فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب يقصر إذا خرج من موضعه وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام: فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال: «لا حتى ندخلها»

( قَولُهُ بَابُ يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ)
يَعْنِي إِذَا قَصَدَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ وَهِيَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَيْضًا قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِمَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ أَنْ يَقْصُرَ إِذَا خَرَجَ عَنْ جَمِيعِ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ عَنِ الْبُيُوتِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ جَمِيعِ الْبُيُوتِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِذَا رَكِبَ قَصَرَ إِنْ شَاءَ وَرجح بن الْمُنْذِرِ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا فَارَقَ الْبُيُوتَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ عَلَى أَصْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ لَهُ الْقَصْرَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْفَارِهِ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  وَخَرَجَ عَلِيٌّ فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ وِقَاءَ بْنِ إِيَاسٍ وَهُوَ بِكَسْر الْوَاو بعْدهَا قَافٌ ثُمَّ مَدَّةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَصَرْنَا الصَّلَاةَ وَنَحْنُ نَرَى الْبُيُوتَ ثُمَّ رَجَعْنَا فَقَصَرْنَا الصَّلَاةَ وَنَحْنُ نَرَى الْبُيُوتَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ وِقَاءَ بْنِ إِيَاسٍ بِلَفْظِ خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ مُتَوَجِّهِينَ هَا هُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا رَجَعْنَا وَنَظَرْنَا إِلَى الْكُوفَةِ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْكُوفَةُ أَتِمَّ الصَّلَاةَ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا وَفَهِمَ بن بَطَّالٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّعْلِيقِ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَدْخُلَ الْكُوفَةَ قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فَقَصَرَ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ اخْتَارَ أَنْ يُتِمَّ لِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ اه وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ أَثَرِ عَلِيٍّ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ بن بطال وَأَن المُرَاد بقَوْلهمْ هَذِهِ الْكُوفَةُ أَيْ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا أَيْ لَا نَزَالُ نَقْصُرُ حَتَّى نَدْخُلَهَا فَإِنَّا مَا لَمْ نَدْخُلْهَا فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِينَ



[ قــ :1053 ... غــ :1089] .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَنَسٍ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَجِّ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِبَاحَةِ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ سِتَّةَ أَمْيَالٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ لَمْ تَكُنْ مُنْتَهَى السَّفَرِ وَإِنَّمَا خَرَجَ إِلَيْهَا حَيْثُ كَانَ قَاصِدًا إِلَى مَكَّةَ فَاتَّفَقَ نُزُولُهُ بِهَا وَكَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ حَضَرَتْ بِهَا الْعَصْرُ فَقَصَرَهَا وَاسْتَمَرَّ يَقْصُرُ إِلَى أَنْ رَجَعَ وَمُنَاسَبَةُ أَثَرِ عَلِيٍّ لِحَدِيثِ أَنَسٍ ثُمَّ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ يُشْرَعُ بِفِرَاقِ الْحَضَرِ وَكَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى رَأَى ذَا الْحُلَيْفَةِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ وَلَمْ يَحْضُرْ قَبْلَهُ وَقْتُ صَلَاةٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فَفِيهِ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَحَيْثُ وُجِدَ السَّفَرُ شُرِعَ الْقَصْرُ وَحَيْثُ وُجِدَ الْحَضَرُ شُرِعَ الْإِتْمَامُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَبْرُزَ مِنَ الْبَلَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ يَقْصُرُ وَلَوْ فِي بَيْتِهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الصَّلَوَاتُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَوَّلُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ أَيْ فِي أَوَّلِ





[ قــ :1054 ... غــ :1090] .

     قَوْلُهُ  رَكْعَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لَا تَجُوزُ إِلَّا مَقْصُورَةً وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ عَائِشَةَ فُرِضَتْ أَيْ قُدِّرَتْ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا اخْتَارَ الْقَصْرَ فَهُوَ فَرْضُهُ وَمِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى تَعَيُّنِ تَأْوِيلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَوْنُهَا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَة قَوْله تأولت مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ هَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ لِكَوْنِهِ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ أَوْ لِأَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ دَارٌ أَوْ لِأَنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ لَهُ أَرْضًا بِمِنًى أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْبِقُ النَّاسَ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ هِيَ ظُنُونٌ مِمَّنْ قَالَهَا وَيَرُدُّ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَافِرُ بِزَوْجَاتِهِ وَقَصَرَ وَالثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لَمْ يُنْقَلَا فَلَا يَكْفِي التَّخَرُّصُ فِي ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ نُقِلَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ لَمَّا قَدِمْتُ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاة مُقيم فَهَذَا الحَدِيث لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَفِي رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ عُرْوَةَ إِنَّ عَائِشَةَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَتَأَهَّلَ عَائِشَةُ أَصْلًا فَدَلَّ عَلَى وَهْنِ ذَلِكَ الْخَبَرِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ عُرْوَةَ بِقَوْلِهِ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ التَّشْبِيهُ بِعُثْمَانَ فِي الْإِتْمَامِ بِتَأْوِيلٍ لَا اتِّحَادِ تَأْوِيلِهِمَا وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ عُثْمَانَ فَتَكَاثَرَتْ بِخِلَاف تَأْوِيل عَائِشَة وَقد أخرج بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَإِذَا احْتَجُّوا عَلَيْهَا تَقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْبٍ وَكَانَ يَخَافُ فَهَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَتَمَّتْ فِي سَفَرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ وَالْقَصْرُ عِنْدَهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي سَفَرِ طَاعَةٍ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ بَاطِلَانِ لَا سِيَّمَا الثَّانِي وَلَعَلَّ قَوْلَ عَائِشَةَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي حَدِيثِ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْمَاضِي قَبْلُ بِبَابَيْنِ وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا.
وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَقَالَا لقد عبت أَمر بن عَمِّكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بمنى أتم الصَّلَاة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ اه وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهِمُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنِ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْحَجِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الْمَغَازِي وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَدِّعُ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ وَيُسْرِعُ الْخُرُوجَ خَشْيَةَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِجْرَتِهِ وَثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا حَاصَرُوهُ.

     وَقَالَ  لَهُ الْمُغِيرَةُ ارْكَبْ رَوَاحِلَكُ إِلَى مَكَّةَ قَالَ لَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي وَمَعَ هَذَا النَّظَرِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثٌ طَغَامٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَخفت أَن يستنوا وَعَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمَنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ سَبَبِ الْإِتْمَامِ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَقْرَبُ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ.
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهَا سَبَبُ الْإِتْمَامِ صَرِيحًا وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ يَا بن أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلٌ وَيَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكُلُّهُمْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّيْرِ وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَنَّ الْفَرْضَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ وَعِنْدَهُمُ الْعِبْرَةُ بِمَا رَأَى الرَّاوِي إِذَا عَارَضَ مَا روى ثمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي السَّفَرِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهَا كَانَتْ أَرْبَعًا فَنَقَصَتْ ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهَا الصَّلَاةُ تَعُمُّ الْخَمْسَ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِخُرُوجِ الْمَغْرِبِ مُطْلَقًا وَالصُّبْحِ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ فِيهَا فِي الْحَضَرِ قَالَ وَالْعَامُّ إِذَا خُصَّ ضَعُفَتْ دَلَالَتُهُ حَتَّى اخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ الِاحْتِجَاج بِهِ