فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التسبيح والدعاء في السجود

( قَولُهُ بَابُ التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي بَابِ الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ



[ قــ :796 ... غــ :817] .

     قَوْلُهُ  يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ كَذَا فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَعْمَشُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ ابْتِدَاءُ هَذَا الْفِعْلِ وَأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظُهُ مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح إِلَّا يَقُولُ فِيهَا الْحَدِيثَ قِيلَ اخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ حَالَهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا انْتَهَى وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا بَلْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ بَيَانُ الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ .

     قَوْلُهُ  يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ أَيْ يَفْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ فِيهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ بَعْضُهُ وَهُوَ السُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالذِّكْرُ الْمَذْكُور وَوَقع فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى فسبح بِحَمْد رَبك الْآيَةَ وَفِي هَذَا تَعْيِينُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى فسبح بِحَمْد رَبك لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِسَبِّحْ نَفْسَ الْحَمْدِ لِمَا تَضَمَّنَهُ الْحَمْدُ مِنْ مَعْنَى التَّسْبِيحِ الَّذِي هُوَ التَّنْزِيهُ لِاقْتِضَاءِ الْحَمْدِ نِسْبَةَ الْأَفْعَالِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهَا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَعَلَى هَذَا يَكْفِي فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَمد وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَسَبِّحْ مُتَلَبِّسًا بِالْحَمْدِ فَلَا يَمْتَثِلُ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَإِبَاحَةُ التَّسْبِيحِ فِي السُّجُودِ وَلَا يُعَارِضُهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ.
وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى الْجَوَازِ وَذَلِكَ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ فِي السُّجُودِ بِتَكْثِيرِ الدُّعَاءِ لِإِشَارَةِ قَوْلِهِ فَاجْتَهِدُوا وَالَّذِي وَقَعَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَيْسَ كَثِيرًا فَلَا يُعَارِضُ مَا أَمَرَ بِهِ فِي السُّجُودِ انْتَهَى وَاعْتَرَضَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِأَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ كَثِيرًا فَلَا يُعَارِضُ مَا أَمَرَ بِهِ فِي السُّجُودِ هَكَذَا نَقَلَهُ عَنهُ شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ.

     وَقَالَ  فَلْيُتَأَمَّلْ وَهُوَ عَجِيب فَإِن بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَرَادَ بِنَفْيِ الْكَثْرَةِ عَدَمَ الزِّيَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فِي الرُّكُوعِ الْوَاحِدِ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّجُودِ الْمَأْمُورِ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ الْمُشْعِرِ بِتَكْثِيرِ الدُّعَاءِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ كَانَ يُكْثِرُ تَنْبِيهٌ الْحَدِيثُ الَّذِي ذكره بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَمَّا الرُّكُوعُ إِلَخْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمَنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ وَقَمَنٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمِيمِ وَقَدْ تُكْسَرُ مَعْنَاهُ حَقِيقٌ وَجَاءَ الْأَمْرُ بِالْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ وَهُوَ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ وَالْأَمْرُ بِإِكْثَارِ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ يَشْمَلُ الْحَثَّ عَلَى تَكْثِيرِ الطَّلَبَ لِكُلِّ حَاجَةٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيَشْمَلُ التَّكْرَارَ لِلسُّؤَالِ الْوَاحِدِ وَالِاسْتِجَابَةُ تَشْمَلُ اسْتِجَابَةَ الدَّاعِي بِإِعْطَاءِ سُؤْلِهِ وَاسْتِجَابَةَ الْمُثْنِي بِتَعْظِيمِ ثَوَابِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّصْرِ وَتَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ وَالْبَحْثِ فِي السُّؤَال الَّذِي أوردهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إِذَا جَاءَ وَعَلَى قَوْلِ عَائِشَةَ مَا صَلَّى صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ إِلَّا قَالَ إِلَخْ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى