فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

( قَولُهُ بَابُ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ)
أَيْ فِي حَالِ الْقِيَامِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ هَذَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ لَهُمْ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي



[ قــ :719 ... غــ :740] .

     قَوْلُهُ  عَلَى ذِرَاعِهِ أَبْهَمَ مَوْضِعَهُ مِنَ الذِّرَاعِ وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى والرسغ والساعد وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِدُونِ الزِّيَادَةِ وَالرُّسْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ هُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ وَسَيَأْتِي أَثَرُ عَلِيٍّ نَحْوُهُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا مَحَلَّهُمَا مِنَ الْجَسَدِ وَقَدْ روى بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَالْبَزَّارُ عِنْدَ صَدْرِهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ هُلْبٍ الطَّائِيِّ نَحْوُهُ وَهُلْبٌ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَفِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَاعْتَرَضَ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ فَقَالَ هَذَا مَعْلُولٌ لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْ أَبِي حَازِمٍ وَرُدَّ بِأَنَّ أَبَا حَازِمٍ لَوْ لَمْ يَقُلْ لَا أَعْلَمُهُ إِلَخْ لَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نُؤْمَرُ بِكَذَا يُصْرَفُ بِظَاهِرِهِ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الشَّرْعِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ الشَّرْعُ وَمِثْلُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأطلق الْبَيْهَقِيّ أَنه لَا خِلَافٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَرَدَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ وصحيح بن السَّكَنِ شَيْءٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ عَلَى تَعْيِينِ الْآمِرِ والمأمور فروى عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَدِيَ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى فَنَزَعَهَا وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قِيلَ لَوْ كَانَ مَرْفُوعًا مَا احْتَاجَ أَبُو حَازِمٍ إِلَى قَوْلِهِ لَا أَعْلَمُهُ إِلَخْ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى التَّصْرِيحِ فَالْأَوَّلُ لَا يُقَالُ لَهُ مَرْفُوعٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي هَذِهِ الْهَيْئَةِ أَنَّهُ صِفَةُ السَّائِلِ الذَّلِيلِ وَهُوَ أَمْنَعُ مِنَ الْعَبَثِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَحِظَ ذَلِكَ فَعَقَّبَهُ بِبَابِ الْخُشُوعِ وَمِنَ اللَّطَائِفِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ الْقَلْبُ مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَالْعَادَةُ أَنَّ مَنِ احْتَرَزَ عَلَى حِفْظِ شَيْءٍ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَلم يحك بن الْمُنْذر وَغَيره عَن مَالك غَيره وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْإِرْسَالَ وَصَارَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَعَنْهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَمِنْهُمْ من كره الْإِمْسَاك وَنقل بن الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ يُمْسِكُ مُعْتَمِدًا لِقَصْدِ الرَّاحَة .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو حَازِمٍ يَعْنِي رَاوِيَهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ لَا أَعْلَمُهُ أَيْ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ إِلَّا يَنْمِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ نَمَيْتُ الْحَدِيثَ إِلَى غَيْرِي رَفَعْتُهُ وَأَسْنَدْتُهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مَعْنُ بن عِيسَى وبن يُوسُف عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَزَاد بن وَهْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ يَرْفَعُ ذَلِكَ وَمِنِ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِذَا قَالَ الرَّاوِي يُنْمِيهِ فَمُرَادُهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال إِسْمَاعِيلُ يُنْمَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يُنْمِي الْأَوَّلُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بِلَفْظِ الْمَجْهُولِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَنْفِيُّ كَرِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ فَيَكُونُ مُرْسَلًا لِأَنَّ أَبَا حَازِمٍ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ نَمَّاهُ لَهُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ الضَّمِيرُ لِسَهْلٍ شَيْخُهُ فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَإِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ وَقَرَأْتُ بِخَطِّ مُغْلَطَايْ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي وَكَأَنَّهُ رَأَى الْحَدِيثَ عِنْدَ الْجَوْزَقِيِّ والْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ فَظَنَّ أَنَّهُ الْمُرَادُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ وَهُوَ أَصْغَرُ سِنًّا مِنَ الْبُخَارِيِّ وَأَحْدَثُ سَمَاعًا وَقَدْ شَارَكَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِهِ الْبَصْرِيِّينَ الْقُدَمَاءِ وَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ عَلَى هَذِه الرِّوَايَة عَن مَالك سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ تَنْبِيهٌ حَكَى فِي الْمَطَالِعِ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَعْنَبِيِّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَنَمَى قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الزَّجَّاجَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ فَعَلْتُ وَأَفْعَلْتُ نَمَيْتُ الْحَدِيثَ وَأَنْمَيْتُهُ وَكَذَا حَكَاهُ بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالَّذِي ضَبَطْنَاهُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ فَلَعَلَّ الضَّمَّ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ فِي الْمُوَطَّأِ وَاللَّهُ أعلم