فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الصلاة في كسوف الشمس

( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ)
أَيْ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَهُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ وَفِي الصِّفَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَصَرَّحَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بِوُجُوبِهَا وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجْرَاهَا مَجْرَى الْجُمُعَةِ وَنَقَلَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَهَا وَكَذَا نَقَلَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الصِّفَةِ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا خَالِد هُوَ بن عبد الله الطَّحَّان وَيُونُس هُوَ بن عُبَيْدٍ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَتَرْجَمَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مُتَّصِلَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مُنْقَطِعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِالْإِخْبَارِ فِيهِ بَعْدِ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَهُوَ يُؤَيِّدُ صَنِيعَ الْبُخَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  فَانْكَسَفَتْ يُقَالُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَانْكَسَفَتْ بِمَعْنًى وَأَنْكَرَ الْقَزَّازُ انْكَسَفَتْ وَكَذَا الْجَوْهَرِيُّ حَيْثُ نَسَبَهُ لِلْعَامَّةِ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَحُكِيَ كُسِفَتْ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ نَادِرٌ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ زَادَ فِي اللِّبَاسِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يُونُسَ مُسْتَعْجِلًا وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ مِنَ الْعَجَلَةِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَزِعَ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أَدْرَكَ بِرِدَائِهِ يَعْنِي أَنَّهُ أَرَادَ لُبْسَ رِدَائِهِ فَلَبِسَ الدِّرْعَ مِنْ شُغْلِ خَاطِرِهِ بِذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ جَرَّ الثَّوْبِ لَا يُذَمُّ إِلَّا مِمَّنْ قَصَدَ بِهِ الْخُيَلَاء وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بَيَانُ السَّبَبِ فِي الْفَزَعِ كَمَا سَيَأْتِي



[ قــ :1006 ... غــ :1040] .

     قَوْلُهُ  فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ زَادَ النَّسَائِيُّ كَمَا تُصَلُّونَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَحمله بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى كَمَا تُصَلُّونَ فِي الْكُسُوفِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ خَاطَبَ بِذَلِكَ أهل الْبَصْرَة وَقد كَانَ بن عَبَّاسٍ عَلَّمَهُمْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ركوعان كَمَا روى ذَلِك الشَّافِعِي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ يُونُسَ الْآتِيَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكُسُوفِ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيم بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِثْلُهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ إِنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَظَهَرَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرَةَ مُطْلَقَةٌ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي صِفَةِ الرُّكُوعِ وَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أَن فِي كل رَكْعَة ركوعين وَعند بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِهَا أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى انْجَلَتْ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِطَالَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَقَعَ الِانْجِلَاءُ وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ فَصَلُّوا وَادْعُوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ يَتَشَاغَلُ بِالدُّعَاءِ حَتَّى تنجلي وَقَررهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ جَعَلَ الْغَايَةَ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مُمْتَدًّا إِلَى غَايَةِ الِانْجِلَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَيَصِيرُ غَايَةً لِلْمَجْمُوعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ وَلَا تَكْرِيرُهَا.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ رَكْعَتَيْنِ أَيْ رُكُوعَيْنِ وَقَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنِ الرُّكُوعِ بِالرَّكْعَةِ فِي حَدِيث الْحسن خسف الْقَمَر وبن عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَقَعَ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُلَّمَا رَكَعَ رَكْعَةً أَرْسَلَ رَجُلًا يَنْظُرُ هَلِ انْجَلَتْ فَتَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ ثَبَتَ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ زَالَ الْإِشْكَالُ أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ زَادَ فِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ فَلَمَّا كَشَفَ عَنَّا خَطَبَنَا فَقَالَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِانْجِلَاءَ لَا يُسْقِطُ الْخُطْبَةَ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  لِمَوْتِ أَحَدٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ الْآتِيَةِ بَيَانُ سَبَبِ هَذَا الْقَوْلِ وَلَفْظُهُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ مَاتَ فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بن فضَالة عِنْد بن حِبَّانَ فَقَالَ النَّاسُ إِنَّمَا كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيم وَلأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى انْجَلَتْ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنَ الْعُظَمَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَدِيثَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبْطَالُ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ تَأْثِيرِ الْكَوَاكِبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكُسُوفَ يُوجِبُ حُدُوثَ تَغَيُّرٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ ضَرَرٍ فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ وَأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ خَلْقَانِ مُسَخَّرَانِ لِلَّهِ لَيْسَ لَهُمَا سُلْطَانٌ فِي غَيْرِهِمَا وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْ رَبِّهِ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ رَأَيْتُمُوهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :1007 ... غــ :1041] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ هُوَ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَهُمْ شَيْخٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ لَكِنَّهُ بَصْرِيٌّ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنَ الْكُوفِيِّ يَكُونُ فِي طَبَقَةِ شُيُوخِ شُيُوخِهِ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَحْدَهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَإِبْرَاهِيمُ بن حميد شَيْخه هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ بِضَمِّ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ خَفِيفَةٌ وَفِي طَبَقَتِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجُوا لَهُ وَإِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  آيَتَانِ أَيْ عَلَامَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ أَيِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ الْعِبَادِ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَسَطَوْتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا وَسَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا أَيِ الْآيَةَ ولِلكُشْمِيهَنِيِّ رَأَيْتُمُوهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْمَعْنَى إِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهِمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن الْمُنْذِرِ حَتَّى يَنْجَلِيَ كُسُوفُ أَيُّهُمَا انْكَسَفَ وَهُوَ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ وَأَفَادَ أَبُو عَوَانَةَ أَنَّ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَقُومُوا فَصَلُّوا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ مُعَيَّنٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عُلِّقَتْ بِرُؤْيَتِهِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنَ النَّهَارِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَقْتُهَا مِنْ وَقْتِ حِلِّ النَّافِلَةِ إِلَى الزَّوَالِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِيقَاعُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْضَى بَعْدَ الِانْجِلَاءِ فَلَوِ انْحَصَرَتْ فِي وَقْتٍ لَأَمْكَنَ الِانْجِلَاءُ قَبْلَهُ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ مَعَ كَثْرَتِهَا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا الْأَضْحَى لَكِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَلَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ مَا عَدَاهُ وَاتَّفَقَتِ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّهُ بَادَرَ إِلَيْهَا





[ قــ :1008 ... غــ :104] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي عَمْرٌو هُوَ بن الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ هُوَ بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَنِصْفُ رِجَالِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْأَعْلَى مَدَنِيُّونَ وَنِصْفُهُ الْأَدْنَى مِصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  لَا يخسفان بِفَتْح أَوله وَيجوز الضَّم وَحكى بن الصّلاح مَنعه وروى بن خُزَيْمَة وَالْبَزَّار من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَإِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَادْعُوا وَتَصَدَّقُوا .

     قَوْلُهُ  وَلَا لِحَيَاتِهِ اسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَيَاةَ وَالْجَوَابُ أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْحَيَاةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْفَقْدِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ فَعَمَّمَ الشَّارِعُ النَّفْيَ لِدَفْعِ هَذَا التَّوَهُّم



[ قــ :1009 ... غــ :1043] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ وَهَاشِمٌ هُوَ أَبُو النَّضْرِ وَشَيْبَانُ هُوَ النَّحْوِيّ قَوْله يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم يَعْنِي بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ جُمْهُورُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهُ مَاتَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فَقِيلَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَقِيلَ فِي رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ وَقيل فِي رابعه وَقِيلَ فِي رَابِعَ عَشَرَةَ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى قَوْلِ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذْ ذَاكَ بِمَكَّةَ فِي الْحَجِّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ شَهِدَ وَفَاتَهُ وَكَانَتْ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ نَعَمْ قِيلَ إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ فَإِنْ ثَبَتَ يَصِحُّ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَجَعَ مِنْهَا فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى أَهْلِ الْهَيْئَةِ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ فَرَضَ الشَّافِعِيُّ وُقُوعَ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ مَعًا وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَانْتَدَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لِدَفْعِ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ فَأَصَابُوا .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا رَأَيْتُمْ أَيْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بَعْدَ أَبْوَابٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا تَنْبِيهٌ ابْتَدَأَ الْبُخَارِيُّ أَبْوَابَ الْكُسُوفِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ بِصِفَةِ إِشَارَةٍ مِنْهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يُعْطِي أَصْلَ الِامْتِثَالِ وَإِنْ كَانَ إِيقَاعُهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَخْصُوصَةِ عِنْدَهُ أَفْضَلَ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كالْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّ صَلَاتَهَا رَكْعَتَيْنِ كَالنَّافِلَةِ لَا يُجزئ وَالله أعلم