فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من تطوع في السفر، في غير دبر الصلوات وقبلها

( قَولُهُ بَابُ مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَاةِ)
هَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ نَفْيَ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا قَبْلَهَا وَلَا مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا مِنَ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ كَالتَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ وَالضُّحَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا أَنَّ التَّطَوُّعَ قَبْلَهَا لَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْهَا بِالْإِقَامَةِ وَانْتِظَارِ الْإِمَامِ غَالِبًا وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَتَّصِلُ بِهَا فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْهَا فَائِدَةٌ نَقَلَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي التَّنَفُّلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَالْفَرْقِ بَيْنَ الرَّوَاتِبِ وَالْمُطْلَقَةِ وَهُوَ مَذْهَب بن عمر كَمَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ صَحِبت بن عُمَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَكَانَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ فَإِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَصَلَّى وَأَغْفَلُوا قَوْلًا رَابِعًا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْمُطْلَقَةِ وَخَامِسًا وَهُوَ مَا فَرَغْنَا مِنْ تَقْرِيرِهِ .

     قَوْلُهُ  وَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ.

قُلْتُ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ النَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَفِيهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ كَمَا كَانَ يُصَلِّي وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ أَيْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ الْحَدِيثَ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ بِلَالٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّوُا الْغَدَاةَ وَنَحْوُهُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَاحِبُ الْهُدَى لَمْ يُحْفَظْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى سُنَّةَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فِي السَّفَرِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ.

قُلْتُ وَيَرِدُ عَلَى إِطْلَاقِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا فَلَمْ أَرَهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَكِنِ التِّرْمِذِيُّ اسْتَغْرَبَهُ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رَآهُ حَسَنًا وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى سُنَّةِ الزَّوَالِ لَا عَلَى الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



[ قــ :1065 ... غــ :1103] .

     قَوْلُهُ  مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْوُقُوعِ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى إِنَّمَا نَفَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا قَول بن بطال لَا حجَّة فِي قَول بن أَبِي لَيْلَى وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى وَأَمَرَ بِهَا ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهَا جملَة فَلَا يرد على بن أَبِي لَيْلَى شَيْءٌ مِنْهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى فِي بَابٍ مُفْرَدٍ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسَافِرِ





[ قــ :1066 ... غــ :1104] .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ بِبَابَيْنِ مَوْصُولًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ وَلَكِنْ لَفْظُ الرِّوَايَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَرِوَايَةُ يُونُسَ هَذِهِ وَصَلَهَا الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ





[ قــ :1067 ... غــ :1105] .

     قَوْلُهُ  يُومِئُ بِرَأْسِهِ هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يُسَبِّحُ أَيْ يُصَلِّي إِيمَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِيمَاءِ على الدَّابَّة من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ لَكِنْ هُنَاكَ ذَكَرَهُ مَوْقُوفًا ثُمَّ عَقَّبَهُ بالمرفوع وَهَذَا ذكره مَرْفُوعًا ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْمَوْقُوفِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِالْمَرْفُوعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْعَمَلَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ نَسْخٌ وَلَا مُعَارِضٌ وَلَا رَاجِحٌ وَقَدِ اشْتَمَلَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ عَلَى أَنْوَاعٍ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ سِوَى الرَّاتِبَةِ الَّتِي بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ فَالْأَوَّلُ لِمَا قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَالثَّانِي لِمَا لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ مِنَ النَّوَافِلِ كَالضُّحَى وَالثَّالِثُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَالرَّابِعُ لمُطلق النَّوَافِل وَقد جمع بن بطال بَين مَا أختلف عَن بن عُمَرَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ التَّنَفُّلَ عَلَى الْأَرْضِ وَيَقُولُ بِهِ عَلَى الدَّابَّةِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي رَحْلِهِ وَلَا يرَاهُ بن عُمَرَ أَوْ لَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ اه وَمَا جَمَعْنَا بِهِ تَبَعًا للْبُخَارِيّ فِيمَا يظْهر أظهر وَالله أعلم