فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب القضاء والفتيا في الطريق

( بابُُ القَضاءِ والفُتْيا فِي الطَّرِيقِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْقَضَاء أَي الحكم والفتيا بِضَم الْفَاء يُقَال: استفتيت الْفتيا فأفتاني، وَالِاسْم الْفتيا وَالْفَتْوَى.
قَوْله: فِي الطَّرِيق، أَي: حَال كَون الْقَضَاء والفتيا فِي الطَّرِيق.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: الْفَتْوَى فِي الطَّرِيق على الدَّابَّة وَمَا يشاكلها من التَّوَاضُع لله، فَإِن كَانَت لضعيف أَو جَاهِل فمحمودة عِنْد الله وَالنَّاس، وَإِن تكلّف ذَلِك لرجل من أهل الدُّنْيَا وَلمن يخْشَى لِسَانه فمكروه أَن ينزل مَكَانَهُ.
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي الْقَضَاء سائراً أَو مَاشِيا، فَقَالَ أَشهب: لَا بَأْس بذلك إِذا لم يشْغلهُ السّير أَو الْمَشْي عَن الْفَهم،.

     وَقَالَ  سَحْنُون: لَا يَنْبَغِي أَن يقْضِي وَهُوَ يسير أَو يمشي،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: مَا كَانَ من ذَلِك يَسِيرا كَالَّذي يَأْمر بسجن من وَجب عَلَيْهِ، أَو يَأْمر بِشَيْء، أَو يكف عَن شَيْء فَلَا بَأْس بذلك، وَأما الِابْتِدَاء بِالنّظرِ وَنَحْوه فَلَا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَهُوَ حسن، وَقَول أَشهب أشبه بِالدَّلِيلِ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: لَا يجوز الحكم فِي الطَّرِيق فِيمَا يكون غامضاً.

وقَضَى يحْياى بنُ يَعْمَرَ فِي الطَّرِيقِ.

يعمر بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وبالراء التَّابِعِيّ الْجَلِيل الْمَشْهُور، وَكَانَ من أهل الْبَصْرَة فانتقل إِلَى مرو بِأَمْر الْحجَّاج فولي قَضَاء مرو لقتيبة بن مُسلم، وَكَانَ من أهل الفصاحة والورع،.

     وَقَالَ  الحكم: وَقضى فِي أَكثر مدن خُرَاسَان، وَكَانَ إِذا تحول إِلَى بَلْدَة اسْتخْلف فِي الَّتِي انْتقل مِنْهَا.
وَفِي التَّوْضِيح يحيى بن يعمر قضى فِي الطَّرِيق لَعَلَّه فِيمَا كَانَ فِيهِ نَص أَو مَسْأَلَة لَا تحْتَاج إِلَى فكر دون مَا غامض.
قَوْله: فِي الطَّرِيق أَي: حَال كَونه فِي الطَّرِيق، وَوصل هَذَا مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات عَن شَبابَُة عَن مُوسَى بن يسَار، قَالَ: رَأَيْت يحيى بن يعمر على الْقَضَاء بمرو، فَرُبمَا رَأَيْته يقْضِي فِي السُّوق وَفِي الطَّرِيق، وَرُبمَا جَاءَهُ الخصمان وَهُوَ على حمَار فَيَقْضِي بَينهمَا.

وقَضَى الشَّعْبِيُّ عَلى بابُِ دَارِهِ.
الشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل بن عبد الله أَبُو عمر، ونسبته إِلَى شعب من هَمدَان، مَاتَ فِي أول سنة سِتّ وَمِائَة وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة،.

     وَقَالَ  مَنْصُور بن عبد الرحمان الفداني عَن الشّعبِيّ: أدْركْت خَمْسمِائَة من أَصْحَاب رَسُول الله يَقُولُونَ عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر فِي الْجنَّة، وروى عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ مِنْهُم الإِمَام أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: على بابُُ دَاره أَي: حَال كَونه على بابُُ دَاره،.

     وَقَالَ  ابْن سعد فِي الطَّبَقَات أخبرنَا أَبُو نعيم أخبرنَا ابْن أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو إِسْرَائِيل، رَأَيْت الشّعبِيّ يقْضِي عِنْد بابُُ الْفِيل بِالْكُوفَةِ.



[ قــ :6771 ... غــ :7153 ]
- حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ، حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ سالِمِ بنِ أبي الجَعْد، حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، بَيْنما أَنا والنبيُّ خارِجانِ مِنَ المَسْجِدِ فَلَقِينا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجدِ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله مَتَّى السَّاعَةَ؟ قَالَ النبيُّ مَا أعْدَدْتَ لَها فكأنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ ثُمَّ قَالَ: يَا رسولَ الله مَا أعْدَدْتُ لَها كَثِيرَ صِيامٍ وَلَا صَلاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ، ولاكِنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ.
قَالَ: أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: عِنْد سدة الْمَسْجِد لِأَن السدة فِي قَوْله هِيَ الساحة أَمَام الْبَيْت.
وَقيل: هِيَ بابُُ الدَّار، وَقيل: هِيَ المظلة على الْبابُُ لوقاية الْمَطَر وَالشَّمْس، وَقيل: عتبَة الدَّار، وَقيل لإسماعيل بن عبد الرحمان: السّديّ، لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيع المقانع عِنْد سدة مَسْجِد الْكُوفَة، وَهِي بِضَم السِّين وَتَشْديد الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ.

وَعُثْمَان شيخ البُخَارِيّ أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسَالم بن أبي الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَاسم أبي الْجَعْد رَافع الْأَشْجَعِيّ مَوْلَاهُم الْكُوفِي، مَاتَ فِي سنة تسع أَو ثَمَان وَتِسْعين فِي ولَايَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك.

والْحَدِيث مضى فِي الْأَدَب عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: مَا أَعدَدْت لَهَا؟ كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا عددت، بِالتَّشْدِيدِ مثل أَي: مَا هيأت للساعة واستعددت لَهَا؟ قَوْله: استكان أَي: خضع وَهُوَ من بابُُ استفعل من السّكُون الدَّال على الخضوع،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أَي: سكن.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: استكان افتعل من السّكُون، فالمد شَاذ، وَقيل: استفعل من السّكُون فالمد قِيَاس.
قَوْله: كثير صِيَام بالثاء الْمُثَلَّثَة عِنْد الْبَعْض وَعند الْأَكْثَرين بِالْبَاء الْمُوَحدَة.