فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة في الجبة الشامية

( بابُ الصَّلاَةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْجُبَّة الشامية، والجبة، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة.
هِيَ الَّتِي تلبس، وَجَمعهَا جباب، والشامية.
نِسْبَة إِلَى الشَّام، وَهُوَ الإقليم الْمَعْرُوف دَار الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
وَيجوز فِيهِ الْألف والهمزة الساكنة، وَالْمرَاد بالجبة الشامية هِيَ: الَّتِي تنسجها الْكفَّار، وَإِنَّمَا ذكره بِلَفْظ الشامية مُرَاعَاة للفظ الحَدِيث.
وَكَانَ هَذَا فِي غَزْوَة تَبُوك، وَالشَّام إِذْ ذَاك كَانَت بِلَاد كفر، وَلم تفتح بعد، وَإِنَّمَا أولنا بِهَذَا لِأَن الْبَاب مَعْقُود لجَوَاز الصَّلَاة فِي الثِّيَاب الَّتِي تنسجها الْكفَّار مَا لم تتَحَقَّق نجاستها.
وقالَ الحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا المجُوسُ لَمْ يَرَ بِهَا بَأَساً.
الْحسن: هُوَ الْبَصْرِيّ، وَوَصله نعيم بن حَمَّاد، وَعَن مُعْتَمر عَن هِشَام عَنهُ.
وَلَفظه: ( لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْب الَّذِي ينسجه الْمَجُوس قبل أَن يغسل) .
وروى أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن فِي كتاب ( الصَّلَاة) تأليفه: عَن الرّبيع، ( عَن الْحسن: لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِي رِدَاء الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ) .
قَوْله: ( الْمَجُوس) جمع الْمَجُوسِيّ، وَهُوَ معرفَة سَوَاء كَانَ محلى بِالْألف وَاللَّام أم لَا، وَالْأَكْثَر على أَنه يجْرِي مجْرى الْقَبِيلَة لَا مجْرى الْحَيّ فِي بَاب الصّرْف، وَفِي بعض النّسخ: ينسجها الْمَجُوسِيّ، بِالْيَاءِ، وَالْجُمْلَة صفة للثياب، والمسافة بَين النكرَة والمعرفة بلام الْجِنْس قَصِيرَة، فَلذَلِك وصفت الْمعرفَة بالنكرة.
كَمَا وصف اللَّئِيم بقوله: يسبني فِي قَول الشَّاعِر: ( وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني) وَفِي بعض النّسخ: ( فِي ثِيَاب ينسجها الْمَجُوس) بتنكير الثِّيَاب، وعَلى هَذِه النُّسْخَة لَا يحْتَاج إِلَى مَا ذكرنَا، وينسج من بَاب: ضرب يضْرب، وَمن بَاب: نصر ينصر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: قرأناه بِكَسْر السِّين.
قَوْله: ( لم ير) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: لم ير الْحسن.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ( لم ير) بِلَفْظ الْمَجْهُول، أَي: الْقَوْم، فعلى الأول يكون من بَاب التَّجْرِيد، كَأَنَّهُ جرد عَن نَفسه شخصا فأسند إِلَيْهِ.
وقالَ مَعْمَرٌ رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِن ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالبَوْلِ.
معمر، بِفَتْح الْمِيم: هُوَ ابْن الراشد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَوَصله عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) عَنهُ.
قَوْله: ( بالبول) إِن كَانَ المُرَاد مِنْهُ جنس الْبَوْل فَهُوَ مَحْمُول على أَنه كَانَ يغسلهُ قبل لبسه، وَإِن كَانَ المُرَاد مِنْهُ الْبَوْل الْمَعْهُود، وَهُوَ بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه فَهُوَ طَاهِر عِنْد الزُّهْرِيّ.
وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي ثَوْب غَيْرَ مَقْصُورٍ.
عَليّ: هُوَ ابْن أبي طَالب، وَأَرَادَ: بِغَيْر مَقْصُور الخام.
وَالْمرَاد أَنه كَانَ جَدِيدا لم يغسل.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: غير مَقْصُور، أَي: غير مدقوق.
يُقَال: قصرت الثَّوْب إِذا دققته، وَمِنْه الْقصار.
قلت: الْقصر لَيْسَ مُجَرّد الدق، والدق لَا يكون إلاَّ بعد الْغسْل الَّذِي يُبَالغ فِيهِ.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أَي لم يلبس بعد، وروى ابْن سعد من طَرِيق عَطاء بن مُحَمَّد.
قَالَ: ( رَأَيْت عليا رَضِي اتعالى عَنهُ، صلى وَعَلِيهِ قَمِيص كرابيس غير مغسول) .
وَعلم من هَذِه الْآثَار الثَّلَاثَة جَوَاز لبس الثِّيَاب الَّتِي ينسجها الْكفَّار، وَجَوَاز لبس الثِّيَاب الَّتِي تصبغ بالبول بعد الْغسْل، وَجَوَاز لبس الثِّيَاب الخام قبل الْغسْل.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي الصَّلَاة فِي ثِيَاب الْكفَّار، فَأجَاز الشَّافِعِي والكوفيون لباسها، وَإِن لم تغسل حَتَّى تتبين فِيهَا النَّجَاسَة.
.

     وَقَالَ  مَالك: يسْتَحبّ أَن لَا يُصَلِّي على الثِّيَاب إِلَّا من حر أَو برد أَو نَجَاسَة بالموضع،.

     وَقَالَ  مَالك أَيْضا: تكره الصَّلَاة فِي الثِّيَاب الَّتِي ينسجها الْمُشْركُونَ، وَفِيمَا لبسوه، فَإِن فعل يُعِيد فِي الْوَقْت.
.

     وَقَالَ  إِسْحَاق جَمِيع ثِيَابهمْ طَاهِرَة.
فَإِن قلت: مَا مُنَاسبَة أثر الزُّهْرِيّ وَعلي للتَّرْجَمَة؟ قلت: لما ذكر أثر الْحسن المطابق للتَّرْجَمَة ذكر الأثرين الآخرين اسْتِطْرَادًا.

[ قــ :359 ... غــ :363]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى قالَ حدّثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عنْ مُغِيَرَةَ ابنِ شُعْبَةَ قالَ كُنْتُ مَعَ النبيِّ فِي سَفَرٍ فقالَ يَا مُغِيرَةُ خُذِ الإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُها فَانْطَلَقَ رسولُ الله حَتى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حاجَتهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ منْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أسْفلِهَا فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة.
الأول: يحيى بن مُوسَى أَبُو زَكَرِيَّا الْبَلْخِي، يعرف بخت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.
.

     وَقَالَ  الغساني فِي ( التَّقْيِيد) : قَالَ البُخَارِيّ فِي بابُُ الصَّلَاة فِي الْجُبَّة الشامية وَفِي الْجَنَائِز وَفِي تَفْسِير سُورَة الدُّخان: حدّثنا يحيى حدّثنا أَبُو مُعَاوِيَة، فنسب ابْن السكن الَّذِي فِي الْجَنَائِز بِأَنَّهُ يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي، وأهمل الْمَوْضِعَيْنِ الآخرين، وَلم أجدهما منسوبين لأحد من شُيُوخنَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَأَنا وجدته فِي بعض النّسخ مَنْسُوبا إِلَى جَعْفَر ابْن أبي زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي، وَيحْتَمل أَن يكن يحيى بن معِين: لِأَنَّهُ روى عَن أبي مُعَاوِيَة، وَالْبُخَارِيّ يروي عَنهُ.
الثَّانِي: أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بالمعجمتين.
الثَّالِث: سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش.
الرَّابِع: مُسلم بن صبيح، بِضَم الصَّاد: أَبُو الضُّحَى الْعَطَّار، وَتردد الْكرْمَانِي فِي هَذَا، فَقَالَ: مُسلم بن عمرَان البطين، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَو مُسلم بن صبيح، وَكَذَا تردد فِي أبي مُعَاوِيَة.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن خازم: وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ أَبُو مُعَاوِيَة شَيبَان النَّحْوِيّ، ثمَّ قَالَ: وأمثال هَذِه الترددات لَا تقدح فِي صِحَة الحَدِيث وَلَا فِي إِسْنَاده، لِأَن أياً كَانَ مِنْهُم فَهُوَ عدل ضَابِط بِشَرْط البُخَارِيّ، بِدَلِيل أَنه قد روى فِي ( الْجَامِع) عَن كل مِنْهُم.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لم يرو يحيى عَن شَيبَان.
قلت: هَذَا نفي لَا يُعَارض الْإِثْبَات.
الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع الْهَمدَانِي، سمي بِهِ لِأَنَّهُ سرق فِي صغره.
السَّادِس: الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي وكوفي.

تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي اللبَاس عَن قيس بن حَفْص، كِلَاهُمَا عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَعَن إِسْحَاق بن نصر عَن أبي أُسَامَة مُخْتَصرا.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر وَأبي كريب، كِلَاهُمَا عَن أبي مُعَاوِيَة.
وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعلي بن خشرم، كِلَاهُمَا عَن عِيسَى بن يُونُس أربعتهم عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن خشرم بِهِ، وَفِي الزِّينَة عَن أَحْمد بن حَرْب عَن أبي مُعَاوِيَة نَحوه.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن هِشَام بن عمار عَن عِيسَى بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ.
قَوْله: ( الْإِدَاوَة) بِكَسْر الْهمزَة: المطهرة.
قَوْله: ( حَتَّى توارى) أَي: غَابَ وخفي.
قَوْله: ( فضاقت) ، أَي: الْجُبَّة.

وَفِيه جَوَاز أَمر الرئيس غَيره بِالْخدمَةِ، والتستر عَن أعين النَّاس عِنْد قَضَاء الْحَاجة، والإعانة على الْوضُوء، وَالْمسح على الْخُف.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي بابُُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.