فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب رقية العين

( بابُُ رُقْيَةِ العَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان رقية الْعين أَي: رقية الَّذِي يصاب بِالْعينِ، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الرمد، بل الْإِضْرَار بِالْعينِ والإصابة بهَا كَمَا يتعجب الشَّخْص من الشَّيْء بِمَا يرَاهُ بِعَيْنِه فيتضرر ذَلِك الشَّيْء من نظره.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: أنْكرت طَائِفَة الْعين، قَالُوا: لَا أثر لَهَا، وَالدَّلِيل على فَسَاد قَوْلهم أَنه أَمر مُمكن، والصادق أخبر بذلك، يَعْنِي بِوُقُوعِهِ فَلَا يجوز رده،.

     وَقَالَ  بَعضهم: العائن تنبعث من عينه قُوَّة سمِّية تتصل بالمعين فَيهْلك، كَمَا تنبعث من الأفعى، وَالْمذهب أَن الله تَعَالَى أجْرى الْعَادة بِخلق الضَّرَر عِنْد مُقَابلَة هَذَا الشَّخْص لشخص آخر، وَأما انبعاث شَيْء مِنْهُ إِلَيْهِ فَهُوَ من الممكنات.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: الْعين نظر باستحسان وَأَن يشوبه شَيْء من الْحَسَد وَيكون النَّاظر خَبِيث الطَّبْع كذوات السمُوم، وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ كل عاشق يُصِيب معشوقه بِالْعينِ، يُقَال: عنت الرجل إِذا أصبته بِعَيْنِك فَهُوَ معِين ومعيون وَالْفَاعِل عائن.



[ قــ :5430 ... غــ :5738 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنَا سُفْيان قَالَ: حدّثني مَعْبَدُ بنُ خالِد قَالَ: سمِعْتُ عبْدَ الله بنَ شَدَّادٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: أمَرَني رسولِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ: أمَرَ أَن يُسْتَرْقَى مِن العَيْن.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن كثير، قَالَ الْكرْمَانِي ضد الْقَلِيل.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : شيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن كَبِير بِالْبَاء الْمُوَحدَة بعد الْكَاف.
قلت: هَذَا غلط، وَالظَّاهِر أَنه من النَّاسِخ الْجَاهِل، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، ومعبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خَالِد القَاضِي الْكُوفِي التَّابِعِيّ، وَعبد الله بن شَدَّاد هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْهَاد، لَهُ رُؤْيَة وَأَبوهُ صَحَابِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن أبي بكر وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن مَنْصُور وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.

قَوْله: ( أَو أَمر) ، شكّ من الرَّاوِي، وَأخرجه أَبُو نعيم فِي ( مستخرجه) عَن شيخ البُخَارِيّ فِيهِ فَقَالَ: أَمرنِي، جزما، وَكَذَا أخرجه النَّسَائِيّ والإسماعيلي من طَرِيق أبي نعيم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم من طَرِيق عبد الله بن نمير عَن سُفْيَان: كَانَ يَأْمُرنِي أَن أسترقي، وَعِنْده من طَرِيق مسعر عَن معبد بن خَالِد: كَانَ يأمرها.
قَوْله: ( أَن يسترقي) أَي: بِطَلَب الرّقية مِمَّن يعرف الرقي بِسَبَب الْعين،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الرّقية الَّتِي أَمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ مَا يكون بقوارع الْقُرْآن، وَبِمَا فِيهِ ذكر الله تَعَالَى على ألسن الْأَبْرَار من الْخلق الطاهرة النُّفُوس، وَهُوَ الطِّبّ الروحاني، وَعَلِيهِ كَانَ مُعظم الْأَمر فِي الزَّمَان الْمُتَقَدّم الصَّالح أَهله، فَلَمَّا عز وجود هَذَا الصِّنْف من أبرار الخليقة مَال النَّاس إِلَى الطِّبّ الجسماني حَيْثُ لم يَجدوا الطِّبّ الروحاني نجوعاً فِي الأسقام لعدم الْمعَانِي الَّتِي كَانَ يجمعها الرقاة المقدسة من البركات، وَمَا نهى عَنهُ هُوَ رقية العزامين وَمن يدعى تسخير الْجِنّ.





[ قــ :5431 ... غــ :5739 ]
- حدّثني مُحَمَّدُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ عَطِيَّةَ الدِّمَشْقِيُّ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ أخبرنَا الزُّهْرِيُّ عنْ عُرْوَةَ بن الزُبَيْرِ عنْ زيْنَبَ ابْنَةِ أبي سَلَمَةَ عنْ أُُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَأى فِي بَيْتِها جارِيَةً فِي وَجْهِها سَفْعَةٌ، فَقَالَ: اسْتَرْقُوا لَها فإِنَّ بِها النَّظْرَةَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
قَوْله: ( مُحَمَّد بن خَالِد) هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد الذهلي بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة، وَقد نسبه إِلَى جد أَبِيه، وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم والجوزقي والكلاباذي وَأَبُو مَسْعُود وَمن تَبِعَهُمْ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ هُنَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد الذهلي، فَانْتفى الظَّن بِهَذَا أَن يذهب الْوَهم إِلَى مُحَمَّد بن خَالِد بن جبلة الرَّافِعِيّ الَّذِي ذكره ابْن عدي فِي شُيُوخ البُخَارِيّ، وَمُحَمّد بن وهب بن عَطِيَّة سلمي قد أدْركهُ البُخَارِيّ وَلَا يدْرِي لقبه، وَمَا لَهُ عِنْده إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَمُحَمّد بن حَرْب الْخَولَانِيّ الْحِمصِي كَانَ كَاتبا لمُحَمد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ وَهُوَ ثِقَة عِنْد الْجَمِيع.

وَفِي هَذَا السَّنَد نُكْتَة غَرِيبَة جدا، وَهِي أَنه اجْتمع من نفس البُخَارِيّ إِلَى عُرْوَة سِتَّة أنفس اسْم كل مِنْهُم مُحَمَّد فَهُوَ مسلسل بالمحمدين الأول: البُخَارِيّ اسْمه مُحَمَّد، وَالثَّانِي: مُحَمَّد بن خَالِد، وَالثَّالِث: مُحَمَّد بن وهب، وَالرَّابِع: مُحَمَّد بن حَرْب، وَالْخَامِس: مُحَمَّد بن الْوَلِيد، وَالسَّادِس: مُحَمَّد بن مُسلم، وَهُوَ الزُّهْرِيّ، وَمن روى البُخَارِيّ من طَرِيق الفراوي عَن الحفصي عَن الْكشميهني عَن الْفربرِي كَانُوا عشرَة، وَهَذَا السَّنَد مِمَّا نزل فِيهِ البُخَارِيّ فِي حَدِيث عُرْوَة ثَلَاث دَرَجَات فَإِنَّهُ أخرجه فِي ( صَحِيحه) : حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَهُوَ فِي الْعتْق، فَكَانَ بَينه وَبَين عُرْوَة رجلَانِ وَهَاهُنَا بَينه وَبَينه خَمْسَة أنفس.

وَأخرجه مُسلم عَالِيا بِالنِّسْبَةِ لرِوَايَة البُخَارِيّ هَذِه، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الرّبيع حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب فَذكره.

قَوْله: ( سفعة) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَبِضَمِّهَا وَسُكُون الْفَاء وبعين مُهْملَة، قَالَ الْكرْمَانِي: السفعة الصُّفْرَة والشحوب فِي الْوَجْه،.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: هُوَ سَواد فِي الْوَجْه، وَعَن أبي الْعَلَاء المعري: هِيَ بِفَتْح السِّين أَجود وَقد يضم سينها من قَوْلهم: رجل أسفع أَي: لَونه أسود، وأصل السفع الْأَخْذ بالناصية، قَالَ الله تَعَالَى { لنسفعاً بالناصية} ( العلق: 15) ، وَقيل: كل أصفر أسفع.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: هُوَ سَواد فِي خد الْمَرْأَة الشاحبة.
قَوْله: ( استرقوا لَهَا) أَي: اطْلُبُوا من يرقي لَهَا.
قَوْله: ( فَإِن بهَا النظرة) أَي: أصابتها عين، يُقَال: رجل مَنْظُور إِذا أَصَابَته الْعين،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: النظرة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الظَّاء أَي: عين من نظر الْجِنّ،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: أَي: أَن الشَّيْطَان أَصَابَهَا.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: عُيُون الْجِنّ أنفذ من الأسنة، وَلما مَاتَ سعد سمع قَائِل من الْجِنّ يَقُول:
( نَحن قتلنَا سيد الْخَزْرَج سعد بن عبَادَة ... ورميناه بِسَهْم فَلم يخط فُؤَاده)

قَالَ: فتأوله بَعضهم أَي: أصبناه بِعَين.

وَقَالَ عُقَيْلٌ عنِ الزُّهْرِيِّ: أخْبرني عُرْوَةُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

هَذَا تَعْلِيق مُرْسل لم يذكر فِي إِسْنَاده زَيْنَب وَلَا أم سَلمَة، وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وروى رِوَايَة عقيل عبد الله بن وهب عَن أبي لَهِيعَة عَن عقيل، وَلَفظه: أَن جَارِيَة دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت أم سَلمَة، فَقَالَ: كَانَ بهَا سفعة.

تابَعَهُ عبْدُ الله بنُ سالِمٍ عنِ الزُّبَيْدِيِّ
أَي: تَابع مُحَمَّد بن حَرْب عبد الله بن سَالم أَبُو يُوسُف الْحِمصِي فِي رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة الذهلي فِي ( الزهريات) وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( مُسْند الشاميين) من طَرِيق إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن الْعَلَاء الْحِمصِي عَن عَمْرو بن الْحَارِث الْحِمصِي عَن عبد الله بن سَالم بِهِ سنداً أَو متْنا.