فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الدعاء للمشركين

( بابُُ الدُّعاءِ للْمُشْركِينَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الدُّعَاء للْمُشْرِكين، وَقد تقدّمت هَذِه التَّرْجَمَة فِي كتاب الْجِهَاد، لَكِن قَالَ: بابُُ الدُّعَاء للْمُشْرِكين بِالْهدى ليتألفهم، ثمَّ أخرج حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي هُوَ حَدِيث الْبابُُ، فَوجه الْبابَُُيْنِ أَعنِي: بابُُ الدُّعَاء على الْمُشْركين وَبابُُ الدُّعَاء للْمُشْرِكين، باعتبارين فَفِي الأول: مُطلق الدُّعَاء عَلَيْهِم لأجل تماديهم على كفرهم وإيذائهم الْمُسلمين، وَفِي الثَّانِي: الدُّعَاء بالهداية ليتألفوا بِالْإِسْلَامِ.
فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث آخر: اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ.

قلت: مَعْنَاهُ: إهدهم إِلَى الْإِسْلَام الَّذِي تصح مَعَه الْمَغْفِرَة، لِأَن ذَنْب الْكفْر لَا يغْفر، أَو يكون الْمَعْنى: اغْفِر لَهُم إِن أَسْلمُوا.



[ قــ :6060 ... غــ :6397 ]
- حدّثنا عَليٌّ حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا أبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍ وعَلى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رسولَ الله! إنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ وأبَتْ فادْعُ الله عَليْها، فَظَنَّ النَّاسُ أنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إهْدِ دَوْساً وأْتِ بِهِمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي الْبابُُ الَّذِي ذكرنَا آنِفا.

قَوْله: ( قدم الطُّفَيْل) بِضَم الطَّاء وَفتح الْفَاء ابْن عَمْرو بن طريف بن الْعَاصِ بن ثَعْلَبَة بن سليم بن غنم بن دوس الدوسي من دوس، أسلم الطُّفَيْل وَصدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمَكَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاد قومه من أَرض دوس فَلم يزل مُقيما بهَا حَتَّى هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ بِخَيْبَر بِمن تبعه من قومه، فَلم يزل مُقيما مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى قبض ثمَّ كَانَ مَعَ الْمُسلمين حَتَّى قتل بِالْيَمَامَةِ شَهِيدا.
وَقيل: قتل عَام اليرموك فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( إِن دوساً قد عَصَتْ وأبت) .
أَي: امْتنعت عَن الْإِسْلَام، ودوس قَبيلَة أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: ( وائت بهم) أَي: مُسلمين، أَو كِنَايَة عَن الْإِسْلَام، وَهَذَا من خلقه الْعَظِيم وَرَحمته على الْعَالمين حَيْثُ دَعَا لَهُم وهم طلبُوا الدُّعَاء عَلَيْهِم، وَحكى ابْن بطال أَن الدُّعَاء للْمُشْرِكين نَاسخ الدُّعَاء عَلَيْهِم وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى: { لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} ( آل عمرَان: 821) ثمَّ قَالَ: وَالْأَكْثَر على أَن لَا نسخ وَأَن الدُّعَاء على الْمُشْركين جَائِز.