فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها

( بابٌُ لاَ يُنْكِحُ الأبُ وغَيْرُهُ البِكْرَ والثَّيِّبُ إلاَّ يرضاها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَنه لَا ينْكح الْأَب إِلَى آخِره، وينكح بِضَم الْيَاء من الْإِنْكَاح، وَالْأَب بِالرَّفْع فَاعله، وَغَيره عطف عَلَيْهِ أَي: وَغير الْأَب من الْأَوْلِيَاء.
قَوْله: الْبكر، مَنْصُوب على المفعولية، وَالثَّيِّب عطف عَلَيْهِ.



[ قــ :4860 ... غــ :5136 ]
- حدَّثنا مُعاذُ بنُ فَضالَة حَدثنَا هِشامٌ عنْ يَحْيَى اعنْ أبي سلَمَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدَّثُهُمْ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتّى تُسْتَأْمَر، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتّى تُسْتأذنَ.
قَالُوا: يَا رسُولَ الله {وكيْفَ إِذْنُها؟ قَالَ: أنْ تَسْكُتَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ومعاذ، بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة: ابْن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ترك الْحِيَل عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن القواريري.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.

قَوْله: ( لَا تنْكح) على صِيغَة الْمَجْهُول.
والأيم قد مر تَفْسِير.
قَوْله: ( حَتَّى تستأمر) من الاستئمار، وَهُوَ طلب الْأَمر، وَقيل: الْمُشَاورَة.
قَوْله: ( حَتَّى تستأذن) أَي: حَتَّى يطْلب مِنْهَا الْإِذْن.
قَوْله: ( لَا تنْكح الأيم) المُرَاد بِهِ الثّيّب هُنَا بِقَرِينَة قَوْله: ( وَلَا تنْكح الْبكر) وَإِن كَانَ الأيم يتَنَاوَل الثّيّب وَالْبكْر، وَبِهَذَا احْتج أَبُو حنيفَة على أَن الْوَلِيّ لَا يجْبر الثّيّب وَلَا الْبكر على النِّكَاح فالثيب تستأمر وَالْبكْر تستأذن، وَالْمَرْأَة الْبَالِغَة الْعَاقِلَة، إِذا زوجت نَفسهَا من غير ولي ينفذ نِكَاحهَا عِنْده، وَعند أبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد يتَوَقَّف على إجَازَة الْوَلِيّ.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: لَا ينْعَقد بِعِبَارَة النِّسَاء أصلا لقَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي.
والْحَدِيث الْمَذْكُور حجَّة عَلَيْهِم، وَمر الْكَلَام فِي حَدِيث: لَا نِكَاح إلاَّ بولِي، مُسْتَوفى، خلاصته أَنه: لَيْسَ بمتفق عَلَيْهِ فَلَا يُعَارض مَا اتّفق عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ وَيحيى بن معِين: لم يَصح فِي هَذَا الْبابُُ حَدِيث، يَعْنِي فِي اشْتِرَاط الْوَلِيّ.
فَإِن قلت: رُوِيَ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، فنكاحها بَاطِل.
الحَدِيث.
قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قد تكلم بعض أهل الحَدِيث فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ.
قَالَ ابْن جريج: ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته فَأنْكر.
وضعفوا هَذَا الحَدِيث من أجل هَذَا.
فَإِن قلت: قَالَ الرمذي هَذَا حَدِيث حسن.
قلت: من أَيْن لَهُ الْحسن وَقد أنكرهُ الزُّهْرِيّ؟ فَإِن قلت: إِنْكَاره لَا يعين التَّكْذِيب بل يحْتَمل أَنه رَوَاهُ فنسيه إِذْ كل مُحدث لَا يحفظ مَا رَوَاهُ.
قلت: إِذا احْتمل التَّكْذِيب وَالنِّسْيَان فَلَا يبْقى حجَّة، وَيلْزم المحتج بِهِ أَن يَقُول بِمَفْهُوم الْخطاب وَمَفْهُوم هَذَا يَقْتَضِي صِحَة النِّكَاح بِإِذن الْوَلِيّ فَلَا تَقول بِهِ.





[ قــ :4861 ... غــ :5137 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ الرَّبِيعِ بن طارقٍ قَالَ: أخبرنَا الليْثُ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عَنْ أبي عَمْرو مَوْلَى عائِشةَ عَن عَائِشَة أنَّها قالَتْ: يَا رسولَ الله} إنَّ البِكْرَ تَسْتَحَي؟ قَالَ: رِضَاها صَمْتُها.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَلَا تنْكح الْبكر حَتَّى تستأذن.
قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن الْبكر تَسْتَحي؟ قَالَ: رِضَاهَا صمتها، وَلم يجوز الْإِجْبَار عَلَيْهَا، والضحك رضَا دلَالَة، فَإِنَّهُ عَلامَة السرُور والفرح بِمَا سَمِعت.
وَقيل: إِذا ضحِكت كالمستهزئة لم رضَا بِخِلَاف مَا إِذا بَكت فَإِنَّهُ دَلِيل السخط والكراهية.

وَعَمْرو بن الرّبيع بن طَارق الْهِلَالِي الْمصْرِيّ، مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة زُهَيْر الْمَكِّيّ الْأَحول القَاضِي على عبد بن الزبير، وَأَبُو عَمْرو مولى عَائِشَة، وخادمها واسْمه ذكْوَان، قد دَبرته وَكَانَ من أفْصح الْقُرَّاء.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.

قَوْله: ( إِن الْبكر تَسْتَحي) بِخِلَاف الثّيّب لِأَن كَمَال حيائها قد زَالَ بممارسة الرِّجَال.
قَوْله: ( رِضَاهَا صمتها) أَي: سكُوتهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: قَالَ: سكُوتهَا إِذْنهَا، وَفِي لفظ لَهُ قَالَ: إِذْنهَا صماتها، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن جريج أَيْضا قَالَ: فَكَذَلِك إِذْنهَا إِذا هِيَ سكتت.