فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع

(قَولُهُ بَابُ الضِّجْعَةِ)
بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ)
لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ وَبِفَتْحِهَا عَلَى إِرَادَةِ الْمَرَّةِ .

     قَوْلُهُ  أَبُو الْأَسْوَدِ هُوَ النَّوْفَلِيُّ يَتِيمُ عُرْوَةَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْقلب فِي جِهَة الْيَسَارُ فَلَوِ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ لَاسْتَغْرَقَ نَوْمًا لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الرَّاحَةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْقَلْبُ مُعَلَّقًا فَلَا يَسْتَغْرِقُ وَفِيهِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ.
وَأَمَّا إِنْكَار بن مَسْعُودٍ الِاضْطِجَاعَ وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هِيَ ضِجْعَةُ الشَّيْطَان كَمَا أخرجهُمَا بن أَبِي شَيْبَةَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يبلغهما الْأَمر بِفِعْلِهِ وَكَلَام بن مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْكَرَ تَحَتُّمَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إِذَا سَلَّمَ فقد فصل وَكَذَا مَا حكى عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَإِنَّهُ شَذَّ بِذَلِكَ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِحَصْبِ مَنِ اضْطَجَعَ كَمَا تقدم وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ الِاضْطِجَاعُ وَأَرْجَحُ الْأَقْوَالِ مَشْرُوعِيَّتُهُ لِلْفَصْلِ لَكِنْ لَا بِعَيْنِه كَمَا تقدم وَالله أعلم قَولُهُ بَابُ مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَضْطَجِعَ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ الْوَارِدَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ الرَّاحَةُ وَالنَّشَاطُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ إِلَّا لِلمتَّهَجُّدِ وَبِهِ جَزَمَ بن الْعَرَبِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْطَجِعَ لِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يدأب لَيْلَتَهُ فَيَسْتَرِيحُ فِي إِسْنَادِهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ وَقِيلَ إِنَّ فَائِدَتَهَا الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَعَلَى هَذَا فَلَا اخْتِصَاصَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِكُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَصْلُ مِنْ مَشْيٍ وَكَلَامٍ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْفَصْلَ بِالْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِد لَا يَكْفِي وافرط بن حزم فَقَالَ يجب على كُلِّ أَحَدٍ وَجَعَلَهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ ورده عَلَيْهِ الْعلمَاء بعده حَتَّى طعن بن تَيْمِيَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِتَفَرُّدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِهِ وَفِي حِفْظِهِ مَقَالٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَصْلُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَيْمَنِ وَمَنْ أَطْلَقَ قَالَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بالقادر وَأما غَيره فَهَل يسْقط الطّلب أويومئ بِالِاضْطِجَاعِ أَوْ يَضْطَجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ لَمْ أَقِفْ فِيهِ على نقل الا أَن بن حزم قَالَ يومى وَلَا يَضْطَجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ أَصْلًا وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى النَّدْبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي الْبَيْتِ دُونَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ بن عُمَرَ وَقَوَّاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فعله فِي الْمَسْجِد وَصَحَّ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ يَفْعَلُهُ فِي الْمَسْجِد أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ



[ قــ :1121 ... غــ :1161] .

     قَوْلُهُ  كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَسَنَذْكُرُ مُسْتَنَدَ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ إِذَا لَمْ يُحَدِّثْهَا وَإِذَا حَدَّثَهَا لَمْ يَضْطَجِعْ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَة وَكَذَا ترْجم لَهُ بن خُزَيْمَةَ الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَيُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ اضْطَجَعَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً نَامَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثَهَا وَإِمَّا أَنْ يَنَامَ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا نَامَ أَيِ اضْطَجَعَ وَبَيَّنَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِلَفْظِ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يُؤَذَّنَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الثَّقِيلَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى نُودِيَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ الضِّجْعَةِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ رُبَّمَا تَركهَا عدم الِاسْتِحْبَاب بل يدل تَرْكُهُ لَهَا أَحْيَانًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ أَبْوَاب الْوتر فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ اضْطِجَاعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ بَعْدَ الْوِتْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَمْ يَضْطَجِعْ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَيْضًا.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضْطَجَعَ بَعْدَ الْوِتْرِ فَقَدْ خَالَفَهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ وَلَمْ يُصِبْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى تَرْكِ اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ