فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]

(بابٌُ { (65) وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} (الطَّلَاق: 3)

أَي: هَذَا بابُُ مترجم بقوله تَعَالَى: { وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} وأصل التَّوَكُّل من الوكول، يُقَال: وكل أمره إِلَى فلَان أَي التجأ إِلَيْهِ وَاعْتمد عَلَيْهِ، والتوكل تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله وَقطع النّظر عَن الْأَسْبابُُ، وَلَيْسَ التَّوَكُّل ترك السَّبَب والاعتماد على مَا يَجِيء من المخلوقين لِأَن ذَلِك قد يجر إِلَى ضد مَا يُرَاد من التَّوَكُّل، وَقد سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله، عَن رجل جلس فِي بَيته أَو فِي مَسْجِد.

     وَقَالَ : لَا أعمل شَيْئا حَتَّى يأتيني رِزْقِي.
فَقَالَ: هَذَا رجل جهل الْعلم، فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله جعل رِزْقِي تَحت ظلّ رُمْحِي) ،.

     وَقَالَ : لَو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كَمَا يرْزق الطير، تَغْدُو خماصاً وَتَروح بطاناً، فَذكر أَنَّهَا تَغْدُو وَتَروح فِي طلب الرزق، قَالَ: وَكَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يتجرون ويعملون فِي تخيلهم والقدوة بهم.

وَقال الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كلِّ مَا ضاقَ عَلى النَّاسِ.

الرّبيع بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خثيم بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الثَّوْريّ الْكُوفِي من كبار التَّابِعين صحب ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ يَقُول لَهُ: لَو رآك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَأحبك، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي (الزّهْد) : بِسَنَد جيد.
قَوْله: من كل مَا ضَاقَ، أَرَادَ من يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه من كل مَا ضَاقَ على النَّاس،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: من كل مَا ضَاقَ يَعْنِي: التَّوَكُّل على الله عَام من كل أَمر مضيق على النَّاس، يَعْنِي: لَا خُصُوصِيَّة فِي التَّوَكُّل فِي أَمر بل هُوَ جَار فِي جَمِيع الْأُمُور الَّتِي تضيق على النَّاس.



[ قــ :6134 ... غــ :6472 ]
- حدّثني إسْحاقُ حَدثنَا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ حُصيْنَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ: كُنْتُ قاعِداً عِنْدَ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: عَن ابْن عَبَّاس (يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفاً بِغَيْرِ حِسابٍ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيرُونَ وعلَى ربِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ.
قَالَ النَّسَائِيّ: لم أَجِدهُ مَنْسُوبا عِنْد شُيُوخنَا، لَكِن حدث البُخَارِيّ فِي (الْجَامِع) : كثيرا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، وَغلط من قَالَ: ابْن إِبْرَاهِيم.

قلت: التغليط من أَيْن وَقد سمع البُخَارِيّ من جمَاعَة كل مِنْهُم، يُسمى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم؟ وحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الطِّبّ مطولا، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء مُخْتَصرا عَن مُسَدّد وَهَهُنَا أَيْضا روى بعضه.

قَوْله: (لَا يسْتَرقونَ) أَي: لَا يطْلبُونَ الرّقية وَهِي العودة الَّتِي يرقى بهَا صَاحب الآفة: كالحمى والصرع وَنَحْو ذَلِك من الْآفَات، وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث جَوَازهَا، وَفِي بَعْضهَا النَّهْي عَنْهَا، فَمن الْجَوَاز: (استرقوا لَهَا فَإِن بهَا النظرة) ، أَي: اطْلُبُوا لَهَا من يرقى لَهَا، وَمن النَّهْي قَوْله هَذَا: (لَا يسْتَرقونَ) .
وَوجه الْجمع أَن الْمنْهِي عَنْهَا مَا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَبِغير أَسمَاء الله وَصِفَاته وَكَلَامه فِي كتبه الْمنزلَة، وَأَن يعتقدوا أَن الرقيا مَانِعَة لَا محَالة، والمأمور بهَا مَا كَانَ بقوارع الْقُرْآن وَنَحْوه.
قَوْله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أَي: لَا يتشاءمون بالطيور وَمثلهَا مِمَّا هُوَ عَادَتهم قبل الْإِسْلَام، والطيرة مَا يكون فِي الشَّرّ، والفأل مَا يكون فِي الْخَيْر.