فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمور الإسلام

( بابُُ الحُجَّةِ عَلى مَنْ قَالَ: إنَّ أحكامَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَتْ ظاهِرَةً، وَمَا كانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ عنْ مَشاهِدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأمُورِ الإسْلامِ) 2.

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْحجَّة إِلَى آخِره، عقد هَذَا الْبابُُ لبَيَان أَن كثيرا من أكَابِر الصَّحَابَة كَانَ يغيب عَن مشَاهد النَّبِي ويفوت عَنْهُم مَا يَقُوله أَو يَفْعَله من الْأَفْعَال التكليفية، فيستمرون على مَا كَانُوا اطلعوا عَلَيْهِ إِمَّا على الْمَنْسُوخ لعدم اطلاعهم على النَّاسِخ، وَإِمَّا على الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة، ثمَّ أَخذ بَعضهم من بعض مِمَّا رَوَاهُ عَن رَسُول الله فَهَذَا الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على جلالة قدره لم يعلم النَّص فِي الْجدّة حَتَّى أخبرهُ مُحَمَّد بن مسلمة والمغيرة بِالنَّصِّ فِيهَا، وَهَذَا عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَجَعَ إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الاسْتِئْذَان، وَهُوَ حَدِيث الْبابُُ وأمثال هَذَا كَثِيرَة، وَيرد بِهَذَا الْبابُُ على الرافضة وَقوم من الْخَوَارِج زَعَمُوا أَن أَحْكَامه وسنته منقولة عَنهُ نقل تَوَاتر، وَأَنه لَا يجوز الْعَمَل بِمَا لم ينْقل متواتراً، وَهُوَ مَرْدُود بِمَا صَحَّ أَن الصَّحَابَة كَانَ يَأْخُذ بَعضهم من بعض، وَيرجع بَعضهم إِلَى رِوَايَة غَيره عَن رَسُول الله وانعقد الْإِجْمَاع على القَوْل بِالْعَمَلِ بأخبار الْآحَاد.
قَوْله: كَانَت ظَاهِرَة أَي: للنَّاس لَا تخفى إلاَّ على النَّادِر.
قَوْله: وَمَا كَانَ يغيب، عطف على مقول القَوْل، وَكلمَة: مَا، نَافِيَة أَو عطف على الْحجَّة فَمَا مَوْصُولَة.
قَوْله: عَن مشَاهد النَّبِي وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: مُشَاهدَة، ويروى: عَن مشْهد النَّبِي بِالْإِفْرَادِ، وَوَقع فِي مستخرج أبي نعيم: وَمَا كَانَ يُفِيد بَعضهم بَعْضًا، بِالْفَاءِ وَالدَّال من الإفادة.



[ قــ :6959 ... غــ :7353 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، حدْثني عطَاءٌ، عَن عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أبُو مُوساى عَلى عُمَرَ فَكأنّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولاً، فَرَجَعَ فَقَالَ عُمَرُ: ألَمْ أسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ الله بن قَيسٍ؟ ائْذَنُوا لهُ؟ فَدُعِي لهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إنّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهاذَا، قَالَ: فأتِنِي عَلى هاذا بِبَيِّنَةٍ أوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ، فانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأنْصارِ فقالُوا: لَا يَشْهَدُ إلاّ أصاغِرُنا، فَقامَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهاذَا، فَقَالَ عُمَرُ: خَفيَ عَلَيَّ هاذا مِنْ أمْر النبيِّ ألْهاني الصَّفْقُ بِالأسْوَاقِ.

انْظُر الحَدِيث 2062 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما خَفِي عَلَيْهِ أَمر الاسْتِئْذَان رَجَعَ إِلَى قَول أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي قَوْله: قد كُنَّا نؤمر بِهَذَا أَي: بالاستئذان، فَدلَّ هَذَا على أَن خبر الْوَاحِد يعْمل بِهِ، وَأَن بعض السّنَن كَانَ يخفى على بعض الصَّحَابَة، وَأَن الشَّاهِد مِنْهُم يبلغ الْغَائِب مَا شهد، وَإِن الْغَائِب كَانَ يقبله مِمَّن حَدثهُ ويعتمده وَيعْمل بِهِ.
فَإِن قلت: طلب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْبَيِّنَة يدل على أَنه لَا يحْتَج بِخَبَر الْوَاحِد.
قلت: فِيهِ دَلِيل على أَنه حجَّة لِأَنَّهُ بانضمام خبر أبي سعيد إِلَيْهِ لَا يصير متواتراً.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ فِي كتاب بَدْء الْإِسْلَام: أَرَادَ عمر التثبت لَا أَنه لَا يُجِيز خبر الْوَاحِد.

وَيحيى فِي السَّنَد هُوَ الْقطَّان يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ.
قَالَ: اسْتَأْذن أَبُو مُوسَى وَهُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مَضَت قَضِيَّة أبي مُوسَى مَعَ عمر بن الْخطاب فِي كتاب الاسْتِئْذَان فِي: بابُُ التَّسْلِيم والاستئذان ثَلَاثًا.
مَا حملك على مَا صنعت؟ أَي: من الرُّجُوع وَعدم التَّوَقُّف.
قَوْله: قد كُنَّا نؤمر قَالَ الأصوليون: مثله يحمل على أَن الْآمِر بِهِ هُوَ النَّبِي، وَهُوَ قَوْله: إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع.
قَوْله: فَقَالُوا الْقَائِل أَولا هُوَ أُبي بن كَعْب ثمَّ تبعه الْأَنْصَار فِي ذَلِك.
قَوْله: فَقَامَ أَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك.
قَوْله: ألهاني أَي: شغلني الصفق وَهُوَ ضرب الْيَد على الْيَد للْبيع.





[ قــ :6960 ... غــ :7354 ]
- حدّثنا عَليٌّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثني الزُّهرِيُّ أنّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأعْرَجِ يَقُولُ أَخْبرنِي أبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَن أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَلى رسولِ الله وَالله المَوْعِدُ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكيناً ألْزَمُ رسُولَ الله عَلى ملْءِ بَطْنِي، وَكَانَ المُهاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأسْواقِ، وكانَتِ الأنْصارُ يَشْغَلُهُمُ القِيامُ عَلى أمْوالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُول الله ذاتَ يَوْمٍ.

     وَقَالَ : مَنْ يَبْسُطْ رِداءَهُ حتَّى أقْضِيَ مَقالَتِي ثُمَّ يَقْبِضُهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئاً سَمِعَهُ مِنِّي فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كانَتْ عَلَيَّ فَوَالّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْهُ.

ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا هُرَيْرَة أخبر عَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، من أَقْوَاله وأفعاله مَا غَابَ عَنهُ كثير من الصَّحَابَة، وَلما بَلغهُمْ مَا سَمعه قبلوه وَعمِلُوا بِهِ فَدلَّ على أَن خبر الْوَاحِد يقبل وَيعْمل بِهِ.
وَفِيه حجَّة على الَّذين يشترطون التَّوَاتُر فِي أَخْبَار النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم.

وَعلي هُوَ ابْن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، والأعرج عبد الرحمان بن هُرْمُز.

والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب الْبيُوع بأطول مِنْهُ من وَجه آخر وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ حفظ الْعلم من حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج.

قَوْله: وَالله الْموعد جملَة مُعْتَرضَة، وَمرَاده من هَذَا يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي: يظْهر أَنكُمْ على الْحق فِي الْإِنْكَار أَو إِنِّي عَلَيْهِ فِي الْإِكْثَار.
قَوْله: على ملْء بَطْني بِكَسْر الْمِيم والهمزة فِي آخِره، أَرَادَ بِهِ سد جوعته.
قَوْله: على أَمْوَالهم أَي: على مَزَارِعهمْ وَالْمَال وَإِن كَانَ عَاما لكنه قد يخص بِنَوْع مِنْهُ وَلم يكن للْأَنْصَار إِلَّا الْمزَارِع.
قَوْله: ثمَّ يقبضهُ بِالرَّفْع.
قَوْله: فَلَنْ ينسى هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَنقل ابْن التِّين أَنه وَقع فِي الرِّوَايَة: فَلَنْ ينس، بالنُّون والجزم وروى عَن الْكسَائي أَنه قَالَ: الْجَزْم بلن لُغَة لبَعض الْعَرَب، ويروى: فَلم ينس.
قَوْله: سَمعه مني ويروى: يسمعهُ، بِصُورَة الْمُضَارع.