فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة

( قَولُهُ بَابُ تَفَكُّرِ الرَّجُلِ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ)
الشَّيْءُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالرَّجُلِ لَا مَفْهُومَ لَهُ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْمُكَلَّفِينَ فِي حُكْمِ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَ الْمُهَلَّبُ التَّفَكُّرُ أَمْرٌ غَالِبٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلشَّيْطَانِ مِنَ السَّبِيلِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَكِنْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالدِّينِ كَانَ أَخَفَّ مِمَّا يَكُونُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  وقَال عُمَرُ إِنِّي لِأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ عَنهُ بِهَذَا سَوَاء قَالَ بن التِّينِ إِنَّمَا هَذَا فِيمَا يَقِلُّ فِيهِ التَّفَكُّرُ كَأَنْ يَقُولَ أُجَهِّزُ فُلَانًا أُقَدِّمُ فُلَانًا أُخْرِجُ مِنَ الْعِدَدِ كَذَا وَكَذَا فَيَأْتِي عَلَى مَا يُرِيدُ فِي أَقَلِّ شَيْءٍ مِنَ الْفِكْرَةِ فَأَمَّا أَنْ يُتَابِعَ التَّفَكُّرَ وَيُكْثِرَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فهَذَا اللَّاهِي فِي صَلَاتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ انْتَهَى وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ مَا يَأْبَاهُ فروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ حَنْبَلَ فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ فَقَالَ إِنِّي حَدَّثْتُ نَفْسِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ بِعِيرٍ جَهَّزْتُهَا مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى دَخَلَتِ الشَّامَ ثُمَّ أَعَادَ وَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ وَمِنْ طَرِيقِ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ صَلَّى عُمَرُ الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ صَدَقَ فَأَعَادَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَا صَلَاةَ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ إِنَّمَا شَغَلَنِي عِيرٌ جَهَّزْتُهَا إِلَى الشَّامِ فَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ مُسْتَغْرِقًا فِي الْفِكْرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ إِنَّ عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَمَّا كَانَتِ الثَّانِيَةُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مَرَّتَيْنِ فَلَمَّا فَرَغَ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَرِجَالُ هَذِهِ الْآثَارِ ثِقَاتٌ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْأَخِيرُ كَأَنَّهُ مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إِلَى مَسْأَلَةِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي مَكَانِهِ



[ قــ :1177 ... غــ :1221] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا رَوْحٌ هُوَ بن عبَادَة وَعمر بن سعيد هُوَ بن أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَيْءٌ مِنْ فَوَائِدِهِ فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَكَّرَ فِي أَمْرِ التِّبْرِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ





[ قــ :1178 ... غــ :1] .

     قَوْلُهُ  عَنْ جَعْفَر هُوَ بن رَبِيعَةَ الْمِصْرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ الْأَذَانِ مُسْتَوْفًى وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَكُّرَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا التَّعْلِيقُ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي خَامِسِ تَرْجَمَةٍ مِنْ أَبْوَابِ السَّهْوِ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَرُبَّمَا تَبَادَرَ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي سَادِسِ تَرْجَمَةٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ لَكِنْ بِاخْتِصَارِ ذِكْرِ الْأَذَانِ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ هُذَيْنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِخِلَافِ مَا يُوهِمُهُ سِيَاقُهُ هُنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَاكَ





[ قــ :1179 ... غــ :13] .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار عَن بن أَبِي ذِئْبٍ بِلَفْظِ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا قَدْ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُهُ لِشِبَعِ بَطْنِي فَلَقِيتُ رَجُلًا فَقُلْتُ لَهُ بِأَيِّ سُورَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ انْتَهَى وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ تَبِعَ أَطْرَافَ خَلَفٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا وَقَدْ قَالَ بن عَسَاكِرَ لَمْ أَجِدْهَا وَلَا ذَكَرَهَا أَبُو مَسْعُودٍ انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مَنَاقِبِ جَعْفَرٍ صَدْرَ هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لِشِبَعِ بَطْنِي حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ فَذَكَرَ قِصَّةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَعَلَّ الْبَيْهَقِيَّ أَرَادَ هَذَا وَكَأَنَّ الْمَقْبُرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ رُوَاتِهِ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَامًّا تَارَةً وَمُخْتَصَرًا أُخْرَى وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق بن أبي فديك عَن بن أَبِي ذِئْبٍ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُعَاءَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ وَقَولُهُ حَفِظْتُ إِلَخْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَكْثَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى سَبَبِ إِكْثَارِهِ وَأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ كَانُوا يَشْغَلُهُمُ الْمَعَاشُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَمَامَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إِكْثَارِهِ وَعَلَى السَّبَبِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى سَبَبِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى التَّحْدِيثِ .

     قَوْلُهُ  فَلَقِيَتُ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَلَا عَلَى تَسْمِيَةِ السُّورَةِ وَقَولُهُ بِمَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ أَلِفٍ لِأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَلِلْأَكْثَرِ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَهُوَ قَلِيلٌ أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  الْبَارِحَةَ أَيْ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى سَبَبِ إِكْثَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَشِدَّةِ إِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ ضَبْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَسِيَ السُّورَةَ الَّتِي قُرِئَتْ أَوْ دَلَالَتُهُ عَلَى ضَبْطِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَأَنَّهُ شُغِلَ فِكْرُهُ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى ضَبَطَهَا وَأَتْقَنَهَا كَذَا ذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ غَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَتْ أَبْوَابُ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْ ذَلِكَ سِتَّةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهَا وَفِيمَا مَضَى ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا وَالْبَقِيَّةُ خَالِصَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ فِي قِصَّةِ انْفِلَاتِ دَابَّتِهِ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُعَلَّقِ فِي النَّفْخِ فِي السُّجُودِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّخَصُّرِ وَحَدِيثِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْعَتَمَةِ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ سِتَّةُ آثَار وَالله أعلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم