فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من قرأ السجدة ولم يسجد



[ قــ :1036 ... غــ :1072] .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَزَعَمَ حَذَفَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ يُوهِمُ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ السُّجُودُ فِي النَّجْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ النَّجْمَ الْحَدِيثَ فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْمَوْقُوفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وِفَاقًا لِمَنْ أَوْجَبَهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  فَزَعَمَ أَرَادَ أَخْبَرَ وَالزَّعْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَقق قَلِيلا كَهَذا وعَلى الْمَشْكُوك كثيرا وَقد تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ عَلَى اللَّهِ أَرْزَاقُ الْعِبَادِ كَمَا زَعَمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَعَمَ فِي هَذَا الشِّعْرِ بِمَعْنَى ضَمِنَ وَمِنْهُ الزَّعِيمُ غَارِمٌ أَيِ الضَّامِنُ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا تَلَا عَلَى الشَّيْخِ لَا يُنْدَبُ لَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ مَا لَمْ يَسْجُدِ الشَّيْخُ أَدَبًا مَعَ الشَّيْخ وَفِيه نظر فَائِدَة اتّفق بن أَبِي ذِئْبٍ وَيَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد على بن قسيط وَخَالَفَهُمَا أَبُو صَخْر فَرَوَاهُ عَن بن قُسَيْطٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أخرجه أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ لِابْنِ قُسَيْطٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ وَزَادَ أَبُو صَخْرٍ فِي رِوَايَتِهِ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ فَلَمْ يسجدا فِيهَا



( قَولُهُ بَابُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ)
يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْمُفَصَّلَ لَا سُجُودَ فِيهِ كالمالكية أَو أَن النَّجْم بخصوصها لَا سُجُودَ فِيهَا كَأَبِي ثَوْرٍ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِي التَّرْكِ إِذْ ذَاكَ إِمَّا لِكَوْنِهِ كَانَ بِلَا وُضُوءٍ أَوْ لِكَوْنِ الْوَقْتِ كَانَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ لِكَوْنِ الْقَارِئِ كَانَ لَمْ يَسْجُدْ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ بَعْدَ بَابٍ أَوْ تَرَكَ حِينَئِذٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا أَرْجَحُ الِاحْتِمَالَاتِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لِضَعْفٍ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ وَاخْتِلَافٍ فِي إِسْنَادِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَرِوَايَةُ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أَرْجَحُ إِذِ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ ثُبُوتُ السُّجُودِ فِي إِذا السَّمَاء انشقت وروى الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق هِشَام بن حسان عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ وسجدنا مَعَه الحَدِيث رِجَاله ثِقَات وروى بن مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ سَجَدَ فِي خَاتِمَةِ النَّجْمِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأسود بن يزِيد عَن عمر أَنه سجد فِي إِذا السَّمَاء انشقت وَمن طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ سَجَدَ فِيهَا وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اسْتَمَرَّ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُفَصَّلَ تَكْثُرُ قِرَاءَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَرْكُ السُّجُودِ فِيهِ كَثِيرًا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْقَهْ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ بِتَرْكِ السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ أَصْلًا.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ فِي النَّجْمِ يَنْصَرِفُ إِلَى الصَّلَاةِ وَرُدَّ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اسْتَمَرَّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ النَّجْمَ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتْ وَمِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بن سُوَيْد عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ سَجَدَ فِي النَّجْمِ



[ قــ :1037 ... غــ :1073] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرٌ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَصِيفَةَ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَشَيْخه بن قُسَيْطٍ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي وَرِجَالُ الْإِسْنَادَيْنِ مَعًا مَدَنِيُّونَ غَيْرَ شَيْخَيِ الْبُخَارِيِّ