فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من ضرب النساء

(بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّساءِ وقَوْلهِ: {واضربوهن ضَرْبا غَيْرَ مُبَرِّح)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره من ضرب النِّسَاء، وَأَرَادَ بِهِ الضَّرْب المبرح فَإِنَّهُ يكره كَرَاهَة تَحْرِيم، وَإِنَّمَا ذكر قَوْله تَعَالَى: {واضربوهن} تَوْفِيقًا بَين الْكتاب وَالسّنة، وَلِهَذَا قَالَ: {غير مبرح} بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَمَعْنَاهُ غير شَدِيد الْأَذَى، وَعَن قَتَادَة: غير شائن، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: غير مُؤثر،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَالَ بَعضهم: أَمر الله، عز وَجل، بهجر النِّسَاء فِي الْمضَاجِع وضربهن تذليلاً مِنْهُ لَهُنَّ وتصغيرا على إِيذَاء بعولتهن، وَلم يَأْمر بِشَيْء فِي كِتَابه بِالضَّرْبِ صَرِيحًا إلاَّ فِي ذَلِك وَفِي الْحُدُود الْعِظَام، فتساوى معصيتهن لِأَزْوَاجِهِنَّ بِمَعْصِيَة أهل الْكَبَائِر، وَولى الْأزْوَاج ذَلِك دون الْأَئِمَّة وَجعله لَهُم دون الْقُضَاة بِغَيْر شُهُود وَلَا بَيِّنَة ائتماناا من الله عز وَجل للأزواج على النِّسَاء.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِنَّمَا يكره من ضرب النِّسَاء التَّعَدِّي فِيهِ والإسراف، وَقد بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك، فَقَالَ: ضرب العَبْد من أجل الرّقّ يزِيد فَوق ضرب الْحر لتباين حاليهما، وَلِأَن ضرب النِّسَاء إِنَّمَا جَازَ من أجل امتناعها على زَوجهَا من أجل المباضعة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَاخْتلف فِي وجوب ضربهَا فِي الْخدمَة وَالْقِيَاس يُوجب أَنه إِذا جَازَ ضربهَا فِي المباضعة جَازَ فِي الْخدمَة الْوَاجِبَة للزَّوْج عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: لَا يلْزمهَا أَن تخْدم زَوجهَا فِي شَيْء أصلا، لَا فِي عجين وَلَا فِي طبخ وَلَا كنس وَلَا غزل وَلَا غير ذَلِك، ثمَّ نقل عَن أبي ثَوْر أَنه قَالَ: عَلَيْهَا أَن تخدمه فِي كل شَيْء، وَيُمكن أَن يحْتَج لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح: أَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، شكت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَجِد من الرَّحَى، وَبقول أَسمَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كنت أخدم الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا حجَّة فيهمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فيهمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرهمَا، وَإِنَّمَا كَانَتَا متبرعتين.



[ قــ :4928 ... غــ :5204 ]
- حدّثنا محَمَّد بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ هِشامٍ عَن أبيهِ عنْ عبْدِ الله بنِ زَمْعَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لاَ يَجْلِدْ أحَدُكُمُ امْرَأتَهُ جَلْدَ العَبْدِ ثُمَّ يُجامِعُها فِي آخر الْيَوْم.

) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام، وَعبد الله بن زَمعَة بالزاي وَالْمِيم وَالْعين بِالْمُهْمَلَةِ المفتوحات وَجَاء بِسُكُون الْمِيم أَيْضا ابْن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد الْأَسدي.

والْحَدِيث قد مر بأتم مِنْهُ فِي تَفْسِير سُورَة: {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} (الشَّمْس: 1) [/ ح.

قَوْله: (لَا يجلد) بِصِيغَة النَّهْي فِي نسخ البُخَارِيّ، وَرِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أَحْمد بن سُفْيَان النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ الْمَذْكُور بِصِيغَة الْخَبَر.
قَوْله: (جلد العَبْد) بِالنّصب أَي: مثل جلد العَبْد، وَعِنْده مُسلم فِي رِوَايَة: ضرب الْأمة، وَعند النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة ضرب العَبْد أَو الْأمة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن سُفْيَان جلد الْبَعِير أَو العَبْد وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب إِن شَاءَ الله تَعَالَى من رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: ضرب الْفَحْل أَو العَبْد، وَالْمرَاد بالفحل الْبَعِير، وَوَقع لِابْنِ حبَان كضربك إبلك.
قيل: لَعَلَّه تَصْحِيف، وَفِي حَدِيث لَقِيط بن صبرَة عِنْد أبي دَاوُد: وَلَا تضرب ظغينتك ضربك أمتك.
قَوْله: (ثمَّ يُجَامِعهَا) جَاءَ فِي لفظ آخر: ثمَّ لَعَلَّه يعانقها، وَفِي التِّرْمِذِيّ مصححا.
ثمَّ لَعَلَّه أَن يضاجعها من آخر يَوْمه.
قَوْله: (فِي آخر الْيَوْم) ويروى من آخر الْيَوْم أَي: يَوْم جلدهَا، وَعند أَحْمد: من آخر اللَّيْل.
وَعند النَّسَائِيّ: آخر النَّهَار.

وَفِي الحَدِيث: جَوَاز ضرب العَبْد بِالضَّرْبِ الشَّديد للتأديب.
وَفِيه: أَن ضرب النِّسَاء دون ضرب العبيد.
وَفِيه: استبعاد وُقُوع الْأَمريْنِ من الْعَاقِل أَن يُبَالغ فِي ضرب امْرَأَته ثمَّ يُجَامِعهَا فِي بَقِيَّة يَوْمه أَو ليلته، وَذَلِكَ أَن المضاجعة إِنَّمَا تستحسن مَعَ ميل النَّفس وَالرَّغْبَة، والمضروب غَالِبا ينفر من ضاربه، وَلَكِن يجوز الضَّرْب الْيَسِير بِحَيْثُ لَا يحصل مِنْهُ النفور التَّام فَلَا يفرط فِي الضَّرْب وَلَا يفرط فِي التَّأْدِيب.