فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تقليم الأظفار

( بابُُ تَقْلِيمِ الأظْفارِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان سنية تقليم الْأَظْفَار والتقليم تفعيل من الْقَلَم وَهُوَ الْقطع، وَوَقع فِي حَدِيث الْبابُُ فِي رِوَايَة: وقص الْأَظْفَار، والأظفار جمع ظفر بِضَم الظَّاء وَالْفَاء وسكونها، وَحكي عَن أبي زيد كسر الظَّاء وَأنْكرهُ ابْن سَيّده، وَقد قيل: إِنَّه قِرَاءَة الْحسن وَعَن أبي السماك أَنه قرىء بِكَسْر أَوله وثانيه، وَيسْتَحب الِاسْتِقْصَاء فِي إِزَالَتهَا بِحَيْثُ لَا يحصل ضَرَر على الإصبع وَلم يثبت فِي تَرْتِيب الْأَصَابِع عِنْد القص شَيْء من الْأَحَادِيث، وَلَكِن ذكر النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) أَنه يسْتَحبّ الْبدَاءَة بمسبحة الْيُمْنَى ثمَّ بالوسطى ثمَّ بالبنصر ثمَّ الْخِنْصر ثمَّ الْإِبْهَام، وَفِي الْيُسْرَى الْبدَاءَة بخنصرها ثمَّ بالبنصر إِلَى الْإِبْهَام، وَيبدأ فِي الرجلَيْن يختصر الْيُمْنَى إِلَى الْإِبْهَام، وَفِي الْيُسْرَى بإبهامها إِلَى الْخِنْصر، وَلم يذكر للاستحبابُ مُسْتَندا.
.

     وَقَالَ  فِي: ( شرح الْمُهَذّب) بعد أَن نقل ذَلِك عَن الْغَزالِيّ.

     وَقَالَ : وَأما الحَدِيث الَّذِي ذكره الْغَزالِيّ فَلَا أصل لَهُ ثمَّ، اعْلَم أَن تقليم الْأَظْفَار لَا يتوقت وَالضَّابِط فِي ذَلِك الِاحْتِيَاج فَأَي وَقت يحْتَاج إِلَى تقليمه يقلمه، وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من مُرْسل أبي جَعْفَر الباقر، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَحبّ أَن يَأْخُذ من أَظْفَاره يَوْم الْجُمُعَة، وروى ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قلم أَظْفَاره يَوْم السبت خرج مِنْهُ الدَّاء وَدخل فِيهِ الشفاه، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْأَحَد خرجت مِنْهُ الْفَاقَة وَدخل فِيهِ الْغنى، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْإِثْنَيْنِ خرجت مِنْهُ الْعلَّة وَدخلت فِيهِ الصِّحَّة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الثُّلَاثَاء خرج مِنْهُ البرص وَدخل فِيهِ الْعَافِيَة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْأَرْبَعَاء خرج مِنْهُ الوسواس وَالْخَوْف وَدخل فِيهِ الْأَمْن وَالصِّحَّة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْخَمِيس خرج مِنْهُ الجذام وَدخل فِيهِ الْعَافِيَة، وَمن قلم أَظْفَاره يَوْم الْجُمُعَة دخلت فِيهِ الرَّحْمَة وَخرجت مِنْهُ الذُّنُوب.
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من أقبح الموضوعات وأبردها، وَفِي سَنَده مَجْهُولُونَ ومتروكون وضعفاء.



[ قــ :5575 ... غــ :5890 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبي رَجَاء: حَدثنَا إسْحاقُ بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَر رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مِنَ الفِطْرَةِ حَلْقُ العانَةِ وتَقْلِيمُ الأظْفَارِ وقَصُّ الشَّارِبِ.
( انْظُر الحَدِيث 5888) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وتقليم الْأَظْفَار) .
وَأحمد بن أبي رَجَاء بِالْجِيم وللمد واسْمه عبد الله بن أَيُّوب أَبُو الْوَلِيد الْحَنَفِيّ الْهَرَوِيّ مَاتَ بهراة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وقبره مَشْهُور يزار، وَإِسْحَاق بن سُلَيْمَان الرَّاوِي كُوفِي الأَصْل مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ، وحَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان وَقد مر عَن قريب.
قَوْله: ( من الْفطْرَة) وَنقل النَّوَوِيّ أَنه وَقع بِلَفْظ: من السّنة.
قَوْله: ( وقص الشَّارِب) وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَأخذ الشَّارِب.





[ قــ :5577 ... غــ :589 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حَدثنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ عَنْ نافعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خالِفُوا المُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللّحَى وأحْفُوا الشَّوَارِبَ.

وكانَ ابنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ أوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ على لِحْيَتِهِ، فَما فَضَلَ أخَذَهُ.


مَحل هَذَا الحَدِيث فِي الْبابُُ الَّذِي قبله وَلَا يُنَاسب ذكره هُنَا، وَمُحَمّد بن منهال بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون الْبَصْرِيّ الضَّرِير، وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن سهل بن عُثْمَان عَن يزِيد بن زُرَيْع.

قَوْله: ( خالفوا الْمُشْركين) أَرَادَ بهم الْمَجُوس، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم: خالفوا الْمَجُوس لأَنهم كَانُوا يقصرون لحاهم، وَمِنْهُم من كَانَ يحلقها.
وَقَوله: ( وفروا) بتَشْديد الْفَاء، أَمر من التوفير وَهُوَ الْإِبْقَاء أَي: اتركوها موفرة، واللحى بِكَسْر اللَّام وَضمّهَا بِالْقصرِ وَالْمدّ جمع لحية بِالْكَسْرِ فَقَط وَهِي إسم لما نبت على الْخَدين والذقن، قَالَه بَعضهم.
قلت: على الْخَدين لَيْسَ بِشَيْء، وَلَو قَالَ: على العارضين لَكَانَ صَوَابا.
قَوْله: ( واحفوا) أَمر من الإحفاء فِي القص، قد مر عَن قريب.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله: اعْفُوا اللحى؟ وَقد علمت أَن الإعفاء الْإِكْثَار وَأَن من النَّاس من إِذا ترك شعر لحيته اتبَاعا مِنْهُ لظَاهِر قَوْله: اعْفُوا اللحى، فيتفاحش طولا وعرضاً ويسمج حَتَّى يصير للنَّاس حَدِيثا ومثلاً، قيل: قد ثبتَتْ الْحجَّة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على خُصُوص هَذَا الْخَبَر وَأَن اللِّحْيَة مَحْظُور إعفاؤها، وواجب قصها على اخْتِلَاف من السّلف فِي قدر ذَلِك وَحده، فَقَالَ بَعضهم: حد ذَلِك أَن يُزَاد على قدر القبضة طولا، وَأَن ينتشر عرضا فيقبح ذَلِك، وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ، أَنه رأى رجلا قد ترك لحيته حَتَّى كَبرت فَأخذ يجذيها ثمَّ قَالَ: ائْتُونِي بحلمتين ثمَّ أَمر رجلا فجزما تَحت يَده، ثمَّ قَالَ: إذهب فأسلح شعرك أَو أفْسدهُ، يتْرك أحدكُم نَفسه حَتَّى كَأَنَّهُ سبع من السبَاع، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يقبض على لحيته فَيَأْخُذ مَا فضل، وَعَن ابْن عمر مثله،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: يَأْخُذ من طولهَا وعرضها مَا لم يفحش، وَلم يَجدوا فِي ذَلِك حدا غير أَن معنى ذَلِك عِنْدِي مَا لم يخرج من عرف النَّاس،.

     وَقَالَ  عَطاء: لَا بَأْس أَن يَأْخُذ من لحيته الشَّيْء الْقَلِيل من طولهَا وعرضها إِذا كَبرت وعلت كَرَاهَة الشُّهْرَة، وَفِيه تَعْرِيض نَفسه لمن يسخر بِهِ، وَاسْتدلَّ بِحَدِيث عمر بن هَارُون عَن أُسَامَة بن زيد عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْخُذ من لحيته من عرضهَا وطولها، أخرجه التِّرْمِذِيّ،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَسمعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول: عمر بن هَارُون مقارب الحَدِيث لَا أعرف لَهُ حَدِيثا لَيْسَ لَهُ أصل، أَو قَالَ: ينْفَرد بِهِ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، قَالَ: ورأيته حسن الرَّأْي فِي عمر بن هَارُون، وَسمعت قُتَيْبَة يَقُول: عمر بن هَارُون كَانَ صَاحب حَدِيث وَكَانَ يَقُول: الْإِيمَان قَول وَعمل.

قَوْله: ( وَكَانَ ابْن عمر إِذا حج)
إِلَى آخِره مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور إِلَى نَافِع وَقد أخرجه مَالك فِي ( الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع بِلَفْظ: كَانَ ابْن عمر إِذا حلق رَأسه فِي حج أَو عمْرَة أَخذ من لحيته وشاربه.
قَوْله: ( فَمَا فضل) بِفَتْح الْفَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، وَحكى كسر الصَّاد كعلم وَالْفَتْح أشهر،.

     وَقَالَ  الكهرماني: وَمَا فضل أَي: من قَبْضَة الْيَد قطعه تقصيراً وَلَعَلَّ ابْن عمر جمع بَين حلق الرَّأْس وتقصير اللِّحْيَة اتبَاعا لقَوْله تَعَالَى: { ( 84) مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ} ( الْفَتْح: 7) هَذَا هُوَ الْمِقْدَار الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي، وَقد نقل عَنهُ بَعضهم مَا لم يقلهُ ثمَّ طول الْكَلَام بِمَا لَا يسْتَحق سَمَاعه، فَذَلِك تركته،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: يَسْتَثْنِي من الْأَمر بإعفاء اللحى مَا لَو نَبتَت للْمَرْأَة لحية فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهَا حلقها، وَكَذَا لَو نبت لَهَا شَارِب أَو عنفقة.