فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الدعاء على المشركين

( بابُُ الدُّعاءِ عَلى المُشْرِكِينَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الدُّعَاء على الْمُشْركين، ذكره هُنَا مُطلقًا وَذكر فِي كتاب الْجِهَاد: بابُُ الدُّعَاء على الْمُشْركين بالهزيمة والزلزلة.

وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أعِنِّي عَليْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسفَ.

     وَقَالَ : اللهُمَّ عَليْكَ بِأبي جَهْلٍ
مُطَابقَة هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمضى هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي كتاب الاسْتِسْقَاء وَتقدم شَرحه أَيْضا.
قَوْله: ( وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِأبي جهل) ، أَي: بهلاكه، وَسقط هَذَا التَّعْلِيق من رِوَايَة أبي زيد، وَهُوَ طرف من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَيْضا فِي قصَّة سلاء الْجَزُور الَّتِي أَلْقَاهَا أَشْقَى الْقَوْم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مرت مَوْصُولَة فِي آخر كتاب الطَّهَارَة.

وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: دَعا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاناً وَفُلَانًا حتَّى أنْزَلَ الله عَزَّ وجلَّ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْر شَيْءٌ ( آل عمرَان: 821)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَهَذَا التَّعْلِيق تقدم مَوْصُولا فِي غَزْوَة أحد، وَفِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) فِيهِ حجَّة على أبي حنيفَة فِي قَوْله لَا يدعى فِي الصَّلَاة إلاَّ بِمَا فِي الْقُرْآن: وَإِن دَعَا بِغَيْرِهِ بطلت.

قلت: لَا حجَّة عَلَيْهِ فِي ذَلِك لِأَن ذَلِك فِي صَلَاة التَّطَوُّع، على أَن هَذِه الْآيَة ناسخة للعنة الْمُنَافِقين فِي الصَّلَاة وَالدُّعَاء عَلَيْهِم، وَأَنه عوض عَن ذَلِك الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح، روى ذَلِك عَن ابْن وهب وَغَيره.



[ قــ :6055 ... غــ :6392 ]
- ( حَدثنَا ابْن سَلام أخبرنَا وَكِيع عَن ابْن أبي خَالِد قَالَ سَمِعت ابْن أبي أوفى رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ دَعَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْأَحْزَاب فَقَالَ اللَّهُمَّ منزل الْكتاب سريع الْحساب اهزم الْأَحْزَاب اهزمهم وزلزلهم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بتَخْفِيف اللَّام على الْأَصَح وَابْن أبي خَالِد هُوَ إِسْمَاعِيل وَاسم أبي خَالِد سعد وَيُقَال هُرْمُز وَيُقَال كثير البَجلِيّ الأحمسي الْكُوفِي وَابْن أبي أوفى هُوَ عبد الله وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة وَكِلَاهُمَا صحابيان والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة مَا خلا أَبَا دَاوُد وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدْعُو على الْمُشْركين على حسب ذنوبهم وإجرامهم وَكَانَ يُبَالغ فِي الدُّعَاء على من اشْتَدَّ أَذَاهُ على الْمُسلمين أَلا ترى أَنه لما أيس من قومه قَالَ اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر الحَدِيث ودعا على أبي جهل بِالْهَلَاكِ ودعا على الْأَحْزَاب الَّذين اجْتَمعُوا يَوْم الخَنْدَق بالهزيمة والزلزلة فَأجَاب الله دعاءه فيهم فَإِن قلت قد نهى عَائِشَة عَن اللَّعْنَة على الْيَهُود وأمرها بالرفق وَالرَّدّ عَلَيْهِم بِمثل مَا قَالُوا وَلم يبح لَهَا الزِّيَادَة قلت يُمكن أَن يكون ذَلِك على وَجه التألف لَهُم والطمع فِي إسْلَامهمْ -



[ قــ :6056 ... غــ :6393 ]
- حدّثنا معاذُ بنُ فَضالَةَ حدّثنا هِشامٌ عنْ يَحْيَى عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمدَهُ، فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ منْ صَلاَةِ العِشاءِ قَنَتَ: اللَّهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ بنَ أبي ربيعَةَ، اللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوَليدِ، اللَّهُمَّ أنْجِ سَلَمَةَ بنَ هِشامٍ، اللهمَّ أنْجِ المسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطأتُكَ عَلى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ كَسنِي يُوسُفَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( اللَّهُمَّ اشد وطأتك)
إِلَى آخِره.
ومعاذ بِضَم الْمِيم وبالذال الْمُعْجَمَة ابْن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الْمُعْجَمَة، وَهِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي، وَيحيى بن أبي كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن.

والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي نعيم عَن شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة.
.
إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي الاسْتِسْقَاء من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة.
وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين فِيهِ أَسْبَاط الْمُغيرَة المَخْزُومِي.

قَوْله: ( وطأتك) الْوَطْأَة بِفَتْح الْوَاو وَإِسْكَان الطَّاء هُوَ الدوس بالقدم، وَيُرَاد مِنْهَا الإهلاك لِأَن من يطَأ على الشَّيْء بِرجلِهِ فقد استقصى فِي هَلَاكه، وَمُضر قَبيلَة غير منصرف، وَفِيه: الْمُضَاف مَحْذُوف أَي: اشْدُد وطأتك على كفار مُضر.





[ قــ :6057 ... غــ :6394 ]
- حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ حدّثنا أبُو الأحْوَصِ عنْ عاصِمِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَعَثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَرِيَّةَ يُقالُ لَهُمْ: القُرَّاءُ، فأُصِيبُوا، فَما رأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَدَ على شَيْءٍ مَا وجَدَ عَلَيْهِمْ، فَقَنَتَ شَهْراً فِي صَلاَةِ الفَجْرِ ويقولُ: إنَّ عُصَيَّةً عَصَوا الله وَرَسُوله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فقنت) لِأَن قنوته كَانَ يتَضَمَّن الدُّعَاء عَلَيْهِم.
وَالْحسن بن الرّبيع بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة البجلى الْكُوفِي، وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بتَشْديد اللَّام ابْن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول.

والْحَدِيث مضى فِي الْوتر عَن مُسَدّد وَفِي الْمَغَازِي عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الْجَنَائِز عَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي الْجِزْيَة عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر وَأبي كريب وَغَيرهمَا.

قَوْله: ( سَرِيَّة) هِيَ طَائِفَة من الْجَيْش يبلغ أقصاها أَرْبَعمِائَة تبْعَث إِلَى الْعَدو، وَجَمعهَا السَّرَايَا سموا بذلك لأَنهم يكونُونَ خُلَاصَة الْعَسْكَر وخيارهم من الشَّيْء السّري أَي النفيس.
قَوْله: ( يُقَال لَهُم) الْقُرَّاء سموا بِهِ لأَنهم كَانُوا أَكثر قِرَاءَة من غَيرهم، وَكَانُوا من أوزاع النَّاس ينزلون الصّفة يتعلمون الْقُرْآن وَكَانُوا ردْءًا للْمُسلمين، فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سبعين مِنْهُم إِلَى أهل نجد لتدعوهم إِلَى الْإِسْلَام، فَلَمَّا نزلُوا بِئْر مَعُونَة قصدهم عَامر بن الطُّفَيْل فِي أَحيَاء من عصية وَغَيرهم فَقَتَلُوهُمْ.
قَوْله: ( فأصيبوا) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: قتلوا.
قَوْله: ( وجد) ، أَي: حزن حزنا شَدِيدا.
قَوْله: ( إِن عصية) مصغر العصي، وَهِي قَبيلَة، وَقد مر فِي الْجِهَاد أَنه قنت أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَمَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ.





[ قــ :6058 ... غــ :6395 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامُ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ عُروةَ عنْ عائَشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قَالَتْ: كانَ اليهُودُ يُسَلِّمُونَ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَطِنَتْ عائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ، فقالَتْ: عَليْكُمُ السّامُ واللّعْنةُ.
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَهْلاً يَا عَائِشَةُ { إنَّ الله يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ.
فقالَتْ: يَا نَبِيَّ الله}
أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: أوَلَمْ تَسْمَعي؟ أرُدُّ ذَلِك عَلَيْهِمْ فأقُولُ: وعَلَيْكُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَأَقُول: وَعَلَيْكُم) فَإِنَّهُ دُعَاء عَلَيْهِم.

وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالسندي، وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد.

والْحَدِيث مر فِي كتاب الْأَدَب فِي: بابُُ الرِّفْق فِي الْأَمر كُله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( السام) ، هُوَ الْمَوْت.
قَوْله: ( مهلا) أَي: رفقا.
وانتصابه على المصدرية: يُقَال: مهلا للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد.
قَوْله: ( أَو لم تسمعي؟) ويروي: أَو لم تسمعين بالنُّون وَجوز بَعضهم إِلْغَاء عمل الجوازم والنواصب، وَقَالُوا: إِن عَملهَا أفْصح.





[ قــ :6059 ... غــ :6396 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَى حدّثنا الأنْصارِيُّ حَدثنَا هِشامُ بنُ حَسَّانَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ حَدثنَا عَبيدَةُ حَدثنَا عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمَ الخَنْدَقِ فَقَالَ: مَلأ الله قُبُورَهُمْ وبُيُوتَهُمْ نَارا كَما شَغلُونا عنْ صَلاَةِ الوُسْطى حتَّى غابَت الشَّمْسُ، وهْيَ صَلاَةُ العَصْرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والأنصاري هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى القَاضِي وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ.
وَأخرج عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَهِشَام بن حسان هَذَا وَإِن تكلم فِيهِ بَعضهم من قبل حفظه لكنه أثبت النَّاس فِي الشَّيْخ الَّذِي حدث عَنهُ حَدِيث الْبابُُ وَهُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين،.

     وَقَالَ  سعيد بن أبي عرُوبَة: مَا كَانَ أحد أحفظ عَن ابْن سِيرِين من هِشَام بن حسان، وَعبيدَة بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة السَّلمَانِي بِسُكُون اللَّام.

والْحَدِيث مضى فِي غَزْوَة الخَنْدَق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق عَن روح عَن هِشَام إِلَى آخِره.
.

قَوْله: ( كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الخَنْدَق) أَي: يَوْم غَزْوَة الخَنْدَق، وَهِي غَزْوَة الْأَحْزَاب.
قَوْله: ( مَلأ الله قُبُورهم) أَي: أَمْوَاتًا وَبُيُوتهمْ أَي: أَحيَاء.
قَوْله: ( كَمَا شغلونا) وَجه التَّشْبِيه اشتغالهم بالنَّار مستوجب لاشتغالهم عَن جَمِيع المحبوبات فَكَأَنَّهُ قَالَ: شغلهمْ الله عَنْهَا كَمَا شغلونا عَنْهَا.
قَوْله: ( وَهِي صَلَاة الْعَصْر) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ تَفْسِير من الرَّاوِي إدراجاً مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ وَقع فِي الْمَغَازِي: إِلَى أَن غَابَتْ الشَّمْس، وَهُوَ مشْعر بِأَنَّهَا الْعَصْر.

قلت: هُنَا أَيْضا قَالَ: ( حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس) وَهَذَا لَا يدل على أَنَّهَا الْعَصْر وَحده، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون الظّهْر مَعَه، لِأَن مِنْهُم من ذهب إِلَى أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الظّهْر، وَاسْتدلَّ هَذَا الْقَائِل أَيْضا بِأَن هَذِه اللَّفْظَة من نفس الحَدِيث، وَلَيْسَت بمدرجة بِحَدِيث حُذَيْفَة مَرْفُوعا: شغلونا عَن صَلَاة الْعَصْر، وَلَيْسَ استدلا لَهُ بِهِ صَحِيحا لِأَن فِيهِ التَّصْرِيح بالعصر فِي نفس الحَدِيث، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك على مَا لَا يخفى.