فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة

( بابٌُ هَلْ يَرْجِعُ إذَا رأى مُنْكَرا فِي الدَّعْوَةِ؟)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ هَل يرجع الْمَدْعُو إِذا رأى شَيْئا مُنْكرا فِي مجْلِس الدعْوَة؟ وَإِنَّمَا ذكره بالاستفهام لمَكَان الْخلاف فِيهِ، وَلم يشر فِي الْبابُُ إِلَى ذَلِك، وَإِنَّمَا الْمَذْكُور فِي الْبابُُ أَنه إِذا رأى مُنْكرا يرجع.
قلت: قَالَ صَاحب الْهِدَايَة: إِجَابَة الدعْوَة سنة فَلَا يَتْرُكهَا لما اقْترن بهَا من الْبِدْعَة من غَيرهَا، يَعْنِي: لَا يتْرك السّنة لأجل حرَام اقْترن بهَا، وَهِي فِي غَيرهَا كَصَلَاة الْجِنَازَة وَاجِب الْإِقَامَة وَإِن حضرتها نياحة يَعْنِي: لَا يَتْرُكهَا لأجل النِّيَاحَة الَّتِي فِي غَيرهَا، فَإِن قدر على الْمَنْع مَنعهم، يَعْنِي: إِذا كَانَ صَاحب شَوْكَة أَو كَانَ ذَا جاه أَو كَانَ عَالما مقتدي مسموع الْكَلِمَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْمَنْع، وَإِن لم يقدر يصبر وَلَا يخرج لما قُلْنَا، وَإِن كَانَ المنكرعلى الْمَائِدَة لَا يقْعد وَإِن لم يكن مقتدى، وَهَذَا كُله بعد الْحُضُور، وَلَو علم قبل الْحُضُور لَا يحضر لِأَن إِجَابَة الدعْوَة إِنَّمَا تلْزم إِذا كَانَت على وَجه السّنة.

وَرَأى ابنُ مَسْعُودٍ صُورَةٍ فِي البَيْتِ فَرَجَعَ

عبد الله بن مَسْعُود، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والأصيلي والقابسي وعبدوس، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: أَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالْأول تَصْحِيف فِيمَا أَظن، فَإِنِّي لم أَرَ الْأَثر الْمُعَلق إلاَّ عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو.
قلت: إِن بعض الظَّن إِثْم وَلَا يلْزم من عدم رُؤْيَته الْأَثر الْمَذْكُور إلاَّ عَن أبي مَسْعُود أَن لَا يكون أَيْضا لعبد الله بن مَسْعُود، مَعَ أَن هَذَا الْقَائِل قَالَ: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك وَقع لعبد الله بن مَسْعُود، فَإِذا كَانَ الِاحْتِمَال مَوْجُودا كَيفَ يحكم بالتصحيف بِالظَّنِّ؟
ودَعا ابنُ عُمَرَ أَبَا أيُّوبَ فَرأى فِي البَيْتِ سِتْرا علَى الجِدَارِ، فَقَالَ ابْن عُمَرَ: غَلَبَنا علَيْهِ النِّساءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أخْشَى علَيْهِ فلَمْ أكُنْ أخْشَى علَيْكَ، وَالله لَا أطْعَمُ لَكُمْ طَعَاما، فَرَجَعَ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ويوضح هَذَا الْأَثر أَن معنى: هَل يرجع؟ بالاستفهام جَانب الْإِثْبَات أَي: دَعَا عبد الله بن عمر أَبَا أَيُّوب خَالِد بن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَت دَعوته فِي عرس ابْنه سَالم بن عبد الله، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو أَيُّوب إِلَى بَيت عبد الله رأى فِي جِدَار الْبَيْت ستارة، فَأنْكر على عبد الله، فَقَالَ ابْن عمر: غلبنا بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول: وَالنِّسَاء بِالرَّفْع فَاعله.
قَوْله: فَقَالَ: ( من كنت) إِلَى آخِره أَي: إِن كنت أخْشَى على أحد يعْمل فِي بَيته مثل هَذَا الْمُنكر مَا كنت أخْشَى عَلَيْك.
وَهَذَا الْأَثر الْمُعَلق وَصله أَحْمد فِي كتاب الْوَرع ومسدد فِي مُسْنده، وَمن طَرِيقه الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: أعرست فِي عهد أبي، فَأذن أبي النَّاس فَكَانَ أَبُو أَيُّوب فِيمَن أذنا، وَقد ستروا بَيْتِي ببجاد أَخْضَر، فَأقبل أَبُو أَيُّوب فَاطلع فَرَآهُ، فَقَالَ: با عبد الله أتسترون الْجِدَار؟ فَقَالَ أبي واستحيى: غلبنا عَلَيْهِ النِّسَاء يَا أَبَا أَيُّوب.
فَقَالَ: من خشيك أَن يغلبه النِّسَاء، فَذكره والبجاد، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْجِيم: الكساء.



[ قــ :4904 ... غــ :5181 ]
- حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ عائِشةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّها أخْبَرَتْهُ: أنَّها اشْتَرَتْ نُمْرَقَةً فِيها تَصاوِيرُ، فلَمَّا رَآهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قامَ علَى البابُِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله! أتُوبُ إِلَى الله وَإِلَى رسُولهِ ماذَا أذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بالُ هاذِهِ النمْرُقَةِ؟ قالَتْ: فقُلْتُ: اشْتَرَيْتُها لَكَ لِتَقْعَدُ علَيْها وتَوَسدَها، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ أصْحابَ هاذِهِ الصُّور يُعَذَّبُونَ يَوْم القِيَامَةِ، ويُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا ماخَلقْتُمْ،.

     وَقَالَ : إنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ..
قيل لَا مُطَابقَة فِيهِ، لِأَن امْتنَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُّخُول فِي بَيت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لم يكن لأجل الْمُنكر فِي الدعْوَة، وَإِنَّمَا كَانَ لأجل الصُّورَة، والترجمة فِيمَا إِذا رأى مُنْكرا هَل لَهُ أَن يرجع؟.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَوضِع التَّرْجَمَة مِنْهُ قَوْلهَا: ( قَامَ على الْبابُُ وَلم يدْخل) قلت: هَذَا مثل الأول وَلَيْسَ فِيهِ مَا يجدي فِي وَجه الْمُطَابقَة، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال: لما كَانَ من جملَة الْمُنْكَرَات الَّتِي تَقْتَضِي جَوَاز ترك إِجَابَة الدعْوَة وجود الصُّورَة فِيهَا، احْتَاجَ إِلَى بَيَان كَون الصُّورَة من جملَة الْمَوَانِع عَن حُضُور الدعْوَة، فَذكر هَذَا الحَدِيث الَّذِي فِيهِ مَا يَقْتَضِي منع الْحُضُور فِي الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الصُّورَة، سَوَاء كَانَ فِيهِ دَعْوَة أَو لَا.

وَأخرج هَذَا الحَدِيث هُنَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق عَن عمته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأخرجه فِي الْمَلَائِكَة فِي: بابُُ إِذا قَالَ أحدكُم: آمين، عَن مُحَمَّد بن مخلد عَن ابْن جريج عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن نَافِع إِلَخ وَمر الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( نمرقة) بِضَم النُّون، وَهُوَ الوسادة الصَّغِيرَة وبالكسر لُغَة، والتصاوير التماثيل، كَذَا قَالَه فِي الْمغرب قَوْله: ( وتوسدها) أَي: وتتوسدها فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَاللَّام فِيهِ مقدرَة أَي: لتوسدها، قَوْله: ( أحيوا) الْأَمر فِيهِ للتعجيز.