فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب رفع الأمانة

( بابُُ رَفْعِ الأمانَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان رفع الْأَمَانَة من بَين النَّاس.
وَالْمرَاد برفعها ذهابها بِحَيْثُ إِن لَا يُوجد الْأمين، وَالْأَمَانَة ضد الْخِيَانَة.



[ قــ :6158 ... غــ :6496 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ حدّثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا هِلالُ بنُ عَلِيٍّ عنْ عَطاءٍ بن يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِر السَّاعَةَ) .
قَالَ: كَيْف إضاعَتُها يَا رسولَ الله؟ قَالَ: ( إِذا أُسْنِدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ) .
( انْظُر الحَدِيث 95) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( إِذا ضيعت الْأَمَانَة) وَمُحَمّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى.

والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب الْعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد.

قَوْله: ( كَيفَ إضاعتها) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ الْأَعرَابِي، سَأَلَ: مَتى السَّاعَة؟ لِأَن أول الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة: بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مجْلِس يحدث الْقَوْم جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: مَتى السَّاعَة؟ ... الحَدِيث.
قَوْله: ( قَالَ: إِذا أسْند) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا أسْند الْأَمر إِلَى غير أَهله) وَالْمرَاد من الْأَمر جنس الْأُمُور الَّتِي تتَعَلَّق بِالدّينِ كالخلافة والسلطنة والإمارة وَالْقَضَاء والإفتاء،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أسْند الْأَمر، أَي: فوض المناصب إِلَى غير مستحقيها كتفويض الْقَضَاء إِلَى غير الْعَالم بِالْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ فِي زَمَاننَا.

قلت: يَا لَيْت أَن يتَوَلَّى الْجَاهِل بِلَا رشوة لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون دينا يستفتي فِيمَا يجهله، فالمصيبة الْعُظْمَى أَن يتَوَلَّى الْجَاهِل بالرشوة، فلعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراشي والمرتشي والرائش، حَيْثُ قَالَ: لعن الله الراشي ... إِلَى آخر الحَدِيث، رَوَاهُ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَلَا شكّ أَن من لَعنه الله لَعنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأعظم المصائب أَن الديار المصرية الَّتِي هِيَ كرْسِي الْإِسْلَام لَا يتَوَلَّى فِيهَا الْقُضَاة والحكام وَسَائِر أَصْحَاب المناصب إِلَّا بالرشي والبراطيل، وَلَا يُوجد هَذَا فِي بِلَاد الرّوم وَلَا فِي بِلَاد الْعَجم.





[ قــ :6159 ... غــ :6497 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنَا سُفْيانُ حدّثنا الأعْمَشُ عنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ حدّثنا حُذَيْفَةُ قَالَ: حدّثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثَيْنِ رَأيْتُ أحَدَهُما، وَأَنا أنْتَظرُ الآخَرَ.
حدّثنا: أنَّ الأمانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، وحدّثنا عنْ رَفْعِها، قَالَ: ( يَنامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمانَةُ منْ قَلْبِهِ فَيظلُّ أثَرُها مِثْلَ أثَرِ الوكْتِ، ثُمَّ يَنامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقاى أثَرُها مِثْلَ المَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً ولَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبايَعُوَنَ فَلا يَكادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمانَةَ.
فَيُقالُ: إِن فِي بَني فُلانٍ رَجُلاً أمِيناً، ويُقالُ لِلرَّجُلِ: مَا أعْقَلهُ وَمَا أظْرَفَهُ وَمَا أجْلَدَهُ، وَمَا فِي قلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ)
ولقدْ أتَى عَلَيَّ زَمانٌ وَمَا أُبالي أيَّكُمْ بايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِماً رَدَّهُ عَلَيَّ الإسْلامُ، وإنْ كَانَ نَصْرانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ ساعِيهِ، فأمَّا اليَوْمَ، فَما كُنْتُ أُبايعُ إلاَّ فُلاناً وفُلاناً.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان.

والْحَدِيث أخرجه أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن هناد بن السّري.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع بِهِ.

قَوْله: ( حديثين) أَي: فِي بابُُ الْأَمَانَة.
أَحدهمَا: فِي نزُول الْأَمَانَة.
وَالْآخر: فِي رَفعهَا قَوْله: ( حَدثنَا) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: ( فِي جذر قُلُوب الرِّجَال) بِفَتْح الْجِيم: وَكسرهَا وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهُوَ الأَصْل فِي كل شَيْء.
قَالَه أَبُو عبيد،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: الجذر أصل الْحسب وَالنّسب، وأصل الشَّجَرَة.
قَوْله: ( ثمَّ علمُوا) أَي: بعد نُزُولهَا فِي قُلُوب الرِّجَال بالفطرة علموها من الْقُرْآن.
قَالَ الله تَعَالَى: { إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض} ( الْأَحْزَاب: 7) الْآيَة.
قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الْفَرَائِض الَّتِي على الْعباد، وَقيل: هِيَ مَا أمروا بِهِ ونهوا عَنهُ، وَقيل: هِيَ الطَّاعَة، نَقله الواحدي عَن أَكثر الْمُفَسّرين.
قَوْله: ( ثمَّ علمُوا من السّنة) أَي: سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن الْأَمَانَة كَانَت لَهُم بِحَسب الْفطْرَة وحصلت لَهُم بِالْكَسْبِ أَيْضا، بِسَبَب الشَّرِيعَة.
قَوْله: ( وَحدثنَا) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( عَن رَفعهَا) أَي: عَن رفع الْأَمَانَة.
قَوْله: ( ينَام الرجل) إِلَى آخِره بَيَان رَفعهَا وَهُوَ أَنه ( ينَام نومَة فتقبض الْأَمَانَة من قلبه) يَعْنِي: تقبض من قوم ثمَّ من قوم ثمَّ شَيْئا بعد شَيْء فِي وَقت بعد وَقت على قدر فَسَاد الدّين.
قَوْله: ( فيظل أَثَرهَا) أَي: فَيصير أَثَرهَا.
( مثل أثر الوكت) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْكَاف وبالتاء الْمُثَنَّاة وَهُوَ أثر النَّار وَنَحْوه،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الوكتة الْأَثر فِي الشَّيْء كالنقطة من غير لَونه وَالْجمع وكت، وَمِنْه قيل للبسر: إِذا وَقعت فِيهِ نقطة من الإرطاب وكت، وَمِنْه حَدِيث حُذَيْفَة الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي فِي فصل الْوَاو من بابُُ التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الوكتة كالنقطة فِي الشَّيْء، يُقَال فِي عينه وكتة، وَضَبطه صَاحب ( التَّلْوِيح) بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ غلط.
قَوْله: ( مثل المجل) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتحهَا هُوَ التنفط الَّذِي يحصل فِي الْيَد من الْعَمَل بفأس وَنَحْوه، وَهُوَ مصدر: مجلت يَده تمجل مجلاً، وَيُقَال: هُوَ أَن يكون بَين الْجلد وَاللَّحم مَاء وَكَذَلِكَ الْمجلة، وَهُوَ من بابُُ علم يعلم ومصدره مجل بِفتْحَتَيْنِ: وَمن بابُُ نصر ينصر ومصدره مجل بِسُكُون الْجِيم ومجول،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: هُوَ تفتح يشبه الْبِئْر من الْعَمَل.
قَوْله: ( فنفط) بِكَسْر الْفَاء قَالَ ابْن فَارس: النفط قرح يخرج فِي الْيَد من الْعَمَل وَإِنَّمَا قَالَ: نفط مَعَ أَن الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الرجل وَهُوَ مؤنث، وَذكره بِاعْتِبَار الْعُضْو أَو بِاعْتِبَار لفظ الرجل.
قَوْله: ( منتبرا) أَي: مرتفعاً، من الانتبار وَهُوَ الِارْتفَاع، وَمِنْه انتبر الْأَمِير: صعد على الْمِنْبَر، وَمِنْه سمي الْمِنْبَر منبراً لارتفاعه، وكل شَيْء ارْتَفع فقد نبره.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: منتبراً أَي: متنفطاً.
وَحَاصِله أَن الْقلب يَخْلُو عَن الْأَمَانَة بِأَن تَزُول عَنهُ شَيْئا فَشَيْئًا، فَإِذا زَالَ جُزْء مِنْهَا زَالَ نورها وخلفته ظلمَة كالوكت، وَإِذا زَالَ شَيْء آخر مِنْهُ صَار كالمجل وَهُوَ أثر حكم لَا يكَاد يَزُول إلاَّ بعد مُدَّة، ثمَّ شبه زَوَال ذَلِك النُّور بعد ثُبُوته فِي الْقلب وَخُرُوجه مِنْهُ واعتقابه إِيَّاه بجمر تدحرجه على رجلك حَتَّى يُؤثر فِيهَا، ثمَّ يَزُول الْجَمْر وَيبقى التنفط.
قَوْله: ( يتبايعون) أَي: من البيع وَالشِّرَاء.
قَوْله: ( فَلَا يكَاد أحد) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَلَا يكَاد أحدهم.
قَوْله: ( أَتَى عَليّ) بتَشْديد الْيَاء قَوْله: ( وَمَا أُبَالِي أَيّكُم بَايَعت) .

     وَقَالَ  ابْن التِّين: تَأَوَّلَه بعض النَّاس على بيعَة الْخلَافَة، وَهُوَ خطأ، فَكيف يكون ذَلِك وَهُوَ يَقُول: لَئِن كَانَ نَصْرَانِيّا ... إِلَى آخِره؟ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَهُوَ الصَّحِيح أَنه أَرَادَ بِهِ البيع وَالشِّرَاء المعروفين، يَعْنِي: كنت أعلم أَن الْأَمَانَة فِي النَّاس: فَكنت أقدم على مُعَاملَة من أَثِق غير باحث عَن حَاله وثوقاً بأمانته، فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُسلما فدينه يمنعهُ من الْخِيَانَة ويحمله على أَدَاء الْأَمَانَة.
وَإِن كَانَ كَافِرًا فساعيه، وَهُوَ الْوَالِي الَّذِي يسْعَى لَهُ.
أَي الْوَالِي عَلَيْهِ يقوم بالأمانة فِي ولَايَته فينصفني ويستخرج حَقي مِنْهُ، وكل من ولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعيهم مثل سعاة الزَّكَاة، وَأما الْيَوْم فقد ذهبت الْأَمَانَة فلست أَثِق الْيَوْم بِأحد أأتمنه على بيع أَو شِرَاء إلاَّ فلَانا وَفُلَانًا يَعْنِي أَفْرَاد من النَّاس قَلَائِل أعرفهم وأثق بهم.
قَوْله: ( رده عَليّ الْإِسْلَام) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِالْإِسْلَامِ.
قَوْله: ( وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا) ذكر النَّصْرَانِي على سَبِيل التَّمْثِيل، وإلاَّ فاليهودي أَيْضا، كَذَلِك صرح فِي ( صَحِيح مُسلم) بهما.





[ قــ :6160 ... غــ :6498 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: ( إنَّما النَّاسُ كالإبِلِ المِائَةُ لَا تَكادُ تَجِدُ فِيها راحِلَةً) .


مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن توجه من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر فِي هَذَا الحَدِيث بِأَن النَّاس كَثِيرُونَ والمرضي فيهم قَلِيل بِمَنْزِلَة الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل الْمِائَة، وَغير المرضي هم الَّذين ضيعوا الْفَرَائِض الَّتِي عَلَيْهِم، وَقد ذكرنَا أَن ابْن عَبَّاس فسر الْأَمَانَة بالفرائض، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تحصل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث.

وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.

والْحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد من أَفْرَاده، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ: تَجِدُونَ النَّاس كإبل مائَة لَا يجد الرجل فِيهَا رَاحِلَة.

وَاخْتلفُوا فِي معنى هَذَا الحَدِيث فَقيل: إِنَّمَا يُرَاد بِهِ الْقُرُون المذمومة فِي آخر الزَّمَان، وَلذَلِك ذكره البُخَارِيّ هُنَا وَلم يرد بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زمن أَصْحَابه، وتابعيهم لِأَنَّهُ قد شهد لَهُم بِالْفَضْلِ، فَقَالَ: خير الْقُرُون ... الحَدِيث، وَنقل الْكرْمَانِي هَذَا فِي ( شَرحه) بقوله:.

     وَقَالَ  بَعضهم: المُرَاد بِهِ الْقُرُون المذمومة ... إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: نقل الْكرْمَانِي هَذَا عَن مغلطاي ظنا مِنْهُ أَنه كَلَامه لكَونه لم يعزه.

قلت: لم يقل الْكرْمَانِي إلاَّ: قَالَ بَعضهم، وَلم يذكر لفظ مغلطاي أصلا، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكره بِمَا فِيهِ من سوء الْأَدَب وَنسبَة الظَّن إِلَيْهِ وَبَعض الظَّن إِثْم، وَقيل: يحْتَمل أَن يُرِيد كل النَّاس فَلَا يكون مُؤمن إلاَّ فِي مائَة أَو أَكثر، وَقيل: إِن النَّاس فِي أَحْكَام الدّين سَوَاء لَا فضل فِيهَا لشريف على مشروف وَلَا لرفيع على وضيع، كَالْإِبِلِ الْمِائَة الَّتِي لَا تكون فِيهَا رَاحِلَة، وَقيل: إِن أَكثر النَّاس أهل نقص وَأهل الْفضل عَددهمْ قَلِيل بِمَنْزِلَة الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل الحمولة.
قَالَ الله تَعَالَى: { وَلَكِن ثر النَّاس لَا يعلمُونَ} ( الْأَعْرَاف: 781 وَغَيرهَا) وَقَوله: { وَلَكِن أَكْثَرهم يجهلون} ( الْأَنْعَام: 111) .

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي يُنَاسب التَّمْثِيل أَن الرجل الجوادالذي يتَحَمَّل أثقال النَّاس والحمالات عَنْهُم ويكشف كربهم عَزِيز الْوُجُود كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة.

قلت: الْأَنْسَب من كل الْأَقْوَال هُوَ القَوْل الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَولا، وَفِيه أَيْضا مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة كَمَا ذَكرْنَاهُ.

قَوْله: ( كَالْإِبِلِ الْمِائَة) وصف لفظ الْإِبِل الَّذِي هُوَ مُفْرد بقوله: الْمِائَة، لِأَن الْعَرَب يَقُول للمائة من الْإِبِل، وَيُقَال لفُلَان إبل أَي: مائَة من الْإِبِل وإبلان إِذا كَانَ لَهُ مِائَتَان.
قَوْله: ( رَاحِلَة) هِيَ النجيبة المختارة الْكَامِلَة الْأَوْصَاف الْحَسَنَة المنظر، وَقيل: الرَّاحِلَة الْجمل النجيب، وَالْهَاء للْمُبَالَغَة.