فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل

( قَولُهُ بَابُ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ)
فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَقَوْلُ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  مَا يَهْجَعُونَ زَادَ الْأَصِيلِيُّ أَيْ يَنَامُونَ وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي ذَلِكَ فَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْأَحْنَفِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَنُقِلَ عَنْ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَعْنَاهُ كَانُوا لَا يَنَامُونَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ لَا يَتَهَجَّدُونَ وَمِنْ طَرِيقِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ مَعْنَاهُ لَمْ تَكُنْ تَمْضِي عَلَيْهِمْ لَيْلَةٌ إِلَّا يَأْخُذُونَ مِنْهَا وَلَوْ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا أُخَرَ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ مَادِحًا لَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ قَالَ بن التِّينِ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَا زَائِدَةً أَوْ مَصْدَرِيَّةً وَهُوَ أَبْيَنُ الْأَقْوَالِ وَأَقْعَدُهَا بِكَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَلَى الْآخَرِ تَكُونُ مَا نَافِيَةً.

     وَقَالَ  الْخَلِيلُ هَجَعَ يَهْجَعُ هُجُوعًا وَهُوَ النَّوْمُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النُّزُولِ مِنْ طَرِيقِ الْأَغَرِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَلَمَةَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَرَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ وَحُفَّاظُ أَصْحَابِهِ كَمَا هُنَا وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَدَلَهُمَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ الْأَعْرَجُ بَدَلَ الْأَغَرِّ فَصَحَّفَهُ وَقِيلَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ بَدَلَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ وَهَمٌ وَالْأَغَرُّ الْمَذْكُورُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ سَلْمَانُ وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ وَلَهُمْ رَاوٍ آخَرُ يُقَالُ لَهُ الْأَغَرُّ أَيْضًا لَكِنَّهُ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ كُوفِيٌّ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ جَمِيعًا مَرْفُوعًا وَغَلِطَ مَنْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مُرْجَانَةَ وَأَبُو صَالِحٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ وَعَطَاءٌ مَوْلَى أُمِّ صُبْيَةَ بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا وَأَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كُلُّهُمْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَفِي الْبَاب عَن عَليّ وبن مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَرِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الْخَطَّابِ غَيْرِ مَنْسُوبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَجَابِرٍ وَجَدِّ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرُّ صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا



[ قــ :1106 ... غــ :1145] .

     قَوْلُهُ  يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَثْبَتَ الْجِهَةَ.

     وَقَالَ  هِيَ جِهَة الْعُلُوّ وَأنكر ذَلِك الْجُمْهُور لِأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ يُفْضِي إِلَى التَّحَيُّزِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى النُّزُولِ عَلَى أَقْوَالٍ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَهُوَ مُكَابَرَةٌ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَنْكَرُوا مَا فِي الْحَدِيثِ إِمَّا جَهْلًا وَإِمَّا عِنَادًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ مُؤْمِنًا بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ وَهُمْ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ مُسْتَعْمَلٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْرَطَ فِي التَّأْوِيلِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّحْرِيفِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعِيدًا مَهْجُورًا فَأَوَّلَ فِي بَعْضٍ وَفَوَّضَ فِي بَعْضٍ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالك وَجزم بِهِ من الْمُتَأَخِّرين بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَسْلَمُهَا الْإِيمَانُ بِلَا كَيْفٍ وَالسُّكُوتُ عَنِ الْمُرَادِ إِلَّا أَنْ يَرِدَ ذَلِك عَن الصَّادِق فيصار إِلَيْهِ وَمن الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ الْمُعَيَّنَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَحِينَئِذٍ التَّفْوِيضُ أَسْلَمُ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ حُكِيَ عَنِ الْمُبْتَدِعَةِ رَدُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَعَنِ السَّلَفِ إِمْرَارُهَا وَعَنْ قَوْمٍ تَأْوِيلُهَا وَبِهِ أَقُول فَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  يَنْزِلُ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَفْعَالِهِ لَا إِلَى ذَاتِهِ بَلْ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ مُلْكِهِ الَّذِي يَنْزِلُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَالنُّزُولُ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَجْسَامِ يَكُونُ فِي الْمَعَانِي فَإِنْ حَملته فِي الحَدِيث على الْحسي قَتلك صِفَةُ الْمَلَكِ الْمَبْعُوثِ بِذَلِكَ وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ فَعَلَ فَيُسَمَّى ذَلِكَ نُزُولًا عَنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ بِوَجْهَيْنِ إِمَّا بِأَنَّ الْمَعْنَى يَنْزِلُ أَمْرُهُ أَوِ الْمَلَكُ بِأَمْرِهِ وَإِمَّا بِأَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى التَّلَطُّفِ بِالدَّاعِينَ وَالْإِجَابَةِ لَهُمْ وَنَحْوِهِ وَقَدْ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكَ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ ضَبَطَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ أَيْ يُنْزِلُ مَلَكًا وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يَقُولُ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ يُنَادِي مُنَادٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ الْحَدِيثَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةِ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُول لَا يسْأَل عَنْ عِبَادِي غَيْرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْفَعُ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ وَلَمَّا ثَبَتَ بِالْقَوَاطِعِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النُّزُولُ عَلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ أَخْفَضَ مِنْهُ فَالْمُرَادُ نُورُ رَحْمَتِهِ أَيْ يَنْتَقِلُ مِنْ مُقْتَضَى صِفَةِ الْجَلَالِ الَّتِي تَقْتَضِي الْغَضَبَ وَالِانْتِقَامَ إِلَى مُقْتَضَى صِفَةِ الْإِكْرَامِ الَّتِي تَقْتَضِي الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ .

     قَوْلُهُ  حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ بِرَفْعِ الْآخِرِ لِأَنَّهُ صِفَةُ الثُّلُثِ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةَ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى رُوَاتِهَا وَسَلَكَ بَعْضُهُمْ طَرِيقَ الْجَمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ انْحَصَرَتْ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا هَذِهِ ثَانِيهَا إِذَا مَضَى الثُّلُثُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهَا الثُّلُثُ الْأَوَّلُ أَوِ النِّصْفُ رَابِعُهَا النِّصْفُ خَامِسُهَا النِّصْفُ أَوِ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ سَادِسُهَا الْإِطْلَاقُ فَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمُطْلَقَةُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ.
وَأَمَّا الَّتِي بِأَوْ فَإِنْ كَانَتْ أَوْ لِلشَّكِّ فَالْمَجْزُومُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ حَالَيْنِ فَيُجْمَعُ بِذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ لِكَوْنِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ تَخْتَلِفُ فِي الزَّمَانِ وَفِي الْآفَاقِ بِاخْتِلَافِ تَقَدُّمِ دُخُولِ اللَّيْلِ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَأَخُّرِهِ عِنْدَ قَوْمٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ يَقَعُ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ يَقَعُ فِي النِّصْفِ وَفِي الثُّلُثِ الثَّانِي وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فِي وَقْتٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَخْبَرَ بِهِ فَنَقَلَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ يَدْعُونِي إِلَخْ لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الدُّعَاءُ وَالسُّؤَالُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إِمَّا لِدَفْعِ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبِ الْمَسَارِّ وَذَلِكَ إِمَّا دِينِيٌّ وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ فَفِي الِاسْتِغْفَارِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِي السُّؤَالِ إِشَارَةٌ إِلَى الثَّانِي وَفِي الدُّعَاءِ إِشَارَةٌ إِلَى الثَّالِثِ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الدُّعَاءُ مَا لَا طَلَبَ فِيهِ نَحْوَ يَا أَللَّهُ وَالسُّؤَالُ الطَّلَبُ وَأَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ انْتَهَى وَزَادَ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ وَزَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَ عَنْهُ وَزَادَ عَطَاءٌ مَوْلَى أُمِّ صُبْيَةَ عَنْهُ أَلَا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى وَمَعَانِيهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ سَعِيدُ بْنُ مُرْجَانَةَ عَنْهُ مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ وَفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى عَمَلِ الطَّاعَةِ وَإِشَارَةٌ إِلَى جَزِيلِ الثَّوَابِ عَلَيْهَا وَزَادَ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَتَّى الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَكَذَا اتَّفَقَ مُعْظَمُ الرُّوَاةِ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ حَتَّى تَرْجَلَ الشَّمْسُ وَهِيَ شَاذَّةٌ وَزَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِهِ أَيْضًا وَلِذَلِكَ كَانُوا يُفَضِّلُونَ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ أخرجهَا الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا وَله من رِوَايَة بن سَمْعَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ هُوَ الزُّهْرِيُّ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الصَّلَاةِ فِي التَّرْجَمَةِ وَمُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ لِهَذِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَسْتَجِيبَ بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَأُعْطِيَهُ وَأَغْفِرَ لَهُ وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فيضاعفه لَهُ الْآيَةَ وَلَيْسَتِ السِّينُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَسْتَجِيبَ لِلطَّلَبِ بَلْ أَسْتَجِيبُ بِمَعْنَى أُجِيبُ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ تَفْضِيلُ صَلَاةِ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ وَتَفْضِيلُ تَأْخِيرِ الْوِتْرِ لَكِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ طَمِعَ أَنْ يَنْتَبِهَ وَأَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ لِلدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَيَشْهَدُ لَهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ وَأَنَّ الدُّعَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُجَابٌ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ بَعْضِ الدَّاعِينَ لِأَنَّ سَبَبَ التَّخَلُّفِ وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ كَالِاحْتِرَازِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ أَوْ لِاسْتِعْجَالِ الدَّاعِي أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ تَحْصُلَ الْإِجَابَةُ وَيَتَأَخَّرَ وُجُودُ الْمَطْلُوبِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ أَوْ لأمر يُريدهُ الله