فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إثم الزناة

( بابُُ إثْمِ الزُّناةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِثْم الزناة، وَهُوَ جمع زانٍ كعصاة جمع عَاص، وَتعلق هَذَا الْبابُُ بِالْكتاب ارْتِكَاب مَا حرم الله وَهُوَ دَاخل فِي محاربة الله وَرَسُوله.

وقَوْلِ الله تَعَالَى: { وَلَا يزنون} ( الْفرْقَان: 86) { وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا} ( الْإِسْرَاء: 23)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على إِثْم الزناة.
قَوْله: { وَلَا يزنون} من الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان وأولها: { وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلاّ بِالْحَقِّ وَلَا يزنون} ... الْآيَة وَعَن ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من أهل الشّرك قد قتلوا فَأَكْثرُوا وزنوا فَأَكْثرُوا ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالُوا: إِن الَّذِي تَقول وتدعونا إِلَيْهِ لحسن لَو تخبرنا أَن لما عَمِلْنَاهُ كَفَّارَة، فَنزلت: { وَالَّذين لَا يدعونَ} الْآيَة وَقيل: نزلت فِي وَحشِي غُلَام بن مطعم.
قَوْله: { وَلَا تقربُوا} الْآيَة بِالْقصرِ على الْأَكْثَر والمدلغة، وَالْمرَاد مِنْهُ النَّهْي عَن مُقَدمَات الزِّنَا كالمس والتقبيل وَنَحْوهمَا، وَلَو كَانَ المُرَاد مِنْهُ نفس الزِّنَا لقَالَ: لَا تَزْنُوا.



[ قــ :6456 ... غــ :6809 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى أخبرنَا إسْحاقُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا الفُضَيْلُ بنُ غَزْوانَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يَزْنِي العَبْدُ حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حينَ يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ وهْوَ مُؤْمِنٌ) .
( انْظُر الحَدِيث 2876) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث وَإِسْحَاق بن يُوسُف الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بالأزرق، والفضيل مصغر فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان بِفَتْح الْعين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي.

والْحَدِيث مر فِي أول كتاب الْحُدُود وَهُنَاكَ فِيهِ: قَضِيَّة النهبة، وَهنا قَوْله: وَلَا يقتل وَهُوَ مُؤمن وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَالَ عِكْرِمَةُ:.

قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الإيمانُ مِنْهُ؟ قَالَ: هاكَذَا، وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ ثُمَّ أخْرَجَها، فإنْ تابَ عادَ إلَيْهِ هاكَذا، وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ.

قَوْله: ( قَالَ عِكْرِمَة) ، مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: ( كَيفَ ينْزع الْإِيمَان مِنْهُ؟) يَعْنِي: عِنْد ارْتِكَاب إِحْدَى هَذِه الْأُمُور الْمَذْكُورَة وَهِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَقتل النَّفس الْمُحرمَة.
قَوْله: ( فَإِن تَابَ) أَي: المرتكب من هَذِه الْأُمُور عَاد أَي الْإِيمَان إِلَيْهِ.





[ قــ :6457 ... غــ :6810 ]
- حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ ذَكْوَان عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن) .

وآدَم هوابن أبي إِيَاس يروي عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن ذكْوَان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ أَبُو صَالح الزيات.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان، وَالنَّسَائِيّ فِي الْقطع وهما جَمِيعًا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.

قَوْله: ( وَالتَّوْبَة معروضة بعد) أَي: معروضة على فاعلها بعد ذَلِك، يَعْنِي: بابُُ التَّوْبَة مَفْتُوح عَلَيْهِ بعد فعلهَا.





[ قــ :6458 ... غــ :6811 ]
- حدّثنا عَمْرُو بنُ عَليٍّ حَدثنَا يَحْيَاى حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: حدّثني مَنْصُورٌ وسُلَيْمانُ عنْ أبي وائِلٍ عنْ أبي مَيْسَرَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رسُولَ الله { أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قَالَ: قَوْله: ( أنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وهْوَ خَلَقَكَ) قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: ( أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) .
قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: ( أنْ تُزَانِيَ حَليلَةَ جارِكَ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك) .
وَعَمْرو بِالْوَاو ابْن عَليّ هُوَ الفلاس، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسليمَان هُوَ ابْن مهْرَان الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو ميسرَة ضد الميمنة اسْمه عمر بن شُرَحْبِيل، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

قَوْله: ( أَي الذَّنب أعظم؟) هَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَقع فِي رِوَايَة عَاصِم عَن أبي وَائِل عَن عبد الله: أعظم الذَّنب عِنْد الله.
وَفِي رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن معن عَن الْأَعْمَش: أَي الذُّنُوب أكبر عِنْد الله؟ وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عِنْد أَحْمد وَغَيره: أَي الذَّنب أكبر؟ وَفِي رِوَايَة الْحُسَيْن بن عبد الله عَن وَائِل: أكبر الْكَبَائِر.

والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة.
وَفِيه أَيْضا: عَن مُسَدّد وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن كثير وَسَيَجِيءُ فِي التَّوْحِيد عَن قُتَيْبَة.

قَوْله: ( من أجل) فِي كثير من النّسخ: أجل، بِدُونِ كلمة: من، بِفَتْح اللَّام وَفَسرهُ الشُّرَّاح بِمن أجل فَحذف الْجَار وانتصب، وَذكر الْأكل لِأَنَّهُ كَانَ الْأَغْلَب من حَال الْعَرَب.
قَوْله: ( أَن تُزَانِي) ويروى: أَن تَزني بحليلة جَارك قَوْله: ( حَلِيلَة جَارك) أَي: امْرَأَة جَارك، وَالرجل حليل لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يحل على صَاحبه.
وَقيل: حَلِيلَة بِمَعْنى محللة من الْحَلَال، وَإِنَّمَا عظم الزِّنَا بحليلة جَاره وَإِن كَانَ الزِّنَا كُله عَظِيما لِأَن الْجَار لَهُ من الْحُرْمَة وَالْحق مَا لَيْسَ لغيره،.

     وَقَالَ  صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يُؤمن من لم يَأْمَن جَاره بوائقه) .

قَالَ يَحْيَاى وحدّثنا سُفْيانُ حدّثني واصلٌ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله قلْتُ: يَا رسولَ الله}
... مِثْلهُ.
أَي: قَالَ يحيى الْمَذْكُور وَحدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: حَدثنِي وَاصل بن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَعْرُوف بالأحدب عَن أبي وَائِل شَقِيق عَن عبد الله بن مَسْعُود.
قَالَ: قلت يَا رَسُول الله! أَي الذَّنب أعظم؟ ... فَذكر الحَدِيث مثله، أَي: مثل حَدِيث أبي وَائِل عَن ميسرَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَهنا لم يذكر أَبُو وَائِل أَبَا ميسرَة.

قَالَ عَمْرٌ و: فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ، وكانَ حدّثنا عنْ سُفْيانَ عنِ الأعْمَشِ ومَنْصُورٍ وواصِلٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ أبي مَيْسَرَةَ، قَالَ: دَعْهُ دعْهُ.

أَي: قَالَ عَمْرو بن عَليّ الْمَذْكُور: فَذَكرته، أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور لعبد الرَّحْمَن بن مهْدي، وَكَانَ أَي: وَالْحَال أَن عبد الرَّحْمَن كَانَ حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وواصل الأحدب ثَلَاثَتهمْ شَقِيق عَن أبي ميسرَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَوْله: ( قَالَ دَعه دَعه) أَي قَالَ عبد الرَّحْمَن دع الْإِسْنَاد أَي الْإِسْنَاد الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ذكر أبي ميسرَة بَين أبي وَائِل وَعبد الله بن مَسْعُود، وَحَاصِله أَن أَبَا وَائِل، وَإِن كَانَ قد روى كثيرا، عَن عبد الله بن مَسْعُود، إِلَّا أَن هَذَا الحَدِيث لم يروه عَنهُ، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ الطعْن عَلَيْهِ وَقد ثبتَتْ رِوَايَته عَنهُ كثيرا؟ .
وَأجَاب بقوله: لم يطعن عَلَيْهِ وَلكنه أَرَادَ تَرْجِيح طَرِيق ترك الْوَاسِطَة لموافقة الْأَكْثَرين.