فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: من أصاب ذنبا دون الحد، فأخبر الإمام، فلا عقوبة عليه بعد التوبة، إذا جاء مستفتيا

( بابُُ مَنْ أصابَ ذَنْباً دُونَ الحَدِّ فأُخْبَرَ الإمامَ فَلاَ عُقُوبَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ التوْبَةِ إِذا جاءَ مُسْتَفْتِياً.
)


أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من أصَاب ذَنبا أَي: ارْتَكَبهُ دون الْحَد أَي: ذَنبا لَا حد لَهُ نَحْو الْقبْلَة والغمزة.
قَوْله: ( فَأخْبر) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى قَوْله: من.
وَقَوله: ( الإِمَام) بِالنّصب مَفْعُوله، وَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِ بعد التَّوْبَة، يَعْنِي: يسْقط عَنهُ مَا أصَاب من الذُّنُوب الَّذِي لَا حد لَهُ، وَلَيْسَ للْإِمَام الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ، بل يُؤَكد بصيرته فِي التَّوْبَة ويأمره بهَا لينتشر ذَلِك، فيتوب المذنب، وَأما من أصَاب ذَنبا فِيهِ حد فَإِن التَّوْبَة لَا ترفعه وَلَا يجوز للْإِمَام الْعَفو عَنهُ إِذا بلغه، وَمن التَّوْبَة عِنْد الْعلمَاء أَن يطهر وَيكفر بِالْحَدِّ، إلاَّ الشَّافِعِي فَذكر عَنهُ ابْن الْمُنْذر أَنه قَالَ: إِذا تَابَ قبل أَن يُقَام عَلَيْهِ الْحَد سقط عَنهُ،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَلَيْسَ مُرَاده بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَاطِن، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظَّاهِر فَالْأَظْهر من مذْهبه عدم سُقُوطه.
قَوْله: مستفتياً، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: جَاءَ، وَهُوَ من الأستفتاء وَهُوَ طلب الْفَتْوَى وَهُوَ جَوَاب الْحَادِثَة.
وَهَكَذَا هَذِه اللَّفْظَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مستغيثاً من الاستغاثة، وَهُوَ طلب الْغَوْث بالغين الْمُعْجَمَة والثاء الْمُثَلَّثَة، ويروى: مستعتباً من الاستعتاب، وَهُوَ طلب الرِّضَا وَطلب إِزَالَة العتب، وَفِي بعض النّسخ: مستقيلاً من طلب الْإِقَالَة.

وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعاقِبْهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: لم يُعَاقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّذِي أخبر أَنه وَقع فِي مَعْصِيّة، بل أمهله حَتَّى صلى مَعَه، ثمَّ أخبر بِأَن صلَاته كفرت ذنُوبه،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لم يُعَاقِبهُ، أَي: من أصَاب ذَنبا لَا حد عَلَيْهِ وَتَابَ، وَقيل: يَعْنِي المحترق المجامع فِي نَهَار رَمَضَان، وَقد تقدم.
فَإِن قلت: هَذَا إِضْمَار قبل الذّكر.

قلت: لَا، لِأَن الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى كلمة: من أصَاب فِي التَّرْجَمَة.

وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: ولَمْ يُعاقِبِ الذِي جامَعَ فِي رَمَضَانَ.

أَي: قَالَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج لم يُعَاقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل الَّذِي جَامع فِي نَهَار رَمَضَان، بل أعطَاهُ مَا يكفر بِهِ، وَهَذَا الْأَثر وَالَّذِي قبله يوضحان معنى التَّرْجَمَة.

ولَمْ يُعاقِبْ عُمَرُ صاحِبَ الظبْيِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

هَذَا إِيضَاح للتَّرْجَمَة أَي: لم يُعَاقب عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، صَاحب الظبي وَهُوَ قبيصَة بن جَابر وَكَانَ محرما واصطاد ظَبْيًا وَأمره عمر بالجزاء وَلم يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ، وَوَصله سعيد بن مَنْصُور عَن قبيصَة بن جَابر.

وفِيهِ عنْ أبي عُثْمانَ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ.

أَي: وَفِي معنى الحكم الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة جَاءَ حَدِيث عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَوَقع فِي بعض النّسخ عَن أبي مَسْعُود: وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَالصَّوَاب ابْن مَسْعُود، وَهُوَ الَّذِي وَصله البُخَارِيّ فِي أَوَائِل كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بابُُ الصَّلَاة كَفَّارَة من رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان عَن ابْن مَسْعُود: أَن رجلا أصَاب من امْرَأَة قبْلَة، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبرهُ، فَأنْزل الله: { أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} فَقَالَ يَا رَسُول الله إِلَيّ هَذَا؟ قَالَ: لجَمِيع أمتِي كلهم.
قَوْله: مثله، إِنَّمَا وَقع هَذَا فِي روية الْكشميهني وَحده أَي: مثل مَا وَقع فِي التَّرْجَمَة.



[ قــ :6467 ... غــ :6821 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأتِهِ فِي رَمَضَانَ فاسْتَفْتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ( هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟) قَالَ: لَا.
قَالَ: ( هَلْ تَسْتَطِيعُ صِيامَ شَهْرَيْنِ؟) قَالَ: لَا.
قَالَ: ( فأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُعَاقب هَذَا الْوَاقِع فِي رَمَضَان.

وَحميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصّيام عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن القعْنبِي وَفِي النّذر عَن عَليّ بن عبد الله وَعَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب، وَكَذَا فِي الْهِبَة عَنهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.





[ قــ :6467 ... غــ :68 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ: عنْ عَمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ ابنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَبَّادِ بن عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ عَن عائِشَةَ: أتاى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ قَالَ: احْتَرَقْتُ.
قَالَ: ( مِمَّ ذَاك؟) قَالَ: وقَعَتُ بِامْرَأتِي فِي رَمَضَانَ.
قَالَ لهُ: ( تَصَدَّقْ) قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَجَلَسَ.
وأتاهُ إنْسانٌ يَسُوقُ حِماراً، ومَعَهُ طَعامٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ مَا أدْرِي مَا هُو إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ( أيْنَ المُحْتَرِقُ؟) فَقَالَ: هَا أَنا ذَا.
قَالَ: ( خُذْ هاذا فَتَصَدَّقَ بِهِ) قَالَ: عَلَى أحْوَجَ مِنِّي؟ مَا لإهْلِي طَعامٌ.
قَالَ: ( فَكُلُوهُ) .
( انْظُر الحَدِيث 5391) .


هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ الصَّغِير) قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن صَالح حَدثنِي اللَّيْث بِهِ.

قَوْله: ( تصدق) فِيهِ اخْتِصَار إِذا الْكَفَّارَة مرتبَة وَهُوَ بعد الْإِعْتَاق وَالصِّيَام.
قَوْله: ( فكلوه) ، ويروى: فكله، الأول رِوَايَة ابْن وهب.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: الحَدِيثُ الأوَّلُ أبْيَنُ؛ .

     قَوْلُهُ : أطْعِمْ أهْلَكَ.

أَبُو عبد الله هُوَ الْبَارِي.
وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الأول حَدِيث أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، وَهُوَ أبين شَيْء فِي الْبابُُ، وَلم يَقع هَذَا فِي كثير من النّسخ.