فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل صلاة الفجر في جماعة

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ أَخَصُّ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا وَمُنَاسَبَةُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهَا مِنْ قَوْلِهِ وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَزِيَّةٍ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ عَلَى غَيرهَا وَزعم بن بَطَّالٍ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَتَجْتَمِعُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الدَّرَجَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ تُؤْخَذُ من ذَلِك وَلِهَذَا عقبه بِرِوَايَة بن عُمَرَ الَّتِي فِيهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الِاجْتِمَاعِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ فَضْلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنَ الْمَوَاقِيتِ



[ قــ :630 ... غــ :648] .

     قَوْلُهُ  بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي نُكَتِهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسٍ بِحَذْفِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ أَوَّلِهِ وَالْهَاءِ مِنْ آخِرِهِ قَالَ وَخَفْضُ خَمْسٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالْأَكُفِّ الْأَصَابِعُ أَيْ إِلَى كُلَيْبٍ.
وَأَمَّا حَذْفُ الْهَاءِ فَعَلَى تَأْوِيلِ الْجُزْءِ بِالدَّرَجَةِ انْتَهَى وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً .

     قَوْلُهُ  قَالَ شُعَيْبٌ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ أَيْ بِالْحَدِيثِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ نَافِعٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَطَرِيقُ شُعَيْبٍ هَذِهِ مَوْصُولَةٌ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَالتَّقْدِيرُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ شُعَيْبٌ وَنَظَائِرُ هَذَا فِي الْكِتَابِ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ طَرِيقَ شُعَيْبٍ هَذِهِ إِلَّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَسْتَخْرِجْهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ وَلَا أَوْرَدَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ فِي تَرْجَمَةِ شُعَيْبٍ





[ قــ :631 ... غــ :650] .

     قَوْلُهُ  سَمِعت سالما هُوَ بن أَبِي الْجَعْدِ وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ هِيَ الصُّغْرَى التَّابِعِيَّةُ لَا الْكُبْرَى الصَّحَابِيَّةُ لِأَنَّ الْكُبْرَى مَاتَتْ فِي حَيَاةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَاشَتِ الصُّغْرَى بَعْدَهُ زَمَانًا طَوِيلًا وَقَدْ جَزَمَ أَبُو حَاتِمٍ بِأَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَعَلَى هَذَا لَمْ يُدْرِكْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ الْكُبْرَى وَفَسَّرَهَا الْكِرْمَانِيُّ هُنَا بِصِفَاتِ الْكُبْرَى وَهُوَ خَطَأٌ لِقَوْلِ سَالِمٍ سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ اسْمَ الصُّغْرَى هَجِيمَةُ وَالْكُبْرَى خَيِّرَةُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَكَرِيمَةَ وَلِلْبَاقِينَ مِنْ مُحَمَّدٍ بِحَذْف الْمُضَاف وَعَلِيهِ شرح بن بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ فَقَالَ يُرِيدُ مِنْ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ شَيْئًا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَكَذَا سَاقَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي جَمْعِهِ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدٍ وَمُسْتَخْرَجَيِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَعِنْدَهُمْ مَا أَعْرِفُ فِيهِمْ أَيْ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَكَأَنَّ لَفْظَ فِيهِمْ لَمَّا حُذِفَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ صَحَّفَ بَعْضُ النَّقَلَةِ أَمْرَ بِأُمَّةٍ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ فِي أَنَّهُمْ عَلَى الْأُمَّةِ .

     قَوْلُهُ  يُصَلُّونَ جَمِيعًا أَيْ مُجْتَمِعِينَ وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ وَتَقْدِيرُهُ الصَّلَاةُ أَوِ الصَّلَوَاتُ وَمُرَادُ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ أَعْمَالَ الْمَذْكُورِينَ حَصَلَ فِي جَمِيعهَا النَّقْصُ وَالتَّغْيِيرُ إِلَّا التَّجْمِيعَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ لِأَنَّ حَالَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ كَانَ أَتَمَّ مِمَّا صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَهَا ثُمَّ كَانَ فِي زَمَنِ الشَّيْخَيْنِ أَتَمَّ مِمَّا صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَهُمَا وَكَأَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَصْرُ الْفَاضِلُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَكَيْفَ بِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنَ الطَّبَقَاتِ إِلَى هَذَا الزَّمَانِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْغَضَبِ عِنْدَ تَغَيُّرِ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِإِظْهَارِ الْغَضَبِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَالْقَسَمُ عَلَى الْخَبَرِ لِتَأْكِيدِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ





[ قــ :63 ... غــ :651] .

     قَوْلُهُ  أَبْعَدَهُمْ فَأَبْعَدَهُمْ مَمْشًى أَيْ إِلَى الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ بَابٍ وَاحِدٍ .

     قَوْلُهُ  مَعَ الْإِمَامِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي جَمَاعَةٍ وَبَيَّنَ أَنَّهَا رِوَايَةُ أَبِي كُرَيْبٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ أَيْ سَوَاءٌ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَفَاوَتُ كَمَا تَقَدَّمَ تَكْمِيلٌ اسْتُشْكِلَ إِيرَادُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ذِكْرٌ بَلْ آخِرُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ فِي الْعشَاء وَوَجهه بن الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي زِيَادَةِ الْأَجْرِ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ بِالْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَشْيُ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ أَشَقُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْعِشَاءُ فِي الْمَشْيِ فِي الظُّلْمَةِ فَإِنَّهَا تَزِيدُ عَلَيْهَا بِمُفَارَقَةِ النَّوْمِ الْمُشْتَهَى طَبْعًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الشُّرَّاحِ نَبَّهَ عَلَى مُنَاسَبَةِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِلتَّرْجَمَةِ إِلَّا الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ تَدْخُلُ صَلَاةُ الْفَجْرِ فِي قَوْلِهِ يُصَلُّونَ جَمِيعًا وَهِيَ أَخَصُّ بِذَلِكَ من بَاقِي الصَّلَوَات وَذكر بن رَشِيدٍ نَحْوَهُ وَزَادَ أَنَّ اسْتِشْهَادَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ قُرْآنَ الْفجْر كَانَ مشهودا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهَا آكَدٌ وَأَقُولُ تَفَنَّنَ الْمُصَنِّفُ بِإِيرَادِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ فِي الْبَابِ إِذْ تُؤْخَذُ الْمُنَاسَبَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَفْظُ التَّرْجَمَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ فَضْلُ الْفَجْرِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ ثُبُوتُ الْفَضْلِ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ شَاهِدٌ لِلْأَوَّلِ وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ شَاهِدٌ لِلثَّانِي وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى شَاهد لَهما وَالله أعلم