فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا عرض بنفي الولد

( بابٌُ إذَا عَرَّضَ بَنَفْي الوَلَدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من عرّض بِالتَّشْدِيدِ بِنَفْي الْوَلَد، وَعرض كِنَايَة تكون مسوقة لأجل مَوْصُوف غير مَذْكُور،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ، التَّعْرِيض أَن تذكر شَيْئا تدل بِهِ على شَيْء لم تذكره، وَالْكِنَايَة أَن تذكر الشَّيْء بِغَيْر لَفظه الْمَوْضُوع لَهُ.



[ قــ :5019 ... غــ :5305 ]
- حدّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حَدثنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رجُلاً أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله! وُلِدَ لِي غُلامٌ أسْوَدُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: مَا ألْوَانُها؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيها مِنْ أوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فأنَّى ذالِك؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَةُ عِرْقٌ قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هاذَا نَزَعَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( ولد لي غُلَام أسود) فَإِن فِيهِ تعريضاً لنفيه عَنهُ يَعْنِي: أَنا أَبيض وَهَذَا أسود فَلَا يكون مني؟
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن مَالك.

قَوْله: ( أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة أبي مُصعب: جَاءَ أَعْرَابِي، وَكَذَا سَيَأْتِي فِي الْحُدُود عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: وَجَاء رجل من أهل الْبَادِيَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة أَشهب عَن مَالك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أَن أَعْرَابِيًا من بني فَزَارَة، وَكَذَا عِنْد مُسلم، وَاسم هَذَا الْأَعرَابِي ضَمْضَم بن قَتَادَة.
قَوْله: ( أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فِي رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب صرح بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( حمر) بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْمِيم، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن مُصعب عَن مَالك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: رمك، جمع أرمك وَهُوَ الْأَبْيَض إِلَى حمرَة.
قَوْله: ( أَوْرَق) وَهُوَ الَّذِي فِي لَونه بَيَاض إِلَى سَواد، وَيُقَال: الأورق الأغبر الَّذِي فِيهِ سَواد وَبَيَاض وَلَيْسَ بناصع الْبيَاض كلون الرماد، وَمِنْه سميت الْحَمَامَة: وَرْقَاء، لذَلِك.
قَوْله: ( فأنَّى ذَلِك؟) أَي: فَمن أَيْن ذَلِك؟ قَوْله: ( لَعَلَّه نَزعه عرق) أَي: جذبه إِلَيْهِ وَأظْهر لَونه عَلَيْهِ، يَعْنِي: أشبهه، هَذِه رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: لَعَلَّ نَزعه عرق، بِدُونِ الضَّمِير، والعرق الأَصْل من النّسَب، قيل: الصَّوَاب لَعَلَّ عرقاً نَزعه عرق.
قلت: لَعَلَّه عرق نَزعه أَيْضا صَوَاب لِأَن الْهَاء ضمير الشَّأْن، وَهُوَ: اسْم لَعَلَّ، وَالْجُمْلَة الَّتِي بعد خَبره فَافْهَم.
قَوْله: ( فَلَعَلَّ ابْنك هَذَا نَزعه) أَي: نزع الْعرق،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: ( لَعَلَّ) هُنَا للتحقيق.

وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ، فَقَالُوا: لَا حدّ فِي التَّعْرِيض وَلَا لعان بِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُوجب على هَذَا الرجل الَّذِي عرض بامرأته حدا، وَأوجب مَالك الْحَد بالتعريض وَاللّعان بِهِ أَيْضا إِذا فهم مِنْهُ مَا يفهم من التَّصْرِيح.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: وَفِي الحَدِيث دَلِيل قَاطع على صِحَة الْقيَاس وَالِاعْتِبَار بنظيره من طَرِيق وَاحِدَة قَوِيَّة، وَهُوَ اعْتِبَار الشّبَه الخلقي.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَفِيه يلْحق الْوَلَد الزَّوْج، وَإِن اخْتلفت ألوانها وَلَا يحل لَهُ نفيهُ بِمُجَرَّد الْمُخَالفَة فِي اللَّوْن، وَفِيه زجر عَن تَحْقِيق ظن السوء.