فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب

( بابُُ الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالمِنْبَرِ والخَشَب)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر.
إِلَى آخِره، يَعْنِي: يجوز، وَلما كَانَ فِيهِ خلاف لبَعض التَّابِعين، وللمالكية فِي الْمَكَان الْمُرْتَفع لمن كَانَ إِمَامًا لم يُصَرح بِالْجَوَازِ وَعَدَمه، وَلَكِن مُرَاده الْجَوَاز.
قَوْله: ( فِي الْمِنْبَر) كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: على الْمِنْبَر، وَحَدِيث الْبابُُ يدل عَلَيْهِ، وَلَكِن كلمة.
فِي، تَجِيء بِمَعْنى: على، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} ( طه: 17) والمنبر، بِكَسْر الْمِيم، من: نبرت الشَّيْء إِذا رفعته، وَالْقِيَاس فِيهِ فتح الْمِيم لِأَن الكسرة عَلامَة الْآلَة، وَلكنه سَمَاعي، و: ( السطوح) جمع سطح الْبَيْت، و: ( الْخشب) بِفتْحَتَيْنِ وبضمتين أَيْضا.

قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ.

هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.

وَلَم يَرَ الحَسَنُ بَأْسا أنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَمَدِ والقَناطِرِ وإنْ جَرَي تَحْتَهَا بَوْلٌ أوْ فَوْقَهَا أوْ أمامَهَا إذَا كانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ.


مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة تَأتي فِي القناطر، وَالْمرَاد من الْحسن هُوَ: الْبَصْرِيّ.

قَوْله: ( على الجمد) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم وَفِي آخِره دَال مُهْملَة.
قَالَ السفاقسي: الجمد، بِفَتْح الْجِيم وَضمّهَا: مَكَان صلب مُرْتَفع، وَزعم ابْن قرقول أَن فِي كتاب الْأصيلِيّ وَأبي ذَر بِفَتْح الْمِيم.
قَالَ: وَالصَّوَاب سكونها، وَهُوَ المَاء الجليد من شدَّة الْبرد.
وَفِي ( الْمُحكم) : الجمد الثَّلج، وَفِي ( الْمثنى) لِابْنِ عديس: الجمد، بِالْفَتْح والإسكان: الثَّلج.
قَالَ أَبُو عبد اموسى بن جَعْفَر: الجمد، محرك الْمِيم: الثَّلج الَّذِي يسْقط من السَّمَاء.
.

     وَقَالَ  غَيره: الجمد والجمد بِالْفَتْح وَالضَّم، والجمد بِضَمَّتَيْنِ: مَا ارْتَفع من الأَرْض وَفِي ( ديوَان الْأَدَب) للفارابي: الجمد مَا جمد من المَاء، وَهُوَ نقيض الذوب، وَهُوَ مصدر فِي الأَصْل.
وَفِي ( الصِّحَاح) الجمد، بِالتَّحْرِيكِ جمع؛ جامد، مثل: خَادِم وخدم، والجمد والجمد مثل: عسر وعسر، مَكَان صلب مُرْتَفع، وَالْجمع: أجماد وجماد، مثل: رمح وأرماح ورماح.
قَوْله: ( والقناطر) جمع قنطرة.
قَالَ ابْن سَيّده: هِيَ مَا ارْتَفع من الْبُنيان،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: القنطرة مَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب.
قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الجسر قلت: القنطرة مَا تبنى بِالْحِجَارَةِ، والجسر يعْمل من الْخشب أَو التُّرَاب.

قَوْله: ( وَإِن جرى تحتهَا بَوْل) يتَعَلَّق بالقناطر فَقَط ظَاهرا، قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: يجوز أَن يتَعَلَّق بالجمد، لِأَن الجمد فِي الأَصْل مَاء فبشدة الْبرد يجمد، وَرُبمَا يكون مَاء النَّهر يجمد فَيصير كالحجر حَتَّى يمشي عَلَيْهِ النَّاس، فَلَو صلى شخص عَلَيْهِ وَكَانَ تَحْتَهُ بَوْل أَو نَحوه وَلَا يضر صلَاته.
فَإِن قلت: على هَذَا كَيفَ يرجع الضَّمِير فِي ( تحتهَا) إِلَى الجمد وَهُوَ غير مؤنث؟ قلت: قد مر أَن الْجَوْهَرِي قَالَ: إِن الجمد جمع جامد، فَإِذا كَانَ جمعا يجوز إِعَادَة الضَّمِير الْمُؤَنَّث إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الضَّمِير فِي: ( فَوْقهَا) و ( أمامها) يجوز أَن يرجع إِلَى القناطر بِحَسب الظَّاهِر، وَإِلَى الجمد بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُور، وَالْمرَاد من أمامها: قدامها.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: الجمد المَاء إِذا جمد، وَهُوَ مُنَاسِب لأثر ابْن عمر الْآتِي أَنه صلى على الثَّلج.

قلت: إِن لم يُقيد الثَّلج بِكَوْنِهِ متجمداً متلبداً لَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ فَلَا يكون مناسباً لَهُ، وَفِي ( المحتبى) : سجد على الثَّلج أَو الْحَشِيش الْكثير أَو الْقطن المحلوج يجوز إِن اعْتمد حَتَّى اسْتَقَرَّتْ جَبهته وَوجد حجم الأَرْض وإِلاَّ فَلَا.
وَفِي ( فَتَاوَى أبي حَفْص) : لَا بَأْس أَن يُصَلِّي على الجمد وَالْبر وَالشعِير والتين والذرة، وَلَا يجوز على الْأرز لِأَنَّهُ لَا يسْتَمْسك، وَلَا يجوز على الثَّلج المتجافي والحشيش وَمَا أشبهه حَتَّى يلبده فيجمد حجمه.
قَوْله: ( إِذا كَانَ بَينهمَا ستْرَة) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: بَين القناطر وَالْبَوْل، أَو؛ بَين الْمُصَلِّي وَالْبَوْل، وَهَذَا التَّقْيِيد مُخْتَصّ بِلَفْظ: ( بأمامها) دون ( أخويها) .
قلت: الْمُصَلِّي غير مَذْكُور إلاَّ أَن يُقَال: إِن قَوْله: أَن يُصَلِّي، يدل على الْمصلى، وَالْمرَاد من الستْرَة أَن يكون الْمَانِع بَينه وَبَين النَّجَاسَة إِذا كَانَت قدامه، وَلم يعين حد ذَلِك، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد مِنْهُ أَن لَا يلاقي النَّجَاسَة سَوَاء كَانَت قريبَة مِنْهُ أَو بعيدَة،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب، من الْمَالِكِيَّة.
إِن تعمد الصَّلَاة إِلَى نَجَاسَة وَهِي أَمَامه أعَاد إلاَّ أَن تكون بعيدَة جدا.
وَفِي ( الْمُدَوَّنَة) : من صلى وأمامه جِدَار أَو مرحاض أَجزَأَهُ.

وَصَلَّى أبُو هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ.

مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي فِي قَوْله: ( والسطوح) .
وَقَوله: ( على ظهر الْمَسْجِد) رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( على سقف الْمَسْجِد) ، وَوصل ابْن أبي شيبَة هَذَا الْأَثر عَن وَكِيع عَن ابْن أبي ذِئْب عَن صَالح، مولى التوءمة، قَالَ: ( صليت مَعَ أبي هُرَيْرَة فَوق الْمَسْجِد بِصَلَاة الإِمَام وَهُوَ أَسْفَل) .
وَصَالح تلكم فِيهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَلَكِن رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة فتقوى بذلك، فلأجل ذَلِك ذكره البُخَارِيّ بِصِيغَة الْجَزْم، وروى ابْن أبي شيبَة عَن أبي عَامر عَن سعيد بن مُسلم، قَالَ: ( رَأَيْت سَالم بن عبد ايصلي فَوق ظهر الْمَسْجِد صَلَاة الْمغرب وَمَعَهُ رجل آخر يَعْنِي، ويأتم بِالْإِمَامِ) .
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عدي عَن ابْن عون قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّد عَن الرجل يكون على ظهر بَيت يُصَلِّي بِصَلَاة الإِمَام فِي رَمَضَان، فَقَالَ: لَا أعلم بِهِ بَأْسا إلاَّ أَن يكون بَين يَدي الإِمَام.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: يكره أَن يكون مَوضِع الإِمَام أَو الْمَأْمُوم أَعلَى من مَوضِع الآخر إلاَّ إِذا أَرَادَ تَعْلِيم أَفعَال الصَّلَاة، أَو أَرَادَ الْمَأْمُوم تَبْلِيغ الْقَوْم.
.

     وَقَالَ  فِي ( الْمُهَذّب) : إِذْ كره أَن يَعْلُو الإِمَام فالمأموم أولى، وَعِنْدنَا أَيْضا يكره أَن يكون الْقَوْم أَعلَى من الإِمَام.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم؛.

     وَقَالَ  مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
قلت: لَيْسَ مَذْهَب أبي حنيفَة هَذَا، ومذهبه أَنه يجوز وَلَكِن يكره.
.

     وَقَالَ  شيخ الْإِسْلَام: إِنَّمَا يكره إِذا لم يكن من عذر، أما إِذا كَانَ من عذر فَلَا يكره، كَمَا فِي الْجُمُعَة إِذا كَانَ الْقَوْم على الرف وَبَعْضهمْ على الأَرْض، والرف، بتَشْديد الْفَاء: شبه الطاق، قَالَه الْجَوْهَرِي.
وَعَن الطَّحَاوِيّ: إِنَّه لَا يكره، وَعَلِيهِ عَامَّة الْمَشَايِخ.

وصَلَّى ابنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ.

وَكَانَ الثَّلج متلبداً لِأَنَّهُ إِذا كَانَ متجافياً لَا تجوز كَمَا ذكرنَا، وَلَيْسَ لهَذَا الْأَثر مُطَابقَة للتَّرْجَمَة إلاَّ إِذا شرطنا التلبد لِأَنَّهُ حينئذٍ يكون متحجراً فَيُشبه السَّطْح أَو الْخشب.



[ قــ :373 ... غــ :377]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدّثنا أبُو حازِمٍ قالَ سَألُوا سَهْلِ بنَ سَعْدٍ مِنْ أيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ فقالَ مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أعْلَمُ مِنِّي هُوَ مِنْ أثْلِ الغَابَةِ عَمِلَهُ فُلاَنٌ مَوْلَى فلاَنَةَ لِرَسُولِ الله وقامَ عَلَيْهِ رسولُ اللَّهِ حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ فَاسْتَقْبَلَ القِبلَةَ كَبَّرَ وقامَ النَّاسُ خَلْفَهُ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ عادَ إِلَى المِنْبَرِ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ فَهَذَا شَأْنُهُ.
( الحَدِيث 773 أَطْرَافه فِي: 844، 719، 4902، 9652) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عَليّ بن عبد اهو ابْن الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: أَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: سَلمَة بن دِينَار.
الرَّابِع: سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَصِيغَة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي ومدني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة، وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ، وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن أَحْمد بن ثَابت الجحدري عَنهُ بِهِ.

ذكر لغاته ومعانيه.
قَوْله: ( من أَي شَيْء) أَي: من أَي عود، وَاللَّام فِي ( الْمِنْبَر) للْعهد أَي: عَن منبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( أَن رجَالًا أَتَوا سهل بن سعد السَّاعِدِيّ وَقد امتروا فِي الْمِنْبَر، مِم عوده؟) أَي: وَقد شكوا فِي مِنْبَر النَّبِي من أَي شَيْء كَانَ عوده؟ قَوْله: ( مَا بَقِي بِالنَّاسِ) أَي فِي النَّاس ويروى كَذَلِك عَن الكشمهيني قَوْله: ( هُوَ) ، مُبْتَدأ وَقَوله: ( من أثل الغابة) ، خَبره وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( من طرفاء الغابة) ، وَفسّر الْخطابِيّ: الأثل: بالطرفاء،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الأثل يشبه الطرفاء إِلَّا أَنه أعظم مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  أَبُو زِيَاد: من العضاه أثل، وَهُوَ طوال فِي السَّمَاء لَيْسَ لَهُ ورق ينْبت مُسْتَقِيم الْخَشَبَة، وخشبه جيد يحمل إِلَى الْقرى فيبنى عَلَيْهِ بيُوت الْمدر، ورقه هدي رقاق وَلَيْسَ لَهُ شوك، وَمِنْه تصنع القصاع والأواني الصغار والكبار والمكاييل والأبواب، وَهُوَ النضار.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهُوَ أَجود الْخشب للآنية، وأجود النضار الورس لصفرته، ومنبر رَسُول الله نضار.
وَفِي ( الواعي) : الأثلة خمصة مثل الأشنان وَلها حب مثل حب التنوم وَلَا ورق لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ أشنانة يغسل بهَا القصارون، غير أَنَّهَا أَلين من الأشنان.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: هُوَ ضرب من الشّجر يشبه الطرفاء وَلَيْسَ بِهِ، وَهُوَ أَجود مِنْهُ عوداً، وَمِنْه تصنع قداح الميسر.
والتنوم، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم النُّون الْمُشَدّدَة وَبعد الْوَاو الساكنة مِيم: وَهُوَ نوع من نَبَات الأَرْض فِيهِ ثَمَر وَفِي ثمره سَواد قَلِيل.

و: الغابة، بغين مُعْجمَة وباء مُوَحدَة: أَرض على تِسْعَة أَمْيَال من الْمَدِينَة كَانَت إبل النَّبِي مُقِيمَة بهَا للرعي وَبهَا وَقعت قصَّة الْعرنِين الَّذين أَغَارُوا على سرحه،.

     وَقَالَ  ياقوت: بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة أَرْبَعَة أَمْيَال.
.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: هما غابتان عليا وسفلى.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الغابة بريد من الْمَدِينَة من طَرِيق الشَّام.
قَالَ الْوَاقِدِيّ، وَمِنْهَا صنع الْمِنْبَر.
وَفِي ( الْجَامِع) : كل شجر ملتف فَهُوَ غابة.
وَفِي ( الْمُحكم) : الغابة الأجمة الَّتِي طَالَتْ وَلها أَطْرَاف مُرْتَفعَة باسقة.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: هِيَ أجمة الْقصب، قَالَ: وَقد جعلت جمَاعَة الشّجر غاباً مَأْخُوذ من الغيابة، وَالْجمع: غابات وغياب، و: الطرفاء، بِفَتْح الطَّاء وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ ممدودة: شجر من شجر الْبَادِيَة وَاحِدهَا: طرفَة، مثل: قَصَبَة وقصباء،.

     وَقَالَ  سِيبَوَيْهٍ: الطرفاء وَاحِد وَجمع.
قَوْله: ( عمله فلَان) بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّهُ منصرف، لِأَنَّهُ كِنَايَة عَن علم الْمُذكر بِخِلَاف: فُلَانَة، فَإِنَّهُ كِنَايَة عَن علم الْمُؤَنَّث، وَالْمَانِع من صرفه وجود العلتين وهما: العلمية والتأنيث، وَاخْتلفُوا فِي اسْم: فلَان، الَّذِي هُوَ نجار منبره، فَفِي ( كتاب الصَّحَابَة) لِابْنِ أَمِين الطليطلي: إِن اسْم هَذَا النجار: قبيصَة المَخْزُومِي.
قَالَ: وَيُقَال: مَيْمُون.
.

     وَقَالَ : وَقيل: صَلَاح غُلَام الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب،.

     وَقَالَ  ابْن بشكوال: وَقيل: ميناء.
وَقيل: إِبْرَاهِيم.
وَقيل: باقوم، بِالْمِيم فِي آخِره.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: كَانَ رومياً غُلَاما لسَعِيد بن الْعَاصِ مَاتَ فِي حَيَاة النَّبِي، وروى أَبُو سعد فِي ( شرف الْمُصْطَفى) من طَرِيق ابْن لَهِيعَة: عَن عمَارَة بن غزيَّة عَن بعاس بن سهل عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ نجار وَاحِد يُقَال لَهُ مَيْمُون، فَذكر قصَّة الْمِنْبَر.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: عمله غُلَام لسعد بن عبَادَة.
وَقيل: لامْرَأَة من الْأَنْصَار.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: حدّثنا الْحسن بن عَليّ، قَالَ: حدّثنا إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد عَن نَافِع: ( عَن ابْن عمر أَن النَّبِي، لما بدا قَالَ لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ أَلا اتخذ لَك منبراً يَا رَسُول اتجمع أَو تحمل عظامك؟ .
قَالَ: بلَى، فَاتخذ لَهُ منبراً مرقاتين)
.
وَفِي ( طَبَقَات ابْن سعد) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره، قَالُوا: ( كَانَ النَّبِي، يخْطب يَوْم الْجُمُعَة إِلَى جذع فَقَالَ: إِن الْقيام يشق عَلَيْهِ، فَقَالَ تَمِيم الدَّارِيّ أَلاَ أعمل لَك منبراً كَمَا رَأَيْته بِالشَّام؟ فَشَاور النَّبِي، الْمُسلمين فِي ذَلِك فروا أَن يَتَّخِذهُ، فَقَالَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: إِن لي غُلَاما يُقَال لَهُ: كلاب، أعمل النَّاس.
فَقَالَ النَّبِي: مره أَن يعمله، فَعلمه دَرَجَتَيْنِ ومقعداً، ثمَّ جَاءَ بِهِ فَوَضعه فِي مَوْضِعه)
.
وَعند ابْن سعد أَيْضا بِسَنَد صَحِيح: ( إِن الصَّحَابَة قَالُوا: يَا رَسُول اإن النَّاس قد كَثُرُوا فَلَو اتَّخذت شَيْئا تقوم عَلَيْهِ إِذا خطبت قَالَ: مَا شِئْتُم؟ قَالَ سهل: وَلم يكن بِالْمَدِينَةِ إلاَّ نجار وَاحِد، فَذَهَبت أَنا وَذَاكَ النجار إِلَى الغابتين، فَقطعت هَذَا الْمِنْبَر من أثله) .
وَفِي لفظ: ( وَحمل سهل مِنْهُنَّ خَشَبَة) .

قَوْله: ( مولى فُلَانَة) ، لم يعرف اسْمهَا، وَلكنهَا أنصارية، وَوَقع فِي ( الدَّلَائِل) لأبي مُوسَى الْمدنِي، نقلا عَن جَعْفَر المستغفري: أَنه قَالَ فِي أَسمَاء النِّسَاء من الصَّحَابَة: علاثة، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة، ثمَّ سَاق هَذَا الحَدِيث من طَرِيق يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم،.

     وَقَالَ  فِيهِ: ( أرسل إِلَى علاثة امْرَأَة) قد سَمَّاهَا سهل، ثمَّ قَالَ أَبُو مُوسَى: صحف فِيهِ جَعْفَر أَو شَيْخه، وَإِنَّمَا هِيَ فُلَانَة.
.

     وَقَالَ  الْحَافِظ الذَّهَبِيّ: علاثة، فِي حَدِيث سهل: ( أَن مري غلامك النجار أَن يعْمل لي أعواداً) وَإِنَّمَا هِيَ فُلَانَة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قيل فِي فُلَانَة: اسْمهَا عَائِشَة الْأَنْصَارِيَّة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَأَظنهُ صحف الْمُصحف قلت: هَذَا الطَّبَرَانِيّ روى فِي مُعْجَمه الْأَوْسَط من حَدِيث جَابر رَضِي اتعالى عَنهُ، ( أَن رَسُول اعليه الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ يُصَلِّي إِلَى سَارِيَة الْمَسْجِد ويخطب إِلَيْهَا ويعتمد عَلَيْهَا، وَأمرت عَائِشَة فصنعت لَهُ منبره هَذَا) .
انْتهى.
وَبِه يسْتَأْنس أَن فُلَانَة هِيَ: عَائِشَة، الْمَذْكُورَة.
وَلَا سِيمَا قَالَ قَائِله: الْأَنْصَارِيَّة، وَلَا يستعبد هَذَا، وَإِن كَانَ إِسْنَاد الحَدِيث ضَعِيفا فحينئذٍ إِن الْمُصحف من قَالَ: علاثة، لَا من قَالَ: عَائِشَة الْأَنْصَارِيَّة.
وَقد جَاءَ فِي الرِّوَايَة فِي الصَّحِيح: ( أرسل، أَي: النَّبِي، إِلَى فُلَانَة سَمَّاهَا سهل مري غلامك النجار أَن يعْمل لي أعواداً أَجْلِس عَلَيْهِنَّ إِذا كلمت النَّاس، فَأَمَرته، فعملها من طرفاء الغابة، ثمَّ جَاءَ بهَا، فَأرْسلت بهَا إِلَى رَسُول ا، فَأمر بهَا فَوضعت هَهُنَا) .
وَعَن جَابر: ( إِن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول اأَلاَ أجعَل لَك شَيْئا تقعد عَلَيْهِ؟ فَإِن لي غُلَاما نجاراً) الحَدِيث.
وَفِي ( الإكليل) للْحَاكِم: عَن يزِيد بن رُومَان: ( كَانَ الْمِنْبَر ثَلَاث دَرَجَات، فَزَاد بِهِ مُعَاوِيَة، لَعَلَّه قَالَ: جعله سِتّ دَرَجَات، وَحَوله عَن مَكَانَهُ فكسفت الشَّمْس يومئذٍ) .
قَالَ الْحَاكِم: وَقد أحرق الَّذِي عمله مُعَاوِيَة، ورد مِنْبَر النَّبِي إِلَى الْمَكَان الَّذِي وَضعه فِيهِ.
وَفِي ( الطَّبَقَات) : كَانَ بَينه وَبَين الْحَائِط ممر الشَّاة.
وَقيل فِي ( الإكليل) أَيْضا: من حَدِيث الْمُبَارك بن فضَالة.
عَن الْحسن عَن أنس رَضِي اتعالى عَنهُ ( لما كثر النَّاس قَالَ النَّبِي: إبنوا لي منبراً، فبنوا لَهُ عتبتين) .
وَقد ذكرنَا عَن أبي دَاوُد فِي حَدِيث ابْن عمر: مرقاتين، وَهِي تَثْنِيَة مرقاة وَهِي: الدرجَة.
فَإِن قلت: فِي ( الصَّحِيح) : ثَلَاث دَرَجَات، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: الَّذِي قَالَ: مرقاتين، كَانَ لم يعْتَبر الدرجَة الَّتِي كَانَ يجلس عَلَيْهَا، وَالَّذِي روى لَهُ ثَلَاثًا اعتبرها.
قَوْله: ( فَقَامَ عَلَيْهِ) ، ويروى: ( فرقى عَلَيْهِ) .
قَوْله: ( حِين عمل وَوضع) ، كِلَاهُمَا مَجْهُولَانِ.
قَوْله: ( كبر) بِدُونِ: الْوَاو، لِأَنَّهُ جَوَاب عَن سُؤال، كَأَنَّهُ قيل: مَا عمل انتصاب بعد الِاسْتِقْبَال؟ قَالَ: كبر.
ويروى: ( فَكبر) .
وَفِي بعض النّسخ: ( وَكبر) ، بِالْوَاو.
قَوْله: ( ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى) ، أَي: رَجَعَ إِلَى وَرَائه.
فَإِذا قلت: رجعت الْقَهْقَرَى فكأنك قلت: رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم، لِأَن الْقَهْقَرِي ضرب من الرُّجُوع، فَيكون انتصاب على أَنه مفعول مُطلق، لكنه من غير لَفظه، كَمَا تَقول: قعدت جُلُوسًا.
قَوْله: ( على الأَرْض) ، وَذكر بعضه: بِالْأَرْضِ، وَذكر الْفرق بَيْنَمَا من حَيْثُ إِن فِي الأول: لوحظ معنى الاستعلاء، وَفِي الثَّانِي: معنى الإلصاق.

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ: مِنْهَا: أَن فِيهِ الدّلَالَة على مَا ترْجم لَهُ وَهِي الصَّلَاة على الْمِنْبَر، وَقد علل، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، صلَاته عَلَيْهِ وارتفاعه على الْمَأْمُومين بالاتباع لَهُ والتعليم، فَإِذا ارْتَفع الإِمَام على الْمَأْمُوم فَهُوَ مَكْرُوه إلاَّ لحَاجَة.
كَمثل هَذَا فَيُسْتَحَب، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَاللَّيْث، وَعَن مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْمَنْع، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَحكى ابْن حزم عَن أبي حنيفَة الْمَنْع، وَهُوَ غير صَحِيح، بل مذْهبه الْجَوَاز مَعَ الْكَرَاهَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
وَعَن أَصْحَابنَا عَن أبي حنيفَة جَوَازه إِذا كَانَ الإِمَام مرتفعاً مِقْدَار قامة، وَعَن مَالك: تجوز فِي الِارْتفَاع الْيَسِير.

وَمِنْهَا: أَن الْمَشْي الْيَسِير فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمُحِيط) : الْمَشْي فِي الصَّلَاة خطْوَة لَا يُبْطِلهَا، وخطوتين أَو أَكثر يُبْطِلهَا، فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تفْسد هَذِه الصَّلَاة على هَذِه الْكَيْفِيَّة، وَلَكنَّا نقُول: إِذا كَانَ لمصْلحَة يَنْبَغِي أَن لَا تفْسد صلَاته وَلَا تكره أَيْضا كَمَا فِي مَسْأَلَة من انْفَرد خلف الصَّفّ وَحده، فَإِن لَهُ أَن يجذب وَاحِدًا من الصَّفّ إِلَيْهِ ويصطفان، فَإِن المجذوب لَا تفْسد صلَاته وَلَو مَشى خطْوَة أَو خطوتين.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: فِيهِ أَن الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد الصَّلَاة، وَكَانَ الْمِنْبَر ثَلَاث مراقي، وَلَعَلَّه إِنَّمَا قَامَ على الثَّانِيَة مِنْهَا فَلَيْسَ فِي نُزُوله وصعوده إلاَّ خطوتان.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ اسْتِحْبابُُ اتِّخَاذ الْمِنْبَر، وَكَون الْخَطِيب على مُرْتَفع كمنبر أَو غَيره.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ تَعْلِيم الإِمَام الْمَأْمُومين أَفعَال الصَّلَاة، وَأَنه لَا يقْدَح ذَلِك فِي صلَاته، وَلَيْسَ من بابُُ التَّشْرِيك فِي الْعِبَادَة، بل هُوَ كرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ ليسمعهم.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ أَن الْعَالم إِذا انْفَرد بِعلم شَيْء يَقُول ذَلِك ليؤديه إِلَى حفظه.

قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ قالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَنْي أحْمَدُ بنُ حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّهُ عنْ هَذَا الحَدِيث قالَ فَإِنَّمَا أرَدْتُ أنَّ النَّبِيَّ كانَ أعلْى مِنَ النَّاسِ فَلاَ بَأْسَ أنْ يَكُونَ الإِمامُ أَعْلَى مِن النَّاسِ بِهَذَا الحَدِيثِ قالَ فَقُلْتُ إِنَّ سفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ كانَ يُسْأَلُ عنْ هَذَا كَثِيراً فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ قالَ لاَ.

أَبُو عبد اهو: البُخَارِيّ نَفسه.
وَعلي بن الْمَدِينِيّ الإِمَام الْحجَّة شَيْخه، وَأحمد بن حَنْبَل الإِمَام الْجَلِيل الْمَشْهُورَة آثاره فِي الْإِسْلَام الْمَذْكُورَة مقاماته فِي الدّين، قَالَ ابْن رَاهَوَيْه: هُوَ حجَّة بَين اوبين عباده فِي أرضه، مَاتَ ببغدا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
قَوْله: ( بِهَذَا الحَدِيث) أَي: بِدلَالَة هَذَا الحَدِيث، وَجوز الْعُلُوّ بِقدر دَرَجَات الْمِنْبَر.
.

     وَقَالَ  بعض الشَّافِعِيَّة: لَو كَانَ الإِمَام على رَأس مَنَارَة الْمَسْجِد، وَالْمَأْمُوم فِي قَعْر بِئْر، صَحَّ الِاقْتِدَاء.
قَوْله: ( قَالَ: فَقلت) : أَي: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ لِأَحْمَد بن حَنْبَل.
وَفِي بعض النّسخ: ( قَالَ: قلت) ، بِدُونِ: الْفَاء.
قَوْله: ( إِن سُفْيَان) ،، وَفِي بعض النّسخ: ( فَإِن سُفْيَان) بِالْفَاءِ.
قَوْله: ( يسْأَل) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( فَلم تسمعه) مُتَضَمّن للاستفهام بِدَلِيل الْجَواب بِكَلِمَة: لَا، ثمَّ إِن الْمَنْفِيّ هُوَ جَمِيع الحَدِيث لِأَنَّهُ صَرِيح فِي ذَلِك، وَلَا يلْزم من ذَلِك عدم سَماع الْبَعْض، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن أَحْمد قد أخرج فِي مُسْنده عَن ابْن عُيَيْنَة بِهَذَا الْإِسْنَاد من هَذَا الحَدِيث قَول سهل: كَانَ الْمِنْبَر من أثل الغابة فَقَط.





[ قــ :374 ... غــ :378]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قالَ حدّثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ قالَ أخبْرنا حُمَيْدٌ الطوِيلُ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رَسولَ اللَّهِ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ ساقُهُ أوْ كَتِفُهُ وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُها مِنْ جُذُوعٍ فأتَاهُ أصْحَابُهُ يَعُودُنَهُ فَصَلَّى بِهِمْ جالِساً وهُمْ قِيَامٌ فَلَمَّا سَلَّمَ قالَ ( إِنَّمَا جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكعُوا وإِذَا سَجَدَ فاسْجُدُوا وإِنْ صلى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً وَنَزَلَ لِتسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالُوا يَا رسولَ اللَّهِ إنَّكَ آلَيْتَ شَهْراً فقالَ إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) ( الحَدِيث 873 أَطْرَافه فِي: 986، 37، 337، 508، 4111، 1191، 964، 105، 985، 4866) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي صلَاته، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِأَصْحَابِهِ على أَلْوَاح الْمشْربَة وخشبها، والخشب مَذْكُور فِي التَّرْجَمَة، قَالَه ابْن بطال، وَاعْترض عَلَيْهِ الْكرْمَانِي بقوله: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أَنه صلى على الْخشب، إِذْ الْمَعْلُوم مِنْهُ أَن درجها من جُذُوع النّخل لَا نَفسهَا، ثمَّ قَالَ: وَيحْتَمل أَنه ذكره لغَرَض بَيَان الصَّلَاة على السَّطْح، إِذْ يُطلق السَّطْح على أَرض الغرفة.
قلت: الظَّاهِر أَن الغرفة كَانَت من خشب، فَذكر كَون درجها من النّخل لَا يسْتَلْزم أَن تكون الْبَقِيَّة من الْبناء، فالاحتمال الَّذِي ذكره لَيْسَ بأقوى من الِاحْتِمَال الَّذِي ذَكرْنَاهُ.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ الْمَعْرُوف بصاعقة.
الثَّانِي: يزِيد بن هَارُون، تكَرر ذكره.
الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء: الطَّوِيل.
الرَّابِع: أنس بن مَالك رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي وواسطي وبصري.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد ابْن الْمثنى، وَفِي الْمَظَالِم عَن مُحَمَّد هُوَ: ابْن سَلام، وَفِي الصَّوْم وَفِي النذور عَن عبد الْعَزِيز بن عبد ا، وَفِي النِّكَاح عَن خَالِد بن مخلد، وَفِي الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه، وَهُوَ عبد الحميد.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَالنَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه ابْن مَاجَه.

ذكر لغاته ومعانيه وَإِعْرَابه: قَوْله: ( سقط عَن فرس) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( فصرع عَنهُ) ، وَمَعْنَاهُ: سقط، أَيْضا وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس من الْهِجْرَة.
قَوْله: ( فجحشت) ، بِضَم الْجِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة: من الجحش، وَهُوَ سجح الْجلد وَهُوَ الخدش، يُقَال: جحشه يجحشه جحشاً: خدشه.
وَقيل: أَن يُصِيبهُ شَيْء ينسجح كالخدش أَو أكير من ذَلِك.
وَقيل: الجحش فَوق الخدش.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنه قد انسجح جلده، وَقد يكون مَا أصَاب رَسُول الله من ذَلِك السُّقُوط مَعَ الخدش رض فِي الْأَعْضَاء وتوجع، فَلذَلِك مَنعه الْقيام إِلَى الصَّلَاة.
قَوْله: ( أَو كتفه) على الشَّك من الرَّاوِي، ويروى: بِالْوَاو، الْوَاصِلَة.
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: ( فجحش شقَّه الْأَيْمن) .
وَفِي لفظ عِنْد أَحْمد عَن حميد عَن أنس بِسَنَد صَحِيح: ( انفكت قدمه) .
قَوْله: ( وآلى من نِسَائِهِ) أَي: حلف أَن لَا يدْخل عَلَيْهِنَّ شهرا، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْإِيلَاء الْمُتَعَارف بَين الْفُقَهَاء وَهُوَ الْحلف على ترك قرْبَان امْرَأَته أَرْبَعَة أشهر أَو أَكثر مِنْهَا، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا بُد من أَكثر، وَالْمولى من لَا يُمكنهُ قرْبَان امْرَأَته إلاَّ بِشَيْء يلْزمه، فَإِن وَطئهَا فِي الْمدَّة كفر لِأَنَّهُ حنث فِي يَمِينه وَسقط الْإِيلَاء، وإلاَّ بَانَتْ بتطليقة وَاحِدَة، وَكَانَ الْإِيلَاء طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَغير الشَّرْع حكمه، وَيَأْتِي حكمه فِي بابُُه إِن شَاءَ اتعالى.
وَالْإِيلَاء: على وزن إفعال، هُوَ: الْحلف.
يُقَال: آلى يؤلي إِيلَاء، وتألى تألياً، وإلالية: الْيَمين، وَالْجمع أَلاَيَا، كعطية وعطايا، وَإِنَّمَا عدي: آلى، بِكَلِمَة: من، وَهُوَ لَا يعدى إِلَّا بِكَلِمَة: على، لِأَنَّهُ ضمن فِيهِ معنى الْبعد، وَيجوز أَن تكون: من، للتَّعْلِيل مَعَ أَن الأَصْل فِيهِ أَن يكون للابتداء أَي: آلى من نِسَائِهِ، أَي بِسَبَب نِسَائِهِ وَمن أَجلهنَّ.

قَوْله: ( فِي مشربَة) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَضمّهَا: وَهِي الغرفة.
وَقيل: هِيَ أَعلَى الْبَيْت، شبه الغرفة.
وَقيل: الخزانة، وَهِي بِمَنْزِلَة السَّطْح لما تحتهَا.
قَوْله: ( من جُذُوع النّخل) جمع جذع، بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال وَجمعه جُذُوع وأجذاع، قَالَه ابْن دُرَيْد.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي فِي ( التَّهْذِيب) : وَلَا يتَبَيَّن للنخلة جذع حَتَّى يتَبَيَّن سَاقهَا.
وَفِي ( الْمُحكم) : الْجذع سَاق النَّخْلَة.
قَوْله: ( جَالِسا) حَال.
وَقَوله: ( وهم قيام) جملَة إسمية حَالية، وَالْقِيَام جمع قَائِم أَو مصدر بِمَعْنى إسم الْفَاعِل.
قَوْله: ( إِنَّمَا جعل الإِمَام) كلمة: إِنَّمَا، للحصر لأجل الاهتمام وَالْمُبَالغَة، وَالْمَفْعُول الثَّانِي لقَوْله: جعل، مَحْذُوف تَقْدِيره: إِنَّمَا جعل الإِمَام إِمَامًا، وَالْمَفْعُول الأول قَائِم مقَام الْفَاعِل.
قَوْله: ( ليؤتم بِهِ) أَي ليقتدى بِهِ وَيتبع أَفعاله.

قَوْله: ( إِن صلى قَائِما فصلوا قيَاما) مَفْهُومه: إِن صلى قَاعِدا يُصَلِّي الْمَأْمُوم أَيْضا قَاعِدا، وَهُوَ غير جَائِز، وَلَا يعْمل بِهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخ لما ثَبت أَنه فِي آخر عمر صلى قَاعِدا وَصلى الْقَوْم قَائِمين.
فَإِن قلت: جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: ( فَإِن صلى قَاعِدا فصلوا قعُودا) .
قلت: مَعْنَاهُ: فصلوا قعُودا إِذا كُنْتُم عاجزين عَن الْقيام مثل الإِمَام، فَهُوَ من بابُُ التَّخْصِيص، وَهُوَ مَنْسُوخ كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: ( إِن الشَّهْر) : اللَّام، فِيهِ للْعهد عَن ذَلِك الشَّهْر الْمعِين، إِذْ كل الشُّهُور لَا يلْزم أَن تكون تسعا وَعشْرين.

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ: مِنْهَا: جَوَاز الصَّلَاة على السَّطْح وعَلى الْخشب لِأَن الْمشْربَة بِمَنْزِلَة السَّطْح لما تحتهَا، وَالصَّلَاة فِيهَا كَالصَّلَاةِ على السَّطْح، وَبِذَلِك قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء.
وَكره الْحسن وَابْن سِيرِين الصَّلَاة على الألواح والأخشاب، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر رَضِي اتعالى عَنْهُم، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح، وَذكره أَيْضا عَن مَسْرُوق أَنه: كَانَ يحمل لبنة فِي السَّفِينَة ليسجد عَلَيْهَا، وَحَكَاهُ أَيْضا عَن ابْن سِيرِين بِسَنَد صَحِيح.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْيَمين، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، آلى أَن لَا يدْخل على نِسَائِهِ شهرا.

وَمِنْهَا: أَن الشَّهْر لَا يَأْتِي كَامِلا دَائِما، وَإِن من حلف على فعل شَيْء أَو تَركه فِي شهر كَذَا، وَجَاء الشَّهْر تسعا وَعشْرين يَوْمًا، يخرج عَن يَمِينه، فَلَو نذر صَوْم شهر بِعَيْنِه فجَاء الشَّهْر تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا لم يلْزمه أَكثر من ذَلِك، وَإِذا قَالَ: عَليّ صَوْم شهر من غير تعْيين، كَانَ عَلَيْهِ إِكْمَال عدد ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

وَمِنْهَا: مَا احْتج أَحْمد وَإِسْحَاق وَابْن حزم وَالْأَوْزَاعِيّ وَنَفر من أهل الحَدِيث: أَن الإِمَام إِذا صلى قَاعِدا يُصَلِّي من خَلفه قعُودا.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَا تجوز صَلَاة الْقَادِر على الْقيام خلف الْقَاعِد لَا قَائِما وَلَا قَاعِدا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو ثَوْر وَجُمْهُور السّلف: لَا يجوز للقادر على الْقيام أَن يُصَلِّي خلف الْقَاعِد إلاَّ قَائِما.
.

     وَقَالَ  المرغيناني: الْفَرْض وَالنَّفْل سَوَاء.
وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث من وُجُوه.

الأول: إِنَّه مَنْسُوخ، وناسخه صَلَاة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِالنَّاسِ فِي مرض مَوته قَاعِدا وهم قيام، وَأَبُو بكر رَضِي اتعالى عَنهُ، قَائِم يعلمهُمْ بِأَفْعَال صلَاته بِنَاء على أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ الإِمَام وَأَن أَبَا بكر كَانَ مَأْمُوما فِي تِلْكَ الصَّلَاة.
فَإِن قلت: كَيفَ وَجه ذَا النّسخ وَقد وَقع فِي ذَلِك خلاف، وَذَلِكَ أَن هَذَا الحَدِيث النَّاسِخ وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة فِيهِ أَنه كَانَ إِمَامًا وَأَبُو بكر مَأْمُوما؟ وَقد ورد فِيهِ الْعَكْس كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن نعيم بن أبي هِنْد عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق ( عَن عَائِشَة قَالَت؛ صلى رَسُول الله فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ خلف أبي بكر قَاعِدا) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن حميد عَن أنس قَالَ: ( آخر صَلَاة صلاهَا رَسُول الله مَعَ الْقَوْم، صلى فِي ثوب وَاحِد متوشحاً خلف أبي بكر رَضِي اتعالى عَنهُ) .
قلت: مثل هَذَا مَا يُعَارض مَا وَقع فِي الصَّحِيح، مَعَ أَن الْعلمَاء جمعُوا بَينهمَا، فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي ( الْمعرفَة) : وَلَا تعَارض بَين الْحَدِيثين، فَإِن الصَّلَاة الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِي، إِمَامًا هِيَ صَلَاة الظّهْر يَوْم السبت أَو الْأَحَد وَالَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُوما هِيَ صَلَاة الصُّبْح من يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَهِي آخر صَلَاة صلاهَا رَسُول ا، حَتَّى خرج من الدُّنْيَا.
قَالَ: هَذَا لَا يُخَالف مَا ثَبت عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس فِي صلَاتهم يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وكشفه السّتْر ثمَّ إرخائه، فَإِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ فِي الرَّكْعَة الأولى، ثمَّ إِنَّه وجد فِي نَفسه خفَّة فَخرج فَأدْرك مَعَه الرَّكْعَة الثَّانِيَة.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: نسخ إِمَامَة الْقَاعِد بقوله: ( لَا يؤمَّنَّ أحد بعدِي جَالِسا) .
وبفعل الْخُلَفَاء بعده، وَإنَّهُ لم يؤم أحد مِنْهُم قَاعِدا.
وَإِن كَانَ النّسخ لَا يُمكن بعد النَّبِي فمثابرتهم على ذَلِك تشهد بِصِحَّة نَهْيه عَن إِمَامَة الْقَاعِد بعده.
قلت: هَذَا الحَدِيث أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي ( سنَنَيْهِمَا) عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ.
.

     وَقَالَ  الدارقطيني: لم يروه عَن الشّعبِيّ غير جَابر الْجعْفِيّ وَهُوَ مَتْرُوك، والْحَدِيث مُرْسل لَا تقوم بِهِ حجَّة.
.

     وَقَالَ  عبد الْحق فِي ( أَحْكَامه) : وَرَوَاهُ عَن الْجعْفِيّ مجَالد وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف.

الثَّانِي: أَنه كَانَ مَخْصُوصًا بِالنَّبِيِّ وَفِيه نظر، لِأَن الأَصْل عدم التَّخْصِيص حَتَّى يدل عَلَيْهِ دَلِيل كَمَا عرف فِي الْأُصُول.

الثَّالِث: يحمل قَوْله: ( فَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا) على أَنه إِذا كَانَ الإِمَام فِي حَالَة الْجُلُوس فاجلسوا وَلَا تخالفوه بِالْقيامِ، وَإِذا صلى قَائِما فصلوا قيَاما: يَعْنِي إِذا كَانَ فِي حَالَة الْقيام فَقومُوا وَلَا تخالفوه بالقعود، وَكَذَلِكَ فِي قَوْله: ( فَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا سجد فاسجدوا) .
وَلقَائِل أَن يَقُول: لَا يقوى الِاحْتِجَاج على أَحْمد بِحَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، صلى جَالِسا وَالنَّاس خَلفه قيام، بل وَلَا يصلح لِأَنَّهُ يجوز صَلَاة الْقَائِم خلف من شرع فِي صلَاته قَائِما.
ثمَّ قعد لعذر، ويجعلون هَذَا مِنْهُ، سِيمَا وَقد ورد فِي بعض طرق الحَدِيث أَن النَّبِي أَخذ فِي الْقِرَاءَة من حَيْثُ انْتهى إِلَيْهِ أَبُو بكر رَضِي اتعالى عَنهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( سنَنه) وَأحمد فِي ( مُسْنده) .
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه ( الْوَهم وَالْإِيهَام) : وَهِي رِوَايَة مُرْسلَة، فَإِنَّهَا لَيست من رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي وَإِنَّمَا رَوَاهَا ابْن عَبَّاس عَن أَبِيه الْعَبَّاس عَن النَّبِي، كَذَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي ( مُسْنده) بِسَنَد فِيهِ قيس بن الرّبيع وَهُوَ ضَعِيف، ثمَّ ذكر لَهُ مثالب فِي دينه.
قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس كثيرا مَا يُرْسل.
قلت: رَوَاهُ ابْن ماجة من غير طَرِيق قيس، فَقَالَ: حدّثنا عَليّ بن مُحَمَّد، حدّثنا وَكِيع عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الأرقم بن شُرَحْبِيل عَن ابْن عَبَّاس: ( لما مرض رَسُول ا) فَذكره إِلَى أَن قَالَ: ( قَالَ ابْن عَبَّاس: وَأخذ رَسُول الله فِي الْقِرَاءَة من حَيْثُ كَانَ بلغ أَبُو بكر رَضِي اعنه) .
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَذكر أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة جَابر وَأبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة، وَلم يذكر صَلَاة رَسُول الله آخر مَا صلاهَا بِالنَّاسِ وَهُوَ قَاعد وَالنَّاس خَلفه قيام، وَهَذَا آخر الْأَمريْنِ من فعله، وَمن عَادَة أبي دَاوُد فِيمَا أنشأه من أَبْوَاب هَذَا الْكتاب أَن يذكر الحَدِيث فِي بابُُه، وَيذكر الَّذِي يُعَارضهُ فِي بابُُ آخر على إثره، وَلم أَجِدهُ فِي شَيْء من النّسخ فلست أَدْرِي كَيفَ غفل عَن ذكر هَذِه الْقِصَّة وَهِي من أُمَّهَات السّنَن، وَإِلَيْهِ ذهب أَكثر الْفُقَهَاء.
قلت: إِمَّا تَركهَا سَهوا أَو غَفلَة أَو كَانَ رَأْيه فِي هَذَا الحكم مثل مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، فَلذَلِك لم يذكر مَا ينْقضه.
وَا تَعَالَى أعلم.

وَمِنْهَا: أَن فِي قَوْله: ( إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ) دَلِيلا على وجوب الْمُتَابَعَة للْإِمَام فِي الْأَفْعَال حَتَّى فِي الْموقف وَالنِّيَّة.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَطَائِفَة: لَا يضر اخْتِلَاف النِّيَّة، وَجعل الحَدِيث مَخْصُوصًا بالأفعال الظَّاهِرَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَمَالك: يضر اخْتِلَافهمَا، وَجعلا اخْتِلَاف النيات دَاخِلا تَحت الْحصْر فِي الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَا يضر الِاخْتِلَاف بالهيئة بالتقدم فِي الْموقف، وَجعل الحَدِيث عَاما فِيمَا عدا ذَلِك.

وَمِنْهَا: أَن أَبَا حنيفَة احْتج بقوله: ( فكبروا) على أَن الْمُقْتَدِي يكبر مُقَارنًا لتكبير الإِمَام لَا يتَقَدَّم الإِمَام وَلَا يتَأَخَّر عَنهُ، لِأَن: الْفَاء، للْحَال.
.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الْأَفْضَل أَن يكبر بعد فرَاغ الإِمَام من التَّكْبِير، لِأَن الْفَاء للتعقيب وَإِن كبر مَعَ الإِمَام أَجزَأَهُ عِنْد مُحَمَّد رِوَايَة وَاحِدَة، وَقد أَسَاءَ.
وَكَذَلِكَ فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف، وَفِي رِوَايَة: لَا يصير شَارِعا، ثمَّ يَنْبَغِي أَن يكون اقترانهما فِي التَّكْبِير على قَوْله كاقتران حَرَكَة الْخَاتم والإصبع، والبعدية على قَوْلهمَا؛ أَن يُوصل ألف: ا، برَاء: أكبر،.

     وَقَالَ  شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده: قَول أبي حنيفَة أدق وأجود، وقولهما أرْفق وأحوط، وَقَول الشَّافِعِي كقولهما.
.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ، فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام قبل فرَاغ الإِمَام مِنْهَا: لم تَنْعَقِد صلَاته وَلَو ركع بعد شُرُوع الإِمَام فِي الرُّكُوع، فَإِن قارنه أَو سابقه فقد أَسَاءَ وَلَا تبطل صلَاته، فَإِن سلم قبل إِمَامه بطلت صلَاته إلاَّ أَن يَنْوِي الْمُفَارقَة فَفِيهِ خلاف مَشْهُور.

وَمِنْهَا: أَن الْفَاء فِي قَوْله: ( فاركعوا) وَفِي قَوْله: ( فاسجدوا) تدل على التعقيب وتدل على أَن الْمُقْتَدِي لَا يجوز لَهُ أَن يسْبق الإِمَام بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود حَتَّى إِذا سبقه فيهمَا وَلم يلْحقهُ الإِمَام فَسدتْ صلَاته.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ اسْتِحْبابُُ الْعِبَادَة عِنْد حُصُول الخدشة وَنَحْوهَا.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة جَالِسا عِنْد الْعَجز.
وَا أعلم.