فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا بات طاهرا وفضله

( بابُُ إِذا باتَ طاهِراً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الشَّخْص إِذا بَات طَاهِرا، وَزَاد أَبُو ذَر فِي رِوَايَته وفضله، ووردت فِي هَذَا الْبابُُ جملَة أَحَادِيث لَيست على شَرطه، مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث معَاذ مَرْفُوعا: مَا من مُسلم يبيت على ذكر وطهارة فيستعار من اللَّيْل فَيسْأَل الله خيرا من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إلاَّ أعطَاهُ إِيَّاه، وَوجه تَعْلِيقه بِكِتَاب الدَّعْوَات هُوَ أَن فِيهِ دُعَاء عَظِيما.

[ قــ :5978 ... غــ :6311 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُوراً عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حدّثني البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلى شِقِّكَ الأيْمَنِ، وقُلِ: أللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وألْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَهْبَةً ورَغْبَةً إلَيْكَ، لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتابكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وبِنَبَّيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فإِنْ مُتَّ على الفِطْرَةِ فاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ.
فَقُلْتُ: أسْتَذْكِرُهُنَّ وبِرَسُولِكَ الَّذِي أرْسَلْتَ.
قَالَ: لَا ونَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة ثمَّ اضْطجع) ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسعد بن عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره تَاء التَّأْنِيث أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي، ختن أبي عبد الرَّحْمَن مَاتَ فِي ولَايَة عمر بن هُبَيْرَة على الْكُوفَة.

والْحَدِيث مضى فِي آخر كتاب الْوضُوء قبل كتاب الْغسْل عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن سعيد بن عبيد عَن الْبَراء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( مضجعك) أَي: مَوضِع نومك.
قَوْله: ( وضوءك) بِالنّصب بِنَزْع الْخَافِض أَي: كوضوئك للصَّلَاة، وَالْأَمر فِيهِ للنَّدْب،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ فِي الْأَحَادِيث ذكر الْوضُوء عِنْد النّوم إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: ( ثمَّ اضْطجع) أَصله: اضتجع لِأَنَّهُ من بابُُ الافتعال فقلبت التَّاء طاء.
قَوْله: ( أسلمت نَفسِي إِلَيْك) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي زيد: أسلمت وَجْهي إِلَيْك، قيل: النَّفس وَالْوَجْه هُنَا بِمَعْنى الذَّات والشخص أَي: أسلمت ذاتي وشخصي لَك، وَقيل فِيهِ: نظر، لِأَنَّهُ جمع بَينهمَا فِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق على مَا يَأْتِي بعد بابُُ، وَلَفظه: أسلمت نَفسِي إِلَيْك، وفوضت أَمْرِي إِلَيْك، ووجهت وَجْهي إِلَيْك، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَالْمُرَاد بِالنَّفسِ الذَّات، وبالوجه الْقَصْد، وَيُقَال: معنى أسلمت استسلمت وانقدت، وَالْمعْنَى: جعلت نَفسِي منقادة لَك تَابِعَة لحكمك إِذْ لَا قدرَة لي على تدبيرها وَلَا على جلب مَا ينفعها إِلَيْهَا وَلَا رفع مَا يَضرهَا عَنْهَا.
قَوْله: ( وفوضت) من التَّفْوِيض وَهُوَ تَسْلِيم الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى.
قَوْله: ( وألجأت ظَهْري إِلَيْك) أَي: اعتمدت عَلَيْك فِي أموري كَمَا يعْتَمد الْإِنْسَان بظهره إِلَى مَا يسْتَند إِلَيْهِ.
قَوْله: ( رهبة ورغبة) أَي: خوفًا من عقابك وَطَمَعًا فِي ثوابك.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: أسقط: من مَعَ ذكر الرهبة وأعمل إِلَى مَعَ ذكر الرَّغْبَة وَهُوَ على طَرِيق الِاكْتِفَاء.
وَأخرج النَّسَائِيّ بِلَفْظ من حَيْثُ قَالَ: رهبة مِنْك ورغبة إِلَيْك، وانتصابهما على الْمَفْعُول لَهُ على طَرِيق اللف والنشر.
قَوْله: ( لَا ملْجأ) بِالْهَمْز وَجَاء تخفيفه، و: لَا منجى، بِلَا همز وَلَكِن لما جمعا جَازَ أَن يهمزا للازدواج، وَأَن يتْرك الْهَمْز فيهمَا، وَأَن يهمز المهموز وَيتْرك الآخر، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه، وَيجوز التَّنْوِين مَعَ الْقصر فَتَصِير خَمْسَة، وَنقل بَعضهم عَن الْكرْمَانِي أَنه قَالَ: هَذَانِ اللفظان إِن كَانَا مصدرين يتنازعان فِي: مِنْك، وَإِن كَانَا طرفين فَلَا إِذْ إسم الْمَكَان لَا يعْمل، وَتَقْدِيره: لَا ملْجأ مِنْك إِلَى أحد إلاَّ إِلَيْك، وَلَا منجى إلاَّ إِلَيْك.
قلت: لم يذكر الْكرْمَانِي هَذَا فِي هَذَا الْموضع.
قَوْله: ( بكتابك الَّذِي أنزلت) يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْقُرْآن، وَأَن يُرَاد بِهِ كل كتاب أنزل، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: أنزلته وأرسلته بالضمير الْمَنْصُوب فيهمَا.
قَوْله: ( وبنبيك الَّذِي أرْسلت) وَالرَّسُول نَبِي لَهُ كتاب فَهُوَ أخص من النَّبِي، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ ( شرحنا للهداية) فِي ديباجته،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: يلْزم من الرسَالَة النُّبُوَّة لَا الْعَكْس.
قَوْله: ( على الْفطْرَة) أَي: دين الْإِسْلَام.
قَوْله: ( آخر مَا تَقول) أَي: آخر أقوالك فِي تِلْكَ اللَّيْلَة.
وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد بدل قَوْله: ( فَإِن مت مت) على الْفطْرَة بنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة، وَوَقع فِي آخر الحَدِيث فِي التَّوْحِيد: وَإِن أَصبَحت أَصبَحت خيرا، أَي: صلاحاً فِي الْحَال وَزِيَادَة فِي الْأَعْمَال.
قَوْله: ( فَقلت، أستذكرهن) الْقَائِل هُوَ الْبَراء كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي زيد الْمروزِي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: فَجعلت أستذكرهن، أَي: أتحفظهن، وَوَقع فِي رِوَايَة كتاب الطَّهَارَة: فرددتها، أَي: فَرددت تِلْكَ الْكَلِمَات لأحفظهن، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فرددتهن لأستذكرهن.
قَوْله: ( لَا وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت) قَالُوا: سَبَب الرَّد إِرَادَة الْجمع بَين المنصبين وتعداد النعمتين، وَقيل: هُوَ تَخْلِيص الْكَلَام من اللّبْس إِذْ الرَّسُول يدْخل فِيهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَنَحْوه.
وَقيل: هَذَا ذكر وَدُعَاء فَيقْتَصر فِيهِ على اللَّفْظ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ لاحْتِمَال أَن لَهَا خاصية لَيست لغَيْرهَا.