فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10]

(بابٌُ: { إذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهاجِرَاتٍ} (الممتحنة: 1)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} الْآيَة.
أَي: حَال كونهن مهاجرات من دَار الْكفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام، وأتفقوا على نُزُولهَا بعد الْحُدَيْبِيَة.
وَأَن سَببهَا مَا تقدم من الصُّلْح بَين قُرَيْش وَالْمُسْلِمين على أَن من جَاءَ من قُرَيْش إِلَى الْمُسلمين يردونه إِلَى قُرَيْش ثمَّ اسْتثْنى الله من ذَلِك النِّسَاء الْمُهَاجِرَات بِشَرْط الامتحان، وَهُوَ قَوْله: { فامتحنوهن} .



[ قــ :4627 ... غــ :4891 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا ابنُ أخِي ابنِ شِهابٍ عَنْ عَمِّهِ أخبرَنِي عُرْوَةُ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا زَوْجَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِ مِنَ المُؤْمِناتِ بِهاذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِ الله: { يَا أيُّها النبيُّ إذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعُنك} إلَى قَوْلِهِ: { غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أقَرَّ بِهاذا الشَّرْطِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى كَلاما وَلا وَالله مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ مَا يُبايِعُهُنَّ إلاَّ بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذالِكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: { كَانَ يمْتَحن من هَاجر إِلَيْهِ من الْمُؤْمِنَات} وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور أَو ابْن إِبْرَاهِيم وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَاسم ابْن أخي ابْن شهَاب مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَهُوَ عَم مُحَمَّد بن عبد الله.

والْحَدِيث أخرجه فِي الطَّلَاق أَيْضا على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (حَدثنَا يَعْقُوب) ، وَفِي وَرَايَة أبي ذَر أخبرنَا يقعوب.
قَوْله: (يمْتَحن) ، أَي: يختبر وامتحانهن أَن يستحلفن مَا خرجن من بغض زوج وَمَا خرجن رَغْبَة عَن أَرض إِلَى أَرض وَمَا خرجن التماسا للدنيا.
وَمَا خرجن إلاَّ حبا لله وَلِرَسُولِهِ، قَالَه ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (بِهَذِهِ الْآيَة) ، أشارت بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك} (الممتحنة: 21) الْمُبَايعَة المعاقدة على الْإِسْلَام والمعاهدة كَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بَاعَ مَا عِنْده من صَاحبه وَأَعْطَاهُ خَالِصَة نَفسه وطاعته ودخيلة أمره.
قَوْله: (الْآيَة) ، أَي: اقْرَأ الْآيَة بِتَمَامِهَا وَهُوَ قَوْله: { على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يسرفن وَلَا يَزْنِين وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف فبايعهن واستغفر لَهُنَّ إِن الله غَفُور رَحِيم} .

     وَقَالَ  الْمُفَسِّرُونَ: لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بيعَة الرِّجَال أَخذ فِي بيعَة النِّسَاء وَهُوَ على الصَّفَا وَعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَسْفَل مِنْهُ وَهُوَ يُبَايع النِّسَاء بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويبلغهن عَنهُ قَوْله: (فَمن أقرّ بِهَذَا الشَّرْط) وَهُوَ: { أَن لَا يشركهن بِاللَّه شَيْئا} الخ قَوْله: (قَالَ لَهَا) أَي: للمبايعة مِنْهُنَّ (قد بَايَعْتُك كلَاما) وَهُوَ مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، وَهُوَ من قَول عَائِشَة، وَالتَّقْدِير: كَانَ يُبَايع بالْكلَام وَلَا يُبَايع بِالْيَدِ كالمبايعة مَعَ الرِّجَال بالمصافحة باليدين.
قَوْله: (لَا وَالله) الْقسم لتأكيد الْخَبَر أَي: مست يَده يَد امْرَأَة فِيهِ رد على مَا جَاءَ عَن أم عَطِيَّة رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن عَن جدته أم عَطِيَّة فِي قصَّة الْمُبَايعَة.
قَالَت: فَمد يَده من خَارج الْبَيْت وَمَدَدْنَا أَيْدِينَا من دَاخل الْبَيْت.
ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، وَكَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بعده حَيْثُ قَالَت: فِيهِ فقبضت منا امْرَأَة يَدهَا فَإِنَّهُ يشْعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن.
فَإِن قلت: مَا وَجه الرَّد هُنَا وَالْأَحَادِيث كلهَا صِحَاح؟ قلت: جابوا عَن الأول، بِأَن مد الْأَيْدِي من وَرَاء الْحجاب إِشَارَة إِلَى وُقُوع الْمُبَايعَة وَهُوَ لَا يسْتَلْزم المصافحة.
وَعَن الثَّانِي بِأَن المُرَاد بِقَبض الْيَد التَّأَخُّر عَن الْقبُول أَو كَانَت الْمُبَايعَة بِحَائِل، فَافْهَم.

تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ إسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
.

     وَقَالَ  إسْحاقُ بنُ رَاشِدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ.

أَي: تَابع ابْن أخي ابْن شهَاب يُونُس بن زيد فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ فِي كتاب الطَّلَاق فِي بابُُ: إِذا أسلمت المشركة أَو النَّصْرَانِيَّة عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة الحَدِيث، وَوصل أَيْضا مُتَابعَة معمر بن رَاشد فِي الْأَحْكَام فِي: بابُُ بيعَة النِّسَاء عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ الحَدِيث ومتابعة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الْقرشِي وَصلهَا ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق خَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ عَنهُ.
قَوْله:.

     وَقَالَ  إِسْحَاق بن رَاشد أَي الْجَزرِي الْحَرَّانِي يروي عَن الزُّهْرِيّ، وَالزهْرِيّ يروي عَن عُرْوَة بن الزبير وَعَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن.
يَعْنِي: يجمع بَينهمَا فِي هَذِه الرِّوَايَة.
وَرَوَاهُ الذهلي فِي (الزهريات) عَن عتاب بن بشير عَن إِسْحَاق بن رَاشد بِهِ.