فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج

( قَولُهُ بَابُ إِذَا دُعِيَ الْإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)
قِيلَ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَكْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ يَرَى التَّفْصِيلَ وَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِالْإِمَامِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى تَخْصِيصَهُ بِهِ.
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَالْأَمْرُ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمْ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِيمَا سَبَقَ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَ ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِالْعَزِيمَةِ فَقَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّعَامِ وَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالرُّخْصَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى مُدَافَعَةِ الشَّهْوَةِ قُوَّتُهُ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ انْتَهَى وَيُعَكِّرُ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ اتُّفِقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنَّهُ قَضَى حَاجته من الْأكل فَلَا تتمّ الدَّلَالَةُ بِهِ وَإِبْرَاهِيمُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ بن سعد وَصَالح هُوَ بن كيسَان والإسناد كُله مدنيون قَولُهُ بَابُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِحُكْمِ الطَّعَامِ كُلُّ أَمْرٍ يَكُونُ لِلنَّفْسِ تَشَوُّفٌ إِلَيْهِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لِلصَّلَاةِ وَقْتٌ فِي الْغَالِبِ وَأَيْضًا فَوَضْعُ الطَّعَامِ بَيْنَ يَدَيِ الْآكِلِ فِيهِ زِيَادَةُ تَشَوُّفٍ وَكُلَّمَا تَأَخَّرَ تَنَاوُلُهُ ازْدَادَ بِخِلَافِ بَاقِي الْأُمُورِ وَمَحَلُّ النَّصِّ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَى وَصْفِ يُمكن اعْتِبَارِهِ يَتَعَيَّنُ عَدَمُ إِلْغَائِهِ



[ قــ :655 ... غــ :676] .

     قَوْلُهُ  فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْهَاءِ فِيهِمَا وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالْخِدْمَةِ وَهِيَ مِنْ تَفْسِيرِ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ شَيْخِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْأَدَبِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ وَفِي النَّفَقَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَغُنْدَرٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ من طَرِيق بن مَهْدِيٍّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِدُونِهَا وَفِي الصِّحَاحِ الْمَهْنَةُ بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ لَكِنْ فَسَّرَهَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ بِأَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَهْنَةُ الْحِذْقُ بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ فِي مَهْنَةِ بَيْتِ أَهْلِهِ وَهِيَ مُوَجَّهَةٌ مَعَ شُذُوذِهَا وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ نَفْسُهُ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي الشَّمَائِلِ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ مَا كَانَ إِلَّا بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يُفَلِّي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ وَلِأَحْمَدَ وبن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْهَا يَخِيطُ ثَوْبَهُ ويخصف نَعله وَزَاد بن حِبَّانَ وَيَرْقَعُ دَلْوَهُ زَادَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَلَا رَأَيْتُهُ ضَرَبَ بِيَدِهِ امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا قَوْله فَإِذا حضرت الصَّلَاة فِي رِوَايَة بن عَرْعَرَةَ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ أَخَصُّ وَوَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهِيَ أَخَصُّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِهَا الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابُ مَنِ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ فَإِنَّ فِيهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّشْمِيرُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ كَفِّ الشَّعْرِ وَالثِّيَابِ لِلتَّنْزِيهِ لِكَوْنِهَا لَمْ تَذْكُرْ أَنَّهُ أَزَاحَ عَنْ نَفْسِهِ هَيْئَةَ الْمَهْنَةِ كَذَا ذكره بن بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ هَيْئَتَانِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِ التَّهْيِئَةِ لِلصَّلَاةِ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ التَّكَبُّرِ وَخِدْمَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَدَبِ كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ