فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الكلام في الأذان

( قَولُهُ بَابُ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ)
أَيْ فِي أَثْنَائِهِ بِغَيْرِ أَلْفَاظِهِ وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي عَدَمِ الْجَزْمِ بِالْحُكْمِ الَّذِي دَلَالَتُهُ غَيْرُ صَرِيحَةٍ لَكِنَّ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِيهِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يخْتَار الْجَوَاز وَحكى بن الْمُنْذِرِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا عَنْ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَعَن النَّخعِيّ وبن سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ الْكَرَاهَةُ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ الْمَنْعُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ يُكْرَهُ إِلَّا إِنْ كَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذر لظَاهِر حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَدْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ بَلِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ مَشْرُوعٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَذَانِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ .

     قَوْلُهُ  وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ فِي الْعَسْكَرِ فَيَأْمُرُ غُلَامَهُ بِالْحَاجَةِ فِي أَذَانِهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ لَمْ أَرَهُ مَوْصُولًا وَالَّذِي أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ جَوَازَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ قَيْدِ الضَّحِكِ قِيلَ مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الضَّحِكَ إِذَا كَانَ بِصَوْتٍ قَدْ يَظْهَرُ مِنْهُ حَرْفٌ مُفْهِمٌ أَوْ أَكْثَرُ فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَمَنْ مَنَعَ الْكَلَامَ فِي الْأَذَانِ أَرَادَ أَنْ يُسَاوِيَهُ بِالصَّلَاةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ تَعَمُّدَ الضَّحِكِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ حَرْفٌ فَاسْتَوَى مَعَ الْكَلَامِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِعَمْدِهِ



[ قــ :599 ... غــ :616] .

     قَوْلُهُ  حَمَّادٌ هُوَ بن زيد وَعبد الحميد هُوَ بن دِينَارٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْبَصْرِيُّ بن عَم بن سِيرِينَ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَرِوَايَةُ الثَّلَاثَةِ عَنْهُ مِنْ بَابِ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَقَدْ جَمَعَهُمْ حَمَّادٌ كَمُسَدَّدٍ كَمَا هُنَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَكَانَ حَمَّادُ رُبَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابِ هَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الحجي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَعَنْ عَاصِمٍ فَرَّقَهُمَا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى مِنْهَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَحُكِيَ عَنْ وُهَيْبٍ أَنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَا سَمِعْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِمُسَدَّدٍ فِيهِ شَيْخٌ آخر وَهُوَ بن عُلَيَّةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ إِنْ شَاءَ الله قَوْله خَطَبنَا اسْتدلَّ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتِ الْجُمُعَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَة بن عُلَيَّةَ وَلَفْظُهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ .

     قَوْلُهُ  فِي يَوْمِ رَزْغٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ هُنَا وَلِابْنِ السَّكَنِ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الزَّايِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهَا أَشْهَرُ.

     وَقَالَ  وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ فَإِنَّهُ الِاسْمُ وَبِالسُّكُونِ الْمَصْدَرُ انْتَهَى وَبِالْفَتْحِ رِوَايَةُ الْقَابِسِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الرَّزْغُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ فِي الثِّمَادِ وَقِيلَ إِنَّهُ طِينُ وَحْلٍ وَفِي الْعَيْنِ الرَّدْغَةُ الْوَحْلُ وَالرَّزْغَةُ أَشَدُّ مِنْهَا وَفِي الْجَمْهَرَةِ وَالرَّدْغَةُ وَالرَّزْغَةُ الطِّينُ الْقَلِيلُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَنْبِيهٌ وَقَعَ هُنَا يَوْمَ رَزْغٍ بِالْإِضَافَة وَفِي رِوَايَة الحجي الْآتِيَةِ فِي يَوْمٍ ذِي رَزْغٍ وَهِيَ أَوْضَحُ وَفِي رِوَايَة بن عُلَيَّةَ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ كَذَا فِيهِ وَكَأَنَّ هُنَا حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَهَا فَأمره وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة بن عُلَيَّةَ إِذَا.

قُلْتُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله فَلَا تقل حىعلى الصَّلَاة وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بن خُزَيْمَة وَتَبعهُ بن حِبَّانَ ثُمَّ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ حَذَفَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْمَطَرِ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ وَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ يُنَاقِضُ ذَلِكَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَذَانِ وَآخَرُ أَنَّهُ يَقُولُهُ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ مَا تَقَدَّمَ وَقَولُهُ الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ بِنَصْبِ الصَّلَاةِ وَالتَّقْدِيرُ صَلُّوا الصَّلَاةَ وَالرِّحَالُ جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ مَسْكَنُ الرَّجُلِ وَمَا فِيهِ مِنْ أَثَاثِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تقال فِي نفس الْأَذَان وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ يَعْنِي الْآتِي فِي بَابِ الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ أَنَّهَا تُقَالُ بَعْدَهُ قَالَ وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ بَعْدَهُ أَحْسَنُ لِيَتِمَّ نَظْمُ الْأَذَانِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ يَقُولُ لَا يَقُولُهُ إِلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالف لصريح حَدِيث بن عَبَّاسٍ انْتَهَى وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُزَادُ مُطْلَقًا إِمَّا فِي أَثْنَائِهِ وَإِمَّا بَعْدَهُ لَا أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ تقدم عَن بن خُزَيْمَةَ مَا يُخَالِفُهُ وَقَدْ وَرَدَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ قَالَ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصُّبْحِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَمَنَّيْتُ لَوْ قَالَ وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ فَلَمَّا قَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ قَالَهَا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ فَعَلَ هَذَا كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ نَظَرِهِمُ الْإِنْكَارَ وَفِي رِوَايَة الحجي كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِك وَفِي رِوَايَة بن عُلَيَّةَ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  مَنْ هُوَ خير مِنْهُ وللكشميهني مِنْهُم وللحجى مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي أَصْلِ الرِّوَايَةِ وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْبَابِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤَذِّنِ يَعْنِي فَعَلَهُ مُؤَذِّنُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْمُؤَذِّنِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَفِيهَا نَظَرٌ وَلَعَلَّ مَنْ أَذَّنَ كَانُوا جَمَاعَةً إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً أَوْ أَرَادَ جِنْسَ الْمُؤَذِّنِينَ أَوْ أَرَادَ خَيْرٌ مِنَ الْمُنْكِرِينَ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّهَا أَيِ الْجُمُعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَزْمَةٌ بِسُكُونِ الزَّاي ضد الرُّخْصَة زَاد بن عُلَيَّةَ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطين وَفِي رِوَايَة الحجي مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ إِنِّي أُؤَثِّمُكُمْ وَهِيَ تُرَجِّحُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أُحْرِجُكُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي رِوَايَة جرير عَن عَاصِم عِنْد بن خُزَيْمَةَ أَنْ أُخْرِجَ النَّاسَ وَأُكَلِّفَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا الْخَبَثَ مِنْ طُرُقِهِمْ إِلَى مَسْجِدِكُمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِسُقُوطِ الْجُمُعَةِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنْكَرَهَا الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ بَلِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَذَانِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ سَاغَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ الْمَعْهُودِ وَطَرِيقُ بَيَانِ الْمُطَابَقَةِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمَّا جَازَتْ زِيَادَتُهُ فِي الْأَذَانِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ لمن يحْتَاج إِلَيْهِ