فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب العاقلة

(بابُُ العاقِلَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْعَاقِلَة وَهُوَ جمع عَاقل، وَهُوَ دَافع الدِّيَة وَسميت الدِّيَة عقلا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْإِبِل كَانَت تعقل بِفنَاء ولي الْقَتِيل، ثمَّ كثر الِاسْتِعْمَال حَتَّى أطلق الْعقل على الدِّيَة، وَلَو لم يكن إبِلا، وَقيل: اشتقاقها من عقل يعقل إِذا تحمل، فَمَعْنَاه أَنه يحمل الدِّيَة عَن الْقَاتِل، وَقيل: من عقل يعقل إِذا منع وَدفع يدْفع، وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة كل من قتل التجأ إِلَى قومه لِأَنَّهُ يطْلب ليقْتل فيمنعون عَنهُ الْقَتْل فسميت عَاقِلَة أَي: مَانِعَة.
.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: عقلت الْقَتِيل أَي: أَعْطَيْت دِيَته، وعقلت عَنهُ إِذا التزمت دِيَته فأديتها عَنهُ، والعاقلة: أهل الدِّيوَان وهم أهل الرَّايَات وهم الْجَيْش الَّذين كتبت أَسمَاؤُهُم فِي الدِّيوَان، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هم أهل الْعَشِيرَة وَهِي الْعَصَبَات، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: عَاقِلَة الرجل من قبل الْأَب وهم عصبته،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْعَاقِلَة أَوْلِيَاء النِّكَاح،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: إِن لم يكن الْقَاتِل من أهل الدِّيوَان فعاقلته أهل حرفته، وَإِن لم يكن فَأهل حلفه.

[ قــ :6540 ... غــ :6903 ]
- حدّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، أخبرنَا ابنُ عُيَينَةَ، حدّثنا مُطرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشعْبيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، قَالَ: سألْتُ عَلِيّاً، رَضِي الله عَنهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مَا لَيْسَ فِي القُرْآنِ؟.

     وَقَالَ  مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: والّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأ النّسَمَةَ مَا عِنْدَنا إلاَّ مَا فِي القُرْآنِ، إلاّ فَهْماً يُعْطَى رجُلٌ فِي كِتابه وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ .
قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وفِكَاكُ الأسِيرِ، وأنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكافِرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْعقل وَهِي الدِّيَة.
وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان، ومطرف بِوَزْن اسْم فَاعل من التطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة ابْن طريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة أَيْضا، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء اسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ كِتَابَة الْعلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مطرف ... الخ.

قَوْله: (قَالَ مطرف كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: حَدثنَا مطرف، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: لَيْسَ فِي الْقُرْآن أَي: مَا كتبتموه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء حفظتموه أَو لَا وَلَيْسَ المُرَاد تَعْمِيم كل مَكْتُوب أَو مضبوط لِكَثْرَة الثَّابِت عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من مرويه عَن النَّبِي مِمَّا لَيْسَ فِي الصَّحِيفَة الْمَذْكُورَة.
قَوْله: فلق الْحبّ أَي: شقها.
قَوْله: وبرأ النَّسمَة أَي: خلق الْإِنْسَان.
قَوْله: إلاَّ فهما اسْتثِْنَاء مُنْقَطع أَي: لَكِن الْفَهم عندنَا هُوَ الَّذِي أعْطِيه الرجل، وَقيل: حرف الْعَطف مُقَدّر أَي: وَفهم، وَقد مر فِي كتاب الْعلم أَنه قَالَ: لَا إِلَّا كتاب الله أَو فهم أعْطِيه رجل مُسلم، أَو مافي هَذِه الصَّحِيفَة.
والفهم بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَة وَهُوَ مَا يفهم من فحوى كَلَامه ويستدرك من بَاطِن مَعَانِيه الَّتِي هِيَ غير الظَّاهِر عَن نَصه، وَيدخل فِيهِ جَمِيع وُجُوه الْقيَاس، قَالَه الْخطابِيّ.
قَوْله: يعْطى رجل بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: فِي كِتَابه أَي: فِي كتاب الله عز وَجل.
قَوْله: قلت الْقَائِل هُوَ أَبُو جُحَيْفَة.
قَوْله: الْعقل أَي: الدِّيَة أَي أَحْكَام الدِّيَة.
قَوْله: وفكاك الْأَسير بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح، قَالَ الْكرْمَانِي: مر فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ حرم الْمَدِينَة أَن فِيهَا أَيْضا: الْمَدِينَة حرم مَا بَين عائر إِلَى كَذَا ... الحَدِيث، وَأجَاب بِأَن عدم التَّعْرِيض لَيْسَ تعرضاً للعدم فَلَا مُنَافَاة.
قَوْله: وَأَن لَا يقتل الْمُسلم بِكَافِر احْتج بِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر على أَن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر، وَإِلَيْهِ ذهب أهل الظَّاهِر،.

     وَقَالَ  ابْن حزم فِي الْمحلى وَإِن قتل مُسلم عَاقل بَالغ ذِمِّيا أَو مستأمناً عمدا أَو خطأ فَلَا قَود عَلَيْهِ وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة، لَكِن يُؤَدب فِي الْعمد خَاصَّة، ويسجن حَتَّى يَتُوب كفا لضرره.
.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُحَمّد بن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر، فِيمَا ذكره الرزاي: يقتل الْمُسلم بالكافر، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود، وَأَجَابُوا عَن ذَلِك: بِأَن المُرَاد لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر غير ذِي عهد، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي شرحنا لمعاني الْآثَار وللطحاوي، فَليرْجع إِلَيْهِ.