فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: في كم يقصر الصلاة

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ)

يُرِيدُ بَيَانَ الْمَسَافَةِ الَّتِي إِذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا سَاغَ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا يَسُوغُ لَهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا وَهِيَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي انْتَشَر فِيهَا الْخلاف جدا فَحكى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فِيهَا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا فَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ مَا دَامَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِهِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ وَأَوْرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ .

     قَوْلُهُ  وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ السَّفَرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَجَوُّزٌ وَالْمَعْنَى سَمَّى مُدَّةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَفَرًا وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ عِنْدَهُ فِي الْبَابِ وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا أوردهُ هُوَ من حَدِيث بن عُمَرَ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمٌ وَفِي بَعْضِهَا لَيْلَةٌ وَفِي بَعْضِهَا بَرِيدٌ فَإِنْ حُمِلَ الْيَوْمُ الْمُطْلَقُ أَوِ اللَّيْلَةُ الْمُطْلَقَةُ عَلَى الْكَامِلِ أَيْ يَوْمٌ بِلَيْلَتِهِ أَوْ لَيْلَةٌ بِيَوْمِهَا قَلَّ الِاخْتِلَافُ وَانْدَرَجَ فِي الثَّلَاثِ فَيَكُونُ أَقَلُّ الْمَسَافَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ بَرِيدٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا قَوْله وَكَانَ بن عمر وبن عَبَّاس الخ وَصله بن الْمُنْذِرِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَن بن عمر وبن عَبَّاسٍ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَرَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن بن عُمَرَ نَحْوَهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ بن شهَاب عَن سَالم أَن بن عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ هَذَا فَقَالَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذَاتِ النُّصُبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَفِي الْمُوَطَّأ عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ وَمِنْ طَرِيقِ عَطاء أَن بن عَبَّاسٍ سُئِلَ أَنَقْصُرُ الصَّلَاةَ إِلَى عَرَفَةَ قَالَ لَا وَلَكِنْ إِلَى عُسْفَانَ أَوْ إِلَى جِدَّةَ أَو الطَّائِف وَقد روى عَن بن عَبَّاس مَرْفُوعا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِد عَن أَبِيه وَعَطَاء عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ إِلَّا فِي الْيَوْمِ وَلَا تُقْصَرُ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ يُمْكِنُ سَيْرُهَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأما حَدِيث بن عُمَرَ الدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ فَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اخْتِيَارِهِ بِأَنَّ الْمَسَافَةَ وَاحِدَةٌ وَلَكِنَّ السَّيْرَ يَخْتَلِفُ أَوْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ مَا سِيقَ لِأَجْلِ بَيَانِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَلْ لِنَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ الْخُرُوجِ وَحْدَهَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ فِي ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ وَحْدَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالزَّمَانِ فَلَوْ قَطَعَتْ مَسِيرَةَ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَثَلًا فِي يَوْمٍ تَامٍّ لَتَعَلَّقَ بِهَا النَّهْيُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَسِيرَةَ نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا فِي يَوْمَيْنِ لَمْ يَقْصُرْ فَافْتَرَقَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ لَفْظُ بَرِيدٌ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً وَسَنَذْكُرُهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَعَلَى هَذَا فَفِي تمسك الْحَنَفِيَّة بِحَدِيث بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إِشْكَالٌ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَأَى الصَّحَابِيُّ لَا بِمَا رَوَى فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ عِنْدَهُ لِبَيَانِ أَقَلِّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمَا خَالَفَهُ وَقَصَرَ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّام وَقد اخْتلف عَن بن عُمَرَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ اخْتِلَافًا غَيْرَ مَا ذكر فروى عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج أَخْبرنِي نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ أَدْنَى مَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيهِ مَالٌ لَهُ بِخَيْبَرَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلًا وَرَوَى وَكِيعٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَقْصُرُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى السُّوَيْدَاءِ وَبَيْنَهُمَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاق عَن مَالك عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَافَرَ إِلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ محَارب سَمِعت بن عُمَرَ يَقُولُ إِنِّي لَأُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنَ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ.

     وَقَالَ  الثَّوْرِيُّ سَمِعْتُ جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ سَمِعت بن عُمَرَ يَقُولُ لَوْ خَرَجْتُ مِيلًا قَصَرْتُ الصَّلَاةَ إِسْنَاد كل مِنْهُمَا صَحِيح وَهَذِه أَقْوَال مُتَغَايِرَة جِدًّا فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَهِيَ أَيِ الْأَرْبَعَةُ بُرُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْفَرْسَخَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ مِنَ الْأَرْضِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَمِيلُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَفْنَى إِدْرَاكُهُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ حَدُّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّخْصِ فِي أَرْضٍ مُسَطَّحَةٍ فَلَا يُدْرَى أَهُوَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ هُوَ ذَاهِبٌ أَوْ آتٍ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً وَالْإِصْبَعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ مُعْتَرِضَةٍ مُعْتَدِلَةٍ اه وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْأَشْهَرُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ بِقَدَمِ الْإِنْسَانِ وَقِيلَ هُوَ أَرْبَعَةُ آلافِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ بَلْ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَان وَقيل وَخَمْسمِائة صَححهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ هُوَ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَلْفِ خُطْوَةٍ لِلْجَمَلِ ثُمَّ إِنَّ الذِّرَاعَ الَّذِي ذَكَرَ النَّوَوِيُّ تَحْدِيدَهُ قَدْ حَرَّرَهُ غَيْرُهُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ فَعَلَى هَذَا فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ قَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَكَأَنَّهُمُ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ فَرَاسِخٍ قَصَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَأَصْرَحُهُ وَقَدْ حَمَلَهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمسَافَة الَّتِي يبتدأ مِنْهَا الْقَصْرُ لَا غَايَةُ السَّفَرِ وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْحمل مَعَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَزِيدَ رَاوِيهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَكُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى الْكُوفَةِ يَعْنِي مِنَ الْبَصْرَةِ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِعَ فَقَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَظَهَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ جَوَازِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ لَا عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ الْقَصْرُ مِنْهُ ثُمَّ إِنَّ الصَّحِيحَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَسَافَةٍ بَلْ بِمُجَاوَزَةِ الْبَلَدِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهَا وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي التَّحْدِيدِ بِثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ أَمْيَالٍ مُدْرَجَةٌ فِيهَا فَيُؤْخَذ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ.

قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ نَعَمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفَرْسَخِ فَقِيلَ السُّكُونُ ذَكَرَهُ بن سِيدَهْ وَقِيلَ السَّعَةُ وَقِيلَ الْمَكَانُ الَّذِي لَا فُرْجَةَ فِيهِ وَقِيلَ الشَّيْءُ الطَّوِيلُ



[ قــ :1050 ... غــ :1086] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَبُو عَلِيِّ الْجَيَّانِيُّ حَيْثُ قَالَ البُخَارِيّ حَدثنَا إِسْحَاق فَهُوَ إِمَّا بن رَاهَوَيْه وَإِمَّا بن نصر السَّعْدِيّ وَإِمَّا بن مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَخْرَجَ عَنْهُمْ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.

قُلْتُ لَكِنْ إِسْحَاقُ هُنَا هُوَ بن رَاهْوَيْهِ لِأَنَّهُ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ سَنَدًا وَمَتْنًا وَمِنْ عَادَتِهِ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّحَمُّلِ قَوْلُ الشَّيْخِ نَعَمْ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ حَدَّثَكُمْ فُلَانٌ بِكَذَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ فِي آخِرِهِ فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ.

     وَقَالَ  نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ ثَلَاثُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا .

     قَوْلُهُ  إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ إِلَّا مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَالْمَحْرَمُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْحَرَامُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ إِلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ قَوْله تَابعه أَحْمد هُوَ بن مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَنَقَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ قَالَ مَا أَنْكَرْتُ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ مَوْقُوفًا.

قُلْتُ وَعَبْدُ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَابَعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الضَّحَّاكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَاعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ





[ قــ :105 ... غــ :1088] .

     قَوْلُهُ  لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنَاتِ فَتَخْرُجُ الْكَافِرَاتُ كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ حَرْبِيَّةً وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الَّذِي يَسْتَمِرُّ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ خِطَابُ الشَّارِعِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ فَلِذَلِكَ قُيِّدَ بِهِ أَوْ أَنَّ الْوَصْفَ ذُكِرَ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيم وَلم يقْصد بِهِ إِخْرَاج مَا سِوَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ أَيْ مَحْرَمٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ السَّفَرِ لِلْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ وَهُوَ إِجْمَاعٌ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِ الْحَجِّ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيهٌ قَالَ شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ مُغَلْطَايْ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالتَّقْدِيرُ أَنْ تُسَافِرَ مَرَّةً وَاحِدَةً مَخْصُوصَةً بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْإِعْرَابِ وَمَسِيرَةٌ إِنَّمَا هِيَ مَصْدَرٌ سَارَ كَقَوْلِهِ سَيْرًا مِثْلَ عَاشَ مَعِيشَةً وَعَيْشًا .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ يَعْنِي سَعِيدًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي لَمْ يَقُولُوا عَنْ أَبِيهِ فَعَلَى هَذَا فَهِيَ مُتَابَعَةٌ فِي الْمَتْنِ لَا فِي الْإِسْنَادِ عَلَى أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَلَى سُهَيْلٍ وَعَلَى مَالِكٍ فِيهِ وَكَأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ أَرْجَحُ عِنْدَهُ عَنْهُمْ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ كَمَا رَوَاهُ مُعْظَمُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ لَكِنِ الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَافِظًا وَقَدْ وَافق بن أَبِي ذِئْبٍ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ اللَّيْثِ بن سعد عِنْد أبي دَاوُد وَاللَّيْث وبن أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي سَعِيدٍ فَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى فَأَخْرَجَهَا أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ عَنْهُ وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ فِيهِ اخْتِلَافًا إِلَّا أَنَّ لَفْظَةَ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَوْم بليلته فيوافق رِوَايَة بن أبي ذِئْب وَأما رِوَايَة سُهَيْل فَذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ اضْطَرَبَ فِي إسنادها وَمَتْنهَا وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ سَلمَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ إِلَّا أَنَّ جَرِيرًا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ بَرِيدًا بَدَلَ يَوْمًا.

     وَقَالَ  بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبْدَلَ سَعِيدًا بِأَبِي صَالِحٍ وَخَالَفَ فِي اللَّفْظِ أَيْضًا فَقَالَ تُسَافِرُ ثَلَاثًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثَانِ مَعًا عِنْدَ سُهَيْلٍ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ الطَّرِيقَيْنِ عَنْهُ لَكِنِ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَالِكٍ فَهِيَ فِي الْمُوَطَّأِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَرَوَاهَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو عوَانَة وبن خُزَيْمَة من طَرِيقه.

     وَقَالَ  بن خُزَيْمَةَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ مَالِكٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ أَخْرَجَهُ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيِّ عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ فِيهِ قَوْله عَن أَبِيه وَالله أعلم