فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الشغار

( بابُُ الشِّغارِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الشّغَار، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهُوَ فِي اللُّغَة الرّفْع، من قَوْلهم: شغر الْكَلْب بِرجلِهِ إِذا رَفعهَا ليبول، فَكَأَن المتناكحين ورفعا الْمهْر بَينهمَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو زيد: رفع رجله بَال أَو لم يبل، وَعبارَة صَاحب الْعين: رفع إِحْدَى رجلَيْهِ ليبول،.

     وَقَالَ  أَبُو زيد: شغرت الْمَرْأَة شغورا إِذا رفعت رِجْلَيْهَا عِنْد الْجِمَاع، وَقيل لِأَنَّهُ رفع العقد من الأَصْل فارتفع النِّكَاح، وَقيل: من شغر الْمَكَان إِذا خلا لخلوه عَن الصَدَاق أَو عَن الشَّرَائِط، وَيَجِيء الْآن مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ.



[ قــ :4839 ... غــ :5112 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَى عنِ الشِّغارِ، وَالشِّغارُ أنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتهُ علَى أنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُما صَدَاقٌ.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا من لفظ الحَدِيث.

وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن بن عِيسَى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هَارُون بن عبد الله عَن معن بن عِيسَى وَغَيره.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن سُوَيْد بن سعيد، ستتهم عَن مَالك بِهِ.

قَوْله: ( نهى عَن الشّغَار) وَلَفظ مُسلم: لَا شغار فِي الْإِسْلَام.
قَوْله: ( والشغار) إِلَخ.
تَفْسِير الشّغَار من حَيْثُ الشَّرْع،.

     وَقَالَ  الْخَطِيب: تَفْسِير الشّغَار لَيْسَ من كَلَام سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول مَالك وصل بِالْمَتْنِ الْمَرْفُوع، بيَّن ذَلِك القعْنبِي وَابْن مهْدي ومحرز فِي روايتهم عَن مَالك، وَلما رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث مُحرز بن عون ومعن بن عِيسَى عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الشّغَار، قَالَ: قَالَ مُحرز: قَالَ مَالك: والشغار أَن يُزَوّج الرجل ابْنَته الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي، فِيمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ بعد رِوَايَته الحَدِيث عَن مَالك: لَا أَدْرِي تَفْسِير الشّغَار فِي الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من ابْن عمر أَو من نَافِع أَو من مَالك.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا فِي صَحِيح مُسلم من غير طَرِيق مَالك: أَن تَفْسِير الشّغَار من قَول نَافِع، رَوَاهُ من رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع، وَفِيه: أَن فِي حَدِيث عبيد الله قَالَ: قلت لنافع: مَا الشّغَار؟ وَفِي كتاب الموطآت للدارقطني: حَدثنَا أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان حَدثنَا بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن مَالك: نهى عَن الشغارة، قَالَ بنْدَار: الشّغَار أَن يَقُول: زَوجنِي ابْنَتك أزَوجك ابْنَتي.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صُورَة نِكَاح الشّغَار الْمنْهِي عَنهُ، فَعَن مَالك: هُوَ أَن الرجل يُزَوّج أُخْته أَو وليته من رجل آخر على أَن يُزَوّج ذَلِك الرجل مِنْهُ ابْنَته أَيْضا أَو وليته، وَيكون بضع كل وَاحِد مِنْهُمَا صَدَاقا لِلْأُخْرَى دون صدَاق، وَكَذَا ذكره خَلِيل بن أَحْمد فِي كِتَابه،.

     وَقَالَ  الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط: صورته الْكَامِلَة أَن يَقُول: زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك، على أَن يكون بضع كل وَاحِدَة مِنْهُمَا صَدَاقا لِلْأُخْرَى، وَمهما انْعَقَد نِكَاح ابْنَتي انْعَقَد نِكَاح ابْنَتك.
.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ: هَذَا فِيهِ تَعْلِيق وَشرط عقد فِي عقد وتشريك فِي الْبضْع،.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين: ينبغني أَن يُزَاد فِي هَذِه الصُّورَة.
وَأَن لَا يكون مَعَ الْبضْع صدَاق آخر حَتَّى يكون مجمعا على تَحْرِيمه، فَإِنَّهُ إِذا ذكر فِيهِ الصَدَاق فِيهِ الْخلاف.
قلت: هَذَا على مَذْهَبهم، وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فالشغار هُوَ أَن يشاغر الرجل الرجل، يَعْنِي يُزَوّج ابْنَته أَو أُخْته على أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته أَو أُخْته أَو أمته ليَكُون أحد الْعقْدَيْنِ عوضا عَن الآخر، فَالْعقد الصَّحِيح، وَيجب مهر الْمثل.

وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِي تزوج الرجل ابْنَته على أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته وَيكون مهر كل وَاحِدَة مِنْهُمَا نِكَاح الْأُخْرَى؛ فَقَالَت طَائِفَة: النِّكَاح جَائِز وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا صدَاق مثلهَا، هَذَا قَول عَطاء وَعَمْرو بن دِينَار وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَالثَّوْري والكوفيين، وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول بهَا فلهَا الْمُتْعَة فِي قَول النُّعْمَان وَيَعْقُوب،.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: عقد النِّكَاح على الشّغَار بَاطِل وَهُوَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِد فِي كل أَحْكَامه، هَذَا قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَكَانَ مَالك وَأَبُو عبيد يَقُولَانِ: نِكَاح الشّغَار مَنْسُوخ على كل حَال، وَفِيه قَول ثَالِث وَهُوَ: أَنَّهُمَا إِن كَانَا لم يدخلا بهما فسخ وَيسْتَقْبل النِّكَاح بِالْبَيِّنَةِ وَالْمهْر، وَإِن كَانَا قد خلا بهما فَلَهُمَا مهر مثلهمَا.
وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ: وَأجَاب أَصْحَابنَا عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ ورد، وَلَا خلاية عَن تَسْمِيَة الْمهْر واكتفائه بذلك من غيرأن يجب فِيهِ شَيْء آخر من المَال على مَا كَانَت عَلَيْهِ عَادَتهم فِي الْجَاهِلِيَّة، أَو هُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة.