فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: العمل بالخواتيم

( بابٌُ العَمَلُ بالخَواتِيمِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الْعَمَل بالخواتيم أَي: بالعواقب، وَهُوَ جمع خَاتِمَة يَعْنِي: الِاعْتِبَار لحَال الشَّخْص عِنْد الْمَوْت قبل المعاينة لملائكة الْعَذَاب.



[ قــ :6260 ... غــ :6606 ]
- ( حَدثنَا حبَان بن مُوسَى أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ شَهِدنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَيْبَر فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لرجل مِمَّن مَعَه يَدعِي الْإِسْلَام هَذَا من أهل النَّار فَلَمَّا حضر الْقِتَال قَاتل الرجل من أَشد الْقِتَال وَكَثُرت بِهِ الْجراح فأثبتته فجَاء رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الَّذِي تحدثت أَنه من أهل النَّار قد قَاتل فِي سَبِيل الله من أَشد الْقِتَال فكثرت بِهِ الْجراح فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما إِنَّه من أهل النَّار فكاد بعض الْمُسلمين يرتاب فَبَيْنَمَا هُوَ على ذَلِك إِذْ وجد الرجل ألم الْجراح فَأَهوى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَته فَانْتزع مِنْهَا سَهْما فانتحر بهَا فَاشْتَدَّ رجال من الْمُسلمين إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا يَا رَسُول الله صدق الله حَدِيثك قد انتحر فلَان فَقتل نَفسه فَقَالَ رَسُول الله يَا بِلَال قُم فَأذن لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن وَإِن الله ليؤيد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الرجل الْمَذْكُور فِيهِ ختم عمله بالسوء وَإِنَّمَا الْعَمَل بالخاتمة وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مُوسَى الْمروزِي وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي بابُُ أَن الله يُؤَيّد الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله " خَيْبَر " أَي غَزْوَة خَيْبَر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة قَوْله " لرجل اسْمه قزمان " بِضَم الْقَاف وَسُكُون الزَّاي قَوْله " مِمَّن يَدعِي الْإِسْلَام " أَي تلفظ بِهِ قَوْله " فَلَمَّا حضر الْقِتَال " بِالرَّفْع وَالنّصب قَالَه الْكرْمَانِي قلت الرّفْع على أَنه فَاعل حضر وَالنّصب على المفعولية أَي فَلَمَّا حضر الرجل الْقِتَال قَوْله الْجراح جمع جِرَاحَة قَوْله " فأثبتته " أَي أثخنته الْجراح وَجَعَلته سَاكِنا غير متحرك وَقيل صرعته صرعا لَا يقدر مَعَه على الْقيام قَوْله " يرتاب " أَي يشك فِي الدّين لأَنهم رَأَوْا الْوَعيد شَدِيدا قَوْله " فَبَيْنَمَا " أَصله بَين زيدت فِيهِ الْمِيم وَالْألف وَيَقَع بعده جملَة اسمية وَهِي قَوْله هُوَ كَذَلِك وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب وَهُوَ قَوْله إِذْ وجد الرجل أَي الرجل الْمَذْكُور قَوْله فَأَهوى بِيَدِهِ أَي مدها إِلَى كِنَانَته فَانْتزع مِنْهَا سَهْما أَي فَأخْرج مِنْهَا نشابة فانتحر بهَا أَي نحر بهَا نَفسه قَوْله " فَاشْتَدَّ رجال " أَي فَأَسْرعُوا فِي السّير إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَأذن " أَي أعلم ويروى " فَأذن فِي النَّاس " -



[ قــ :661 ... غــ :6607 ]
- حدّثنا سَعِيدُ بنُ مَرْيَمَ حدّثنا أبُو غَسَّانَ حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلٍ أنَّ رَجُلاً مِنْ أعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عنِ المُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ غَزَاها مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنَظَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ( مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هاذَا!) فاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ وهْوَ عَلى تِلْكَ الحَالِ مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَلى المُشْرِكِينَ حتَّى جُرِحَ فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَجَعَلَ ذُبابَُةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فأقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْرِعاً فَقَالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رسولُ الله، فَقَالَ: ( وَمَا ذَاكَ؟) قَالَ: قُلْتَ لِفُلانٍ: مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْل النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ أعْظَمِنا غَناءً عنِ المُسْلِمِينَ، فَعَرَفْتُ أنّهُ لَا يَمُوتُ عَلى ذالِكَ، فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ المَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ ذالِكَ: ( إِن العَبْدَ لَيَعْمَلُ عمَلَ أهْلِ النَّارِ وإنّهُ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، ويَعْمَلُ عَمَلَ أهْل الجَنّةِ وإنّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ، وإنَّما الأعْمالُ بالخَواتِيمِ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد الْأنْصَارِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ لَا يَقُول فلَان شَهِيدا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ وَفِي ( التَّوْضِيح) : إِن حدثت أبي هُرَيْرَة السَّابِق وَهَذَا الحَدِيث قصَّة وَاحِدَة، وَإِن الرَّاوِي نقل على الْمَعْنى، وَيحْتَمل أَن يَكُونَا رجلَيْنِ.

قَوْله: ( غناء) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْمدّ، يُقَال: أغْنى عَنهُ غناء فلَان، أَي: نَاب عَنهُ، وأجرى مجْرَاه، وَمَا فِيهِ غناء ذَاك أَي: الاضطلاع وَالْقِيَام عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  ابْن ولاد: الْغناء بِالْفَتْح وَالْمدّ النَّفْع، والغنا بِالْكَسْرِ وَالْقصر ضد الْفقر وبالمد الصَّوْت.
قَوْله: ( فِي غَزْوَة) هِيَ: غَزْوَة خَيْبَر.
قَوْله: ( فَلْينْظر إِلَى هَذَا) أَي: إِلَى هَذَا الرجل، وَهُوَ قزمان أَو غَيره إِن كَانَ قضيتان.
قَوْله: ( حَتَّى جرح) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( ذُبابَُُة سَيْفه) ، الذبابُة بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الطّرف، قيل: فِي الحَدِيث السَّابِق أَنه نحر نَفسه بِالسَّهْمِ، وَهنا قَالَ بالذبابُة.
وَأجِيب: إِن كَانَت الْقِصَّة وَاحِدَة فَلَا مُنَافَاة لاحْتِمَال استعمالهما كليهمَا، وَإِن كَانَت قصتين فظاهرة.
قَوْله: ( بَين ثدييه) ، قَالَ ابْن فَارس: الثندؤة بِالْهَمْزَةِ للرجل والثدي للْمَرْأَة.
والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ، وَلذَلِك جعله الْجَوْهَرِي للرجل أَيْضا.
قَوْله: ( وَإِنَّمَا الْأَعْمَال) أَي: اعْتِبَار الْأَعْمَال بالعواقب.

وَفِيه: حجَّة قَاطِعَة على الْقَدَرِيَّة فِي قَوْلهم: إِن الْإِنْسَان يملك أَمر نَفسه ويختار لَهَا الْخَيْر وَالشَّر.