فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة

( بابٌُ لَا يَبْصُقْ عنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلاَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ يذكر لَا يبصق الْمُصَلِّي عَن يَمِينه فِي الصَّلَاة.



[ قــ :403 ... غــ :410]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وأبَا سَعِيدٍ أخبراهُ أنَّ رَسولَ اللَّهِ رَأَى نُخَامَةً فِي حائِطِ المَسْجِد فَتَنَاوَلَ رسولُ اللَّهِ حَصَاةً فَحَتَّها ثُمَّ قَالَ: ( إذَا تَنَخَّمَ أحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَخَّمْ قِبلَ وَجْهِهِ ولاَ عنْ يَمِينهِ وَلْيَبْصُقْ عنْ يَسَارِهِ أوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى) .
( انْظُر الْحَدِيثين 804 و 904 وطرفيهما) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَلَا يتنخم قبل وَجهه وَلَا عَن يَمِينه) أَي: وَلَا يتنخم عَن يَمِينه.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة: لَا يبصق عَن يَمِينه، وَلَفظ حَدِيث الْبابُُ: ( لَا يتنخم؟) قلت: جعل النَّبِي، حكم النخامة والبصاق وَاحِدًا، أَلا ترى أَنه قَالَ فِي حَدِيث أنس الْآتِي: ( لَا يبزقن فِي قبلته، وَلَكِن عَن يسَاره) بعد أَن رأى نخامة فِي الْقبْلَة، فَدلَّ ذَلِك عل تساويهما فِي الحكم، وَهَذَا الحَدِيث هُوَ عين الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، غير أَنه من طَرِيق أُخْرَى عَن ابْن شهَاب، فَبين البُخَارِيّ وَبَين ابْن شهَاب ثَلَاثَة أنفس، وهم: يحيى بن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَاللَّيْث بن سعد، وَعقيل بن خَالِد.
وَفِي ذَاك الحَدِيث بَينهمَا اثْنَان، وهما: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَإِبْرَاهِيم بن سعد، وَهُنَاكَ أَن أَبَا هُرَيْرَة وَأَبا سعيد: حَدَّثَاهُ، وَهَهُنَا: أخبراه.
وَهُنَاكَ فِي: جِدَار الْمَسْجِد، وَهَهُنَا فِي: حَائِط الْمَسْجِد، وَهُنَاكَ: فحكها، وَهَهُنَا: فحتها، وَهُنَاكَ: فَلَا يتنخمن؛ بالنُّون الْمُؤَكّدَة، وَهَهُنَا: فَلَا يتنخم، بِدُونِ التَّأْكِيد، وَهُنَاكَ: تَحت قدمه، وَهَهُنَا: تَحت قدمه الْيُسْرَى، وَقَوله هُنَاكَ: تَحت قدمه، أَعم من أَن يكون قدمه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى، وَهَهُنَا فسر أَن المُرَاد من الْقدَم هُوَ الْيُسْرَى لِأَن الْيَمين لَهُ فضل عَن الْيَسَار.

ثمَّ هَذَا الحَدِيث غير مُقَيّد بِحَالَة الصَّلَاة إلاَّ فِي حَدِيث أنس الْمُتَقَدّم الَّذِي رَوَاهُ عَن قُتَيْبَة، وَفِي حَدِيث ابْن عمر الْمُتَقَدّم الَّذِي رَوَاهُ عَن عبد ابْن يُوسُف، وَفِي حَدِيث أنس الْآتِي الَّذِي رَوَاهُ عَن آدم، وَمن ذَلِك جزم النَّوَوِيّ بِالْمَنْعِ فِي كل حَالَة دَاخل الصَّلَاة وخارجها، وَسَوَاء كَانَ فِي الْمَسْجِد أَو غَيره، وَنقل عَن مَالك أَنه قَالَ: لَا بَأْس بِهِ خَارج الصَّلَاة، وروى عبد الرَّزَّاق عَن ابْن مَسْعُود أَنه كره أَن يبصق عَن يَمِينه وَلَيْسَ فِي الصَّلَاة.
وَعَن معَاذ بن جبل، قَالَ: مَا بصقت عَن يَمِيني مُنْذُ أسلمت، وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه نهى ابْنه عَنهُ مُطلقًا، وَهَذِه كلهَا تشهد للْمَنْع مُطلقًا.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: النَّهْي عَن البصاق عَن الْيَمين فِي الصَّلَاة إِنَّمَا هُوَ مَعَ إِمْكَان غَيره، فَإِن تعذر فَلهُ ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: إِن كَانَ عَن يسَاره وَاحِد فَلَا يبزق فِي وَاحِد من الْجِهَتَيْنِ، لَكِن تَحت قدمه أَو ثَوْبه، وَقد روى أَبُو دَاوُد عَن طَارق بن عبد االمحاربي قَالَ: قَالَ رَسُول ا: ( إِذا قَامَ الرجل إِلَى الصَّلَاة، أَو إِذا صلى أحدكُم، فَلَا يبزق أَمَامه وَلَا عَن يَمِينه، وَلَكِن عَن تِلْقَاء يسَاره إِن كَانَ فَارغًا، أَو تَحت قدمه الْيُسْرَى ثمَّ ليقل بِهِ) .
وَهَذَا الحَدِيث يُؤَيّد مَا قَالَه الْخطابِيّ، وَمعنى قَوْله: ( إِن كَانَ فَارغًا) أَي: مُتَمَكنًا من البزق فِي يسَاره.
قَوْله: ( ثمَّ ليقل بِهِ) ، أَي: ليدفنه إِذا بزقه تَحت قدمه الْيُسْرَى، وَقد ذكرنَا أَن لفظ: القَوْل، يسْتَعْمل عِنْد الْعَرَب فِي معانٍ كثيرةٍ.





[ قــ :404 ... غــ :41]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قالَ حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبرنِي قَتَادةُ قَالَ سَمِعْتُ أنَساً قَالَ قَالَ النبيُّ ( ل ايَتْفِلَنَّ أحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَن يَمِينهِ وَلَكِنْ عنْ يَسَارِهِ أوْ تَحْتَ رِجْلِهِ) .
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن معنى: لَا يتفلن: لَا يبزقن.
وَهُوَ بالتءا الْمُثَنَّاة من فَوق وبضم الْفَاء وَكسرهَا، والتفل شَبيه بالبزق، وَهُوَ قل مِنْهُ أَوله البزق ثمَّ التفل ثمَّ النفث ثمَّ النفخ.
وَقد ذكر المُصَنّف حَدِيث أنس هَذَا فِي مَوَاضِع، وَقد ذَكرنَاهَا.