فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح: 1]


[ قــ :56578 ... غــ :56579 ]
- ( { سُورَةُ الفَتْحِ} )

أَي: هَذَا تَفْسِير بعض سُورَة الْفَتْح، وَهِي مَدَنِيَّة، وَقيل: نزلت بَين الْحُدَيْبِيَة وَالْمَدينَة مُنْصَرفه من الْحُدَيْبِيَة أَو بكراع الغميم وَالْفَتْح: صلح الْحُدَيْبِيَة، وَقيل: فتح مَكَّة وَهِي أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ حرفا، وَخَمْسمِائة وَسِتُّونَ كلمة، وتسع وَعِشْرُونَ آيَة.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.

قَالَ مُجاهِدٌ بُورا هَالِكِينَ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} وَفَسرهُ بقوله: ( هالكين) أَي: فاسدين لَا تصلحون لشَيْء، وَهُوَ من: بَارك الْهَالِك من هلك بِنَاء وَمعنى، وَلذَلِك وصف بِهِ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث، وَيجوز أَن يكون جمع: بائر كعائذ وعوذ.
قَالَ النَّسَفِيّ: وَالْمعْنَى: وكنتم قوما فاسدين فِي أَنفسكُم وقلوبكم ونياتكم لَا خير فِيكُم وهالكين عِنْد الله مستحقين لسخطه وعقابه.

وَقَالَ مُجاهِدٌ: { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} السَّحْنَةُ

فسر مُجَاهِد سِيمَاهُمْ بالسحنة.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: السحنة بشرة الْوَجْه وهيأته وحاله، وَهِي مَفْتُوحَة السِّين وَقد تكسر، وَيُقَال: السحناء أَيْضا بِالْمدِّ، وَقَيده الْأصيلِيّ وَابْن السكن بِفَتْحِهَا،.

     وَقَالَ  عِيَاض: هُوَ الصَّوَاب عِنْد أهل اللُّغَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ القَاضِي عَن نصر بن عَليّ عَن بشر بن عمر عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن مُجَاهِد، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني والقابسي: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم: السَّجْدَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: المسحة.

وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجاهِدٍ التَّوَاضُعُ

أَي: قَالَ مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن مُجَاهِد فِي تَفْسِير: سِيمَاهُمْ التَّوَاضُع، وروى ابْن أبي حَاتِم: نَا الْمُنْذر بن شَاذان، نَا يعلى حَدثنَا سُفْيَان نَا حميد بن قيس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم) قَالَ: الْخُشُوع والتواضع،.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم أَيْضا حَدثنَا أبي نَا عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي نَا حُسَيْن الْجعْفِيّ عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد فِي هَذِه الْآيَة.
قَالَ: هُوَ الْخُشُوع،.

     وَقَالَ  عبد بن حميد: حَدثنَا عَمْرو بن سعد وَعبد الْملك بن عَمْرو وَقبيصَة عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} قَالَ: الْخُشُوع وحَدثني مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن زَائِدَة عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد: هُوَ الْخُشُوع.
قلت: ينظر النَّاظر فِي الَّذِي علقه البُخَارِيّ.

شَطْأَهُ: فِرَاخَهُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كزرع أخرج شطأه} وَفَسرهُ بقوله: ( فِرَاخه) وَهَكَذَا فسره الْأَخْفَش، يُقَال: اشطأ الزَّرْع إِذا أفرخ، وَعَن أنس: شطأه نَبَاته وَعَن السّديّ، هُوَ أَن يخرج مَعَه الطَّاقَة الْأُخْرَى، وَعَن الْكسَائي: طرفه.

فَاسْتَغْلَظَ غلظَ

غلظ، بِضَم اللَّام ويروى تغلظ أَي: قوي وتلاحق نَبَاته.

سُوقِهِ السَّاقُ حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ

أَشَارَ بقوله: ( سوقه) إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَاسْتَوَى على سوقه} أَي قَامَ على أُصُوله، والسوق بِالضَّمِّ جمع سَاق وَفَسرهُ بقوله: ( السَّاق حامله الشَّجَرَة) وَهِي جذعه، وَهَكَذَا فسره الْجَوْهَرِي.

شَطْأَهُ شَطْءُ السُّنْبُلِ تُنْبِتُ الحَبَّةُ عَشْرا وَثَمَانِيا وَسَبْعا فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَذَاكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَآزَرَهُ قَوَّاهُ وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ الله لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ خَرَجَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَوَّاهُ بِأصْحَابِهِ كَمَا قَوَّى الحَبَّةَ بِمَا يَنْبُتُ مِنْها.

قَوْله: ( شطأه شطء السنبل) ، إِلَى آخِره، لَيْسَ بمذكور فِي بعض النّسخ وَلَا الشُّرَّاح تعرضوا لشرحه.
قَوْله: { تنْبت} ، من الإنبات.
قَوْله: ( وثمانيا وَسبعا) ويروى: أَو ثمانيا أَو سبعا وَكلمَة: أَو للتنويع أَي: تنْبت الْحبَّة الْوَاحِدَة عشرَة سنابل، وَتارَة ثَمَان سنابل، وَتارَة سبع سنابل.
قَالَ الله تَعَالَى: { كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل} ( الْبَقَرَة: 162) قَوْله: ( وَهُوَ مثل ضربه الله) إِلَى آخِره وَفِي التَّفْسِير وَهُوَ مثل ضربه الله تَعَالَى لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي: أَنهم يكونُونَ قَلِيلا ثمَّ يزدادون ويكثرون ويقوون، وَعَن قَتَادَة: مثل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْإِنْجِيل مَكْتُوب أَنه سيخرج قوم يَنْبُتُونَ نَبَات الزَّرْع يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر.
قَوْله: ( إِذْ خرج) أَي: حِين خرج وَحده يحْتَمل أَن يكون المُرَاد حِين خرج على كفار مَكَّة وَحده يَدعُوهُم إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه.
ثمَّ قواه الله تَعَالَى بِإِسْلَام من أسلم مِنْهُم فِي مَكَّة، وَيحْتَمل أَن يكون حِين خرج من بَيته وَحده حِين اجْتمع الْكفَّار على أَذَاهُ ثمَّ رافقه أَبُو بكر ثمَّ لما دخل الْمَدِينَة قواه الْأَنْصَار.

وَيُقَالُ دَائِرَةُ السَّوْءِ كَقَوْلِكَ رَجُلُ السَّوْءِ وَدَائِرَةُ السَّوْءِ العَذَابُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { عَلَيْهِم دَائِرَة السوء وَغَضب الله عَلَيْهِم} ( الْفَتْح: 6) الْآيَة.
وفسرها بقوله: { دَائِرَة السوء الْعَذَاب} وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة وَقيل: دَائِرَة الدمار والهلاك وَقِرَاءَة الْجُمْهُور بِفَتْح السِّين، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير بِالضَّمِّ.

تُعَزِّرُوهُ: يَنْصُرُوهُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه} ( الْفَتْح: 9) الْآيَة.
وَفَسرهُ بقوله: ( ينصروه) وَكَذَا روى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة نَحوه، وَقيل: مَعْنَاهُ يعينوه، وَعَن عِكْرِمَة، يُقَاتلُون مَعَه بِالسَّيْفِ،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر بن عبد الله.
قَالَ: لما نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويعزروه، قَالَ لنا: مَاذَا كم؟ قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم.
قَالَ: لينصروه ويوقروه ويعظموه ويفخموه، هُنَا وقف تَامّ.


(بابٌُ: { إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحا مُبِينا} (الْفَتْح: 1)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْفَتْح فتح مَكَّة وَعَن مُجَاهِد والعوفي فتح خَيْبَر، وَعَن بَعضهم: فتح الرّوم، وَقيل: فتح الْإِسْلَام، وَعَن جَابر: مَا كُنَّا نعد فتح مَكَّة إلاَّ يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَعَن بشر بن الْبَراء قَالَ: لما رَجعْنَا من غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَقد حيل بَيْننَا وَبَين نسكنا فَنحْن بَين الْحزن والكآبة.
فَأنْزل الله عز وَجل: { إِنَّا فتحنا لَك} الْآيَة كلهَا.



[ قــ :4570 ... غــ :4833 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عَنْ أبِيهِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أسْفَارِهِ وَعُمَرُ بنُ الخَطابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلاً فَسَأَلَهُ عُمَرُ ابنُ الخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجْبْهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجْبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَالَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَابِ ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ نزَرْتَ رسولَ الله ثَلاثَ مَرَّاتٍ كلَّ ذالِكَ لَا يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أمامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أنْ يُنْزَلَ فِيَّ القُرْآنُ فَمَا نَشِبْتُ أنْ سَمِعْتُ صَارِخا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَجِئتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ صُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ: { إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحا مُبِينا} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأسلم مولى عمر بن الْخطاب كَانَ من سبي الْيمن،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: أَبُو زيد الحبشي البجاوي من بجاوة.

وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بابُُ غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم هُنَا أَيْضا لبعد الْمسَافَة، فَنَقُول: هَذَا صورته صُورَة الْإِرْسَال لِأَن أسلم لم يدْرك زمَان هَذِه الْقِصَّة، لكنه مَحْمُول على أَنه سمع من عمر بِدَلِيل قَوْله فِي أثْنَاء الحَدِيث: (فحركت بَعِيري).

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ عَن مَالك عَن زيد عَن أَبِيه عَن عمر مُتَّصِلا بِمُحَمد بن خَالِد بن عَثْمَة وَأَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن غَزوَان وَإِسْحَاق الحنيني، وَيزِيد بن أبي حَكِيم وَمُحَمّد بن حَرْب الْمَكِّيّ، وَأما أَصْحَاب (الْمُوَطَّأ) فَرَوَوْه عَن مَالك مُرْسلا.

قَوْله: (فِي بعض أَسْفَاره) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَذَا السّفر كَانَ لَيْلًا متصرفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة لَا أعلم بَين أهل الْعلم فِي ذَلِك خلافًا قَوْله: (ثكلت أم عمر) فِي رِوَايَة الْكشميهني، ثكلتك أم عمر، من الثكل وَهُوَ فقدان الْمَرْأَة وَلَدهَا، وَامْرَأَة ثاكل وثكلى وَرجل ثاكل وثكلان، وَكَأن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، دَعَا على نَفسه حَيْثُ ألح على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير كَأَنَّهُ دَعَا على نَفسه بِالْمَوْتِ وَالْمَوْت يعم كل أحد فَإِذا الدُّعَاء عَلَيْهِ كلا دُعَاء، وَيجوز أَن يكون من الْأَلْفَاظ الَّتِي تجْرِي على أَلْسِنَة الْعَرَب وَلَا يُرَاد بهَا الدُّعَاء، كَقَوْلِهِم: تربت يداك وقاتلك الله.
قَوْله: (نزرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بالنُّون وَتَخْفِيف الزاء وبالراء أَي: ألححت عَلَيْهِ وبالغت فِي السُّؤَال، ويروى بتَشْديد الزَّاي وَالتَّخْفِيف أشهر،.

     وَقَالَ  ابْن وهب: أكرهته أَي: أَتَيْته بِمَا يكره من سُؤَالِي فَأَرَادَ الْمُبَالغَة، والنزر الْقلَّة وَمِنْه الْبِئْر النزور الْقَلِيل المَاء.
قَالَ أَبُو ذَر: سَأَلت من لقِيت من الْعلمَاء أَرْبَعِينَ سنة فَمَا أجابوا إلاَّ بِالتَّخْفِيفِ، وَكَذَا ذكره ثَعْلَب وَأهل اللُّغَة، وبالتشديد ضَبطهَا الْأصيلِيّ وَكَأَنَّهُ على الْمُبَالغَة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: نزرت قللت كَلَامه أَو سَأَلته فِيمَا لَا يحب أَن يُجيب فِيهِ.

وَفِيه: أَن الْجَواب لَيْسَ لكل الْكَلَام بل السُّكُوت جَوَاب لبَعض الْكَلَام، وتكرير عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، السُّؤَال إِمَّا لكَونه ظن أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسمعهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ الْأَمر الَّذِي كَانَ يسْأَل عَنهُ كَانَ مهما عِنْده، وَلَعَلَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجَابَهُ بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا ترك إجَابَته أَولا لشغله بِمَا كَانَ فِيهِ من نزُول الْوَحْي.
قَوْله: (فَمَا نشبت) ، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: فَمَا لَبِثت وَلَا تعلّقت بِشَيْء غير مَا ذكرت قَوْله: (لهي أحب إليّ) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَإِنَّمَا كَانَت أحب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لما فِيهَا من مغْفرَة مَا تقدم وَمَا تَأَخّر، وَالْفَتْح والنصر وإتمام النِّعْمَة وَغَيرهَا من رِضَاء الله عز وَجل عَن أَصْحَاب الشَّجَرَة وَنَحْوهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: أطلق المفاضلة بَين الْمنزلَة الَّتِي أعطيها وَبَين مَا طلعت عَلَيْهَا الشَّمْس، وَمن شَرط المفاضلة اسْتِوَاء الشَّيْئَيْنِ فِي أصل الْمَعْنى ثمَّ يزِيد أَحدهمَا على الآخر.
وَأجَاب ابْن بطال بِأَن مَعْنَاهُ أَنَّهَا أحب إِلَيْهِ من كل شَيْء لِأَنَّهُ لَا شَيْء إلاَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَأخْرج الْخَبَر عَن ذكر الشَّيْء بِذكر الدُّنْيَا إِذْ لَا شَيْء سواهَا إلاَّ الْآخِرَة وَأجَاب ابْن الْعَرَبِيّ بِمَا ملخصه أَن أفعل قد لَا يُرَاد فِيهِ المفاضلة كَقَوْلِه: { خير مُسْتَقر أَو أحسن مقيلاً} (الْفرْقَان: 4) وَلَا مفاضلة بَين الْجنَّة وَالنَّار، أَو الْخطاب وَقع على مَا اسْتَقر فِي أنفس أَكثر النَّاس فَإِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَن الدُّنْيَا لَا شَيْء مثلهَا وَأَنَّهَا الْمَقْصُود فَأخْبر بِأَنَّهَا عِنْده خبر مِمَّا تظنون أَن لَا شَيْء أفضل مِنْهُ.





[ قــ :4571 ... غــ :4834 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قتادَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ الله عنهُ: { إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحا مُبِينا} ( الْفَتْح: 1) قَالَ الحُدَيْبِيَةُ.

غنْدر هَذَا لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد تكَرر ذكره، وَقد مضى الحَدِيث فِي الْمَغَازِي بأتم مِنْهُ، وَأطلق على غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة الْفَتْح، بِاعْتِبَار أَنه كَانَ مُقَدّمَة الْفَتْح.





[ قــ :4571 ... غــ :4835 ]
- حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثنا مُعاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفَّلِ قَالَ قَرَأَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سِورَةَ الفَتْحِ فَرَجَعَ فِيهَا قَالَ مُعَاوِيَةُ لَوْ شِئْتُ أنْ أحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَفَعَلْتُ.

عبد الله بن مُغفل، بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْمَغَازِي فِي: بابُُ غَزْوَة الْفَتْح فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شعيد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( فَرجع) ، من الترجيع وَهُوَ ترديد الصَّوْت فِي الْحلق كَقِرَاءَة أَصْحَاب الألحان، وَقيل: تقَارب ضروب الحركات فِي الصَّوْت، وَزعم بَعضهم أَن هَذَا كَانَ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا فَجعلت النَّاقة تحركه فَحصل بِهِ الترجيع وَهُوَ مَحْمُول على إشباع الْمَدّ فِي مَوْضِعه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حسن الصَّوْت إِذا قَرَأَ مد ووقف على الْحُرُوف، وَيُقَال: مَا بعث نَبِي إلاَّ حسن الصَّوْت، وَقَامَ الْإِجْمَاع على تَحْسِين الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ وترتيبها قَالَه القَاضِي.