فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} [الانشقاق: 8]


[ قــ :37362 ... غــ :37363 ]
- ( سُورَةُ: { إذَا السَّماءُ انْشَقَتْ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة { إِذا السَّمَاء انشقت} وَفِي بعض النّسخ لم يذكر لفظ: سُورَة.
وَتسَمى أَيْضا: سُورَة الانشقاق، وَسورَة انشقت، وَهِي مَكِّيَّة، وَهِي أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثُونَ حرفا وَمِائَة وَسبع كَلِمَات وَثَلَاث وَعِشْرُونَ آيَة.

كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ يَأخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ

معنى أَخذ كِتَابه بِشمَالِهِ أَنه يَأْخُذ من وَرَاء ظَهره، وَفَسرهُ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَأما من أولى كِتَابه وَرَاء ظَهره} ( الانشقاق: 1) أَنه نقل يَده الْيُمْنَى إِلَى عُنُقه وَتجْعَل يَده الشمَال وَرَاء ظَهره فيؤتي كِتَابه من وَرَاء ظَهره، وَعَن مُجَاهِد أَيْضا، أَنه تخلع يَده من وَرَاء ظَهره.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أذِنَتْ سَمِعَتْ وَأطَاعَتْ لِرَبِّهَا وَألْقَتْ مَا فِيهَا مِنَ المَوْتَى وَتَخَلَّتْ عَنْهُمْ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وأذنت لِرَبِّهَا وحقت وَإِذا الأَرْض مدت وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وتخلت} ( الانشقاق: 2، 4) وَفسّر قَوْله: أَذِنت بقوله: سَمِعت وأطاعت، وَفسّر قَوْله: ( وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا) بقوله: أخرجت مَا فِيهَا من الْمَوْتَى،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: من الْكُنُوز والموتى.
قَوْله: ( وتخلت) ، أَي: خلت فَلَيْسَ فِي بَطنهَا شَيْء، وَهَذَا كُله للنسفي.

وَسَقَ: جَمْعَ مِنْ دَابَّةٍ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَاللَّيْل وَمَا وسق} ( الانشقاق: 71) وَفَسرهُ بقوله: ( جمع من دَابَّة) .

     وَقَالَ  مُجَاهِد: وَمَا أَوَى فِيهَا من دَابَّة، وَعَن عِكْرِمَة: وَمَا جمع فِيهَا من دَوَاب وعقارب وحيات، وَعَن مقَاتل: وَمَا سَاق من ظلمَة.
قَوْله: ( وسق) ، من وسقته أسقه وسْقا أَي: جمعته وَمِنْه قيل للطعام الْكثير الْمُجْتَمع: وسق، وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا.
وَطَعَام موسوق أَي: مَجْمُوع فِي غرارة ومركب موسوق إِذا كَانَ مشحونا بالخلق أَو بالبضائع.

ظَنَّ أنْ لَنْ يَحورَ أنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْنا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِنَّه ظن أَن لن يحور} ( الانشقاق: 41) وَفَسرهُ بقوله: ( أَن لَا يرجع إِلَيْنَا) وَهُوَ من الْحور وَهُوَ الرُّجُوع، وَيُقَال: حاورت فلَانا أَي: راجعته وَيُطلق على التَّرَدُّد فِي الْأَمر.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يُوعُونَ يَشْتَرُونَ

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل: { وَالله أعلم بِمَا يوعون} ( الانشقاق: 32) أَي: يشْتَرونَ، وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَعَن مُجَاهِد يكتمون، وَعَن قَتَادَة: يَزْعمُونَ فِي صُدُورهمْ، وَهَذَا ثَبت للنسفي وَحده.


(بابٌُُ: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسابا يَسِيرا} (الانشقاق: 8)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} وَهَذِه التَّرْجَمَة لم تثبت إلاَّ لأبي ذَر.



[ قــ :4673 ... غــ :4939 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بنِ الأسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ أبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وحدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ عَنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وحدَّثنا مَسدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أبِي يُونُسَ حَاتِمِ بنِ أبِي صَغِيرَةَ عَنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ أحَدٌ يُحَاسَبُ إلاَّ هَلَكَ قَالَتْ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ الله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ ألَيْسَ يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: { فَأمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسابا يَسِيرا} (الانشقاق: 7، 8) قَالَ ذَاكَ العَرْضُ يُعْرَضُونَ وَمَنْ نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من ثَلَاث طرق: أَحدهَا: عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن كنيز، بالنُّون وَالزَّاي الفلاس عَن يحيى الْقطَّان عَن عُثْمَان بن الْأسود بن مُوسَى الجُمَحِي بِضَم الْجِيم عَن عبد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم عَن عَائِشَة، وَوَقع هُنَا للقابسي: عَن عُثْمَان الْأسود فَجعل الْأسود صفة لعُثْمَان وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ ابْن الْأسود.
الثَّانِي: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن عَائِشَة.
الثَّالِث: عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن أبي يُونُس حَاتِم بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن ي صَغِيرَة.
ضد الْكَبِيرَة الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الر قاق وَأخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن أبان وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن زِيَاد بن أَيُّوب وَعبد الله بن أبي مليكَة روى هُنَا عَن عَائِشَة بالواسطة وَفِي الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين بِلَا وَاسِطَة، وَيحمل هَذَا على أَن ابْن أبي مليكَة حمله عَن الْقَاسِم ثمَّ سَمعه عَن عَائِشَة، وسَمعه أَولا من عَائِشَة ثمَّ استثبت الْقَاسِم، إِذْ فِي رِوَايَته زِيَادَة لَيست عِنْده، وَبِهَذَا يُجَاب عَن اسْتِدْرَاك الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث لهَذَا الِاخْتِلَاف، وَعَما قَالَه الجياني: سقط من نُسْخَة أبي زيد من السَّنَد الأول ذكر ابْن أبي مليكَة وَلَا بُد مِنْهُ، ذكر ذَلِك الْقَابِسِيّ وعبدوس عَن شيخهما أبي زيد وَمِمَّا ذكره أَبُو إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي وَابْن الْهَيْثَم عَن الفريري، فِي السَّنَد الثَّانِي، ابْن أبي مليكَة عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة وَهُوَ وهم، وَالْمَحْفُوظ فِيهِ أَيُّوب عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة لَيْسَ فِيهِ الْقَاسِم، وَأَيْضًا فَأن يحيى الْقطَّان وَعبد الله بن الْمُبَارك روياه عَن حَاتِم عَن ابْن أبي مليكَة عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة، وهما زادا فِيهِ وهما حَافِظَانِ ثقتان، وَزِيَادَة الْحَافِظ مَقْبُولَة.
فَإِن قلت: روى أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْحسن مَنْصُور الطَّبَرِيّ فِي (السّنَن) تأليفه بِإِسْنَادِهِ عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.
قَالَت: لَا يُحَاسب رجل يَوْم الْقِيَامَة إلاَّ دخل الْجنَّة.
قَالَ الله عز وَجل: { فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} (الانشقاق: 7، 8) يقْرَأ عَلَيْهِ عمله فَإِذا عرفه غفر لَهُ ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: { فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان} (الرَّحْمَن: 93) وَأما الْكَافِر فَقَالَ: { يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيَأْخُذ بالنواصي والإقدام} (الرَّحْمَن: 14) قلت: أُجِيب عَن ذَلِك بِأَن هَذَا وَإِن كَانَ إِسْنَاده صَحِيحا فَلَا يُقَاوم مَا فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) ، وَمن شَرط الْمُعَارضَة التَّسَاوِي فِي الصِّحَّة وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَإِن عَائِشَة قد خالفها غَيرهَا فِي ذَلِك للآيات وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك.
فَإِن قلت: إِن الْحساب يُرَاد بِهِ الثَّوَاب وَالْجَزَاء، وَلَا ثَوَاب للْكَافِرِ فيجازى عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ، وَلِأَن المحاسب لَهُ هُوَ الله تَعَالَى، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: { وَلَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة} (الْبَقَرَة: 471) قلت: أجَاب عَن ذَلِك مُحَمَّد بن جرير بِأَن معنى لَا يكلمهم الله.
أَي: بِكَلَام يحبونه، وإلاَّ فقد قَالَ عز وَجل: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} (الْمُؤْمِنُونَ: 801) قَوْله: (ذَاك الْعرض) ، هُوَ الإبداء والإبراز وَقيل: هُوَ أَن يعرف ذنُوبه لم يتَجَاوَز عَنهُ، وَحَقِيقَة الْعرض إدارك الشَّيْء بالحواس ليعلم غَايَته وحاله.
قَوْله: (وَمن نُوقِشَ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من المناقشة وَهِي الِاسْتِقْصَاء فِي الْأَمر.
قَوْله: (الْحساب) مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض.