فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب سنة الأضحية

( { كتابُ الأضاحِي} )
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْأَضَاحِي، وَهِي جمع أضْحِية.
قَالَ الْأَصْمَعِي: فِي الْأُضْحِية أَربع لُغَات: أضْحِية، بِضَم الْهمزَة وإضحية، بِكَسْر الْهمزَة وضحية وَجَمعهَا أضاحي، وأضحاة وَجَمعهَا أضحى كَمَا يُقَال: أَرْطَاة وأرطى، قَالَ: وَبِه سمى يَوْم الْأَضْحَى.
وَفِي ( نَوَادِر اللحياني) وضحية بِكَسْر الضَّاد وَجَمعهَا كجمع الْمَفْتُوحَة الضَّاد وَعند ابْن التياني: أضحاة، بِكَسْر الْهمزَة وَفِي ( الدَّلَائِل) لِلسَّرَقُسْطِيِّ: أضْحِية بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء، وَفِي ( نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي) كل ذَلِك للشاة الَّتِي تذبح ضحوة.
وَقيل: وَبِه سمى يَوْم الْأَضْحَى وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث وَكَانَ تَسْمِيَتهَا اشْتقت من اسْم الْوَقْت الَّذِي تشرع فِيهِ.


( بابُُُ: { سَنَّةِ الأضْحِيَّةِ} )

أَي: هَذَا بابُُ سنة الْأُضْحِية وَهُوَ من بابُُ إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف مثل جرد قطيفة، أَي: القطيفة الَّتِي انجرد خملها، وخلقت.

{ قَالَ ابنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ}
أَي: قَالَ عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: الْأُضْحِية سنة.
قَوْله: ( ومعروف) ، الْمَعْرُوف اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس وَلكُل مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع وَنهى عَنهُ من المحسنات والمقبحات، وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة أَي: أَمر مَعْرُوف بَين النَّاس إِذا رَأَوْهُ لَا ينكرونه.

وَاخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وعلقمة وَالْأسود وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: لاتجب فرضا لَكِنَّهَا مَنْدُوب إِلَيْهَا من فعلهَا كَانَ مثابا وَمن تخلف عَنْهَا لَا يكون آثِما وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بكر وَعمر وَأبي مَسْعُود البدري وبلال.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث وَرَبِيعَة: لَا نرى أَن يَتْرُكهَا الْمُوسر الْمَالِك لأمر الضحية،.

     وَقَالَ  مَالك: لَا يَتْرُكهَا فَإِن تَركهَا بئس مَا صنع إلاَّ أَن يكون لَهُ عذر، وَحكى عَن النَّخعِيّ أَنه قَالَ: الْأَضْحَى وَاجِب على أهل الْأَمْصَار مَا خلا الْحجَّاج.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: الْأَضْحَى وَاجِب على كل مُقيم فِي الْأَمْصَار إِذا كَانَ مُوسِرًا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف تجب على الْحر الْمُقِيم الْمُسلم الْمُوسر، وَتَخْصِيص ابْن الْمُنْذر يَقُول مُحَمَّد وَحده لَا وَجه لَهُ، وتحرير مَذْهَبنَا مَا قَالَه صَاحب ( الْهِدَايَة) بالأضحية وَاجِبَة على كل مُسلم حر مُقيم مُوسر فِي يَوْم الْأَضْحَى عَن نَفسه وَعَن وَلَده الصغار، أما الْوُجُوب فَقَوْل أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَالْحسن وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف وَعَن أبي أبي يُوسُف، إِنَّهَا سنة وَذكر الطَّحَاوِيّ إِنَّهَا على قَول أبي حنيفَة وَاجِبَة، وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد سنة مُؤَكدَة، وَجه السّنيَّة مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَة غير البُخَارِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من رأى هِلَال ذِي الْحجَّة مِنْكُم وَأَرَادَ أَن يُضحي فليمسك عَن شعره وأظفاره وَالتَّعْلِيق بالإرادة يُنَافِي الْوُجُوب، وَبِهَذَا اسْتدلَّ ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق لمَذْهَب أَحْمد وَوجه الْوُجُوب مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من كَانَ لَهُ سَعَة وَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا) وَأخرجه الْحَاكِم.

     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد، وَمثل هَذَا الْوَعيد لَا يلْحق بترك غير الْوَاجِب وَذكر ابْن حزم عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: هِيَ فرض.



[ قــ :5249 ... غــ :5545 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الأيَامِيِّ عَنِ الشَعْبِيِّ عَنِ البَرَاءِ، رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إنَّ أوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمنَا هَذَا نُصلي ثُمَّ نَرْجعُ فننحرُ من فعله فقد أصابَ سنتنا وَمن ذبح قبل فَإِنَّمَا هُوَ لحم قدَّمه لأهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ) ، فَقَامَ أبُو بُرْدَةَ بنُ نُيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ: إنَّ عَنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ: إذْبَحْها وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ.

قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ البَراءِ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ ثَمَّ نَسْكُهُ وَأصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وغندر لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، وزبيد بِضَم الزاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الْكَرِيم الأيامي، وَيُقَال: اليامي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى يام بن أصبي، بطن من هَمدَان، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل.

والْحَدِيث مضى فِي الْعِيدَيْنِ فِي: بابُُ الْأكل يَوْم النَّحْر بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( نصلي) ، أَي: أَن نصلي، وَهُوَ من قبيل قَوْلهم: وَتسمع بالمعيدي أَي: وَأَن تسمع، أَو هُوَ تَنْزِيل الْفِعْل منزلَة الْمصدر، ويروى بِأَن أَيْضا فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير.
قَوْله: ( من ذبح قبل) ، أَي: قبل مُضِيّ وَقت الصَّلَاة.
قَوْله: ( لَيْسَ من النّسك) ، أَي: الْعِبَادَة أَي: لَا ثَوَاب فِيهَا بل هِيَ لحم ينْتَفع بِهِ أَهله.
قَوْله: ( فَقَامَ أَبُو بردة) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة اسْمه هانىء، بالنُّون بعد الْألف قبل الْهمزَة ابْن نيار بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالراء الْبلوى بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام وبالواو.
قَوْله: ( جَذَعَة) ، هِيَ جَذَعَة معز كَانَت لَا تجوز، وَأما الْجَذعَة من الضَّأْن فَتجوز.
قَالَ أَبُو عبد الله الزَّعْفَرَانِي: الْجذع من الضَّأْن مَا تمت لَهُ سَبْعَة أشهر وَطعن فِي الشَّهْر الثَّامِن وَيجوز فِي الْأُضْحِية إِذا كَانَ عَظِيم الجثة، وَأما الْجذع من الْمعز فَلَا يجوز إلاَّ مَا تمت لَهُ سنة وَطعن فِي الثَّانِيَة انْتهى.
قَوْله: ( وَلنْ تجزي) ، أَي: لن تَكْفِي، من جزى يَجْزِي كَقَوْلِه تَعَالَى: { وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس} ( الْبَقَرَة: 48، 123) قَوْله: ( عَن أحد بعْدك) يَعْنِي: لغيرك، وَهَذَا من خَصَائِص هَذَا الصَّحَابِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

قَوْله: ( قَالَ مطرف) بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالفاء ابْن طريف الْحَارِثِيّ بالثاء الْمُثَلَّثَة.
قَوْله: ( عَن عَامر) ، أَي: عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب، وَتَعْلِيق مطرف هَذَا وَصله البُخَارِيّ فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَأْتِي أَيْضا بعد ثَمَانِيَة أَبْوَاب.





[ قــ :550 ... غــ :5546 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عَنْ أيُوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإنَّما ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ شرطا من جملَة شُرُوط الْأُضْحِية، وَهُوَ أَن يكون ذَبحهَا بعد الصَّلَاة وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة الْعِيد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.