (وَوصف سُفْيَان) إِلَى قَوْله: (فَوق بعض) من الْوَصْف، وَهُوَ بَيَان كَيْفيَّة المستمعين بركوب بَعضهم على بعض،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وصف، بتَشْديد الْفَاء، ويروى: وَوصف.
قَوْله: (بِيَدِهِ) ، ويروى بكفه، أَي: بيَّن ركُوب بَعضهم فَوق بعض بأصابعه، قَوْله: (بَعْضهَا فَوق بعض) توضيح أَو بدل وَفِيه معنى التَّشْبِيه، أَي: مسترقو السّمع بَعضهم رَاكب بَعضهم مُردفِينَ ركُوب أصابعي هَذِه بَعْضهَا فَوق بعض.
قَوْله: (وَوصف سُفْيَان) إِلَى آخِره، كَلَام معترض بَين الْكَلَامَيْنِ.
قَوْله: (فَرُبمَا أدْرك الشهَاب المستمع) قد مر أَن الشهَاب هُوَ النَّار، وَقيل: هُوَ كواكب تضيء، قَالَ الله تَعَالَى: { إِنَّا زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بزينة الْكَوَاكِب وحفظاً من كل شَيْطَان مارد} (الصافات: 6) وسمى شهاباً لبريقه وَشبهه بالنَّار، وَقيل: الشهَاب شعلة نَار، وَاخْتلفُوا فِي أَنه يقتل أم لَا، فَعَن ابْن عَبَّاس أَنه يجرح وَيحرق وَلَا يقتل،.

     وَقَالَ  الْحسن وَغَيره: يقتل.
قَوْله: (إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَل مِنْهُ) ، بدل عَن قَوْله: إِلَى الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْله: (وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان: حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الأَرْض) أَيْضا معترض.
قَوْله: (فَتلقى) ، أَي الْكَلِمَة الَّتِي يسترقها المستمع.
قَوْله: (على فَم السَّاحر) أَي: المنجم، وَفِي الحَدِيث: (المنجم سَاحر) ، وَفِي رِوَايَة سُورَة سبأ: (على لِسَان السَّاحر أَو الكاهن) ، وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان: (على السَّاحر أَو الكاهن) .
قَوْله: (فيكذب مَعهَا) ، أَي: فيكذب السَّاحر مَعَ تِلْكَ الْكَلِمَة الملقاة على فَمه.
قَوْله: (فَيصدق) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: فَيصدق السَّاحر فِي كذباته.
قَوْله: (فَيَقُولُونَ) أَي: السامعون مِنْهُ: (ألم يخبرنا السَّاحر يَوْم كَذَا وَكَذَا) ، وَهُوَ بِضَم الْيَاء من الْإِخْبَار قَوْله: (كَذَا) ، كِنَايَة عَن الخرافات الَّتِي يذكرهَا السَّاحر.
قَوْله: (فوجدناه) ، الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى مَا أخبر بِهِ السَّاحر.
قَوْله: (للكلمة الَّتِي) أَي: لأجل الْكَلِمَة الَّتِي سَمِعت من السَّمَاء جعلُوا كل أخباره حَقًا.


حدَّثنا عليُّ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ حدَّثنا عَمْروٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ إذَا قَضَى الله الأمْرَ وزادَ والْكاهِنِ.

هَذَا بِعَيْنِه هُوَ الْإِسْنَاد الْمَاضِي وَلكنه مَوْقُوف فِي معنى الْمَرْفُوع، وَزَاد عَليّ فِيهِ لفظ الكاهن على السَّاحر.
وَحدثنَا سُفْيانُ فَقَالَ قَالَ عَمْروٌ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ حدَّثنا أبُو هُرَيْرَةَ قَالَ إذَا قَضَى الله الأمْرَ.

     وَقَالَ  عَلَى فَمِ السَّاحِرِ.

قُلْتُ لِسُفْيانَ أأنْتَ سَمِعْتَ عَمْراً قَالَ سَمِعْتُ عِكْرَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ نَعَمْ.

قُلْتُ لِسُفْيَانَ إنَّ إنْساناً رَوَى عَنْكَ عَنْ عَمْروٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ وَيَرْفَعُهُ أنَّهُ قَرَأَ فُرِّغَ قَالَ سُفْيانُ هاكَذَا قَرَأ عَمْروٌ فَلاَ أدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أمْ لاَ قَالَ سُفْيانُ وهْيَ قِرَاءَتُنا.

أَي: قَالَ عَليّ بن عبد الله: وَحدثنَا سُفْيَان أَيْضا الخ، وَهَذَا السَّنَد فِيهِ التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ وبالسماع.
قَوْله: (قلت لِسُفْيَان) الْقَائِل هُوَ عَليّ بن عبد الله.
قَوْله: (وَيَرْفَعهُ) أَي: وَيرْفَع أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (قَرَأَ فرغ) ، بِضَم الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء مَكْسُورَة وبالغين الْمُعْجَمَة، قَالَ سُفْيَان: هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهَكَذَا قَرَأَ عَمْرو بن دِينَار، وَهَذِه الْقِرَاءَة رويت أَيْضا عَن الْحسن وَقَتَادَة وَمُجاهد، وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة بالزاي وَالْعين الْمُهْملَة، وَقَرَأَ ابْن عَامر بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة من قَوْلهم: فرغ الزَّاد إِذا لم يبْق مِنْهُ شَيْء،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَت الْقِرَاءَة إِذا لم تكن مسموعة؟ قلت: لَعَلَّ مذْهبه جَوَاز الْقِرَاءَة بِدُونِ السماع إِذا كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا.