فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الوتر في السفر

( قَولُهُ بَابُ الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ)
أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي السَّفَرِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الضَّحَّاك وَأما قَول بن عُمَرَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا فِي السَّفَرِ لَأَتْمَمْتُ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ رَاتِبَةَ الْمَكْتُوبَةِ لَا النَّافِلَةَ الْمَقْصُودَةَ كَالْوِتْرِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ لَا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَلَوْ كُنْتُ مُصَلِّيًا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لَأَتْمَمْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ نَوَافِلِ النَّهَارِ وَنَوَافِلِ اللَّيْل فَإِن بن عُمَرَ كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَعَلَى دَابَّتِهِ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَقَدْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ مَا قَالَ



[ قــ :969 ... غــ :1000] .

     قَوْلُهُ  إِلَّا الْفَرَائِضَ أَيْ لَكِنِ الْفَرَائِضُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَكَانَ لَا يُصَلِّيهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوبُ الْوِتْرِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَوْقَعَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ أَيْضًا أَنْ يُوقِعَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى تَكَلُّفِ هَذَا الْجَمْعِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفَرِيضَة لَا تصلي على الرَّاحِلَة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ دُخُولَ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ مِمَّا يَكْثُرُ عَلَى الْمُسَافِرِ فَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ دَائِمًا يُشْعِرُ بِالْفَرْقِ بَيْنهَا وَبَيْنَ النَّافِلَةِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَأَجَابَ مَنِ ادَّعَى وُجُوبَ الْوِتْرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْوَاجِبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْفَرْضِ نَفْيُ الْوَاجِبِ وَهَذَا يتَوَقَّف على أَن بن عُمَرَ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَقَدْ بَالَغَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَادَّعَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ انْفَرَدَ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ وَلَمْ يُوَافِقْهُ صَاحِبَاهُ مَعَ أَن بن أبي شَيْبَةَ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَهُ عَنْ مُجَاهِد الْوتر وَاجِب وَلم يثبت وَنَقله بن الْعَرَبِيِّ عَنْ أَصْبَغَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَوَافَقَهُ سَحْنُونُ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَنْ تَرَكَهُ أدب وَكَانَ جرحة فِي شَهَادَته