فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب في العمائم

(بابُُ العَمائِمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ ذكر العمائم وَهُوَ جمع عِمَامَة، وعممته ألبسته الْعِمَامَة، وعمم الرجل سود لِأَن العمائم تيجان الْعَرَب كَمَا قيل فِي الْعَجم توج واعتم بالعمامة وتعمم بهَا بِمَعْنى، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ شَيْئا من أُمُور الْعِمَامَة، فَكَأَنَّهُ لم يثبت عِنْده على شَرطه فِي الْعِمَامَة شَيْء، وَفِي (كتاب الْجِهَاد) لِابْنِ أبي عَاصِم: حَدثنَا أَبُو مُوسَى حَدثنَا عُثْمَان بن عمر عَن الزبير ابْن جوان عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن} الْعِمَامَة سنة؟ فَقَالَ: نعم، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إذهب فاسدل عَلَيْك ثِيَابك وألبس سِلَاحك، فَفعل ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض مَا سدل بِنَفسِهِ ثمَّ عممه فسدل من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه،.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم عَن رشد عَن ابْن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بعمامة سَوْدَاء من قطن، وَأفضل لَهُ من بَين يَدَيْهِ مثل هَذِه، وَفِي رِوَايَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: عمم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَوْف بعمامة سَوْدَاء كرابيس وأرخاها من خَلفه قدر أَربع أصباع،.

     وَقَالَ : هَكَذَا فاعتم،.

     وَقَالَ  مَالك: الْعمة والاحتباء والانتعال من عمل الْعَرَب، وَسُئِلَ مَالك عَن الَّذِي يعتم بالعمامة وَلَا يَجْعَلهَا من تَحت حلقه فأنكرها،.

     وَقَالَ : ذَلِك من عمل النبط، وَلَيْسَت من عمَّة النَّاس إلاَّ أَن تكون قَصِيرَة لَا تبلغ أَو يفعل ذَلِك فِي بَيته أَو فِي مَرضه فَلَا بَأْس بِهِ، قيل لَهُ) فيرخي بَين الْكَتِفَيْنِ؟ قَالَ: لم أر أحدا مِمَّن أردركته يُرْخِي بَين كَتفيهِ إلاَّ عَامر بن عبد الله بن الزبير، وَلَيْسَ ذَلِك بِحرَام، وَلَكِن يرسلها بَين يَدَيْهِ وَهُوَ أكمل وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء قد أرْخى طرفها بَين كَتفيهِ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعتم سدل عمَامَته بَين كَتفيهِ، قَالَ نَافِع: وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله،.

     وَقَالَ  عبد الله بن عمر: رَأَيْت الْقَاسِم وسالماً يفْعَلَانِ ذَلِك، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اعتم أرْخى عمَامَته بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه.
وَفِيه: الْحجَّاج بن رشد وَهُوَ ضَعِيف، وَفِي حَدِيث أبي عُبَيْدَة الْحِمصِي عَن عبد الله بن بشر قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَوْم خَيْبَر فعممه بعمامة سَوْدَاء أرسلها من وَرَائه وَعَن مَنْكِبه الْيُسْرَى،.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: إِذا وَقع إرخاء العذبة من بَين الْيَدَيْنِ كَمَا يَفْعَله طَائِفَة الصُّوفِيَّة وَجَمَاعَة من أهل الْعلم فَهَل الْمَشْرُوع فِيهِ إرخاؤها من الْجَانِب الْأَيْسَر كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد أَو إرسالها من الْجَانِب الْأَيْمن لشرفه؟ وَلم أر مَا يدل على تعْيين الْجَانِب الْأَيْمن إلاَّ فِي حَدِيث أبي أُمَامَة وَلكنه ضَعِيف، وَحَدِيث أبي أُمَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة جَمِيع بن ثوب عَن أبي سُفْيَان الرعيني عَن أبي أُمَامَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يولي والياً حَتَّى يعممه ويرخي لَهَا من الْجَانِب الْأَيْمن نَحْو الْأذن وَجَمِيع بن ثوب ضَعِيف،.

     وَقَالَ  شَيخنَا: وعَلى تَقْدِير ثُبُوته فَلَعَلَّهُ كَانَ يرخيها من الْجَانِب الْأَيْمن ثمَّ يردهَا من الْجَانِب الْأَيْسَر، كَمَا يَفْعَله بَعضهم، إلاَّ أَنه شعار الإمامية،.

     وَقَالَ : مَا المُرَاد بسدل عمَامَته بَين كَتفيهِ؟ هَل المُرَاد سدل الطّرف الْأَسْفَل حَتَّى تكون عذبة؟ أَو المُرَاد سدل الطّرف الْأَعْلَى بِحَيْثُ يغرزها وَيُرْسل مِنْهَا شَيْئا خَلفه؟ يحْتَمل كلا من الْأَمريْنِ، وَلم أر التَّصْرِيح بِكَوْن المرخي من الْعِمَامَة عذبة إلاَّ فِي حَدِيث عبد الْأَعْلَى بن عدي، رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي (معرفَة الصَّحَابَة) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الله بن بشر عَن عبد الرَّحْمَن بن عدي البهراني عَن أَخِيه عبد الْأَعْلَى بن عدي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَوْم غَد يرخم فعممه وأرخى عذبة الْعِمَامَة من خَلفه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا فاعتموا، فَإِن العمائم سيماء الْإِسْلَام، وَهِي الحاجز بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ: مَعَ أَن العذبة الطّرف كعذبة السَّوْط وكعذبة اللِّسَان أَي: طرفه فالطرف الْأَعْلَى يُسمى عذبة من حَيْثُ اللُّغَة، وَإِن كَانَ مُخَالفا للإصطلاح الْعرفِيّ الْآن، وَفِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر مَا يَقْتَضِي أَن الَّذِي كَانَ يُرْسِلهُ بَين كَتفيهِ من الطّرف الْأَعْلَى رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ وَغَيره من رِوَايَة أبي عبد السَّلَام عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعتم؟ قَالَ: كَانَ يُدِير كور الْعِمَامَة على رَأسه ويغرزها من وَرَائه ويرخي لَهُ ذؤابة بَين كَتفيهِ.



[ قــ :5493 ... غــ :5806 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْد الله حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: أَخْبرنِي سالِمٌ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ وَلَا العِمامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا البُرْنُسَ وَلَا ثَوْباً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ وَلَا الخُفَّيْنِ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فإِنْ لَمْ يَجِدْهُما فَلْيقْطَعْهُما أسفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا الْعِمَامَة) وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم.

والْحَدِيث قد مضى فِيمَا قبل: بابُُ السَّرَاوِيل، غير أَنه أخرجه هُنَا من غير الطَّرِيق الَّذِي أخرجه هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.