فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب (إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس، فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا) الآية

(بابُُ { (85) إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا ... .
انشزوا فانشزوا}
(المجادلة: 11)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ قَوْله عز وَجل: { إِذا قيل لكم} .
الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر.
{ إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجْلس فافسحوا} ... الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: { فانشزوا} ... الْآيَة.
وَاخْتلفُوا فِي معنى الْآيَة، فَقَالَ ابْن بطال: قَالَ بَعضهم: هُوَ مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، كَذَا قَالَه مُجَاهِد وَقَتَادَة،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ عَن قَتَادَة: كَانُوا يتنافسون فِي مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَوْهُ مُقبلا ضيقوا مجلسهم فَأَمرهمْ الله تَعَالَى أَن يُوسع بَعضهم لبَعض، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، قَالَ: نزلت يَوْم جُمُعَة، أقبل جمَاعَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من أهل بدر فَلم يَجدوا مَكَانا، فَأَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا مِمَّن تَأَخّر إسْلَامهمْ وأجلسهم فِي أماكنهم، فشق ذَلِك عَلَيْهِم وَتكلم المُنَافِقُونَ فِي ذَلِك، فَأنْزل الله تَعَالَى: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجْلس فأفسحوا} .

     وَقَالَ  الْحسن الْبَصْرِيّ: فِي الْغَزْو خَاصَّة،.

     وَقَالَ  يزِيد بن أبي حبيب: أَي أثبتوا فِي الْحَرْب، وَهَذَا من مكيدة الْحَرْب، وَقيل: هُوَ عَام.
قَوْله: (يفسح الله لكم) أَي: توسعوا يُوسع الله عَلَيْكُم مَنَازِلكُمْ فِي الْجنَّة.
قَوْله: { فانشزوا} أَي إِذا قيل لكم ارتفعوا فَارْتَفعُوا وَقومُوا إِلَى قتال عَدو أَو صَلَاة أَو عمل خير،.

     وَقَالَ  الْحسن: انهزوا إِلَى الْحَرْب،.

     وَقَالَ  قَتَادَة وَمُجاهد: تفَرقُوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقومُوا،.

     وَقَالَ  ابْن زيد: انشزوا عَنهُ فِي بَيته، فَإِن لَهُ حوائج.
.

     وَقَالَ  صَاحب (الْأَفْعَال) : نشز الْقَوْم عَن مجلسهم قَامُوا مِنْهُ.



[ قــ :5940 ... غــ :6270 ]
- حدَّثنا خَلاّدُ بنُ يَحْياى حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نافِع عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ نَهاى أنْ يُقامُ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ويجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، ولاكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا.

وكانَ ابنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يُجْلِسَ مَكانَهُ.
(انْظُر الحَدِيث 911 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تَفَسَّحُوا) وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام ابْن يحيى بن صَفْوَان السّلمِيّ الْكُوفِي، سكن مَكَّة وَمَات بهَا قَرِيبا من سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبيد الله هُوَ الْعمريّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (وَيجْلس فِيهِ آخر) أَي: وَأَن يجلس فِيهِ شخص آخر.
وَاخْتلف فِي تَأْوِيل نَهْيه عَن أَن يُقَام الرجل من مَجْلِسه وَيجْلس فِيهِ آخر، فتأوله قوم على النّدب، وَقَالُوا: هُوَ من بابُُ الْأَدَب لِأَن الْمَكَان غير متملك لَهُ، وتأوله قوم على الْوُجُوب، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث معمر عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِذا قَامَ أحدكُم من مَجْلِسه ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَق بِهِ.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن مُسلم: معنى قَوْله: فَهُوَ أَحَق بِهِ إِذا جلس فِي مجْلِس الْقَائِم فَهُوَ أولى بِهِ إِذا قَامَ لحَاجَة، فَأَما إِذا قَامَ تَارِكًا فَهُوَ لَيْسَ أولى بِهِ من غَيره، وَقيل: إِذا قَامَ ليرْجع كَانَ أَحَق، وَقيل: إِن رَجَعَ عَن قرب كَانَ أَحَق.
قَوْله: (تَفَسَّحُوا) أَمر وَوجه كَونه استدراكاً من الْخَبَر بِتَقْدِير لفظ: قَالَ، بعد: لَكِن، أَو يُقَال: نهى أَن يُقيم، فِي تَقْدِير: لَا يقيمن، وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام ابْن عمر، وَلَا يكون من تَتِمَّة الحَدِيث.

قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر) هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور، وَقد روى هَذَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق أبي الخصيب بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُهْملَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، واسْمه زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن عَن ابْن عمر: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ لَهُ رجل عَن مَجْلِسه، فَذهب ليجلس فَنَهَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا: هَذَا فِي حق من جلس فِي مَوضِع من الْمَسْجِد أَو غَيره لصَلَاة مثلا ثمَّ فَارقه ليعود إِلَيْهِ كإرادة الْوضُوء مثلا والشغل يسير ثمَّ يعود، لَا يبطل حَقه فِي الِاخْتِصَاص بِهِ، وَله أَن يُقيم من خَلفه وَقعد فِيهِ، وعَلى الْقَاعِد أَن يطيعه.
وَاخْتلف: هَل يجب عَلَيْهِ؟ على وَجْهَيْن: أصَحهمَا الْوُجُوب، وَقيل: يسْتَحبّ وَهُوَ مَذْهَب مَالك، قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِنَّمَا يكون أَحَق بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاة دون غَيرهَا، قَالَ: وَلَا فرق بَين أَن يقوم مِنْهُ وَيتْرك لَهُ فِيهِ سجادة وَنَحْوهَا أم لَا،.

     وَقَالَ  عِيَاض: اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن اعْتَادَ بِموضع من الْمَسْجِد للتدريس وَالْفَتْوَى، وَكَذَا قَالُوا فِي مقاعد الباعة من الأفنية والطرق الَّتِي هِيَ غير متملكة، قَالُوا: من اعْتَادَ الْجُلُوس فِي شَيْء مِنْهَا فَهُوَ أَحَق بِهِ حَتَّى يتم غَرَضه، قَالَ: وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَن مَالك قطعا للتنازع،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه لَيْسَ بِوَاجِب.