فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر

( بابُُ مَنِ اخْتارَ الضّرْبَ والقَتلَ والهَوانَ عَلى الكُفْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من اخْتَار فِي الْإِكْرَاه الضَّرْب وَالْقَتْل والهوان أَي: الذلة والتضعف والتحقر.



[ قــ :6575 ... غــ :6941 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ، حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ أيُّوبُ عنْ أبي قِلابَةَ، عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ أنْ يَكُونَ الله ورسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث من حَيْثُ إِنَّه سوى بَين كَرَاهِيَة الْكفْر وَبَين كَرَاهَة دُخُول النَّار وَالْقَتْل وَالضَّرْب، والهوان أسهل عِنْد الْمُؤمن من دُخُول النَّار، فَيكون أسهل من الْكفْر إِن اخْتَار الْأَخْذ بالشدة.

وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بابُُ حلاوة الْإِيمَان بِهَذَا السَّنَد، غير أَن شَيْخه هُنَاكَ مُحَمَّد بن الْمثنى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ثَلَاث أَي: ثَلَاث خِصَال.
قَالَ الْكرْمَانِي وَالْجُمْلَة بعده إِمَّا صفة أَو خبر لَهُ.
قلت: على قَوْله: صفة، كَلَامه ظَاهر، وَأما على قَوْله: أَو خبر، فَفِيهِ نظر.
قَوْله: أَن يكون كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره، أَو الثَّلَاث كَون الله وَرَسُوله فِي محبته إيَّاهُمَا أَكثر محبَّة من محبَّة سواهُمَا.
قَوْله: وَأَن يحب الْمَرْء أَي: وَالثَّانِي أَن يحب الْمَرْء بالتقدير الْمَذْكُور.
قَوْله: وَأَن يكره أَي: وَالثَّالِث أَن يكره،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ لمن قَالَ: وَمن عصاهما فقد غوي: بئس الْخَطِيب أَنْت ثمَّ أجَاب بقوله: ذمه لِأَن الْخطْبَة لَيْسَ مَحل الِاخْتِصَار فَكَانَ غير مُوَافق لمقْتَضى الْمقَام.





[ قــ :6576 ... غــ :694 ]
- حدّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا عَبَّادٌ، عنْ إسْماعِيلَ سَمِعْتُ قَيْساً سَمِعْتُ سَعيد بنَ زَيْدٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأيْتُني وإنَّ عُمَرَ موثِقِي عَلى الإسْلامِ وَلَو انْقَضَّ أُحُدٌ مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمانَ كانَ مَحْقُوقاً أنْ يَنْقَضَّ.

انْظُر الحَدِيث 386 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اخْتَار الْقَتْل على الْإِتْيَان بِمَا يُرْضِي القتلة، فاختياره على الْكفْر بِالطَّرِيقِ الأولى.

وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ سكن بَغْدَاد يلقب بسعدويه، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الْعَوام بتَشْديد الْوَاو والواسطى، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ ابْن عَم عمر بن الْخطاب بن نفَيْل.

والْحَدِيث قد مضى فِي: بابُُ إِسْلَام سعيد بن زيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس، قَالَ: سَمِعت سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل فِي مَسْجِد الْكُوفَة يَقُول: وَالله لقد رَأَيْتنِي وَإِن عمر لموثقي على الْإِسْلَام قبل أَن يسلم عمر، وَلَو أَن أحدا انقض للَّذي صَنَعْتُم بعثمان لَكَانَ محقوقاً أَن ينْقض.

قَوْله: لقد رَأَيْتنِي أَي: لقد رَأَيْت نَفسِي وَهُوَ من خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب.
قَوْله: وَإِن عمر أَي: عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنهُ.
الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: موثقي اسْم فَاعل من الإيثاق وَهُوَ الإحكام وَأَرَادَ بِهِ يثبتني على الْإِسْلَام، وأصل هَذَا من الوثاق وَهُوَ حَبل أَو قيد يشد بِهِ الْأَسير وَالدَّابَّة.
قَوْله: وَلَو انقض من الانقضاض بِالْقَافِ وَهُوَ الانصداع والانشقاق، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة انفض بِالْفَاءِ.
قَوْله: أحد بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْجَبَل الْمَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ.
قَوْله: مِمَّا فَعلْتُمْ أَي: بِسَبَب مَا فَعلْتُمْ بعثمان بن عَفَّان من الْمُخَالفَة لَهُ وَالْخُرُوج عَن طَاعَته وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ حصرهم إِيَّاه ثمَّ قَتلهمْ لَهُ ظلما وعدواناً.
قَوْله: محقوقاً أَي: جَدِيرًا أَن ينْقض أَي: ينشق وينصدع.





[ قــ :6577 ... غــ :6943 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ إسْماعِيل، حدّثنا قَيْسٌ عنْ خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ قَالَ: شَكَوْنا إِلَى رسولِ الله وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةَ فَقُلْنا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنا؟ أَلا تَدْعُو لَنا؟ فَقَالَ: قَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لهُ فِي الأرْضِ فَيُجْعَلُ فِيها فَيُجاءُ بِالمِنْشارِ فَيُوضَعُ عَلى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ويُمْشَطُ بِأمْشاطِ الحَدِيدِ مَا دونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ فَما يَصُدُّهُ ذالِكَ عنْ دِينِهِ، وَالله لَيَتِمَّنَّ هاذا الأمْرُ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخافُ إلاّ الله والذِّئْبَ عَلى غَنَمِهِ، ولاكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ
انْظُر الحَدِيث 361 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ دلَالَة طلب خبابُ دُعَاء من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْكفَّار لكَوْنهم تَحت قهرهم وأذاهم كالمكرهين بِمَا لَا يُرِيدُونَ.

وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم الْمَذْكُورَان عَن قريب، وخبابُ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْأَرَت بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن جندلة مولى خُزَاعَة.

والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى، وَفِي مبعث النَّبِي وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: بَردة لَهُ ويروى: مُتَوَسِّد بردة فِي ظلّ الْكَعْبَة، وَهُوَ كسَاء أسود مربع وَالْجمع برود وأبراد.
قَوْله: أَلا فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتحضيض، قَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا يجب النَّبِي سُؤال خبابُ وَمن مَعَه بِالدُّعَاءِ على الْكفَّار مَعَ قَوْله تَعَالَى: { وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} لِأَنَّهُ علم أَنه قد سبق الْقدر بِمَا جرى عَلَيْهِم من الْبلوى ليؤجروا عَلَيْهَا، وَأما غير الْأَنْبِيَاء فَوَاجِب عَلَيْهِم الدُّعَاء عِنْد كل نازلة لعدم اطلاعهم على مَا اطلع عَلَيْهِ النَّبِي.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تَصْرِيح بِأَنَّهُ لم يدعُ لَهُم بل يحْتَمل أَنه قد دَعَا.
قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد لِأَنَّهُ لَو كَانَ دَعَا لَهُم لما قَالَ: قد كَانَ من كَانَ قبلكُمْ الخ وَقَوله هَذَا تَسْلِيَة لَهُم وَإِشَارَة إِلَى الصَّبْر على ذَلِك لينقضي أَمر الله عز وَجل، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة يَعْنِي إِلَى مَا قَالَه من الِاحْتِمَال بقوله: وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون قلت: هَذَا لَا يدل على أَنه دَعَا لَهُم بل هَذَا يدل على أَنهم لَا يستعجلون فِي إِجَابَة الدُّعَاء فِي الدُّنْيَا، على أَن الظَّاهِر مِنْهُ ترك الاستعجال فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو كَانَ يُجَاب لَهُم فِيمَا بعد.
قَوْله: يُؤْخَذ يَعْنِي مِنْهُم.
قَوْله: بِالْمِنْشَارِ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَهِي الْآلَة الَّتِي ينشر بهَا الأخشاب ويروى الميشار، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف من وَشر الْخَشَبَة إِذا نشرها غير مَهْمُوز، وَفِيه لُغَة بِالْهَمْزَةِ من: أشر الْخَشَبَة.
قَوْله: مَا دون لَحْمه وعظمه أَي: من تحتهما، ويروى: من دون لَحْمه.
قَوْله: فَمَا يصده أَي: فَمَا يمنعهُ.
قَوْله: هَذَا الْأَمر أَي: الْإِسْلَام.
قَوْله: من صنعاء بِالْمدِّ، وَهِي قَاعِدَة الْيمن ومدينتها الْعُظْمَى وحضرموت بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَالْمِيم وبضم الْمِيم أَيْضا وبالهمزة بَلْدَة أَيْضا بِالْيمن.
وَهُوَ كبعلبك فِي الْإِعْرَاب.
قَوْله: وَالذِّئْب بِالنّصب عطف على لَفْظَة: الله أَي: وَلَا يخَاف الذِّئْب على غنمه.
فَافْهَم.