فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل النفقة على الأهل

( كتابُ: {النَّفَقَاتِ وَفَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأهْلِ} )
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام النَّفَقَات، وَفِي بَيَان فضل النَّفَقَة على الْأَهْل، وَوَقع كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي، هَكَذَا كتاب النَّفَقَات، بِسم الله الرحمان الرَّحِيم: بَاب فضل النَّفَقَة على الْأَهْل، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب.


( بابُُُ: {فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأهْلِ} )

وَقَوْل الله عَزّ وَجَلّ: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُل العَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّن الله لَكُمْ الآيَات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون} ( الْبَقَرَة: 219) فِي الدُّنيا والآخِرة
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على النَّفَقَات الْمَجْرُور بِإِضَافَة لفظ الْكتاب إِلَيْهِ، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْجَمِيع، وَوَقع النَّسَفِيّ عِنْد قَوْله: ( قل الْعَفو) سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم من مُرْسل يحيى بن أبي كثير بِسَنَد صَحِيح إِلَيْهِ أَنه بلغه أَن معَاذ بن جبل وثعلبة سَأَلَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَا: إِن لنا أرقاء وأهلين فَمَا ننفق من أَمْوَالنَا؟ فَنزلت قَوْله: ( قل الْعَفو) ، بِالنّصب أَي: انفقوا الْعَفو، وَقَرَأَ الْحسن وَقَتَادَة وَأَبُو عَمْرو بِالرَّفْع أَي: هُوَ الْعَفو، وَمثله قَوْلهم: مَاذَا ركبت أَفرس أم بعير؟ يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الْعَفو فَروِيَ عَن سَالم وَالقَاسِم: الْعَفو فضل المَال بالتصدق بِهِ عَن ظهر غنى، وَعَن مُجَاهِد: هُوَ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة.
.

     وَقَالَ  الزّجاج: أَمر النَّاس أَن ينفقوا الْفضل حَتَّى فرضت الزَّكَاة.
فَكَانَ أهل المكاسب يَأْخُذ من كَسبه كل يَوْم مَا يَكْفِيهِ وَيتَصَدَّق بباقيه، وَيَأْخُذ أهل الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا ينفقونه فِي عَامهمْ وينفقون بَاقِيه وَيُقَال: الْعَفو مَا سهل، وَمِنْه: أفضل الصَّدَقَة مَا تصدق بِهِ عَن ظهر غنى.
قَوْله: ( لَعَلَّكُمْ تتفكرون) ، أَي: تتفكرون فتعرفون فضل الْآخِرَة على الدُّنْيَا، وَقيل: هُوَ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَي: ( وَكَذَلِكَ يبين الله لكم الْآيَات) فِي أَمر الدُّنْيَا ( وَالْآخِرَة لَعَلَّكُمْ تتفكرون) .

وَقَالَ الحَسَنُ: العَفوُ الفَضْلُ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: المُرَاد بِالْعَفو فِي قَوْله تَعَالَى: {قل الْعَفو} : الْفضل أَي: الْفَاضِل عَن حَاجته، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد عَنهُ، وَعَن الْحسن: لَا تنْفق مَالك حَتَّى تجهد فتسأل النَّاس.



[ قــ :5059 ... غــ :5351 ]
- حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إيَاسٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ.
فَقُلْتُ: عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إذَا أنْفَقَ المُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُها كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بابُُ مَا جَاءَ أَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ.

قَوْله: ( فَقلت: عَن النَّبِي) ؟ أَي: أترويه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} أَو تَقوله عَن اجْتِهَاد.

     وَقَالَ  بَعضهم الْقَائِل: فَقلت: هُوَ شُعْبَة بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَة لَهُ.
قلت: لم يبين هَذَا الْقَائِل كَيفَ بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ.
فَلم لَا يجوز أَن يكون الْقَائِل عبد الله بن يزِيد؟ بل الظَّاهِر يشْعر أَنه هُوَ، وَيحْتَمل أَن يكون عدي بن ثَابت على مَا لَا يخفى.
قَوْله: ( على أَهله) ، قَالَ صَاحب ( الْمغرب) أهل الرجل امْرَأَته وَولده وَالَّذِي فِي عِيَاله وَنَفَقَته، وَكَذَا كل أَخ أَو أُخْت أَو عَم أَو ابْن عَم أَو صبي أَجْنَبِي بقوته فِي منزله، وَعَن الْأَزْهَرِي: أهل الرجل أخص النَّاس بِهِ، وَيجمع على أهلين والأهالي على غير قِيَاس، وَيُقَال: الْأَهْل يحْتَمل أَن يَشْمَل الزَّوْجَة والأقارب، وَيحْتَمل أَن يخْتَص بِالزَّوْجَةِ وَيلْحق بِهِ من عداهُ بطرِيق الأولى لِأَن الثَّوَاب إِذا ثَبت فِيمَا هُوَ وَاجِب فثبوته فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِب أولى.
فَإِن قلت: كَيفَ يكون إطْعَام الرجل أَهله صَدَقَة وَهُوَ فرض عَلَيْهِ؟ قلت: جعل الله الصَّدَقَة فرضا وتطوعا وَيجْزِي العَبْد على ذَلِك بِحَسب قَصده، وَلَا مُنَافَاة بَين كَونهَا وَاجِبَة وَبَين تَسْمِيَتهَا صَدَقَة.
وَقيل: إِنَّمَا أطلق الشَّارِع صَدَقَة على نَفَقَة الْفَرْض لِئَلَّا يَظُنُّوا أَن قيامهم بِالْوَاجِبِ لَا أجر لَهُم،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: النَّفَقَة على الْأَهْل والعيال وَاجِبَة بِالْإِجْمَاع،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: النَّفَقَة على الْأَوْلَاد مَا داموا صغَارًا فرض عَلَيْهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وأبدأ بِمن تعلو لِأَن الْوَلَد مَا دَامَ صَغِيرا فَهُوَ عِيَال.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِيمَن بلغ من الْأَبْنَاء وَلَا مَال لَهُ وَلَا كسب، فَقَالَت طَائِفَة: على الْأَب أَن ينْفق على ولد صلبه الذُّكُور حَتَّى يحتلموا وَالْبَنَات حَتَّى يزوجن، فَإِن طَلقهَا.
قيل الْبناء فَهِيَ على نَفَقَتهَا، وَإِن طَلقهَا بعد الْبناء أَو مَاتَ عَنْهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا على أَبِيهَا وَلَا نَفَقَة لولد الْوَلَد على الْجد، هَذَا قَول مَالك، وَأي: نَفَقَة الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وَاجِبَة بِشَرْط الْعَجز مَعَ قيام الْحَاجة، وَأما نَفَقَة بني الْأَعْمَام وَأَوْلَاد العمات فَلَا تجب عِنْد عَامَّة الْعلمَاء.
خلافًا لِابْنِ أبي ليلى.
قَوْله: ( وَهُوَ يحتسبها) ، أَي: يعملها حسبَة لله تَعَالَى،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: احتسبها أَي: أَرَادَ بهَا الله، وَطَرِيقه أَن يتَذَكَّر أَنه يجب عَلَيْهِ الْإِنْفَاق فينفق بنية أَدَاء مَا أَمر بِهِ.





[ قــ :5060 ... غــ :535 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ أبِي الزِّنادِ عَنْ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: أنفِق يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون هُوَ عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( أنْفق) ، بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الْإِنْفَاق.
قَوْله: ( أنْفق عَلَيْك) ، بِضَم الْهمزَة بِصِيغَة الْمُضَارع جَوَاب الْأَمر، وروى مُسلم من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: أَن الله قَالَ لي: أنْفق عَلَيْك.





[ قــ :5061 ... غــ :5353 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزْعَةَ حدَّثنا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ عَنْ أبِي الغَيْثِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينَ كَالمُجاهِد فِي سَبِيلِ الله أوْ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن السَّاعِي على الأرملة هُوَ الَّذِي يسْعَى لتَحْصِيل النَّفَقَة على الأرملة الَّتِي لَا زوح لَهَا وثور بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَأَبُو الْغَيْث سَالم مولى ابْن مُطِيع الْقرشِي.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن القعني.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَدَب عَن القعني.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن إِسْحَاق بن مُوسَى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن مَنْصُور.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن يَعْقُوب بن حميد.

قَوْله: ( أَو الْقَائِم اللَّيْل) ، شكّ من الرَّاوِي.
وَفِي رِوَايَة معن بن عِيسَى وَابْن وهب وَابْن بكير وَآخَرين عَن مَالك بِلَفْظ: أَو كَالَّذي يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن الدَّرَاورْدِي عَن ثَوْر مثله، وَلَكِن بِالْوَاو لَا بِأَو، وَيجوز فِي الْقَائِم اللَّيْل الحركات الثَّلَاثَة كَمَا فِي الْحسن الْوَجْه فِي الْوُجُوه الإعرابية، وَإِن اخْتلفَا فِي بَعْضهَا بِكَوْنِهِ حَقِيقَة أَو مجَازًا.





[ قــ :506 ... غــ :5354 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ بنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ رَضِيَ الله عَنهُ، قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعُودُنِي وَأنا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: لِي مَالٌ أوصِي بِمالي كُلِّه قَال: لَا.
قُلْتُ: فَالشَّطْرَ قَالَ: لَا.
قُلْتُ: فَالثُلُثُ قَالَ: الثُلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءً خَيْرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَفُونَ النّاسَ فِي أيْدِيهِمْ.
وَمَهْما أنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَضَعُها فِي فِيّ امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ الله يَرْفَعُكَ يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرّ بِكَ آخَرُونَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَمهما أنفقت فَهُوَ لَك صَدَقَة) ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، قَالَه الْكرْمَانِي: وَسعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وعامر هُوَ ابْن سعد بن أبي وَقاص يروي عَن أَبِيه.

والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بابُُ رثاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه بأتم مِنْهُ.

قَوْله: ( فَالشَّطْر) ، أَي: النّصْف.
قَوْله: ( الثُّلُث) ، الأول مَنْصُوب على الإغراء أَو على تَقْدِير: أعْط الثُّلُث، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير: الثُّلُث يَكْفِيك.
( وَالثلث) الثَّانِي مُبْتَدأ وَخَبره.
قَوْله: ( كثير) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة أَو بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
قَوْله: ( أَن تدع) ، أَي: أَن تتْرك، وَأَن مَصْدَرِيَّة محلهَا رفع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره.
هُوَ قَوْله: ( خير) وَالتَّقْدِير: وَدعك أَي: تَركك وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تَدعهُمْ عَالَة، وَهُوَ جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير.
قَوْله: ( يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) أَي: يمدون إِلَى النَّاس أكفهم للسؤال.
قَوْله: ( تضعها) فِي مَحل النصب على الْحَال.
قَوْله: ( فِي فِي امْرَأَتك) أَي: فِي فَم امْرَأَتك، وَإِذا قصد بأبعد الْأَشْيَاء عَن الطَّاعَة وَهُوَ وضع اللُّقْمَة فِي فَم الْمَرْأَة وَجه الله تَعَالَى وَيحصل بِهِ الْأجر فَغَيره بِالطَّرِيقِ الأولى.

وَفِي الحَدِيث: معْجزَة فَإِنَّهُ انْتَعش وعاش حَتَّى فتح الْعرَاق وانتفع بِهِ أَقوام فِي دينهم ودنياهم وتضرر بِهِ الْكفَّار.